الاستمرار:

لماذا نجح روحاني في تجديد ولايته الرئاسية؟

21 May 2017


أعاد فوز الرئيس الإيراني حسن روحاني بانتخابات الدورة الثانية عشرة لرئاسة الجمهورية التي أجريت في 19 مايو 2017 بعد حصوله على 57% من الأصوات (23 مليون و549 ألف و616 صوتًا) مقابل 38.5% لمنافسه إبراهيم رئيسي (15 مليون و786 ألف و449 صوتًا)، إلى الأذهان مرة أخرى تجربة فوز الإصلاحيين بانتخابات الثاني من خرداد (23 مايو) عام 1997، عندما تمكن محمد خاتمي وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الذي استقال من حكومة رفسنجاني عام 1992 من هزيمة مرشح المرشد والمحافظين علي أكبر ناطق نوري. 

إذ ربما يمكن القول إن روحاني واجه ضغوطًا وعقبات عديدة في سبيل تجديد ولايته الرئاسية لأربعة أعوام من جديد كان أهمها الدعم غير المباشر الذي قدمته بعض مؤسسات الدولة لخصمه الرئيسي المشرف على العتبة الرضوية في مدينة مشهد. لكنه في النهاية حقق نسبة تصويت أكبر من تلك التي نالها في الانتخابات الرئاسية السابقة التي أجريت في يونيو 2013 (50.7%)، بشكل يطرح دلالات عديدة ترتبط بالتحول في توازنات القوى السياسية الداخلية، ورؤية الداخل الإيراني للتحديات التي تواجه الدولة في المرحلة الحالية، على المستويين الداخلي والخارجي.

أسباب متعددة:

يمكن تفسير فوز روحاني بانتخابات الرئاسة في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- حشد مضاد: ربما يمكن القول إن الضغوط التي تعرض لها الرئيس حسن روحاني قبل إجراء الانتخابات فضلا عن الدعم الذي قدمته بعض المؤسسات، وعلى رأسها الحرس الثوري، ووسائل الإعلام التابعة لها، لمنافسه إبراهيم رئيسي، أنتجت في النهاية تداعيات عكسية، حيث أنها دفعت القاعدة الشعبية التي تؤيد تيار الإصلاحيين وجناح المحافظين التقليديين إلى التصويت بكثافة لصالح روحاني، ليس فقط من أجل تمكينه من تجديد ولايته الرئاسية لفترة جديدة حتى عام 2021، وإنما أيضًا بهدف منع المحافظين الأصوليين من الاستفراد بالسلطة من جديد وإقصاء خصومهم السياسيين منها على غرار ما حدث عقب انتهاء الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأسبق محمد خاتمي عام 2005.

وبعبارة أخرى، فإن الحشد الملحوظ الذي قامت به بعض المؤسسات لصالح إبراهيم رئيسي بقدر ما زاد من نسبة التصويت للأخير، بقدر ما عزز من فرص الرئيس الحالي في الاحتفاظ بمنصبه، بعد أن نجح روحاني في الترويج لوجود اتجاه داخل الدولة يسعى إلى دعم منافسه بشكل ساعده على استقطاب مزيد من الدعم من القوى التي أبدت إحباطها من سياساته خلال فترته الرئاسية الأولى، لا سيما فيما يتعلق بعدم سعيه إلى رفع الإقامة الجبرية عن قادة "الحركة الخضراء" مير حسين موسوى ومهدي كروبي، لكنها سارعت إلى دعمه في مواجهة خصومه السياسيين.

2- التصويت للاتفاق النووي: كان انتخاب روحاني لولاية رئاسية جديدة أشبه بإعادة التصويت على الاتفاق النووي الذي تعرض لحملة قوية من جانب المرشد الأعلي علي خامنئي وتيار المحافظين الأصوليين منذ توصل إيران إليه مع مجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015.

وبمعنى آخر، فإن التصويت لصالح روحاني كان رسالة بأن الإيرانيين ما يزالون يعولون على استمرار العمل بالاتفاق النووي، رغم العقبات العديدة التي ما زالت تحول دون حصول إيران على العوائد الاقتصادية والتكنولوجية التي كانت تنتظرها منه. وربما يطرح فوز روحاني أيضًا دلالة بأن النظام الإيراني يسعى إلى تأكيد التزامه العمل بالاتفاق وعدم إجراء تغيير بارز في سياسته تجاهه، رغم التصعيد المستمر مع الولايات المتحدة الأمريكية.

 وهنا، فإن النظام حريص على عدم تحمل المسئولية الدولية التي سوف تترتب على أى إخفاق للاتفاق خلال المرحلة القادمة، وهو ما كان يمكن أن يحدث في حالة ما إذا فاز إبراهيم رئيسي منافس روحاني، الذي إن كان أعلن التزامه بالاتفاق، إلا أن قربه من الحرس الثوري، الذي يبدي تحفظات عديدة على الاتفاق، فضلا عن مواقفه المتشددة تجاه القضايا الخارجية والداخلية، يؤشر إلى أنه كان من الممكن أن يقدم على اتخاذ إجراءات قد تزيد من العقبات التي تواجه استمرار العمل بالاتفاق.

3- تجنب سيناريو 2009: يبدو أن النظام الإيراني حرص على تمرير فوز روحاني دون أن يفرض عقبات عديدة تحول دون ذلك، تجنبًا لتكرار سيناريو 2009، عندما اندلعت أزمة سياسية حادة فرضت تداعيات سلبية عديدة على شرعية النظام لم ينجح حتى الآن في التعامل معها، بدليل تمسكه بفرض الإقامة الجبرية على موسوى وكروبي وتقييد حركة خاتمي، وبدليل إصرار نخبة من الإيرانيين على التنديد بالسياسات التي يتبناها قادة النظام في التعامل مع قادة وأنصار الحركة. 

وعلى ضوء ذلك، فإن أى تدخل سافر في الانتخابات كان من الممكن أن يؤدي إلى تصاعد حدة الاحتجاجات من جانب القوى التي تنتمي لتيار الإصلاحيين والجناح التقليدي من تيار المحافظين، التي سبقت أن قادت التظاهرات التي نظمت في عام 2009 اعتراضًا على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن فوز الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية.

ومن دون شك، فإن تجنب تكرار هذا السيناريو يكتسب أهمية خاصة لدى النظام الإيراني، لاعتبارين أساسيين: أولهما، أن الضغوط الخارجية التي يتعرض لها النظام لا توفر له حرية حركة وهامش مناورة واسعًا قد يساعده في تمرير مرشحه المفضل في الانتخابات الرئاسية، خاصة في ظل التصعيد الحالي مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول ملفات مثل الاتفاق النووي ودعم الإرهاب، وتزايد الرفض الإقليمي والدولي للتدخلات والسياسة الطائفية الإيرانية، فضلا عن تراجع دور إيران في بعض الأزمات لصالح قوى أخرى مثل روسيا.

وثانيهما، أن انتخاب روحاني لا يمثل مشكلة كبيرة، حتى الآن، بالنسبة للنظام، ليس فقط لحرصه على تبني سياسة متوازنة بين المحافظين والإصلاحيين، بدرجة لا تجعله محسوبًا على أى منهما بشكل كامل، ولكن أيضًا لأن أى تغيير سوف يسعى روحاني إلى إجراءه لن يحدث إلا بضوء أخضر من المرشد. وقد حرص روحاني أكثر من مرة على تأكيد أن أى خطوة اتخذتها حكومته في الاتفاق النووي كانت بمباركة من جانب خامنئي.

متغيرات رئيسية:

ومن هنا يمكن القول إن توقع حدوث تغير في السياسات العامة التي يتبناها النظام خلال المرحلة القادمة، سوف يرتبط بمتغيرات ثلاثة لا تقتصر فقط على التداعيات التي سوف يفرضها تولي روحاني منصبه لفترة ثانية. يتمثل أولها، في المسارات المحتملة للاتفاق النووي، خاصة بعد انتهاء فترة مراجعته من قبل الوكالات التابعة لمجلس الأمن القومي الأمريكي بناءً على تعليمات الرئيس ترامب في غضون ثلاثة أشهر، لتقييم مدى توافقه مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وأمنها القومي، ومدى التزام إيران به.

وينصرف ثانيها، إلى ما سوف تؤول إليه الأزمات الإقليمية في المنطقة، لا سيما في سوريا، والتي سوف تؤثر على مستقبل الدور الإقليمي لإيران، بشكل سينعكس على سياستها في الداخل والخارج.

ويتعلق ثالثها، بملف خلافة خامنئي، والذي قد يكتسب مزيدًا من الأهمية والزخم في الفترة الرئاسية الثانية لروحاني، في ظل توافر مؤشرات عديدة تكشف عن أن النظام يسعى في الفترة الحالية إلى دراسة الآليات التي يمكن من خلالها تأمين عملية انتقال السلطة في حالة حدوث أى فراغ محتمل في منصب المرشد الأعلى للجمهورية خلال السنوات الأربع القادمة.