إرهاب بلا قيادة:

تهديدات "الذئاب المنفردة" لليبرالية الدول الغربية

24 March 2017


عرض: إبراهيم منشاوي - مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة

تشكل ظاهرة "الذئاب المنفردة" تحديًا حقيقيًّا أمام قدرات الدول الأمنية؛ حيث بات يُنظر إلى تلك الظاهرة على أنها وجه جديد للإرهاب، يستطيع من خلالها أن ينفذ هجماته في أي وقت وفي أي مكان. وتكمن خطورة هذه الظاهرة في تأثيرها السياسي الكبير والهائل، والمتمثل في تعميق الإسلاموفوبيا، والمزيد من عزل المجتمعات الإسلامية، وتمكين اليمين المتطرف في كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.

ولأن "الذئب المنفرد" إرهابي غير مرتبط بجماعة أو غير موجه من منظمة خارجية، ويعمل دون توجيه من جماعات متطرفة؛ فقد أضحى يشكل تهديدًا مختلفًا عن أولئك الذين يرتبطون بجماعات متطرفة، مما يستوجب ضرورة اختلاف التعاطي السياسي معهم. وهو ما يحاول دانيال بايمان أن يقدمه في مقالته "كيفية مواجهة الذئاب المنفردة: التصدي للإرهابيين الذين ينفذون عمليات إرهابية من تلقاء أنفسهم".

بدايةً يشير بايمان إلى أن هجمات الذئاب المنفردة أضحت نمطًا شائعًا للعمليات الإرهابية في الآونة الأخيرة التي تزايدت بشكل ملحوظ، ويضرب أمثلة على تلك الهجمات، ومنها قيام سيد رضوان فاروق وزوجته تاشفين مالك بإطلاق نار في مصحة لعلاج ذوي الاحتياجات أسفر عن مقتل 14 شخصًا بمقاطعة سان برناردينو بولاية كاليفورنيا في ديسمبر 2015. وفي 14 يونيو 2016 قتل عمر متين 49 شخصًا في ملهى ليلي للمثليين بأورلاندو بولاية فلوريدا، وقد اعتُبر هذا الهجوم أعنف هجوم على الأراضي الأمريكية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهناك أيضًا هجوم نيس بفرنسا الذي راح ضحيته 86 شخصًا. ويرى بايمان أنه على الرغم من إعلان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تبنيه تلك الهجمات، إلا أنه يبدو أن الجناة قد خططوا ونفذوا تلك العمليات بمفردهم.

مشكلة قديمة

على عكس كثير من التحليلات التي تربط ظاهرة الذئاب المنفردة في الوقت الحالي بالمتطرفين الإسلاميين، يوضح بايمان أن هذه الظاهرة منذ بداياتها الأولى مارستها كل الحركات المتطرفة من جميع الانتماءات والمشارب. ففي عام 1995، قام العنصري الأبيض تيموثي ماكفي بشن أعنف هجوم إرهابي على الأراضي الأمريكية قبل الحادي عشر من سبتمبر عندما قصف مبنى ألفريد مورا الفيدرالي في أوكلاهوما سيتي، مما أسفر عن مقتل 168 شخصًا وجرح المئات. وفي 2010، قام جيمس لي الذي يحمل مشاعر عدائية للمهاجرين، باحتجاز ثلاثة أشخاص كرهائن في ولاية ميريلاند. كما قتل العنصري الأبيض ديولن رووف، تسعة من الأمريكيين من ذوي الأصول الإفريقية في الكنيسة التاريخية للسود بتشارلتون بولاية ساوث كارولينا عام 2015.

وقد شجعت المنظمات الإرهابية ظاهرة الذئاب المنفردة كثيرًا، فعلى سبيل المثال فإن العنصري الأبيض لويس بيم دعا إلى ما يُعرف عام 1983 "بمقاومة بلا قيادة" للحكومة الاتحادية، حيث إن الجماعات الإرهابية التقليدية أصبحت فريسة سهلة للاختراق الحكومي من وجهة نظره، لذا شجع الجماعات الصغيرة والأفراد على العمل بشكل مستقل. كما شجع المقاتل الجهادي أبو مصعب السوري منذ أكثر من عشر سنوات على هجمات الذئاب المنفردة لنفس السبب الذي أثاره بيم، وذلك بسبب الخسائر الفادحة التي منيت بها الجماعات الإرهابية عقب 11 سبتمبر، والحرب في أفغانستان والعراق نتيجة المواجهة المباشرة للقوات الأمريكية.

ومن هنا فقد اشتهر كل من منطق بيم وأبو مصعب، وشهد إقبالا كبيرًا، فقد وجد عالم الاجتماع Ramon Spaaij، أنه من 1970 إلى 2010 زاد عدد هجمات الذئاب المنفرد في العقد الواحد بنسبة 45% في الولايات المتحدة، وأكثر من 400% في 14 دولة أخرى متقدمة. كما زادت الهجمات في الدول الغربية بعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي، حيث وصلت إلى الضعف في الولايات المتحدة وأوروبا خلال عامي 2015 و2016.

الوضع الجديد

تكمن الدوافع وراء زيادة هجمات الذئب المنفرد في عدد من الأسباب التي يمكن ردها -في جزء منها- إلى احتضان تنظيم داعش لهذا التكتيك. فمن المتعارف عليه أن مناطق نفوذ التنظيم تتركز في كل من العراق وسوريا، وعلى الرغم من أن التنظيم دعا في 2014 إلى مهاجمة الدول الغربية، إلا أن معظم دعايته كانت لحث أنصاره على الهجرة إلى المناطق التي يسيطر عليها للعيش في كنف دولة الخلافة المزعومة، ولمساعدة التنظيم في التوسع والامتداد. ونظرًا لانكماش سيطرة داعش، وتراجع مناطق نفوذه في كلٍّ من سوريا والعراق نتيجة لعمليات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية؛ فقد وجد التنظيم في مساندة وتبني هجمات الذئاب المنفردة متنفسًا جديدًا للادعاء بوجود انتصارات، ورفع الروح المعنوية بين الكوادر الموجودة، وإلهام عناصر جديدة للانضمام للتنظيم.

لذلك، وقف التنظيم دائمًا خلف تلك الهجمات، مدعيًا أن من نفذها "جند من جنود الخلافة". كما ساهمت التكنولوجيا الحديثة في انتشار تلك الظاهرة، فمنذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي أصبح المجال رحبًا أمام نشر الأفكار المتطرفة، ووصولها إلى القاصي والداني، مما زاد من ظاهرة الذئاب المنفردة.

ولعل الأكثر إثارة للقلق أن هجمات الذئاب المنفردة من الممكن أن تتحول إلى وسيلة جذابة للتعبير عن الغضب، فقد يكون هناك أفراد لا يملكون الوسائل ولا الفرص أو حتى الرغبة في الانضمام لمنظمة إرهابية، وإنما قد يقبلون على تلك الوسيلة ليس لشيء إلا للتعبير عن غضبهم، حيث يبدو أن الكثير من الذئاب المنفردة التي قامت بهجمات في الآونة الأخيرة لم تكن ذات ميول متطرفة، ولكنها قد وجدت غايتها في ارتكاب أعمال العنف دون الانتماء لجماعات إرهابية.

إيجابيات وسلبيات

أبرز السلبيات التي تقف أمام الحكومات لمواجهة ظاهرة الذئاب المنفردة تتضح في افتراض بيم وأبو مصعب وغيرهما من أنصار تلك العمليات، من أن الحكومات ستجد صعوبات بالغة في وقف تلك الهجمات، والتقليل من المؤامرات الإرهابية، ورصد مسئولي الاتصالات لتحديد هوية ومكان المقربين من المشتبه بهم.

وعلى الرغم من أن الذئاب المنفردة تعتبر غير مدربة جيدًا، وتعتمد على التمويل الذاتي إذا ما قورنت بالجماعات الإرهابية، إلا أن الربط بين تنظيم داعش ومرتكبي تلك الهجمات يزيد من التأثير النفسي لتلك الهجمات على المواطنين، حيث إن أي حدث يتم الربط بينه وبين تنظيم داعش يستحوذ على اهتمام وسائل الإعلام المختلفة، مما يزيد من تأثيره السلبي على المواطنين. وهذا يعد عقبة أمام مواجهة هذه الظاهرة.

ومما يعمق أيضًا من آثار هذه الظاهرة، أن الذئاب المنفردة تستطيع أن تهاجم أي مكان، مما يثير ذعر الناس. فعلى الرغم من أن هجمات 11 سبتمبر قد استهدفت الرموز المالية والعسكرية للولايات المتحدة الأمريكية، وضربت الهوية الأمريكية في مقتل، إلا أن تأثير هذه الهجمات على الأمن الشخصي للمواطن الأمريكي أقل بكثير من تأثير هجمات الذئب المنفرد، فمجرد حدوث مجزرة في ملهى ليلي -على سبيل المثال- يثير الذعر بين الناس بصورة كبيرة.

وعلى جانب آخر، من الأمور الإيجابية أمام الحكومات أن معظم المنظمات الإرهابية أحجمت عن استخدام ذلك التكتيك نظرًا للخوف من الفشل المتكرر والإضرار بسمعتها، بالإضافة إلى أن هجمات الذئب المنفرد قد يعيقها عدم الخبرة والتخبط، لأن الجناة في كثير من الأحيان غير مدربين، وهو ما لاحظه الباحث المتخصص في دراسات الإرهاب توماس هيجهامر، فقد رأى أن اشتراك شخص ما غير مدرب مع آخر ذي خبرة إرهابية في القيام بإحدى الهجمات الإرهابية قد يحسِّن من احتمالات الكشف عن المؤامرة، ويؤدي إلى جعل الهجوم أقل فتكًا.

كما أن هناك مشكلة أخرى للجماعات الإرهابية، وهي أن قادة هذه الجماعات ليست لهم سيطرة على الذئاب المنفردة، مما قد يؤدي إلى نتائج عكسية، بسبب عدم وجود استراتيجية محددة لممارسة الأعمال العدائية. ففي هجوم ماكفي -على سبيل المثال- لم تستطع الحركات اليمينية المتطرفة الدفاع عن ذلك العمل الإرهابي للخوف من أن تفقد مصداقيتها، نتيجة مقتل 19 طفلا و3 سيدات حوامل في التفجير، على الرغم من أن ماكفي قد ادعى أنه وجه ضربة إلى حكومة مستبدة.

التراجع الليبرالي

يرى بايمان أيضًا أن تأثير هجمات الذئاب المنفردة يفوق بكثير مجرد قتل عدد من الناس، حيث إنها تشجع على ظاهرة الإسلاموفوبيا، كما أنها تحطم العلاقات الطيبة بين المسلمين وغير المسلمين، فهي تمثل تهديدًا حقيقيًّا للديمقراطية الليبرالية نفسها. فقد أشار تقرير نشرته مبادرة "جسر" بجامعة جورج تاون العام الماضي، إلى أن النقد السياسي اللاذع للإسلام قد زاد بصورة كبيرة بعد هجمات سان برنادينو. وفي الوقت ذاته، كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة جالوب عن أن 40% من الأمريكيين يؤيدون اقتراح الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الذي أعلنه خلال حملته الانتخابية بحظر دخول المسلمين الولايات المتحدة الأمريكية، بعد حادث أورلاندو. 

كما ارتفعت جرائم الكراهية ضد المسلمين في الولايات المتحدة بنسبة 67% من عام 2014 إلى عام 2015. وكذلك واجه اللاجئون في أوروبا رد فعل مماثلا؛ حيث أشار استطلاع للرأي إلى أن 59% من الأوروبيين يخشون من وجود اللاجئين في بلدانهم، لأن من شأن ذلك أن يزيد من احتمال وقوع هجمات إرهابية في دول الاتحاد الأوروبي.

وقد ظهرت مؤشرات ذلك في الممارسات العدائية ضد اللاجئين، حيث نفذ المتطرفون الأوروبيون خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2016، 45 هجومًا على مخيمات اللاجئين في ألمانيا، وأشعل المتظاهرون من اليمين المتطرف النار مرارًا في أماكن الصلاة بمخيمات اللاجئين في شمال إيطاليا.

وبالتالي فإن تصاعد الإسلاموفوبيا في الدول الغربية قد يأتي بنتائج عكسية على تلك المجتمعات، حيث إن تسليط الضوء على التمييز والخطاب العدائي واستخدام القرارات، مثل الحظر الذي فرضته الحكومة الفرنسية على ارتداء الحجاب الإسلامي في الأماكن العامة، سوف يمهد الأرضية الخصبة لتغذية التطرف والمتطرفين بدعوى أن الغرب في حالة حرب مع الإسلام. 

هذا الوضع أيضًا يسعى لاستغلاله اليمين، من أجل تقويض ثقة الجمهور في الحكومة، والدعوة إلى اتخاذ تدابير أمنية أكثر صرامة، ورفض اللاجئين الفارين من العنف، وتأليب المجتمعات على الأقليات الدينية، خاصة المسلمة منها. إذا ما أخذنا بعين الاعتبار نمو قوة اليمين المتطرف في العديد من الدول الغربية، وليس أدل على ذلك من أن رئيس وزراء المجر فيكتور أوروبان، لعب لفترة طويلة على وتر الإسلاموفوبيا لكسب التأييد من أجل تحويل بلاده إلى ما أسماه "دولة غير ليبرالية"، تقوم على مركزية المجتمع وليس الفرد، لذا عمد إلى تركيز السلطات في يده، وتقييد حرية وسائل الإعلام واستقلال القضاء، كما أن النمسا كانت قريبة جدًّا من انتخاب نوربرت هوفر من حزب الحرية اليميني المتطرف للرئاسة في الأول من ديسمبر 2016. كما مثل وصول ترامب وغيره من السياسيين العنصريين للحكم في الولايات المتحدة، وسعيه لمراقبة المساجد والتضييق على المسلمين، خروجًا على مبادئ الولايات المتحدة القائمة على حرية الدين واحترام حقوق الإنسان.

كيفية المواجهة

يفرد بايمان في الجزء الأخير من دراسته بعض الحلول التي قد تساعد في الحد من ظاهرة الذئاب المنفردة. ويأتي في مقدمة تلك الحلول ما يلي:

1. ضرورة سعي الحكومات لتقليل عدد الهجمات التي تقوم بها الذئاب المنفردة، من خلال استراتيجية تقوم على عزل الذئب المنفرد وجعله وحيدًا، وبعيدًا عن الاتصال بالجماعات الإرهابية، فكلما كان الذئب المنفرد أقل تفاعلا مع الجماعات المتطرفة التي تقدم له التدريب والتوجيه، كلما كان أقل خطورة. لذا يجب أن يركز المسئولون على جمع المعلومات الاستخبارية، واعتقال قادة الخلايا المشتبه بهم، وتدمير مراكز القيادة الإرهابية باستخدام الطائرات بدون طيار. 

2. بناء علاقات قوية بين المجتمعات المسلمة ووكالات إنفاذ القانون، من أجل كسب ثقة تلك المجتمعات، وحشد الدعم للجهود الرسمية لمكافحة الإرهاب، مما يساعد في الحصول على المعلومات اللازمة عن المتطرفين، واتخاذ الاحتياطات الضرورية لمواجهة الذئاب المنفردة. ولإقامة تلك الأرضية من العلاقات الطيبة يجب منع الجريمة والتحرش ضد المسلمين، ومساعدة المهاجرين في الحصول على الخدمات الاجتماعية.

3. ضرورة توجيه الأجهزة الأمنية لمراقبة واختراق الحسابات الإلكترونية للجماعات الإرهابية، وممارسة الضغط على الشركات الخاصة مثل فيسبوك وتوتير لتشديد القيود المفروضة على تلك الحسابات، ومراقبة مستخدميها بانتظام، وتعليق حساباتهم عند الضرورة؛ حيث إن مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي قد يُمكِّن المسئولين من معرفة أماكن تمركز الجهاديين الذين ليس لهم صلات سابقة بالجماعات الإرهابية. فعلى سبيل المثال؛ فإن أحد الإرهابيين المشاركين في قتل كاهن بكنيسة في شمال فرنسا في يوليو 2016، يُقال إنه أعلن عن نيته القيام بذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

4. كما يجب على الحكومات أن تعمل على تشويه الأيديولوجيا التي تتبناها الذئاب المنفردة، فقد يقلل ذلك من حدة تلك الظاهرة بعض الشيء.

وفي ختام مقالته يشير بايمان إلى أن هذه التدابير من الممكن أن تقلل من هجمات الذئاب المنفردة دون أن تقضي عليها تمامًا، والأهم من ذلك أنها سوف تقلل من التأثير السياسي لهذه الظاهرة، مما قد يساهم في جعلها أقل حدة وخطورة.

المصدر

Daniel L. Byman, "How to hunt a lone wolf: Countering terrorists who act on their own", Foreign Affairs, Volume 96, Number 2, March/April 2017, pp96-105.