المصري اليوم:

محمد خلفان الصوافى يكتب: قمة الخليج و«آسيان».. مسار جديد للتعاون الدولى

28 October 2023


يأتى البيان المشترك لقمة الرياض، التاريخية والأولى، بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول رابطة جنوب شرق آسيا «آسيان»، التي عُقدت يوم 20 أكتوبر 2023، في توقيت مهم ودقيق، وذلك في ظل الأبعاد الدولية والمستجدات المهمة التي تعكس صراع النفوذ بين القوى الدولية الثلاث الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وروسيا).

وفى الوقت نفسه، فرضت الأبعاد الإقليمية نفسها على هذه القمة، حيث أخذت تداعيات التصعيد الإسرائيلى- الفلسطينى حيزًا لا بأس به من أعمال القمة، وحرصت الدول المشاركة من الجانبين (الخليجى والآسيوى) على تأكيد مواقفها نحو الرغبة في تحقيق استقرار العالم، خاصة أن دول الخليج و«آسيان» يمكن اعتبارها «دولًا وازنة»، سواء فيما يحدث في العالم بشكل عام، أو تحديدًا في إقليميهما، نظرًا لاهتمامهما بالتنمية والرخاء، والذى يعنى في النهاية أن الاستقرار أولًا.

ويمكن القول إن «قمة الخليج- آسيان» تُعد نواة للعمل الثنائى والجماعى بين الجانبين، وستشكل أساسًا يسهم بقوة في رسم خارطة طريق للتعاون بين الكتلتين الخليجية والآسيوية في المجالات والملفات الثنائية والإقليمية وكذلك العالمية.

رسائل إيجابية:

هدفت قمة الرياض إلى اعتماد إطار التعاون المشترك للخمس سنوات المقبلة (2024- 2028)، الذي يشمل التعاون السياسى والأمنى، والاقتصادى والاستثمارى، إضافة إلى التعاون في مجالات السياحة، والطاقة، والأمن الغذائى والزراعى، والتعاون الاجتماعى والثقافى.

وفى القراءة الأولية لفعاليات هذه القمة، ثمة رسالة مهمة يتضمنها تشكيل الوفود المشاركة، حيث ظهر بوضوح الحرص على أن تكون المشاركة على مستوى سياسى رفيع وعالٍ؛ بما يؤكد توافر الإرادة السياسية ليس فقط لإنجاح القمة، لكن أيضًا لتأكيد أهمية ودور العلاقات بين الجانبين مستقبلًا. وليس أدل على ذلك من حضور شخصيات بوزن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات.

ولم تكن «قمة الخليج- آسيان» المظهر الوحيد ولا الأول الذي يؤكد تلك الإرادة، ويشير إلى وجود استراتيجية خليجية واضحة تركز نحو «الاتجاه شرقًا»، حيث إنها تعد مُكملة لما يمكن وصفه بـ«العقد الآسيوى»، بعد القمة التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجى مع الرئيس الصينى، شى جين بينغ، في ديسمبر 2022، ثم لقاء رئيس الوزراء اليابانى، فوميو كيشيدا، بمسؤولين خليجيين في يوليو الماضى، وبعده قمة مجموعة العشرين بالهند في سبتمبر الماضى، والتى طرحت مشروع «الممر الاقتصادى».

وينطلق التعاون بين الكتلتين الخليجية والآسيوية من بعدين: الأول جيواستراتيجى، حيث يوجد اقتناع وتوافق لدى دول المجموعتين على رفض الزج بهما في الخلافات العالمية، والتمسك على الأقل بالوقوف على الحياد، حيث إن جوهر التنافس العالمى بتداعياته بات متركزًا على هذين الإقليمين. أما البعد الثانى فهو الدافع للتعاون بينهما في المؤشرات التنموية الاقتصادية، بالإضافة إلى الطموحات الكبيرة لكل منهما. وهذا ما يجعل من قمة الرياض فرصة للتعاون الثنائى في المجالات كافة، وهو ما تم النص عليه في بنود البيان المشترك، ما يعنى تمكين العلاقات بين الجانبين بطريقة تجعل تمديد التعاون وتوسيعه فيما بعد عام 2028 واردًا وبقوة.

إن دبلوماسية دول مجلس التعاون الخليجى النابضة بالنشاط والحيوية لا ترتكز فقط على الأهداف أو المصالح الخاصة بكلٍّ منها، ولا تنظر إلى التعاون المتبادل على أنه شأن ثنائى فقط يخص كلًا منها مع الدول الآسيوية المقابلة. ففى ظل الحراك العالمى وتلاحق الأحداث في اتجاهات متعددة، تسعى دول الخليج إلى أن تجعل من الدول العربية عمومًا طرفًا مشاركًا بقوة وفاعلية فيما يحدث في العالم من تغيرات كبيرة.

كما أن الاهتمام بالمداخل الاقتصادية والثقافية للتعاون يخلق أرضية لتوثيق العلاقات وتقويتها بنمط مستدام وغير تقليدى. لهذا فإن المضمون والمغزى في بيان قمة الرياض بين دول الخليج و«آسيان»، الذي جاء في 42 بندًا، يؤكد أن دول مجلس التعاون الخليجى تُحفز خطوطًا عميقة ومسارات راسخة للتعاون والتحالف، وتطبق دبلوماسية واعية لاستقطاب الشركاء الاستراتيجيين الفاعلين في المجتمع الدولى. والأهم أن هذا كله ليس فقط لتحقيق أهداف خليجية، سواء خاصة بكل دولة أم خليجية عامة، وإنما أيضًا لتحقيق أهداف وتلبية مصالح عربية.

دلالات القمة:

ثمة عدة دلالات لقمة الرياض الأولى بين دول مجلس التعاون الخليجى ورابطة «آسيان»، تتمثل في الآتى:

1- توجهات خليجية واحدة: بات يظهر هذا التوجه الخليجى مؤخرًا بصفة واضحة، حيث إن «الصوت الخليجى» في الملفات الدولية يمثل رأيًا مشتركًا، فقد سبق هذا اللقاء القمة الخليجية مع دول آسيا الوسطى الخمس في يوليو الماضى. وهو ما يعنى أن هذا التوجه التوافقى الجماعى مرشح بقوة لاحتلال موقع بارز في الدبلوماسية الخليجية. وبالتالى فإن الخليجيين أكثر تقاربًا وتنسيقًا في التخطيط لمصالح دولهم، وهو أمر طبيعى للغاية لكون تلك المصالح متشابهة ومتسقة إلى حد بعيد.

2- الواقعية والمصالح: إن البنود الـ42 التي شملها البيان الختامى لقمة الرياض يمكن تقسيمها من حيث الموضوع إلى جزءين، الأول هو الأمن والاستقرار ببعديه الدولى والإقليمى، أي الأمن الخليجى وأمن رابطة «الآسيان»، خاصة الأمن البحرى. فالتكتلان يطلان على البحار المفتوحة، ولهما أهمية خاصة في الاستراتيجية العالمية، وبالتالى هما عُرضة لتهديد الاستقرار بسبب التنافس الدولى على السيطرة والنفوذ والمصالح، ويمكن إيجاد هذه الجوانب في البيان من خلال البنود 1 و2 و3.

أما الجزء الثانى فهو خاص بالتعاون الثنائى في كل المجالات، وهو ما يؤكد الواقعية السياسية الخليجية في البحث عن مصالحها، باعتبارها الموجه الأساسى لأى دولة في العالم، والطريق الأقصر في تعزيز التفاهم والاختلاف بين الدول. لهذا نستطيع تسجيل ملاحظة أن البنود الباقية تركز على «استكشاف»، وهى كلمة بليغة- تكررت كثيرًا- في تأكيد للرغبة في التعاون الثنائى، واعتراف من الطرفين بأن هناك جوانب يمكن لكل طرف أن يمثل فيها «قيمة» تضيف للآخر.

3- الحياد عالميًا: يدرك قادة الخليج و«آسيان» أن حالة التنافس الدولى بين الصين والولايات المتحدة تدفع القوتين الدوليتين إلى العمل بقوة وبمختلف الوسائل على استقطاب الدول والأطراف الإقليمية. وسيساعد العمل المشترك عبر التكتلات على تخفيف الضغوط عن هذه الدول، خاصة أن دول الخليج توسعت في علاقتها الدولية مع الأقاليم الفاعلة في النظام الدولى مؤخرًا. وهنا يجب تسجيل الاحترام للدبلوماسية الخليجية المُعتمدة على التشاور مع الدول الصغيرة والمتوسطة لنسج الحلول والاقتراحات التي تحاول من خلالها الحيلولة دون تفاقم الصراعات والاحتقانات السياسية، وبالتالى منع زيادة تعقيد الوضع العالمى.

ما بعد القمة:

سيكون للاتفاقات والتفاهمات بين دول مجلس التعاون الخليجى و«آسيان» إيجابيات كثيرة في تنمية واستقرار الإقليمين. ومن أبرز ملامح تلك الإيجابيات ما يلى:

1- اقتصاديًا: هذا هو الجانب الأكثر بروزًا في البيان المشترك لقمة الرياض. فقد بلغ حجم التبادل بين دول مجلس التعاون ودول رابطة «آسيان» 137 مليار دولار أمريكى، حسب إحصائيات عام 2022، ومن المتوقع أن ينمو بشكل كبير، نظرًا لتنوع واتساع مجالات التبادل التجارى. فضلًا عما سيضيفه مشروع «الممر الاقتصادى» الذي سيحتاج في إنشائه إلى عديد من الخبرات والكفاءات الفنية، ولن تكون دول الخليج و«آسيان» بعيدة عن توفير هذه المتطلبات.

2- سياسيًا: أي منع الاستقطابات السياسية أو إضعافها، وهذا من منطلق أن دول مجلس التعاون الخليجى (خاصة السعودية والإمارات اللتين تتزايد مكانتهما العالمية بعضوية تجمعات دولية مهمة، مثل مجموعة بريكس مؤخرًا)، ستسهم بالتعاون مع رابطة «آسيان» في تكوين جبهة سياسية وازنة أمام صراع الكبار في العالم على النفوذ والمصالح والتحالفات.

ختامًا، يمكن القول إن قمة دول مجلس التعاون الخليجى مع رابطة «آسيان» جاءت بعد أشهر قليلة من القمة الخليجية مع دول آسيا الوسطى، والاثنتان بدعوة خليجية وبحضور سياسى على مستوى القادة، ما يؤكد الاهتمام الخليجى بتعميق هذا الاتجاه الجديد داخل شبكة العلاقات الخارجية لدول مجلس التعاون. وهذا ليس فقط من منطلق إيجاد تأثير سياسى لهذه الدول في التحولات الجديدة بالنظام الدولى، وإنما أيضًا من منطلق أن يكون لدول الخليج مجتمعةً موقف دولى يسهم في التقليل من حالة التشاحن السياسى الذي يفرضه التنافس على النفوذ الدولى. وفى المقابل، تتطلع دول رابطة «آسيان»، بعد جائحة «كورونا»، إلى إحياء العديد من الشراكات الثنائية والتعددية، لذا فإن قمة الرياض مثلت فرصة سانحة لتحقيق هذا الهدف بالتعاون مع دول تمتاز بمزايا تنافسية عالية.

* كاتب إماراتى

*لينك المقال في المصري اليوم*