مسار جديد:

هل يسعى الاتحاد الأوروبي لإجراء حوار "غير نووي" مع إيران؟

06 November 2016


تشير الزيارة التي قامت بها منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني إلى إيران، في 29 أكتوبر 2016، إلى أن ثمة تغيرًا ملحوظًا في السياسة التي يتبناها الاتحاد تجاه الأزمات الإقليمية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وباتت تفرض تداعيات قوية ومباشرة على مصالح وأمن دوله. إذ كان لافتًا أن الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران ومجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015، لم يكن المحور الوحيد للمحادثات التي أجراها المسئولون الأوروبيون والإيرانيون خلال الزيارة، بل إن الملف السوري تحديدًا حظى باهتمام خاص من جانب الطرفين في هذه المحادثات. 

وفي الواقع، فإن تكرار زيارات المسئولين الأوروبيين إلى إيران خلال الفترة الأخيرة يطرح دلالة مهمة تتمثل في أن الوصول للاتفاق النووي دفع الاتحاد الأوروبي إلى الاتجاه نحو الانخراط في حوارات "غير نووية" مع إيران، في ظل الاهتمام المتصاعد من جانب الاتحاد بأزمات المنطقة. لكن هذا الانخراط يواجه تحديات عديدة لا تبدو هينة، على غرار استمرار الخلاف حول الاتفاق النووي، وتصاعد الاتهامات الموجهة لإيران بدعم الإرهاب، وحرص الأخيرة على إجراء تجارب لإطلاق صواريخ باليستية، وإصرارها على مواصلة دعم النظام السوري.

مصالح متعددة:

يرى الاتحاد الأوروبي أن الانخراط في حوارات غير نووية مع إيران يمكن أن يفرض تداعيات إيجابية عديدة تتمثل في:

1- ضمان الاستمرار في تطبيق الاتفاق النووي: يبدي الاتحاد اهتمامًا خاصًا بتنفيذ الاتفاق النووي، باعتبار أن هذا الاتفاق ساعد في تجنيب منطقة الشرق الأوسط اندلاع حرب واسعة النطاق بسبب أزمة الملف النووي الإيراني، في ظل إصرار الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، قبل الاتفاق، على عدم السماح لإيران بمواصلة التقدم نحو الوصول لمرحلة إنتاج القنبلة النووية.

وهنا، فإن الدول الأوروبية مارست دورًا بارزًا في الجهود التي بذلت من أجل الوصول إلى تسوية للأزمة النووية، منذ بداية تصاعدها في عام 2002، حيث قادت كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا ما يسمى بـ"الترويكا الأوروبية" التي بذلت خلال تلك الفترة جهودًا حثيثة في هذا السياق.

وبعد توسيع نطاق القوى الدولية المشاركة في المحادثات مع إيران لتتحول من "الترويكا الثلاثية" إلى مجموعة "5+1"، شاركت الدول الأوروبية الثلاث إلى جانب ألمانيا، بقوة في المفاوضات التي جرت مع إيران والتي حققت نتائج بارزة بداية من توقيع اتفاق جنيف المرحلي في نوفمبر 2013 وانتهاء بالوصول للاتفاق النووي في يوليو 2015.

ومن هنا، ربما يمكن تفسير اهتمام القوى الأوروبية، خلال الفترة الحالية، بالسعي لإزالة الصعوبات التي ما زالت تحول دون رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران، أو بالتحديد تمنع التعاملات المالية والمصرفية بين الشركات والمصارف الإيرانية والشركات والمصارف الأوروبية، خاصة أن الأخيرة تخشى التعرض لعقوبات أمريكية في حالة ما إذا اتجهت إلى إبرام صفقات مع جهات داخل إيران تواجه اتهامات بدعم الإرهاب أو بالمشاركة في تطوير برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.

2- مواجهة أزمة اللاجئين: يبدو أن الضغوط القوية التي باتت تفرضها أزمة اللاجئين على الدول الأوروبية، على المستويات المختلفة الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، قد دفعتها إلى التحرك نحو تفعيل المشاركة في الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية للأزمات الإقليمية في المنطقة، ولا سيما الأزمة السورية. 

ووفقًا للرؤية الأوروبية، فإن أحد المداخل الرئيسية التي يمكن الاستناد إليها في تفعيل المشاركة الأوروبية في تلك الجهود يتمثل في السعى لدى القوى الإقليمية المعنية بتلك الأزمات من أجل البحث في إمكانية الوصول لتوافقات محتملة قد تساعد في الوصول لتلك التسويات. وربما يفسر ذلك حرص منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، خلال القمة الثامنة والعشرين للاتحاد الأوروبي، في أكتوبر 2016، على طرح مبادرة إجراء حوار مع تلك القوى الإقليمية، لدعم فرص التوافق على بدء عملية انتقال سياسي في سوريا يمكن أن تساهم في تسوية تلك الأزمة التي قاربت على دخول عامها السادس.

لكن اللافت في هذا السياق، هو أن اهتمام أوروبا بقضية اللاجئين لا يتركز فقط على اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط إلى الدول الأوروبية، بل يمتد أيضًا إلى اللاجئين الذين تستضيفهم بعض دول المنطقة على أراضيها، مثل إيران، التي تقع، وفقًا لاتجاهات عديدة، على طريق الهجرة من أفغانستان إلى الدول الأوروبية، حيث يأتي الأفغان في المرتبة الثانية بعد السوريين في معدلات الهجرة عن طريق البحر إلى الدول الأوروبية.

ومن هنا، ربما يمكن تفسير زيارة مفوض الشئون الإنسانية بالاتحاد الأوروبي كريستوس ستالياندس إلى إيران في أكتوبر 2016، حيث أعلن عن قيام الاتحاد بتقديم مساعدات للاجئين الأفغان في إيران تقدر بنحو 12.5 مليون يورو. 

3- البحث عن بديل جديد للطاقة: ربما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى البحث عن بديل جديد للنفط والغاز، بعد أن فرضت الأزمة الأوكرانية ضغوطًا قوية على دول الاتحاد بسبب السياسة التي تبنتها روسيا في هذا السياق. وهنا، فإن إيران، بسبب امتلاكها لاحتياطات كبيرة من النفط والغاز، ربما تمثل بديلا محتملا لنقل الطاقة إلى الدول الأوروبية في حالة ما إذا اتجهت الأخيرة إلى تبني سياسة تنويع مصادر الطاقة، لتجنب تكرار الأزمة التي تعرضت لها على خلفية اتساع نطاق الخلافات مع روسيا.

وقد كان لافتًا حرص الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال لقاءه موغيريني، على تأكيد أن إيران بإمكانها على المدى البعيد أن توفر أمن الطاقة خاصة بعد أن تحولت، في رؤيته، إلى ممر آمن للتجارة العابرة بين شمال وشرق آسيا وأوروبا.

عقبات مختلفة:

لكن هذا الانخراط المحتمل في حوارات غير نووية بين إيران والاتحاد الأوروبي يواجه تحديات عديدة. إذ أن الاتحاد الأوروبي ما زال يبدي اهتمامًا خاصًا بانتهاكات حقوق الإنسان في إيران، وهو ما دفع مجلس الاتحاد، في أبريل 2016، إلى تمديد العقوبات التي يفرضها على 82 شخصًا وكيانًا في إيران بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، وذلك لمدة عام.

ويبدو أن ذلك هو ما دفع إيران إلى تبني سياسة متشددة تجاه هذا الملف تحديدًا، وهو ما بدا جليًا في رفضها السماح بتأسيس مكتب تابع للاتحاد في إيران قبل يومين فقط من زيارة موغيريني، حيث وصفه رئيس هيئة حقوق الإنسان التابعة للسلطة القضائية محمد جواد لاريجاني بأنه "وكر فساد" معتبرًا أن مشكلته، في رؤية إيران، تكمن في أنه سوف يمثل منتدى للتواصل مع نشطاء حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية داخل إيران، وذلك قبل أن تعيد إيران التأكيد على أنه لم تتم مناقشة هذا الموضوع خلال زيارة موغيريني، في إشارة إلى أن ثمة ارتباكًا في السياسة التي تتبناها إيران تجاه الاتحاد.

فضلا عن ذلك، فإن إصرار إيران على إجراء مزيد من التجارب الخاصة بإطلاق الصواريخ الباليستية يمثل تحديًا آخر لا يبدو هينًا، خاصة أنه يؤشر إلى أن إيران ربما تسعى للالتفاف على بنود الاتفاق ولا يمكن الاعتماد على قدرتها على الانخراط في التزامات دولية صارمة.

إلى جانب أنه لا يمكن التعويل على إمكانية مشاركة إيران في الجهود المبذولة لتسوية الأزمة السورية، في ظل دعمها القوى للنظام السوري، بهدف تعزيز قدرته على استعادة بعض المناطق التي سيطرت عليها المعارضة في الفترة الماضية.

وهنا، فإن اللافت للانتباه أن الاتحاد الأوروبي، على غرار بعض القوى الدولية الأخرى، لا يبدي اهتمامًا بالمساعي التي تبذلها إيران لتكوين ميليشيات طائفية لدعم نظام الأسد، حيث تستغل وجود لاجئين أفغان على أراضيها لتحقيق ذلك، من خلال تكوين ما يسمى بـ"لواء الفاطميين"، إلى جانب ميليشيات من جنسيات أخرى، وهو ما لا يثير أية ردود فعل من جانب الاتحاد الأوروبي الذي يتابع أوضاع اللاجئين الأفغان في إيران ويقدم مساعدات مالية في هذا السياق.

كما أن تحول إيران إلى بديل لروسيا فيما يتعلق بصادرات الطاقة إلى أوروبا لا يبدو سهلا، سواء لجهة غياب البنية التحتية الإيرانية القادرة على نقل الغاز إلى أوروبا، أو لجهة تخوف إيران من احتمال تصاعد حدة التوتر في العلاقات مع روسيا التي سوف تعتبر تلك الخطوة محاولة لتقليص ضغوطها على الدول الأوروبية.

وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن المساعي التي يبذلها الاتحاد الأوروبي للمشاركة في جهود تسوية الأزمات الإقليمية بالمنطقة، لا يبدو أنها سوف تحقق نتائج بارزة على الأقل في المدى القريب، لا سيما في ظل غياب المؤشرات التي تعزز من احتمالات الوصول لمثل تلك التسويات في المرحلة القادمة، فضلا عن إصرار إيران على عدم إجراء تغييرات في السياسة التي تتبناها وتسببت في تصاعد حدة تلك الأزمات.