تحالفات جديدة!

انعكاسات قرار مجلس النواب بإيقاف باشاغا على استقرار ليبيا

15 May 2023


أصدر مجلس النواب الليبي، في 16 مايو 2023، قراراً بإيقاف رئيس الحكومة المكلف من قبل البرلمان، فتحي باشاغا، وإحالته للتحقيق، وتكليف وزير ماليته، أسامة حماد، بتسيير مهام رئاسة هذه الحكومة، في تطور مهم ربما يعيد هيكلة المشهد الداخلي في الملف الليبي.

قرار مفاجئ

يمكن تفصيل القرار المفاجئ لمجلس النواب الليبي بإيقاف رئيس الحكومة المكلف من قبله على النحو التالي:

1- توقيف رئيس الحكومة الموازية: أعلن المتحدث باسم مجلس النواب الليبي، عبدالله بليحق، أن أعضاء البرلمان صوتوا بالأغلبية على قرار يقضي بإيقاف رئيس حكومة الاستقرار الموالية للبرلمان، فتحي باشاغا، وإحالته للتحقيق، وتكليف وزير المالية بهذه الحكومة، أسامة حماد، بتسيير مهام رئاستها. 

وأرجع بليحق هذا القرار لوجود انزعاج لدى بعض أعضاء البرلمان من أداء حكومة باشاغا، وعدم إيفاء باشاغا بأي من الالتزامات التي تعهد بها، بما في ذلك دخول طرابلس، والحصول على اعتراف دولي بحكومته.

2- خطوة استباقية من قبل باشاغا: على الرغم من التزام باشاغا الصمت، حتى الآن، إزاء قرار مجلس النواب الليبي، بيد أن الأول عمد إلى اتخاذ خطوة استباقية قبيل تصويت البرلمان على قرار توقيفه، حيث أعلن تفويض نائبه، على القطراني، بكافة الصلاحيات لتسيير مهام رئاسة الحكومة، وهو ما عكس علم باشاغا مسبقاً بوجود نية لدى مجلس النواب للإطاحة به، وهو ما دفعه لتكليف نائبه، على القطراني، الموالي له، بمهام رئاسة الحكومة، في محاولة لقطع الطريق على البرلمان للإطاحة به.

ورأت تقديرات أن قرار الإطاحة بباشاغا من رئاسة الحكومة يأتي مخالفاً للائحة الداخلية لمجلس النواب، والتي تنص على ضرورة أن يمر هذا القرار بثلاث جلسات متتالية، تنطوي على مساءلة ثم تقييم قبل أن يتم اتخاذ قرار بإيقاف رئيس الحكومة، ناهيك عن عدم اكتمال النصاب القانوني المطلوب لاتخاذ هذا القرار خلال الجلسة التي شهدت التصويت على إنهاء مهام باشاغا. وسعى القرار المنبثق عن المجلس للتحايل على ذلك من خلال اعتماد صيغة إيقاف باشاغا وليس "إقالته".

3- اتهامات ضمنية لمجلس النواب: أعلن مستشار باشاغا، أحمد الروياتي، أن ثمة خلافات نشبت أخيراً بين حكومة الأول ومجلس النواب بشأن كيفية توزيع الموازنة العامة المخصصة لهذه الحكومة، والتي تبلغ حوالي 1.5 مليار دولار، موجهاً اتهامات ضمنية لأعضاء مجلس النواب بمحاولة تخصيص هذه الميزانية لخدمة مصالحهم الشخصية.

دلالات مهمة

عكست القرارات المفاجئة لمجلس النواب الليبي بشأن إيقاف باشاغا جملة من الدلالات المهمة، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- صفقة بين حفتر والدبيبة: يشكل قرار الإطاحة بفتحي باشاغا أحد أبعاد صفقة جديدة بين قائد الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايته، عبدالحميد الدبيبة، تستهدف تشكيل حكومة ليبية موحدة من خلال دمج الحكومتين المتنافستين، وهو ما يُعد بمثابة امتداد للصفقة السابقة بين حفتر والدبيبة، في يوليو 2022، والتي تمخض عنها آنذاك اتفاق بتعيين فرحات بن قدارة رئيساً للمؤسسة الوطنية للنفط، خلفاً لرئيسها السابق، مصطفى صنع الله. وما يؤكد ذلك تكليف مجلس النواب وزير المالية، أسامة حماد، بمهام رئاسة الحكومة، والذي يرتبط بعلاقة وثيقة بحفتر.

ويعزز ذلك تأكيد تقارير ليبية وجود مباحثات خلال الأسابيع الأخيرة بين ممثلين عن الجيش الوطني الليبي وحكومة الدبيبة، بشأن تشكيل حكومة موحدة في ليبيا، منبثقة عن دمج حكومتي الدبيبة وباشاغا. وأشارت هذه التقارير إلى أن باشاغا كان منخرطاً في البداية ضمن هذه المباحثات، خاصة بعدما كان "مركز الحوار الإنساني" بجنيف قد أعلن، في مارس 2023، أن حكومتي الدبيبة وباشاغا وافقتا على التشاور بشأن إمكانية دمج الحكومتين، إلا أن باشاغا انسحب من هذه المشاورات، وسعى لعرقلتها بسبب خلافات حول تقاسم الحقائب الوزارية.

2- تصدعات في شرق ليبيا: يعاني مجلس النواب الليبي من انقسامات حادة، حيث شهدت الفترة الماضية مطالبة عدد من النواب بضرورة إقالة باشاغا، خاصة بعدما رفض الأخير حضور جلسة المجلس التي كانت تستهدف مساءلة حكومته عن مصادر تمويلها. في المقابل تمسك عدد من النواب بضرورة بقاء باشاغا على رأس الحكومة الموازية.

ويلاحظ أن موقف رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح، إزاء قرار إيقاف باشاغا، كان غامضاً، خاصة وأنه غاب عن الجلسة التي تم التصويت خلالها على هذا القرار. فقد وجه الدعوة لهذه الجلسة كل من النائب الأول لرئيس البرلمان، فوزي النويري، والنائب الثاني، الهادي الصغير، حيث ترأس الرجلان جلسة المجلس، كما نشرت بعض التقارير الإعلامية صوراً جمعت النويري والصغير مع وزير مالية باشاغا ورئيس الحكومة المكلف، أسامة حماد.

ويعكس غياب صالح وجود امتعاض محتمل من جانبه على القرار، كما أن طريقة إقالة باشاغا قد تعكس تراجع نفوذ صالح، وسيطرته على مجلس النواب، ومن ثم تأكيد دور حفتر باعتباره ممثلاً عن شرق ليبيا. 

ترتيبات جديدة

تعكس المتغيرات الراهنة في الملف الليبي أن ثمة ترتيبات جديدة يجري التحضير لها حالياً، قد تعيد تأطير المشهد الداخلي في ليبيا، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- تزايد احتمالية دمج الحكومتين: يلاحظ أن قرار التضحية بحكومة باشاغا يأتي متزامناً مع ما شهدته الأشهر الأخيرة من خطوات متقدمة في ملف توحيد المؤسسة العسكرية وإنهاء الانقسام الذي تشهده ليبيا. وفي هذا الإطار، يمكن أن يشكل قرار إيقاف باشاغا تمهيداً لاتخاذ خطوات مماثلة في المسار السياسي من خلال تشكيل حكومة موحدة عبر دمج الحكومتين المتنافستين.

2- دعم غربي ومساندة إقليمية: يبدو أن هناك دعماً أمريكياً للتقارب بين حفتر والدبيبة، وهو ما قد يرتب تشكيل حكومة موحدة تمهد الطريق لإجراء الانتخابات، فضلاً عن بروز مؤشرات لدعم إيطالي مماثل لهذه الخطوة، خاصة وأن قرار الإطاحة بباشاغا جاء في أعقاب زيارة حفتر الأخيرة إلى إيطاليا، في 5 مايو 2023، وما أعقبها من استئناف لتدفقات الغاز الليبي إلى إيطاليا بعد توقف دام لنحو أسبوعين، في دلالة مهمة على انخراط متزايد لروما في الترتيبات الجارية بين شرق وغرب ليبيا. 

ومن ناحية أخرى، هناك مساندة إقليمية من قبل بعض الأطراف الفاعلة في المشهد الليبي، إذ تستعد القاهرة لاستضافة اجتماع وشيك بين ممثلين عن حفتر والدبيبة خلال الفترة المقبلة، وذلك لبحث فكرة دمج حكومتي الشرق والغرب الليبي، والاتفاق على تسمية وزراء جدد لبعض الوزارات السيادية.

3- إعادة هيكلة التحالفات القائمة: تشير المتغيرات الراهنة إلى أن خريطة التحالفات القائمة ربما تشهد تغيرات خلال الفترة المقبلة، فبالتزامن مع التقارب بين الدبيبة وحفتر، ترجح بعض التقديرات أن يعمد باشاغا إلى تشكيل تحالف موازٍ مع صالح، خاصة وأن ثمة تحالف سابق كان قد جمع الرجلان، في فبراير 2021، عندما شكلا معاً قائمة مشتركة نافست ثلاث قوائم أخرى للفوز بتصويت ملتقى الحوار السياسي من أجل سلطة تنفيذية جديدة، بيد أن عملية التصويت كانت قد انتهت آنذاك بفوز القائمة التي ضمت الدبيبة.

كما يمكن أن يصطف رئيس مجلس الدولة، خالد المشري، في تحالف باشاغا وصالح، خاصة وأن المشري انتقد بشكل حاد إيقاف باشاغا، على الرغم من أن مجلس الدولة لم يعترف بشرعية الأخير، إلا أن موقف المشري الرافض لاستمرار الدبيبة في السلطة ربما يدفعه نحو تشكيل تكتل ثلاثي مع صالح وباشاغا. ولعل هذا ما قد يفسر دعوة المشري الأخيرة بضرورة تشكيل حكومة ثالثة مصغرة تتولى مهام التحضير للانتخابات، في إطار خريطة طريق توافقية بين مجلسي النواب والدولة.

وفي الختام، يلاحظ أنه على الرغم من المشاورات الجارية بين حفتر والدبيبة، بيد أن الاتفاق على هيكل للحكومة الجديدة لن يكون سهلاً، ولكن دون أن يعني ذلك أن الاتفاق مستبعد تماماً، خاصة وأن هناك عوامل تدعمه، مثل الدعم الراهن من قبل بعض القوى الدولية والإقليمية لهذه الخطوة.