جُمود قائم:

فرص تعزيز "اجتماع عمّان" مساعي الانفتاح العربي تجاه سوريا

04 May 2023


عُقِدَ اجتماع تشاوري، في العاصمة الأردنية، عمّان، في 1 مايو 2023، بمشاركة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، والعراقي، فـؤاد حسين، والمصري، سامح شكري، والأردني، أيمن الصفدي، والسوري، فيصل المقداد، وذلك لمناقشة الجهود المبذولة لوضع خريطة طريق للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية والتمهيد لعودة سوريا للمحيط العربي.

سياقات متزامنة

جاء الاجتماع التشاوري حول سوريا في عمّان، متزامناً مع عدد من الأحداث والتطورات ذات الصلة، والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:

1- انعقاد اجتماع جدّة: سبق اجتماع عمّان اجتماع آخر بمشاركة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، عُقِدَ في مدينة جدّة السعودية، في 14 إبريل 2023، واتفق المشاركون خلال الاجتماع على أهمية حل الأزمة الإنسانية في سوريا، وضرورة توفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق هناك. 

كما تم تأكيد أهمية مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله، ومكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها، وضرورة قيام مؤسسات الدولة بالحفاظ على سيادة سوريا على أراضيها من أجل إنهاء وجود كافة الفصائل المسلحة فيها بمختلف أشكالها، في إشارة مباشرة إلى المليشيات المسلحة المدعومة من طهران، إلى جانب تأكيد ضرورة الالتزام بوضع حد للتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري. ويُشير ذلك الاجتماع، إلى وجود توجهات إقليمية لإنهاء عزلة سوريا، وعودتها إلى محيطها العربي مقابل الاستجابة لعدد من المطالب.

2- الزيارات المتبادلة بين سوريا ودول عربية: شهدت الفترة الأخيرة حراكاً عربياً – سورياً تجسد في تعدد الزيارات التي قام بها المسؤولون العرب إلى دمشق، مقابل قيام المسؤولين السوريين بزيارات إلى بعض الدول العربية. فقد أجرى الرئيس السوري، بشار الأسد، زيارتيْن إلى سلطنة عُمان ودولة الإمارات، في 20 فبراير و19 مارس 2023 على التوالي. كما أجرى وزير الخارجية الأردني، زيارة إلى دمشق، في 15 فبراير، تلاها زيارة أخرى لوزير الخارجية المصري، في 27 فبراير.

وبالتوازي مع ذلك، أجرى وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، زيارات إلى عدد من العواصم العربية، ومنها القاهرة والرياض والجزائر وتونس، خلال شهر إبريل 2023، وهو الأمر الذي يؤكد وجود رغبة عربية لكسر العزلة المفروضة على سوريا، بما يدعم عودتها إلى الجامعة العربية في النهاية.

3- زيارة "أليف" للأردن والعراق: تزامن اجتماع عمّان مع زيارة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا أليف، إلى الأردن والعراق، وذلك في الفترة من 29 إبريل إلى 5 مايو 2023، لمناقشة تعزيز التعاون الاقتصادي والتحديات الأمنية، وفق ما هو معلن. 

وربما سعت واشنطن خلال الزيارة إلى تمرير رسائل للجانبيْن الأردني والعراقي، بثبات موقف الولايات المتحدة الرافض للتطبيع الذي يجري بين بعض دول المنطقة وسوريا، وخاصة أن أليف أكدت، قبيل زيارتها للمنطقة، عقب لقاء مع ممثلين عن قوى المعارضة السورية، في واشنطن، أنه لا تطبيع مع نظام الأسد إذ لم يقم بتغيير سياسي دائم، ودعم قرار مجلس الأمن رقم 2254، والذي يضمن دوراً فعالاً للمعارضة السورية في الحكومة السورية.

نتائج الاجتماع

أسفر اجتماع عمّان التشاوري عن عدد من النتائج، ويمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

1- الاتفاق على "خطوة مقابل خطوة": اتفق المشاركون في الاجتماع على مقاربة "خطوة مقابل خطوة" بناءً على قرار 2254، واعتبار هذا النهج هو المسار الأكثر تطبيقاً لحل الأزمة السورية في تلك المرحلة، حيث ترتكز هذه المقاربة على إمكانية الوصول إلى خطوات متبادلة بين سوريا والمجتمع الخارجي، من خلال بحث سبل تخفيف العزلة المفروضة على الحكومة السورية تدريجياً في مقابل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتأمين اللاجئين، والتركيز على الوضع الإنساني وحماية المدنيين، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى إعطاء الأولوية للملفات الأمنية والإنسانية في تلك المرحلة على حساب الملفات السياسية المستعصية على الحل منذ سنوات.

2- العودة الطوعية للاجئين: يقدر عدد اللاجئين السوريين بـ 5.5 مليون لاجئ يتركزون في الأردن وتركيا ولبنان والعراق ومصر. وأكد البيان الختامي للاجتماع على العودة الطوعية والآمنة للاجئين إلى بلدهم، وفق إجراءات محددة وإطار زمني واضح، والعمل على تحسين البنية التحتية، بما يشمل بناء مدارس ومستشفيات ومرافق عامة وتوفير فرص العمل.

كما تطرق البيان إلى تأكيد أن تكون تلك العودة متزامنة مع شمولهم في مراسيم العفو العام، هذا بالإضافة إلى ضرورة اتخاذ الحكومة السورية خطوات مماثلة لحل قضية النازحين داخلياً، ولاسيما قضية مخيم الركبان، وكذلك تعاون الحكومة السورية مع الدول المستضيفة للاجئين. وفي سياق متصل، اتفق الجانبان السوري والأردني على تنظيم عملية العودة الطوعية لحوالي ألف لاجئ سوري في الأردن، في خطوة تنظيمية من أجل عودة باقي اللاجئين.

3- تأكيد إيصال المساعدات: أشار البيان الختامي للاجتماع إلى ضرورة تلبية الاحتياجات المعيشية التي يحتاجها المواطنون في سوريا في كل مكان، وذلك بالتعاون بين الحكومة السورية وهيئات الأمم المتحدة، كما رحّب المشاركون في الاجتماع بقرار الحكومة السورية بفتح معبري باب السلامة والراعي أمام منظمات الأمم المتحدة لإيصال المساعدات الإنسانية والطبية عقب زلزال فبراير 2023، وهو ما يتسق مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ولاسيما القرارين 2642 و2672، وهو الأمر الذي يرى المشاركون أنه يُسهم في وضع حد للأزمة الإنسانية المتفاقمة في الداخل السوري باعتبارها ركناً أساسياً للاستقرار والأمن الداخلي، يمكن أن يتم البناء عليها لاحقاً في مرحلة التسوية السياسية.

4- مكافحة الاتجار بالمخدرات: أكد البيان الختامي للاجتماع التوافق على اتخاذ خطوات فعالة لمعالجة التحديات الأمنية المرتبطة بأمن الحدود، عبر إنشاء آليات تنسيق فعالة بين الأجهزة العسكرية والأمنية السورية ونظيراتها في الدول المجاورة.

وتمت الإشارة كذلك إلى ضرورة تعزيز التعاون بين الحكومة السورية ودول الجوار، ولاسيما الأردن والعراق، فيما يتعلق بمكافحة عمليات الاتجار بالمخدرات وتهريبها عبر الحدود السورية إلى دول الجوار، إذ مثلت قضية تهريب المخدر "الكبتاجون" أحد الملفات الرئيسية في النقاش بين سوريا والأردن والعراق. وتم الاتفاق على تشكيل فريق عمل سياسي وأمني خلال شهر، لتحديد مصادر إنتاج المخدرات في الداخل السوري، والجهات التي تدير عمليات التهريب عبر الحدود، والتباحث في الخطوات اللازمة لإنهاء ذلك. ويلاحظ أن ذلك كان أحد المطالب الرئيسية لبعض دول الخليج العربية كذلك. 

تحديات مُحتملة

 على الرغم مما يمثله اجتماع عمّان التشاوري من كونه محاولة عربية للدفع بجهود عودة سوريا لمحيطها العربي، فإن ثمّة تحديات، تحول دون ذلك، ويتمثل أبرزها في:

1- استمرار الضغوط الغربية: يمثل استمرار الرفض الغربي عموماً، والأمريكي خصوصاً، للتطبيع مع دمشق، أحد التحديات التي تواجه الحراك العربي للانفتاح نحو سوريا، إذ ما زالت واشنطن تفرض قانون قيصر، والذي يقضي بفرض العقوبات على المتعاملين مع الحكومة السورية، الأمر الذي يعوق تحقيق تعاون حقيقي بين سوريا والدول المطبعة معها.  

2- رفض دول عربية عودة سوريا: لا تزال بعض الدول العربية مُترددة في الموافقة على عودة سوريا للحاضنة العربية، ومنها قطر والكويت والمغرب واليمن (الحكومة الشرعية). وأشار رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، أنه لن يكون هناك تطبيع مع سوريا ما لم يحدث تقدم سياسي وحل سياسي للأزمة فيها.

3- النفوذ الإيراني في سوريا: تتحسب طهران للتحركات العربية تجاه الانفتاح على دمشق، على أساس أن ذلك يُعد خصماً من نفوذها داخل سوريا، لذا تحرص إيران على تأكيد نفوذها على دمشق، ولعل زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، التي بدأها في 2 مايو 2023، وما أسفرت عنه من توقيع اتفاقات تتعلق بإعادة الإعمار وزيادة الترابط الاقتصادي والتجاري بين البلدين، تُدلل على محاولات إيران ترسيخ نفوذ طويل الأمد في سوريا.

وفي التقدير، يمكن القول إن اجتماع عمّان يأتي في إطار المحاولات العربية لعودة سوريا إلى المحيط العربي، والتي أخذت زخماً واضحاً خلال الفترة الأخيرة، غير أن هناك تحديات ما زالت تحول دون تحقيق انفتاح عربي كامل وحقيقي على دمشق، الأمر الذي يفرض على الحكومة السورية أن تتخذ عدداً من الخطوات التي قد تُسهم في تذليل تلك العقوبات، ولاسيما ما يتعلق بالالتزام بما تم الاتفاق بشأنه في اجتماعي جدّة وعمّان وغيرها من القرارات والاتفاقات ذات الصلة، والعمل على استغلال تداعيات الاتفاق السعودي الإيراني في موازنة العلاقة بين إيران والدول العربية.