دبلوماسية "الفيزا":

إلى أين تتجه إدارة تأشيرات دخول الدول.. انفتاح أم عزلة؟

08 March 2017


كان السياسي الأمريكي بيتر رودينو يعتقد أن "ممارسة السلطات والمهام المخولة للمكاتب القنصلية في الخارج، لا سيما تلك المتعلقة بمنح تأشيرات الدخول أو رفضها؛ تكون لها تداعيات بعيدة المدى على حياة الأفراد الراغبين في الدخول إلى الولايات المتحدة، كما أنها تؤثر على السياسة الخارجية الأمريكية، وعلى إدراك الآخرين، ورؤيتهم للولايات المتحدة، والأكثر من ذلك أنها تؤثر على أمننا القومي ومصالحنا"(1).

عبّرت هذه المقولة عن الأهمية المركزية التي باتت تشغلها "تأشيرات الدخول" في السياق الدولي المعاصر، بما يتسم به من زيادة التدفقات البشرية بين الدول والناجمة بشكل أو بآخر عن ظاهرة العولمة وتداعياتها، والكيفية التي شكلت من خلالها ملامح العلاقات بين الدول بعضها بعضًا، فضلا عن العلاقات مع الفاعلين من غير الدول. وهكذا تم استدعاء مقاربة "دبلوماسية الفيزا"، كإحدى المقاربات التي تُمكِّن الدولة من التعاطي مع المتغيرات العالمية الراهنة.

"دبلوماسية الفيزا".. أداة السيادة:

تُشير "دبلوماسية الفيزا" Visa Diplomacy إلى العملية التي يتم عبرها استخدام آلية تأشيرات الدخول (الفيزا)، سواء بإصدار التأشيرات لمجموعات ومواطني الدول الأخرى، أو برفض إصدارها ومنعها، وذلك بهدف التأثير على سياسات الفاعلين الآخرين وسلوكهم. فالتأشيرات وفقًا لهذا الطرح تصبح إحدى أدوات السياسة الخارجية للدول التي يمكن من خلالها تنفيذ أهداف الدول ومصالحها بعيدًا عن اللجوء إلى الأدوات العنيفة الأكثر تكلفة.

وقد ارتبط طرح مقاربة "دبلوماسية الفيزا" بحصيلة التفاعل بين مُتَغيِّرَيِ السيادة والعولمة، فبالرغم من التحديات التي واجهتها الدولة القومية خلال العقود الماضية، فقد ظلت العنصر والمكون الأساسي في النظام العالمي بصورة استتبعت الإبقاء على فكرة "السيادة" كشرط أساسي لاستمرار الدولة، وقد تكفلت فكرة السيادة بمنح "دبلوماسية الفيزا" حيويتها وفعاليتها باعتبارها حيزًا تكشف من خلاله الدولة عن سلطتها وسيادتها.

فقد عدت الأدبيات "تأشيرات الدخول" شكلا من أشكال السيطرة الإقليمية على أراضي الدولة، لأنها تسمح للأخيرة بممارسة نوع من أنواع "التحكم عن بعد"،(2) وفقًا لأرستيد زولبيرج في كتابه "أمة حسب التصميم" (a nation by design ).         

ومن ثم، تُمكِّن تلك التأشيرات الدولة من السيطرة والتحكم المسبق والوقائي في حركة التنقلات إلى داخل إقليمها، وهو ما يعني القدرة على منع دخول الأشخاص غير المرغوب فيهم إلى الدولة، وفي الوقت ذاته السماح لغيرهم بدخول الدولة. 

وفيما كانت السيادة تشكل الملمح الأوَّلي لدبلوماسية الفيزا، فقد مثّلت العولمة، بما تنطوي عليه من فرص وتحديات، عاملا جوهريًّا يؤثر في الكيفية التي تُدير من خلالها "دبلوماسية الفيزا" العلاقات الخارجية للدول.

فمن جهة أولى، خلقت العولمة -بحسب إريك نيوماير في دراسته المعنونة بـ"الوصول غير المتكافئ إلى المساحات الخارجية"- عالمًا بلا حدود(3) a borderless world يتسم بدرجة كبيرة من التداخل بين المجتمعات، وتزايد حركة التنقلات المتبادلة والهجرة، وتعاظم أهمية العلاقات الاقتصادية، وتجارب التكامل الاقتصادي. 

من جهة ثانية، انطوت التحولات العالمية الناجمة عن العولمة على تحديات رئيسية، لعل أبرزها بزوغ أنماط جديدة من التهديدات غير التقليدية، مثل: الإرهاب العالمي، والجريمة المنظمة، ناهيك عن تزايد حدة الانقسامات بين الدول النامية والدول المتقدمة بصورة جعلت الأخيرة مركزًا لاستقطاب أعداد هائلة من المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين.

مثل هذه التحولات دفعت الكثير من الدول إلى استدعاء الوجه السلبي لدبلوماسية الفيزا، والتراجع عن مسارات تحرير التأشيرات في الكثير من الأحيان بدافع الحفاظ على الأمن الداخلي. 

المداخل الحاكمة:

افترض كيفين سترينجر Kevin stringer في دراسته عن "دبلوماسية الفيزا"(4) أن سياق ما بعد انتهاء الحرب الباردة والنظام العولمي الجديد شهد تناميًا للاهتمام بما يطلق عليه مجالات السياسة الأقل low politics المتمثلة في التجارة والسياحة والهجرة وغيرها من الأشكال التقليدية التي تدخل ضمن نطاق الأعمال القنصلية للدولة. وعليه أصبحت تأشيرات الدخول أداة هامة من أدوات السياسة الخارجية للدولة.

 واستنادًا إلى فرضية سترينجر تبدو "دبلوماسية الفيزا" في تجلياتها الإيجابية والسلبية محكومة بعدد من المداخل الرئيسية، والتي على أساسها تدير الدولة علاقاتها الخارجية. 

(*) تعزيز الدور: فالدولة قد تسعى عبر تحرير تأشيرات الدخول (الوجه الإيجابي لدبلوماسية الفيزا) أو حتى تسهيل إجراءات إصدارها، إلى تعزيز دورها الإقليمي والدولي، والتسويق السياسي لها ولقيمها، ومحاولة خلق صورة ذهنية لها على أنها دولة جاذبة قادرة على الانفتاح على العالم الخارجي، فضلا عن كون هذا التوجه يتضمن مكاسب اقتصادية، خاصة في حالة الدول التي تعتمد بشكل كبير على إيرادات السياحة. 

ظهرت أهمية فكرة تعزيز الدور -على سبيل المثال- في حالة الاتحاد الأوروبي بعد انتهاء الحرب الباردة، وانهيار الكتلة الشيوعية، حيث سعى هذا الاتحاد وخاصةً بعد تطبيق اتفاقية شنجن، وإلغاء تأشيرات الدخول بين الدول الأعضاء في الاتفاقية، إلى تمديد علاقاته مع دول كانت في الماضي ضمن النطاق الحيوي للاتحاد السوفيتي السابق (مثل: جورجيا، وأوكرانيا).

 إذ تم التفاوض مع الدولتين حول تحرير تأشيرات دخول مواطنيها إلى دول الاتحاد، بالإضافة إلى الخطوات المماثلة التي اتخذها الاتحاد الأوروبي مع دول غرب البلقان، والتي انتهت بتحرير تأشيرات الدخول لمواطني هذه الدول، ولا يمكن إغفال أن هذه الخطوات كانت تستهدف بشكل أو بآخر تعزيز دور الاتحاد الأوروبي وقدرته التنافسية في النظام العالمي المعاصر.

(*) التنافس الدولي: ففي خضم التنافس الدولي الراهن بين عدد من القوى حول قيادة النظام الدولي، تم توظيف "تأشيرات الدخول" كإحدى أدوات إدارة التنافس والصراع بين تلك القوى، وذلك في ضوء ما تتسم به من دلالات رمزية وقدرة على ترجمة أهداف السياسة الخارجية للدولة.

وفي هذا الإطار، يُشير فلوريان تراونر Florian Trauner إلى أن مفاوضات الاتحاد الأوروبي مع أوكرانيا بشأن تحرير تأشيرات الدخول "تُعد جزءًا من مشهد التنافس بين الاتحاد وروسيا حول التوجهات الاستراتيجية لكييف"(5).

تجلت آلية "تأشيرات الدخول" في الصراع بين الولايات المتحدة والصين من خلال السياسة التي تبنتها واشنطن تجاه قضية تايوان، حيث كانت اللحظة الأبرز في هذه السياسة في عام 1995، حينما أصدرت الولايات المتحدة تأشيرة دخول للرئيس التايواني آنذاك لي تنج هوي.

وقد أثار هذا الأمر حفيظة الصين، لأنه كان بمثابة اعتراف رسمي أمريكي بتايوان، كما أن بكين اعتبرت هذا التصرف تدخلا في شئونها الداخلية، لأنها ترى في تايوان امتدادًا لها وجزءًا من أراضيها تسعى إلى إعادة التوحد به.

(*) تغيير سلوك الفاعلين: حيث تستخدم الدولة دبلوماسية الفيزا لإحداث تغيير في سلوك الفاعلين الآخرين، فالتأشيرات في هذه الحالة تصبح أداة لتوصيل رسائل معينة للآخرين لإقناعهم بتغيير سلوكهم.

ومن النماذج المطروحة هنا الكيفية التي تعاطت بها الولايات المتحدة مع جيري آدامز (زعيم حركة "شين فين" الذراع السياسي للجيش الجمهوري الأيرلندي)، وموافقة واشنطن على إصدار تأشيرة دخول لآدامز في 1994 وذلك بعد سنوات من رفض دخول آدامز إلى الولايات المتحدة.

لقد هدف السماح لآدامز بالدخول إلى الولايات المتحدة إلى إرسال تلميحات للجيش الجمهوري الأيرلندي بإمكانية تقبله والاعتراف به، والتعبير عن التحول في سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع في أيرلندا الشمالية، ومحاولة لتعزيز مسار التفاوض والتسوية السلمية للصراع الذي استمر سنوات طويلة دون تمكن أي طرف من حسمه لصالحه، وهكذا اضطلعت "دبلوماسية الفيزا" بدور مركزي في إقناع الجيش الجمهوري بإيقاف إطلاق النار في تلك الآونة، والشروع في محادثات السلام.

 (*) معاقبة الدول: وفقًا لهذا المدخل تُستخدم "تأشيرات الدخول" كأداة لمعاقبة دولة ما نتيجة لبعض سلوكياتها المرفوضة من جانب دول أخرى. وفي هذا الصدد، يستدعي كيفين سترينجر نموذج تعاطي الدول الغربية مع التجارب النووية الهندية للتعبير عن الدور العقابي لدبلوماسية الفيزا.

 ففي أعقاب التجارب النووية التي أجرتها الهند في مايو 1998، اتجهت بعض الدول الغربية إلى معاقبة الهند، والتعبير عن رفضها للتجارب النووية من خلال تقييد دخول بعض المسئولين إلى أراضيها. 

وعلى إثر هذه التجارب النووية، رفضت بريطانيا في مايو 1998 إصدار تأشيرات دخول أربعة علماء من الهند كان من المقرر حضورهم اجتماعًا لمحرري موسوعة العلوم بجامعة أكسفورد، كما أعلنت الولايات المتحدة، وتفعيلا لفكرة "العقوبات الذكية" smart sanctions، أنها ستعلق إصدار التأشيرات للعلماء الهنود المتخصصين في مجال الطاقة النووية، والمنتمين إلى مؤسسات بحثية حكومية وذلك بهدف تقليل احتمالات نقل التكنولوجيا النووية(6).

(*) مواجهة الانتقادات: وينصرف هذا المدخل إلى توظيف "دبلوماسية الفيزا" لمواجهة الانتقادات التي تتعرض لها حكومات الدول، وبالتالي تتجه إلى تقييد إمكانية الدخول إلى أراضي الدولة بالنسبة للأطراف المسئولة عن الانتقادات، وقد ظهر هذا النموذج مؤخرًا -على سبيل المثال- حينما رفضت إسرائيل في فبراير 2017 إصدار تأشيرة عمل لمدير منظمة "هيومن رايتس ووتش" في إسرائيل والأراضي الفلسطينية "عمر شاكر"، وهو الإجراء الذي اتخذته إسرائيل على خلفية تقارير للمنظمة ترصد انتهاكات إسرائيلية لحقوق الفلسطينيين(7).

(*)المساومات السياسية: إذ شهدت العقود الماضية استخدام دبلوماسية الفيزا ضمن إطار أوسع من المساومات السياسية بين الدول.

 ولعل النموذج الأبرز على ذلك نموذج العلاقات التركية الأوروبية، فقد ظلت تركيا لعقود يراودها حلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ومن ثم كانت ترى في مفاوضات تحرير التأشيرات مع الاتحاد (التي تم إطلاقها في ديسمبر 2013) المدخل للانضمام للاتحاد الأوروبي، وفي المقابل استمر الاتحاد الأوروبي في فرض شروطه على تركيا، ومطالبتها بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والأمنية الكفيلة بتأهيلها للحصول على امتياز "إلغاء تأشيرات الدخول"(8).

وبمرور الوقت كانت المفاوضات بين الطرفين تخرج من الإطار التفاوضي التقليدي لتدخل في إطار المساومات السياسية، خاصة مع ما أنتجته صراعات الشرق الأوسط من موجة هائلة من المهاجرين المتجهين إلى أوروبا، فتركيا تربط بشكل أو بآخر بين قضية إعفاء الأتراك من تأشيرة الدخول إلى الاتحاد الأوروبي وبين مواجهة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.

وليس أدل على ذلك من تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو لصحيفة "بيلد" الألمانية في أغسطس الماضي بأن "على الاتحاد الأوروبي أن يعفي الأتراك من تأشيرة الدخول اعتبارًا من أكتوبر، وإلا فإن تركيا ستصرف النظر عن العمل باتفاق الهجرة الذي تعهدت فيه بوقف تدفق اللاجئين غير الشرعيين إلى أوروبا"(9).

وعلى الصعيد الأوروبي يبدو الموقف أكثر تعقيدًا، ويتنازعه اتجاهان، أحدهما يتعامل بشكل براجماتي مع قضية تحرير التأشيرات مع تركيا، على اعتبار أن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى تركيا للسيطرة والتحكم في نقطة الدخول الرئيسية للهجرة غير الشرعية إلى دول الاتحاد الأوروبي والمتمثلة في الحدود التركية اليونانية. بينما يرفض الاتجاه الآخر إلغاء تأشيرات الدخول للأتراك، بحجة أن مثل هذا الإجراء سيزيد من خطر وقوع هجمات إرهابية في الدول الأوروبية.

(*) العزلة الأمنية: وهي العزلة التي ارتهنت بتنامي الشعور بالتهديدات الأمنية الخارجية لدى الكثير من المجتمعات الغربية، وقد كانت الإرهاصات الأولى لهذا الشعور عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وتوجه الكثير من الدول، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، نحو إجراءات جديدة فيما يتعلق ببرامج تحرير تأشيرات الدخول، حيث اشترطت الولايات المتحدة على مواطني الدول المشاركة (27 دولة) في برنامج الإعفاء من التأشيرات مع الولايات المتحدة visa waiver programme حمل جوازات سفر بيومترية حتى يتمكنوا من الدخول إلى الولايات المتحدة(10).

وخلال السنوات الماضية اضطلع المتغير القيادي في أوروبا والولايات المتحدة بالدور الأهم في التكريس لفكرة العزلة الأمنية، ففي أوروبا تعاظم نفوذ تيارات اليمين المتطرف وشعاراتها المناهضة للمهاجرين، والمطالبة "بالعزلة الأمنية"، وساعدها في ذلك الأزمات التي ترتبت مثلا على إلغاء التأشيرات مع دول غرب البلقان، وتزايد عدد طالبي اللجوء من تلك الدول، بصورة دفعت بعض الدول كألمانيا إلى "طلب إيقاف تدفق مواطني دول غرب البلقان".

وفي السياق ذاته، تم طرح نظام جديد للسفر تحت مسمى "إيتياس" ETIAS الذي من المقرر أن يطبقه الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2020، وبموجبه سيتعين على مواطني الدول المعفاة من التأشيرات الحصول على ترخيص أوتوماتيكي مسبق قبل السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي، ومقابل رسوم مالية. وقد اعتبرت دول غرب البلقان هذا الإجراء بمنزلة تقويض لامتياز "تحرير التأشيرات" الذي حصلت عليه منذ سنوات قليلة(11).

وفي الولايات المتحدة، ساهم وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في تعزيز فكرة العزلة الأمنية في الغرب، فقد رفع ترامب أثناء حملته الانتخابية شعارات رافضة للآخر، تدعو إلى إغلاق الحدود الأمريكية أمام المهاجرين. وإثر دخوله للبيت الأبيض أصدر قرارًا تنفيذيًّا بمنع استقبال اللاجئين لمدة 120 يومًا، وكذلك حظر دخول مواطني دول: سوريا، والعراق، وإيران، وليبيا، والسودان، والصومال، واليمن، لمدة 90 يومًا(12). لكن القرار تعرض لتعطيل قضائي، الأمر الذي دفع ترامب لتعديله بمرسوم آخر في مارس الجاري أعتبر "تخفيفا لحظر السفر" حيث يطاول ست دول فقط، مستثنيا العراق.

مراوحة الانفتاح والعزلة:

ستظل تأشيرات الدخول آلية هامة من آليات السياسة الخارجية للدول، بما تنطوي عليه من دلالات السيادة، والقدرة على التفاعل مع فرص العولمة وتحدياتها. وستكون مراوحة الدول بين الوجهين الإيجابي والسلبي لدبلوماسية الفيزا محكومة بطبيعة التفاعل بين سيناريوهي الانفتاح والعزلة.

 فكلما تزايدت اتجاهات الانفتاح والتكامل الإقليمي بين الدول المتقاربة جغرافيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا تنامى استدعاء الوجه الإيجابي لدبلوماسية الفيزا في إدارة العلاقات الخارجية للدول عبر تحرير تأشيرات الدخول، وتسهيل الانتقالات المتبادلة لمواطني الدول. 

من جهته، سيفرض سيناريو العزلة الاستحضار المستمر للوجه السلبي لدبلوماسية الفيزا، بحيث تكون الدول حبيسة لتوجهات أنماط من النخب والقادة تعطي الأولوية لتقييد دخول مواطني الدول الأخرى إلى أراضيها، وذلك استنادًا لطبيعة السياق العالمي الراهن الذي يتسم بموجة كبيرة من العنف والإرهاب العابر للحدود، والصراعات الممتدة التي أفضت إلى أعداد هائلة من المهاجرين واللاجئين. 

ويدعم هذا السيناريو الانعزالي الرؤية التي أصبحت منتشرة في الكثير من المجتمعات المتقدمة بضرورة الفصل بين الالتزام الأخلاقي تجاه المجتمعات النامية، وحرية الانتقال بين الدول. 

وقد عبر بول كوليير عن هذه الرؤية بقوله: "إذا قلنا إن للفقراء الحق في الهجرة إلى أي مكان، فهذا يتضمن خلطًا بين مسألتين من الأفضل أن تبقى كل واحدة منهما منفصلة عن الأخرى: التزام الأغنياء بمساعدة الفقراء، وحق حرية الانتقال بين البلدان. تأييدنا للمسألة الأولى لا يعني الالتزام بتطبيق الأخرى"(13). 

المصادر:

1- Kevin d.stringer, "the visa dimension of diplomacy", Netherlands institute of international relations, march 2004, p.5, available at, 

https://www.clingendael.nl/sites/default/files/20040300_cli_paper_dip_issue91.pdf

2- Aristide R. Zolberg, "A Nation by Design: Immigration Policy in the Fashioning of America", (Harvard University Press, December 2008), p.p.443-444.

3- Eric neumayer, "Unequal access to foreign spaces: how states use visa restrictions to regulate mobility in a globalized world", Transactions of the Institute of British Geographers, 2005, p.4, available at,

 http://eprints.lse.ac.uk/715/1/Transactions_of_the_BIG%28FINAL%29.pdf.

4- Kevin d.stringer, "the visa dimension of diplomacy", Netherlands institute of international relations, March 2004, p.2, available at, 

https://www.clingendael.nl/sites/default/files/20040300_cli_paper_dip_issue91.pdf

5- Florian Trauner, "The EU visa suspension mechanism", European union institute for security studies, February 2017, available at, 

http://www.iss.europa.eu/uploads/media/Alert_2_Visas.pdf

6- Kevin d.stringer, "the visa dimension of diplomacy", Netherlands institute of international relations, March 2004, p.p 14-20, available at, 

https://www.clingendael.nl/sites/default/files/20040300_cli_paper_dip_issue91.pdf

7- صحيفة "الحياة" اللندنية، "إسرائيل تصعد ضد هيومن رايتس ووتش وترفض منح مديرها وموظفيها تأشيرات عمل"، 25/2/2017. 

8- European stability initiative, "Trust and travel. Easing the visa burden for Turks in five steps", 24 February 2014, available at,

http://www.esiweb.org/pdf/esi_document_id_147.pdf

9- وكالة "رويترز"، " تركيا: إما الإعفاء من التأشيرة أو إلغاء اتفاق الهجرة مع أوروبا"، رويترز، 15 أغسطس 2016، متاح على: http://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKCN10Q0KI?sp=true

10- Silk Road Regional Programme (SRRP), "A Strategic Approach to Visa Facilitation in the Silk Road Countries", available at, 

http://www.e-unwto.org/doi/pdf/10.18111/9789284409242

11- Western Balkan Countries Voice Concern over EU Travel System, February 9, 2017,

Available at, 

http://www.independent.mk/articles/41245/Western+Balkan+Countries+Voice+Concern+over+EU+Travel+System

12- بي بي سي، " قرار ترامب: على من سيؤثر حظر السفر إلى الولايات المتحدة؟" ، 30 يناير 2017، متاح على، http://www.bbc.com/arabic/world-38798596

13- بول كوليير، "الهجرة: كيف تؤثر في عالمنا"، ترجمة : مصطفى نصار، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، أغسطس 2016)، ص23.