عوامل مُؤثرة:

كيف تُشكّل القضايا الاجتماعية والثقافية اتجاهات الناخبين الأمريكيين؟

05 November 2024


في الشهر الأخير قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر عقدها في 5 نوفمبر 2024، واجه الناخبون مجموعة من القضايا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي قد تؤثر بشكل أو بآخر في نتائج الانتخابات. وتتنوع هذه القضايا بين القضايا الأكثر إلحاحاً بالنسبة للناخبين، والقضايا الأقل إلحاحاً، ومنها على سبيل المثال، قضايا الاقتصاد والرعاية الصحية والتعليم والهجرة والإجهاض والمساواة بين الجنسين وغيرها. 

تسع قضايا: 

في هذا السياق؛ يمكن الإشارة إلى أبرز تسع قضايا اقتصادية واجتماعية وثقافية ستحدد اتجاهات الناخبين الأمريكيين، خلال الانتخابات الرئاسية المرتقبة، وهي كالتالي:

1. مُشكلات الطبقة العاملة: يبقى الاقتصاد القضية الأهم لأغلبية الناخبين الأمريكيين قبيل الانتخابات الرئاسية 2024. فوفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة غالوب، في أكتوبر 2024، يعتبر 52% من الناخبين الاقتصاد "بالغ الأهمية" في تحديد اختياراتهم. ومن بين مؤيدي المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب، يرى 93% أن الاقتصاد هو القضية الأهم، بينما يرى ذلك 68% من مؤيدي المرشحة الديمقراطية ونائبة الرئيس الحالي كامالا هاريس. 

وتتمثل القضايا الأساسية التي تشغل الناخبين، ولاسيما من الطبقة العاملة في ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض الأجور، وارتفاع تكاليف المعيشة. 

وقد كشف استطلاع لمؤسسة كايزر فاميلي، أن التضخم يظل القضية الأولى للناخبات، خاصةً بين النساء من ذوات البشرة السمراء واللاتينيات؛ إذ أعربت 51% و41% منهن، على التوالي، عن أنه يمثل أهم اهتماماتهن. ويمتلك ترامب ميزة كبيرة في هذه القضية، حيث يعتقد 55% من الناخبين أن لديه سياسات اقتصادية أفضل مقارنة بـ45% لصالح هاريس؛ وهو ما يرجع إلى خطابه الانتخابي الذي يحمل رسائل حول خلق فرص العمل والنمو الاقتصادي وتخفيض الضرائب؛ وهو ما يلقى صداً قوياً لدى الناخبين من الطبقة العاملة، خصوصاً في الولايات المتأرجحة مثل: أوهايو، وبنسلفانيا، وميشيغان. بينما تركز هاريس على مُعالجة عدم المساواة الاقتصادية من خلال برامج تستهدف رواد الأعمال من ذوي البشرة السمراء والأسر ذات الدخل المنخفض.

وقد أصبحت التحديات الاقتصادية التي تواجه مجتمعات ذوي البشرة السمراء في مقدمة أولويات انتخابات 2024، حيث قدمت هاريس برنامج قروض بقيمة مليون دولار لدعم رواد الأعمال من ذوي البشرة السمراء، بينما تصدّر مالك شركة "سبيس إكس" إيلون ماسك العناوين بتعهده بتقديم مليون دولار يومياً عشوائياً لأي شخص موجود في تجمعات ترامب الانتخابية بشرط التزامهم بالتصويت. 

2. تُهم الفساد المُرتبطة بالنخب السياسية: تلقي قضية جيفري إبستين، المليونير الذي اتهم بالاتجار في الجنس، بظلالها على الانتخابات الأمريكية، رغم وفاته في السجن عام 2019؛ نتيجة ما أُشيع وقتها أنه انتحار. وكان إبستين قد اتهم بإدارة شبكة واسعة من الفتيات القاصرات لممارسة الجنس، لكنه لم يقر بذلك.

وقد أصبحت قضية إبستين رمزاً قوياً للفساد، ولاسيما بين الناخبين الجمهوريين الذين يرونها انعكاساً لسوء تصرف النخب، ويربطونها غالباً بالحزب الديمقراطي؛ وذلك في ضوء علاقات إبستين بشخصيات بارزة من الديمقراطيين منهم الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون.

ووفقاً لاستطلاع من غالوب، يُصنّف نحو 40% من الناخبين الأمريكيين كمستقلين، وكثيرون منهم ينجذبون إلى أن قضية إبستين تمثل فساد النخبة السياسية. وكشف استطلاع شباب جامعة هارفارد أن 55% من "الجيل زد" يفتقرون إلى الثقة بالمؤسسات الحكومية؛ مما يجعل هذه القضية مؤثرة بشكل خاص بين الناخبين الأصغر سناً.

وتأتي في هذا السياق أيضاً؛ قضية المنتج والمغني الأمريكي الشهير شون ديدي كومز، الذي يواجه تُهماً بالاغتصاب والاعتداء والتحرش الجنسي، والقضية تضم قائمة لأشخاص ينتمون بشكل أو بآخر للحزب الديمقراطي. 

وتُسهم قضيتا إبستين وديدي في زيادة الشعور لدى بعض الناخبين بأن الفساد مُتجذر داخل الحزب الديمقراطي. وتُعد هذه القضايا فعّالة بشكل خاص في تعبئة الناخبين من اليمين والمستقلين الذين يولون الشفافية والمساءلة أهمية كبرى. 

3. احتمالية أن يكون الرئيس القادم "سيدة": وفقاً لاستطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث في سبتمبر 2023، فإن النساء تعتقدن بأن وجود سيدة في سدّة الحكم، سيكون أفضل بـ11 نقطة مئوية أكثر من الرجال. بالإضافة إلى ذلك؛ يُظهر استطلاع بيو للأبحاث لعام 2023 دعماً متزايداً لفكرة وجود رئيسة سيدة؛ إذ صرّح 94% من الأمريكيين بأنهم سيصوتون لصالحها، وهذا يمثل تحولاً كبيراً مقارنةً بعام 2016. عندما كانت هيلاري كلينتون تخوض سباق الرئاسة، أظهر استطلاع غالوب حينها أن 80% فقط من الناخبين كانوا مرتاحين لفكرة وجود رئيسة سيدة؛ مما يعكس التحيزات الجندرية التي كانت لا تزال موجودة، والتي تلاشت في دورة الانتخابات الحالية.

4. الموقف من الصراع في قطاع غزة: اكتسبت الحرب المستمرة في قطاع غزة الفلسطيني، أهمية مُتزايدة في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024؛ إذ كشف استطلاع أجرته مجلة "نيوزويك" في أكتوبر 2024 أن 66% من الأمريكيين يفضّلون إنهاء الحرب في غزة. ومن بين الانتماءات السياسية، يعارض 73% من الديمقراطيين دعم الولايات المتحدة للحملة العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، بينما يتشارك 55% من مؤيدي ترامب نفس الرأي. كما شهدت القاعدة الديمقراطية تغيراً ملحوظاً؛ فقد أظهر استطلاع غالوب في عام 2023 أن نسبة الديمقراطيين الذين يتعاطفون مع الفلسطينيين بلغت 49% متجاوزة لأول مرة عدد المُتعاطفين مع الإسرائيليين والذي بلغ 38%. 

هذا التغير له أهمية خاصة في ولايات ذات نسبة كبيرة من السكان الأمريكيين اليهود، مثل: نيويورك وفلوريدا، حيث يؤكد الجمهوريون أهمية أمن إسرائيل لجذب الناخبين اليهود المحافظين. من جانب آخر، أصبح الناخبون العرب الأمريكيون، خاصةً في ميشيغان وأوهايو، أكثر صراحة بشأن السياسة الخارجية الأمريكية، حيث يلقى الديمقراطيون تأييداً مُتزايداً بين هؤلاء الناخبين.

وبالنسبة للناخبين الشباب التقدميين؛ يرتبط الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بموضوعات أوسع حول حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية؛ إذ يدعون إلى معالجة الأسباب الجذرية للنزاع، مثل: حصار غزة واحتلال الضفة الغربية. وأبرز استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث، في سبتمبر 2024 أن ترامب يتقدم بفارق ضئيل على هاريس في السياسة الخارجية، حيث يؤيد 51% من الناخبين طريقة تعامله مع النزاعات الدولية، مقارنة بـ49% لهاريس.

5. قضية الرعاية الصحية: تظل الرعاية الصحية من أهم القضايا بالنسبة للناخبين؛ إذ تسيطر التكاليف المُتزايدة، وملاءمة التأمين، والتعافي بعد الجائحة على النقاشات. وقد أظهر استطلاع لمركز بيو للأبحاث، في سبتمبر 2024 أن 76% من مؤيدي هاريس يعتبرون الرعاية الصحية قضية ذات أولوية عالية. وأفاد غالبية ضئيلة من الناخبين (51%) بأن هاريس لديها ميزة على ترامب فيما يتعلق بسياسات الرعاية الصحية، مقارنة بـ49% لصالح ترامب.

وتُعد الرعاية الصحية حاسمة بشكل خاص للأسر العاملة، والأمريكيين الأكبر سناً الذين يعتمدون على برنامج "ميديكير"، والناخبين الشباب الذين يبحثون عن خيارات تأمين ميسورة. ويولي الناخبون في الولايات المتأرجحة، خاصة تلك التي تشهد معدلات عالية من غير المؤمن عليهم، اهتماماً كبيراً بمنصات المرشحين حول الرعاية الصحية؛ وهو يجعل من الرعاية الصحية عاملاً محورياً؛ إذ يسعى كل من ترامب وهاريس لكسب ثقة الناخبين المهتمين بالرعاية طويلة الأمد، وتكاليف العلاج، والوصول إلى خدمات صحية ميسورة التكلفة.

6. قضية التعليم وحقوق المثليين: أصبحت قضايا التعليم والمثليين محورية في النقاشات الثقافية التي تشكّل جزءاً من السياسة الأمريكية. وقد تصاعدت النقاشات حول موضوعات مثل: نظرية العرق النقدي –ويقصد بها مجموعة من المواقف النقدية ضد النظام القانوني القائم من وجهة نظر مُستندة على العرق- والهوية الجنسية في المدارس، خاصة في الانتخابات المحلية حيث تلقى هذه القضايا صدى قوياً بين الناخبين المحافظين. وقد أظهر استطلاع أجرته "ذا إيكونوميست" و"يوجوف" أن التعليم يُعد من القضايا الأساسية للناخبين في المناطق الريفية، خاصة النساء اللواتي تعتبرنه أساسياً لمستقبل أطفالهن. 

ووفقاً لاستطلاع غالوب الأخير، يعتبر 85% من الناخبين التعليم قضية رئيسية، ويضعونه في مرتبة أعلى من الرعاية الصحية. وقد خلقت هذه الانقسامات الثقافية كتلاً تصويتية متميزة؛ حيث يركز المحافظون، خاصةً في المناطق الريفية، على التحكم في محتوى التعليم، بينما يدعم الناخبون التقدميون والشباب أنظمة تعليمية أكثر تنوعاً وشمولاً. ومع بقاء التعليم قضية محورية في المناطق الريفية، من المرجح أن يؤدي دوراً بارزاً في تشكيل نتائج انتخابات 2024.

7. قضية الهجرة: تظل الهجرة واحدة من أكثر القضايا المثيرة للانقسام في السياسة الأمريكية، خصوصاً بعد جهود إدارة بايدن لإصلاح سياسات الحدود وإلغاء العديد من التدابير التي اتخذها ترامب. وكشف استطلاع غالوب لعام 2024 أن 54% من الناخبين يعتقدون أن ترامب سيُدير ملف الهجرة بشكل أفضل من هاريس. من بين مؤيدي ترامب، حدد 82% الهجرة كأولوية قصوى، مقارنة بـ39% فقط من مؤيدي هاريس. ووفقاً لاستطلاع مؤسسة كايزر فاميلي، اعتبرت 13% من الناخبات الهجرة ثالث أهم قضية بعد الاقتصاد والرعاية الصحية.

وتُعد الهجرة قضية حاسمة بشكل خاص في الولايات الحدودية مثل: تكساس وأريزونا، حيث يفضّل الناخبون المحافظون تشديد الرقابة على الحدود وتعزيز إنفاذ القانون. وبالنسبة للعديد من المرشحين الجمهوريين، ترتبط قضية الهجرة بمخاوف أوسع حول الأمن القومي والجريمة. وفي المقابل، يدعم الديمقراطيون عموماً إصلاحاً شاملاً يتضمن مسارات للحصول على الجنسية للراغبين وطالبي اللجوء.

وفي الولايات المتأرجحة ذات العدد الكبير من السكان اللاتينيين، مثل: نيفادا وفلوريدا، تظل الهجرة قضية رئيسية قد تؤثر في الناخبين بمختلف توجهاتهم. وقد أبرزت دراسة لمركز بيو للأبحاث أن 77% من الجمهوريين يعتبرون الهجرة غير الشرعية مشكلة كبيرة، مُقارنة بـ19% فقط من الديمقراطيين، مما يُبرز الانقسام الحزبي العميق. إضافة إلى ذلك، غالباً ما ترتبط قضية الهجرة بمخاوف الجريمة؛ إذ يعطي 52% من الناخبين الجمهوريين الأولوية لمعدلات الجريمة عند اتخاذ قراراتهم السياسية.

8. قضية الإجهاض: أصبح الإجهاض مجدداً قضية محورية بعد قرار المحكمة العليا بإلغاء قرار "رو ضد ويد" في عام 2022، والذي قضت فيه بأن دستور الولايات المتحدة يحمي حرية المرأة الحامل في اختيار الإجهاض دون قيود حكومية، حيث سمحت للولايات بمنع الإجهاض. وكشف استطلاع أجرته "نيوزويك" في أكتوبر 2024 أن 53% من الناخبين يدعمون الموقف الديمقراطي بشأن الإجهاض، مُقابل 36% يفضّلون الموقف الجمهوري. وقد حفزت هذه القضية بشكل خاص الناخبات؛ إذ أظهر استطلاع لمؤسسة كايزر فاميلي، أن 40% من النساء تحت سن الثلاثين تعتبرن الإجهاض أهم قضية تصويتية لديهن، بعد أن كانت النسبة 20% فقط في بداية العام. 

وقد أثار قرار "دوبس ف. جاكسون"؛ وهو ما يشير إلى قرار للمحكمة العليا الأمريكية قضت فيه بأن دستور الولايات المتحدة لا يمنح أي حق للإجهاض، الناخبين، حيث أصبحت حقوق الإجهاض قضية مهمة في الحملات الديمقراطية، خاصة في الدوائر المتأرجحة. وأظهرت استطلاعات مركز بيو للأبحاث أن 61% من الأمريكيين يعتقدون بوجوب أن يكون الإجهاض قانونياً في معظم الحالات أو جميعها؛ وهو شعور قد يدفع الناخبين المترددين نحو المرشحين الديمقراطيين في الولايات الرئيسية المتأرجحة. وتتفوق هاريس على ترامب في هذه القضية؛ إذ يؤيد 55% من الناخبين موقفها بشأن الإجهاض، مقارنة بـ44% لصالح ترامب.

9. قضية الديمقراطية: تزايدت المخاوف بشأن حالة الديمقراطية والتهديدات لنزاهة الانتخابات؛ لتصبح قضية مهمة في انتخابات 2024؛ إذ أظهر أحدث استطلاع لمؤسسة غالوب أن 49% من الناخبين يرونها قضية "بالغة الأهمية". وتبرز هذه المخاوف بشكل خاص بين الناخبين الديمقراطيين، الذين يعطون الأولوية لقضايا مثل: حقوق التصويت، ونوعية القضاة الذين سيعينهم المرشحون في المحكمة العليا، والحفاظ على المعايير الديمقراطية العامة.

وبحسب استطلاع لمؤسسة كايزر فاميلي، تعتبر النساء اللواتي يبلغن 65 عاماً فما فوق، التهديدات الموجهة للديمقراطية القضية الأهم، متجاوزة حتى التضخم والرعاية الصحية. وتتساوى هاريس وترامب في هذا الشأن، حيث أبدى 50% من الناخبين ثقتهم في قدرة كل منهما على التعامل مع التهديدات الموجهة للديمقراطية، وفقاً لمركز بيو للأبحاث. ومن المتوقع أن تحفّز هذه القضية الإقبال على التصويت، خاصة بين كبار السن ومن يهتمون بالحفاظ على المؤسسات الديمقراطية.

وقبيل انطلاق الماراثون الرئاسي الأمريكي؛ تتضح القضايا الأكثر أهمية للناخبين، والتي لم تسهم فقط في تشكيل استراتيجيات الحملات الانتخابية وإنما أيضاً سيكون لها نصيب كبير في تحديد نتائج الانتخابات. بدءاً من الاقتصاد والرعاية الصحية إلى القضايا الشخصية مثل: الإجهاض والهجرة. وقد يكون ترتيب هذه القضايا وطريقة تناول كل مرشح لها العامل الحاسم في التأثير في الولايات المتأرجحة الرئيسية، وتحديد نسبة الإقبال على التصويت. ومع اقتراب السباق من نهايته، قد تكون هذه الأيام الأخيرة محورية في كسب أصوات الناخبين المترددين وتثبيت الطريق الانتخابي نحو النصر لأي من الجانبين.