المصري اليوم:

د. أمل عبدالله الهدابى تكتب: محددات نجاح سياسة «تصفير المشكلات» فى الإقليم

10 June 2023


شهدت منطقة الشرق الأوسط، وفى القلب منها المنطقة العربية، خلال العقد الماضى، العديد من الصراعات والأزمات، التى عصفت ببعض دولها، وجعلتها ساحة لاندلاع الصراعات والحروب الأهلية والتدخلات الإقليمية والدولية الخارجية، ومنطقة جذب لتنظيمات التطرف والإرهاب والجماعات المسلحة من كل نوع وصنف.

وتطلب ذلك اتخاذ إجراءات واضحة وقوية من قِبَل الدول القائدة فى المنطقة، ولاسيما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية، لاستعادة الاستقرار، ومحاولة وقف التدخلات الخارجية المزعزعة لاستقرار المنطقة، ومواجهة خطر الجماعات الإرهابية.

واستدعى ذلك دخول دول المنطقة فى نزاعات وأزمات سياسية عديدة، ولاسيما مع بعض الدول الساعية لفرض هيمنتها وأجنداتها على الإقليم، وتحديدًا تركيا وإيران ومن يدور فى فلكهما فى المنطقة.

ومع استقرار الأوضاع نسبيًا، واستعادة المنطقة بعضًا من استقرارها، اتجه العديد من الدول منذ نهاية العام 2021 إلى تبنى نهج جديد يقوم على سياسة «تصفير المشكلات»، والتى تعنى سعى بعض الدول إلى إزالة المشاكل من علاقاتها مع الدول الأخرى أو على الأقل تقليص هذه المشاكل وتخفيضها إلى أدنى المستويات. ويناقش هذا المقال أسباب هذا التوجه الجديد، وأهم مظاهره وتجلياته، كما يبحث فى مستقبله ومدى قدرته على ضمان الاستقرار فى الإقليم فى المستقبل المنظور.

دوافع «تصفير المشكلات»

هناك العديد من الأسباب التى دفعت دول المنطقة نحو سياسة «تصفير المشكلات»، أبرزها توصل الكثير من الدول بعد أكثر من عقد من الصراعات والحروب العبثية إلى قناعة بأن الحوار هو أفضل الوسائل للوصول إلى تفاهمات بشأن نقاط الخلاف والصراع. فلم تخرج أى دولة رابحة من هذه النزاعات والمشكلات التى شهدها الإقليم. فتركيا، على سبيل المثال، التى تمكنت من تحقيق نجاحات اقتصادية كبيرة فى العقد الأول من الألفية الثانية.

بفضل سياساتها الإيجابية مع جميع الدول المجاورة، ولاسيما العربية، من خلال تطبيق سياسة «صفر مشكلات»، أصبحت تعانى اقتصاديًا بعدما حادت عن هذه السياسة وانزلقت فى صراعات وخلافات مع مختلف دول الإقليم، فى مرحلة ما يُسمى «الربيع العربى»، وبشكل أثّر على التعاون الاقتصادى بينها وبين باقى دول المنطقة، ومن ثم تضرر اقتصادها، وهو ما دفعها للعودة من جديد لسياسة «صفر مشكلات».

وكذلك الحال بالنسبة إلى إيران التى أدركت أن سياسة التدخلات واستقطاب الوكلاء ونشر الفوضى فى دول المنطقة لم تحقق أهدافها فى فرض الهيمنة المزعومة أو الضغط على الشركاء الدوليين لقبولها فى المجتمع الدولى، ولاسيما بعد تعثر الصفقة النووية، واتجاه دول المنطقة إلى الدخول فى تحالفات إقليمية لمواجهة المشروع الإيرانى.

كما أن الشعب الإيرانى بدأ يحتج على نظامه الحاكم مع تفاقم الأزمات الاقتصادية فى البلاد. وكل ذلك جعل طهران تميل باتجاه تهدئة الأزمات والدخول فى حوار مع دول المنطقة للتوصل إلى تفاهمات أو لتقليل حدة التوترات.

أما بالنسبة لدول الخليج العربية فإن الدافع الأهم لها هو التركيز بصورة أكبر فى خططها التنموية الداخلية، وتسريع التحرك نحو استعادة الاستقرار الإقليمى باعتبار أنه الأساس لأى تنمية وتطور. ومع ملاحظة أن دول الخليج لم تكن هى المتسببة فى أى من النزاعات أو الخلافات التى شهدتها المنطقة، حيث كانت سياساتها رد فعل ومحاولة لوقف التدخلات الخارجية السلبية فى شؤون المنطقة.

فإنها أكدت حرصها على تحقيق السلام والتنمية فى المنطقة استنادًا إلى قاعدة الحوار والتعاون كأساس لحل المشكلات وتحقيق التنمية والازدهار لجميع الدول. وتشترك مصر فى هذا الدافع، إضافة إلى ما تعانيه مثل غيرها من كثير من دول المنطقة من مشكلات اقتصادية، تدفعها إلى البحث عن مجالات أوسع للتعاون الاقتصادى الخارجى عبر سياسة التهدئة والحوار.

نتائج إيجابية:

أفرزت سياسة «صفر مشكلات» العديد من النتائج الإيجابية على صعيد العلاقات الإقليمية، من أبرزها ما يلى:

1- تنقية الأجواء الخليجية: تمثلت أول وأبرز مظاهر هذا التوجه التصالحى فى قمة العُلا الخليجية التى عُقدت فى السعودية فى يناير 2021، وأنهت خلافًا استمر أكثر من ثلاث سنوات بين دول الرباعية العربية (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) من ناحية، وقطر من ناحية أخرى.

وأعادت تأكيد وقوف دول مجلس التعاون الخليجى صفًا واحدًا فى مواجهة «أى تهديد قد تتعرض له أى من دول المجلس». وفتحت هذه القمة المجال واسعًا أمام عودة العلاقات بين دول المجلس إلى طبيعتها القوية، وتنسيق المواقف المشتركة تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية.

2- تحسن العلاقات العربية- التركية: شهدت العلاقات بين الجانبين العديد من المؤشرات الإيجابية، ولاسيما بعد الزلزال التركى فى فبراير الماضى، والذى أظهر تعاطف دول المنطقة مع أنقرة ودعمها لها، ومن ذلك تبادل الزيارات الرسمية بين الطرفين، والتى كان أبرزها زيارة وزير الخارجية المصرى، سامح شكرى، إلى أنقرة يوم 13 إبريل 2023، والتى سبقتها زيارة مماثلة من وزير الخارجية التركى، مولود تشاووش أوغلو، للقاهرة فى 18 مارس الماضى.

فضلًا عن عقد أول جولة مشاورات سياسية بين الحكومتين السعودية والتركية، فى 10 إبريل الماضى، والاجتماع الرباعى الذى عُقد بموسكو فى 3 إبريل الماضى على مستوى نواب وزراء خارجية كل من روسيا وإيران وسوريا وتركيا، والذى جاء ضمن مساعى تطبيع العلاقات التركية- السورية، وزيارة رئيس الوزراء العراقى، محمد شياع السودانى، إلى أنقرة فى مارس الماضى.

بالإضافة إلى زيارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولى الإماراتى، لتركيا فى مايو 2022، وغيرها من المؤشرات التى تؤكد التحسن فى مسار العلاقات العربية- التركية.

3- التقارب الخليجى- الإيرانى: برز هذا التقارب كأحد أهم التطورات الإقليمية فى السنوات الأخيرة، ومن أبرز مظاهره إعلان السعودية وإيران يوم 10 مارس 2023 عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد محادثات سرية فى بكين بوساطة الحكومة الصينية، وما تلاها من توجيه دعوة من العاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز، للرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى لزيارة المملكة.

وأيضًا قيام أمين المجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى السابق، على شمخانى، بزيارة لدولة الإمارات يوم 16 مارس 2023، ولقاءاته مع القيادة الإماراتية، ثم الإعلان الإيرانى، فى 4 إبريل 2023، عن تعيين سفير لطهران فى الإمارات بعد شغور المنصب لـ8 أعوام. وليس بخافٍ الأهمية الكبيرة لهذا التقارب، ولاسيما فيما يتعلق بتخفيف حدة التوتر الإقليمى، وتعزيز فرص تسوية الصراعات فى المنطقة وخاصة الأزمة اليمنية، والوصول إلى تفاهمات بشأن العديد من القضايا المشتركة، ما قد يعزز من حالة الاستقرار الإقليمى.

رهانات المستقبل:

لا خلاف على أن سيادة منطق الحوار والرغبة فى التعاون المشترك يوفر الأجواء المناسبة لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمى، كما يفتح المجال واسعًا أمام استفادة كل الأطراف من المنافع المشتركة المحتملة للتعاون الإقليمى، بما يسهم فى تحقيق طموحات الدول والشعوب المختلفة فى التنمية والازدهار الاقتصادى.

ولا خلاف أيضًا على أن دول الخليج العربية، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة التى تقود هذا النهج الجديد، لديها الرغبة الجادة والحرص على مواصلة التعاون والتنسيق المشترك مع مختلف دول المنطقة والعالم، واعتماد الحوار كأسلوب رئيسى لتسوية الخلافات والأزمات، لأنها تريد التركيز على خططها الاقتصادية الطموحة للمستقبل الذى تأمله لشعوبها.

لكن مستقبل هذه السياسة ونجاحها سيعتمد بالأساس على سلوكيات وسياسات دول الجوار الإقليمى، ولاسيما تركيا وإيران وإسرائيل، وأيضًا على مدى التزام بعض الأطراف فى المنطقة بما تم التوافق عليه بشأن ضرورة عدم تبنى السياسات المثيرة للتوتر وعدم الاستقرار.

فالمشكلة، كما يقول أحد الخبراء، ليست فى السياسات العربية والخليجية، وإنما تكمن فى سياسات وتدخلات القوى الإقليمية الأخرى، وهذه الأخيرة تشهد تقلبات كثيرة ومتباينة، فتدخلات هذه القوى السلبية هى التى تدفع دول الخليج والدول العربية إلى محاولة التصدى لها من أجل حماية أمنها واستقرارها ومصالحها.

ومن المهم هنا أن يشعر الجميع بالثمار الإيجابية لنتائج هذه السياسات التصالحية وبأهمية تعزيز ثقافة الحوار باعتبارها الأساس فى إدارة أى خلافات يمكن أن تنشأ فى المنطقة، بل وحتى فى العالم كله.

كاتبة إماراتية

ينشر بالتعاون مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

*لينك المقال في المصري اليوم*