عودة المعارضة:

دلالات نتائج انتخابات الكويت.. صعود شبابي وتراجع شيعي

28 November 2016


أُسدل الستار على الانتخابات العامة لاختيار أعضاء مجلس الأمة للفصل التشريعي الخامس عشر، وسط استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي في دولة الكويت، حيث تمت دعوة الناخبين إلى صناديق الاقتراع للمرة السابعة على التوالي منذ عام 2003، بعدما تم حل البرلمان في الأعوام: 2006، 2008، 2009، 2016، في حين تم إبطال مجلس الأمة بقرار من المحكمة الدستورية عامي 2012، 2013.

سياقات الانتخابات:

تأتي الانتخابات الأخيرة بعد مرور نحو خمس سنوات على الاحتجاجات الشعبية الواسعة، التي عُرفت بالحراك السياسي في نهاية عام 2011 إثر اتهامات السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية بالفساد على خلفية تضخم الأرصدة البنكية بملايين الدنانير لعدد كبير من أعضاء مجلس الأمة، بالإضافة إلى الكشف عن مبالغ مالية ضخمة تم تحويلها إلى الخارج دون مبررات قانونية، وغموض الأطراف التي تلقت هذه الأموال.

وإثر هذه الأحداث، جرت انتخابات تشريعية في فبراير 2012 أسفرت عن فوز كاسح للمعارضة السياسية نالت الأغلبية المطلقة في البرلمان، الأمر الذي حدا بالحكومة إلى الطعن في دستورية المجلس، وتغيير النظام الانتخابي بشكل منفرد اعتمادًا على مبدأ تقليص الصوت الانتخابي من أربعة أصوات إلى صوت واحد لكل ناخب في كل من الدوائر الانتخابية الخمس القائمة، وذلك للحيلولة دون عودة الأغلبية المعارضة إلى مجلس الأمة.

واستمرارًا للاحتجاج على هذا القرار الحكومي، فقد دعت المعارضة السياسية القوى والتيارات السياسية الدينية والليبرالية، بالإضافة إلى الكثير من الشخصيات الوطنية المستقلة، إلى المقاطعة الواسعة، وقد تمت الاستجابة لها على نطاق واسع، حيث انخفضت نسبة المشاركة في أول انتخابات وفق نظام الصوت الواحد في ديسمبر 2012 إلى 40%، والتي تم إبطالها أيضًا بحكم المحكمة الدستورية التي حصّنت في الوقت نفسه مرسوم الصوت الواحد، الأمر الذي مهّد لمشاركة بعض التيارات السياسية المقاطعة على استحياء في الانتخابات التالية عام 2013.

وجاءت نتائج انتخابات 2013 بتركيبة موالية للحكومة إلى حد كبير، ساهمت في إقرار معظم القوانين والإجراءات التي تقدمت بها الحكومة، وفي مقدمتها: زيادة أسعار الوقود ورفع الدعم عن بعض السلع والخدمات، وزيادة أسعار الكهرباء، وفرض رسوم مالية على الخدمات العامة، وإلغاء المزايا المالية لقطاعات وظيفية عديدة، بينما اعتمد المجلس مجموعة من القوانين المقيِّدة للحريات العامة، وفي مقدمتها قانون الحرمان السياسي من الترشيح لعضوية مجلس الأمة، وقانون الجرائم الإلكترونية، وقانون تحديد الحبس الاحتياطي في قضايا الرأي، وقانون البصمة الوراثية، والموجهة جميعها ضد التيارات والشخصيات المعارضة.

إضافةً إلى ذلك فقد أجهز المجلس على عدد من الاستجوابات المقدمة لرئيس الحكومة وبعض الوزارة، وشطبها من جدول الأعمال، مما أدى إلى استقالة خمسة من النواب احتجاجًا على مصادرة الدور الرقابي للبرلمان.

وأدى هذا الأداء النيابي الضعيف رقابيًّا، والقاسي على التطلعات الشعبية، إلى تذمر واسع، وبدأت الانتقادات الحادة تعلو ضد المجلس، الأمر الذي قاد إلى الإعلان المفاجئ عن حل البرلمان في سابقة تاريخية، حيث إن المجلس كان في عطلة برلمانية، واستند مرسوم الحل إلى الظروف والتطورات الإقليمية التي تمر بها المنطقة العربية في تبرير اعتبره الكثير من المراقبين غريبًا ومفاجئًا، وتمت دعوة الناخبين إلى صناديق الاقتراع يوم 27 نوفمبر 2016، وهي فترة قصيرة جدًّا للحملات الانتخابية التي يُفترض أن تستمر لمدة شهرين في الأحوال العادية.

دلالات انتخابات 2016:

حملت انتخابات 2016 مجموعةً من المؤشرات والنتائج الملفتة التي قد ترسم ملامح جديدة للمشهد السياسي الداخلي، وتستحق التحليل والتشخيص، واستشراف مستقبل الديمقراطية الكويتية، ولعل من أبرز هذه الملاحظات ما يلي:

1-  المشاركة الواسعة في عملية الاقتراع، ذكورًا وإناثًا، في جميع الدوائر الانتخابية، حيث بلغت نسبة من أدلوا بأصواتهم أكثر من 70%، وذلك للمرة الأولى منذ انتخابات عام 1992 التي تلت تحرير الكويت من الغزو العراقي، الأمر الذي قد يُعيد حيوية الديمقراطية الكويتية بعد فترة من الركود استمرت لسنوات طويلة تجاوزت العقدين من الزمن.

2- السخط الشعبي الكبير الذي يمكن التعبير عنه بحالة الغضب من مجلس 2013، حيث أسفر عن نسبة تغيير غير مسبوقة في تاريخ مجالس الأمة، وقد جاءت صناديق الدوائر الانتخابية بتسونامي تغيير على النحو التالي: الأولى 50%، الثانية 40%، الثالثة 70%، الرابعة 80%، الخامسة 60%، أي دخول 34 نائبًا جديدًا، أي ما نسبته 60%، مع سقوط العدد الأكبر من النواب الموالين للحكومة.

3- انفراط عقد ما عُرف بـ"الأغلبية المُبطِلة"، وهي المعارضة السياسية التي ظهرت في انتخابات 2012 الأول، فقد شاركت التيارات والقوى السياسية والعديد من رموز وشخصيات المعارضة في الانتخابات الأخيرة، مع وضوح تراجع شعبيتها، حيث سقط العديد من مرشحي المعارضة، بينما فاز بعضهم بمراكز متأخرة.

4- شهدت نتائج الانتخابات سقوط التيار السلفي بشكل كامل، حيث لم يُحقق أيٌّ من مرشحيه الفوز بمقاعد البرلمان، وقد يعود الأمر إلى انقسام هذا التيار من الداخل، واستمرار مقاطعة الجناح المتشدد فيه للانتخابات، وتأييد التيار لمرشحين من خارج تنظيمهم السياسي. وفي المقابل، نجح تيار الإخوان المسلمين في حصد أربعة مقاعد، وإن كانت أغلبيتها من خلال صوت القبيلة التي ينتمون إليها وليس بفضل التنظيم وقواعده.

5- تراجع مرشحي الخطاب الطائفي بين السنة والشيعة على حد سواء وبشكل ملحوظ، وإن استمرت هذه الظاهرة على مستوى قلة الأفراد، وهذا قد لا يؤدي إلى اختفاء الصوت الطائفي داخل البرلمان، ولكنه بالتأكيد سيكون بدرجات أقل من المجالس الأربعة السابقة، وقد يعكس هذا المؤشر فقدان الخطاب الطائفي لبريقه وأولويته أمام تزايد التركيز على القضايا التي باتت تمس الحالة المعيشية لعموم المواطنين.

6-  تراجع مقاعد النواب الشيعة من تسعة إلى ستة مقاعد، وقد يعود السبب في ذلك إلى زيادة المرشحين من هذه الطائفة في بعض الدوائر التي يتمتعون فيها بثقل عددي، أو زيادة نسبة المشاركة العامة في الدوائر الأخرى التي سبق أن نجح فيها نواب من الشيعة في حالة المقاطعة الكبيرة التي شهدتها هذه الدوائر في الانتخابات السابقة، بالإضافة إلى التذمر الواسع من الوجوه التقليدية الموالية للحكومة، وخاصة في دعمها للقرارات غير الشعبية التي طالت جيب المواطن.

7- تراجع التمثيل النيابي لأكبر القبائل، وفي مقدمتها قبيلة المطير وقبيلة العوازم، في الدوائر التي يمثلون فيها أغلبية كاسحة، كالدائرة الرابعة والخامسة على التوالي، ويرجع السبب في ذلك إلى نظام الصوت الواحد الذي منح الفرصة للقبائل الصغيرة لترتيب أوراقها، والتركيز على مرشح واحد، في مقابل فشل الانتخابات الفرعية للقبائل الكبيرة، وتمرد الكثير من أبنائها الشباب عن الالتزام بنتائجها، وخوض العديد من مرشحي هذه القبائل للانتخابات بشكل مستقل، أو تبعًا لفخذ القبيلة الكبيرة التي فتتها نظام الصوت الانتخابي الواحد.

8- نجحت المرأة في حصد مقعد واحد فقط بعد غيابها مجلسين متتاليين، رغم كثافة الحضور النسائي في عملية الاقتراع، وقد يعود الأمر في ذلك إلى قلة المرشحين من الإناث، وخاصة من الشخصيات ذات التاريخ السياسي البارز، وكذلك استمرار حالة عدم تصويت المرأة للمرأة في الثقافة الكويتية، وإن حصلت بعض المرشحات الجديدات في الساحة السياسية على نتائج مشجعة لم تكن كافية للمنافسة الحقيقية لكنها قد تكون بداية لانطلاقة واعدة في المستقبل. 

9- رَجَحَت كفة المعارضة بشكل واضح في الانتخابات الأخيرة، حيث يتوقع أن يصل عدد النواب الذين أبدوا في حملاتهم الانتخابية هجومًا سياسيًّا صريحًا على الأداء الحكومي أكثر من 24 نائبًا من حيث المبدأ، الأمر الذي قد يشكل أغلبية برلمانية قادرة على إسقاط الحكومة أو أي من وزرائها في التصويت على طرح الثقة في حالة تقديم الاستجوابات النيابية، ومثل هذه الكتلة المرشحة للازدياد تبقى متنوعة بين المعارضة التقليدية الإسلامية منها والليبرالية أو دعاة الإصلاح ومواجهة الفساد الحكومي والنيابي بشكل عام، وقد تزداد قوةً وصلابةً في حال اتفاقها على برنامج وطني يجمع القواسم المشتركة لكل فئات المجتمع الكويتي.

10- من أبرز وأهم نتائج انتخابات 2016 صعود نجم المرشحين الشباب ممن أبهروا الناخبين بالخطاب السياسي والجرأة في طرح القضايا، وتقديم الحلول للمشاكل الأزلية، مع إعادة روح الأمل لعملية البناء والتنمية، وكانت المفاجأة أن يكتسح بعض هذه الرموز الجديدة صناديق الاقتراع، ويحتلوا مراتب متقدمة، ومنافسة أصحاب الخبرة ورموز التيارات السياسية الكبيرة.

ومن شأن وجود هذه النخبة الشبابية في المجلس القادم إضفاء حماسة سياسية تحت قبة البرلمان لإثبات وجودهم بالأداء المتميز وقبول التحدي، وفتح أفق جديد لثقافة سياسية جديدة تلامس متطلبات العصر واحتياجات الغالبية الصامتة، وفتح أبواب المستقبل أمام الشباب على جميع الأصعدة، وفي مقدمتها العمل السياسي، وإعادة رسم ملامح الديمقراطية الكويتية، والأهم من ذلك وضع الحكومة القادمة أمام اختبار حقيقي.