المصري اليوم:

أ. د. حمدى عبدالرحمن يكتب: سيناريوهات المستقبل.. هل تغير انتخابات جنوب إفريقيا التوازنات السياسية الحزبية؟

04 June 2024


من المحتمل أن تشكل الانتخابات الوطنية التى ستشهدها جنوب إفريقيا فى 29 مايو 2024 نقطة تحول كبرى فى تاريخ البلاد منذ نهاية الفصل العنصرى. وقد يرتبط ذلك فى أحد جوانبه بأنها تصادف الذكرى الثلاثين لأول انتخابات تُجرى بعد سقوط نظام الفصل العنصرى التشريعى عام 1994. ومن المتوقع أن تكون الانتخابات الوطنية هذا العام الأكثر تنافسية منذ تولى حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى الحكم عام 1994. ويواجه الحزب تحديات متعددة فى سعيه للاحتفاظ بالأغلبية فى الجمعية الوطنية، وتأمين فترة ولاية أخرى للرئيس سيريل رامافوزا، وهناك احتمال قوى بأن تكون هناك حاجة إلى تشكيل ائتلاف من الأحزاب لحكم البلاد.

لقد بات واضحا أن حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى قد فقد كثيرا من تأييد قاعدته الانتخابية؛ بسبب الانقسامات الداخلية، وفضائح الفساد، وفشل الحزب فى الوفاء بشكل كامل بوعوده بحياة أفضل؛ إذ بعد 30 عاما من قيادته للحكومة، لا تزال البلاد تعانى من مشكلات اقتصادية، بما فى ذلك معدلات البطالة المرتفعة، وعدم كفاية إمدادات الكهرباء ومشكلات أخرى فى تقديم الخدمات، والتفاوت العام بين مختلف طبقات السكان فى جنوب إفريقيا. علاوة على ذلك، أصبحت قدرة حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى على الاحتفاظ بوضعه كحزب حاكم مهددة مؤخرا بسبب تزايد شعبية الأحزاب المنافسة الأخرى.

وقد أدت هذه العوامل إلى تعريض حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى، للمرة الأولى، لخطر الفشل فى الفوز بأغلبية مقاعد الجمعية الوطنية. وإذا حدث ذلك، فسوف يحتاج الحزب إلى العثور على حزب أو أكثر لتشكيل ائتلاف حاكم، أو المخاطرة بالإطاحة به من قبل ائتلاف من الأحزاب الأخرى، مثل ميثاق التعددية الحزبية، وهو تحالف من أحزاب المعارضة، بقيادة جون ستينهاوزن من التحالف الديمقراطى، الذى يأمل فى الإطاحة بحزب المؤتمر الوطنى الإفريقى.

ولعل أحد التحولات الأخرى التى تجعل انتخابات هذا العام مختلفة فى جنوب إفريقيا تتمثل فى السماح للمرشحين المستقلين بالترشح لمقاعد فى الجمعية الوطنية، وكذلك فى المجالس التشريعية الإقليمية. ويرجع ذلك إلى قانون التعديل الانتخابى لعام 2023، الذى تضمن من بين إصلاحاته بندا يسمح للمرشحين بالتنافس على المقاعد دون الحاجة إلى الانتماء إلى حزب سياسى.

يسعى هذا المقال إلى التعرف على القوى والأحزاب الرئيسية المتنافسة، وتحليل آفاق المستقبل من خلال طرح عدد من السيناريوهات المتوقعة، وتبعات كل منها على قضايا التغيير والاستقرار فى جنوب إفريقيا.

المنافسون الكبار

يمكن الحديث عن أربع قوى رئيسية تخوض انتخابات هذا العام وهى:

1- حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى بزعامة سيريل رامافوزا. تأسس الحزب فى عام 1912 باسم المؤتمر الوطنى الأصلى لجنوب إفريقيا، ثم غُيرت تسميته إلى المؤتمر الوطنى الإفريقى فى عام 1923. وكان بمثابة حركة تحرر وطنى خلال حقبة الفصل العنصرى، وبعد ذلك تحول إلى حزب سياسى وخاض انتخابات عام 1994. وقد حصل الحزب على أكبر نسبة من الأصوات فى انتخابات الجمعية الوطنية منذ ذلك الحين، على الرغم من انخفاض نسبته منذ عام 2009؛ إذ شهد الحزب تراجع دعمه تدريجيا بسبب فضائح الفساد، وخيبة الأمل بشأن مشكلات تقديم الخدمات، مثل: إمدادات الكهرباء وسوء التغذية. كما أن الانقسامات الداخلية فى الحزب أدت إلى مغادرة أعضاء رفيعى المستوى وتشكيل أحزاب جديدة، مثل: حزب مؤتمر الشعب فى عام 2008، والمناضلون من أجل الحرية الاقتصادية فى عام 2013، وأخيرا حزب زوما فى نهاية عام 2023.

2- التحالف الديمقراطى بزعامة جون ستينهاوزن. تأسس الحزب عام 2000، وهو يُعد حزب المعارضة الرسمى فى الجمعية الوطنية منذ عام 2004، بعد أن احتل المركز الثانى خلف حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى فى الانتخابات التى أجريت فى أعوام 2004 و2009 و2014 و2019. ومع مرور السنين، زاد الحزب حصته من الأصوات من حوالى العشر إلى حوالى الخمس. وتعود جذور التحالف الديمقراطى إلى خبرة الحزب الديمقراطى (الذى تأسس عام 1989)، والذى عارض الفصل العنصرى. ويُنظر إلى حزب التحالف الديمقراطى باعتباره حزبا ليبراليا للسكان البيض، على الرغم من أنه بذل جهودا لتنويع أعضائه، وهو الآن يضم قائمة تضم العديد من مختلف أعراق جنوب إفريقيا.

ورسالة الحزب لهذه الانتخابات هى «أنقذوا جنوب إفريقيا». ويتضمن برنامجه مكافحة الفساد والجريمة، وتحسين الرعاية الصحية، والتعليم، وتوصيل الكهرباء والمياه النظيفة. وقد أسس زعيم الحزب، جون ستينهاوزن، ميثاق التعددية الحزبية، وهو تحالف من أحزاب المعارضة التى تأمل فى الإطاحة بحزب المؤتمر الوطنى الإفريقى. ومع ذلك، فإن الحزب لا يستبعد تشكيل ائتلاف مع حزب المؤتمر الوطنى الإفريقي؛ إذا كان هذا هو الخيار الوحيد لإبقاء حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية وحزب زوما الجديد خارج السلطة.

3- المناضلون من أجل الحرية الاقتصادية بزعامة يوليوس ماليما. تأسس الحزب عام 2013، وقد احتل المركز الثالث خلف حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى والحزب الديمقراطى فى انتخاباتى 2014 و2019. وقد كان زعيم الحزب، يوليوس ماليما، فى الأصل عضوا قياديا ورئيسا لرابطة شباب حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى. ومع ذلك، تم طرده من حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى فى عام 2012؛ بسبب إدلائه بتصريحات مثيرة للجدل. ويرتدى أعضاء الجمعية الوطنية من حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية زيا أحمر للتعبير عن تعاطفهم مع محنة الطبقة العاملة. وعلى أية حال يتبنى الحزب نهجا أكثر يسارية من الأحزاب الأخرى، ويدعو إلى تأميم المناجم والبنوك وكذلك مصادرة الأراضى لإعادة توزيعها، وكل ذلك للقضاء على عدم المساواة الاقتصادية التاريخية.

فى أوائل عام 2024، فقد حزب «ماليما» بعض الدعم الذى كان يتمتع به لصالح حزب زوما فى الانتخابات الفرعية، وربما يستمر ذلك فى الانتخابات الوطنية إلى حد ما. ومع ذلك، قال ماليما إن حزبه منفتح على إمكانية الانضمام إلى ائتلاف، بما فى ذلك التحالف مع حزب زوما.

4- حزب «أومكونتو وى سيزوى» (أم كى) بقيادة زوما. قام رئيس جنوب إفريقيا السابق جاكوب زوما فى 16 ديسمبر 2023 بالإعلان عن حزب جديد منافس لحزب المؤتمر الوطنى الإفريقى، وللمفارقة فقد أطلق عليه نفس اسم الجناح العسكرى لحزب المؤتمر، أى رمح الأمة. وتشير استطلاعات الرأى إلى أن هذا الحزب الجديد سوف يؤدى إلى تفاقم المشكلات الانتخابية التى يواجهها حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى الحاكم فى معقل زوما، فى إقليم كوازولو ناتال. واللافت للانتباه أن حزب زوما يتبنى خطابا تحريضيا مشوبا بالتطرف الشعبوى. على سبيل المثال، يتحدث عن استبدال النظام الدستورى الحالى بالنظام البرلمانى غير المقيد. وهذا أمر مثير للقلق؛ لأن جنوب إفريقيا كانت تسير على طريق إنشاء ديمقراطية دستورية تقوم على مجموعة من الحقوق الأساسية لمواطنيها منذ أول انتخابات ديمقراطية لها فى عام 1994. وعلى أية حال يمكن اعتبار حزب رمح الأمة مجرد فصيل سياسى لحزب المؤتمر الوطنى. وربما يمثل هذا الحزب الجديد حيلة من جانب زوما لتفادى التُّهم الموجهة إليه، والتى قد تدفع به إلى السجن مرة أخرى.

السيناريوهات الأربعة

يمكن الحديث عن أربعة سيناريوهات كبرى ستتمخض عنها انتخابات 29 مايو فى جنوب إفريقيا:

1- استمرار حكومة حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى: إنه السيناريو الأقل احتمالا؛ إذ يتطلب الأمر تأمين ما يقرب من 50% من الأصوات فى انتخابات مايو 2024. فى هذه الحالة يمكن لحزب المؤتمر تشكيل حكومة أقلية دون الاعتماد على أى حزب سياسى رئيسى أو من خلال الاحتفاظ بأغلبية برلمانية صريحة. ومع ذلك، فإن استمرار الانقسامات الداخلية فى حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى؛ يعنى أن الحكومة تعانى من أجل تمرير الإصلاحات الاقتصادية؛ مما يدفع رامافوزا إلى عقد تحالفات على أساس كل حالة على حدة مع الأحزاب الصغيرة الأخرى والمشرعين المستقلين لتمرير التشريعات. ونتيجة لذلك؛ قد تواجه حكومة رامافوزا العديد من العراقيل من أجل إقرار إصلاح اقتصادى حقيقى، وهو ما يؤدى إلى تأجيج الضائقة الاقتصادية وأزمة البطالة فى البلاد. وعلى أية حال يمكن المحافظة على وحدة الحزب وتماسكه حتى انتخابات 2026 البلدية.

2- التحالف مع الأحزاب الصغيرة: من الممكن قيام حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى بتشكيل حكومة ائتلافية مع أحزاب المعارضة الأصغر بعد حصوله على حوالى 45% فقط من الأصوات. وعلى الرغم من الوعود التى قطعتها أحزاب المعارضة الأخرى، مثل: التحالف الديمقراطى وحزب «إنكاثا»، بعدم تشكيل ائتلاف مع حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى؛ فإنه تم التوصل إلى اتفاقيات مقابل التأثير فى السياسات. ومع ذلك، فإن هذا يؤدى إلى توترات داخل حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى بين الرئيس رامافوزا، والفصيل المؤيد للتحولات الاقتصادية الراديكالية؛ مما يُعمق حالة عدم اليقين السياسى. وقد تؤدى الجهود المبذولة للحد من الإنفاق العام إلى مفاوضات مثيرة للجدل بشأن الأجور؛ مما يتسبب فى إضرابات وتعطيل الخدمات الأساسية.

3- التحالف مع المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية: من المرجح أن يواجه حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى انتكاسة انتخابية كبيرة بحيث لا يتمكن من الحصول إلا على نحو 40% من الأصوات؛ مما يضطره إلى الدخول فى ائتلاف مع حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية. وفى هذه الحالة قد تبتعد سياسة الحكومة عن اتجاهات رامافوزا المؤيدة للأعمال التجارية وتشجيع القطاع الخاص؛ إذ يصر حزب ماليما، بدعم من فصيل التحول الاقتصادى الراديكالى الشعبوى التابع لحزب المؤتمر الوطنى الإفريقى، على تعزيز سياسات التمكين الاقتصادى للسود من خلال مصادرة الأراضى دون تعويض وتأميم موارد الدولة. وفى حين يقاوم رامافوزا التدابير السياسية الأكثر إثارة للجدل التى يتبناها الفصيل الراديكالى داخل حزبه فإن السياسات الاقتصادية التدخلية التى تنتهجها الحكومة وتوسيع برامج إعادة التوزيع قد تتسبب فى مزيد من التراجع فى ثقة المستثمرين. وهذا بدوره يزيد من المخاوف بشأن استدامة ديون جنوب إفريقيا، ويهدد بإثارة أزمة اقتصادية حادة فى الأمد المتوسط.

4- هزيمة حزب المؤتمر الوطنى: وهو سيناريو منخفض الاحتمال وعالى التأثير؛ إذ يمكن أن يفوز الميثاق المتعدد الأحزاب لجنوب إفريقيا، الذى يقوده حزب التحالف الديمقراطى المعارض الرئيسى بأغلبية المقاعد. وفى هذه الحالة يمكن تصور تشكيل حكومة وحدة وطنية مقابل إجراء إصلاحات اقتصادية واسعة لقطاعات الكهرباء والنقل والمياه فى جنوب إفريقيا. ومع ذلك، من المتوقع عدم مشاركة الأحزاب الراديكالية مثل: حزب الرئيس السابق جاكوب زوما، وحزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية. وربما يلجأ هؤلاء إلى تنظيم احتجاجات واسعة النطاق تؤدى إلى تعطيل سلاسل التوريد بشكل كبير، وتهدد بالتحول إلى حوادث نهب جماعى. وفى حين أن الضغط الذى يمارسه التحالف الديمقراطى قد يجبر حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى على المضى قدما فى إصلاح شامل لقطاع الطاقة، وتوسيع دور الشركات الخاصة فى قطاعى المياه والنقل، فإن عملية الإصلاح قد تعترضها عراقيل كبرى بسبب إمكانية حدوث احتجاجات نقابية واسعة النطاق من النقابات؛ ومن المحتمل أن تدفع هذه الضغوط الحكومة للتراجع عن مشروعات قوانين أو مقترحات سياسية محددة. وبينما تتحسن معنويات المستثمرين تجاه جنوب إفريقيا على نطاق واسع، فإن نمو الاستثمارات الأجنبية قد يسير حثيثاً وسط التحديات المستمرة التى يواجهها قطاع الطاقة فى البلاد، وتصاعد العنف وتزايد الاستقطاب السياسى.

ختاما فإن التحالفات السياسية المتغيرة، وتزايد السخط الشعبى بسبب تردى مستوى الخدمات العامة وأهمية أصوات الشباب، سوف تمثل جميعها عوامل حاسمة فى تحديد مسار جنوب إفريقيا بعد الانتخابات؛ إذ من المحتمل أن يتم التحول فى نظام الحزب المهيمن، والذى لاحظناه منذ عام 2009؛ ليصل إلى نمط التعددية الحزبية. وحتى إذا تمكن حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى من تأمين الأغلبية المطلوبة فى الانتخابات واحتفظ بالسلطة، فمن المتوقع أن تقوم أحزاب المعارضة بممارسة دور رئيسى فى القرارات السياسية الرئيسية بعد الانتخابات. ولعل ذلك يشمل السياسة الخارجية، التى كانت حكرا على حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى. وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات، فإن جنوب إفريقيا سوف تتغير وتعيد النظر فى تعريف مصالحها الوطنية ومكانتها فى المجتمع العالمى.

* أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد، الإمارات العربية المتحدة

*لينك المقال في المصري اليوم*