تلاقي المصالح:

سبل التعاون الأمريكي- الصيني في الشرق الأوسط

04 September 2015


إعداد: أحمد عبدالعليم


تشهد العلاقات الأمريكية - الصينية صراعاً مُحتدماً في ظل اعتبار كل منهما قوة كبرى في العالم، وكذلك في ضوء تحوُّلات النظام الدولي من الأحادية إلى التعددية، وبروز بكين كقوة منافسة لواشنطن مع ما تملكه من مقومات اقتصادية وعسكرية كبيرة. ولكن تظهر منطقة الشرق الأوسط بتشابكاتها المختلفة السياسية والأمنية والاقتصادية وموقعها الاستراتيجي المتميز كمنطقة تفرض إطاراً تعاونياً في سياق العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، لأن الإطار التعاوني يمنح الطرفين مكاسب كبيرة أفضل من الصدام أو التنافس.

وتأتي الدراسة المُعنونة: "استكشاف سُبل التعاون بين الولايات المتحدة والصين في الشرق الأوسط"، لتعبر عن هذا المغزى السابق، وهي دراسة مشتركة بين كلِ من "مركز التقدُّم الأمريكي"، والمؤسسة الصينية الأمريكية للتبادل" في هونج كونج، و"معهد شنغهاي للدراسات الدولية". وقام بتحريرها كلُ من Rudy Deleon وهو زميل أول في "مركز التقدُّم الأمريكي"، و Yang Jiemianوهو زميل أول في "معهد شنغهاي للدراسات الدولية".

وتبحث هذه الدراسة أُطر التعاون والتلاقي في المصالح الأمريكية والصينية تجاه عدد من القضايا في الشرق الأوسط. ويأتي على رأسها موقف الدولتين من الأوضاع السياسية في مصر خلال السنوات الأربع الأخيرة، بالإضافة إلى موقفهما من قضايا التطرُّف والإرهاب، وما يرتبط بهما من الاستقرار والسلم في إقليم الشرق الأوسط والعالم بشكل عام، وصولاً إلى موقف بكين وواشنطن من أمن الطاقة ومحاولتهما تأمين إمداداتها في المنطقة، بالإضافة إلى الأُطر العالمية والإقليمية التي تُعزِّز من فرص التعاون بينهما في كافة المجالات.

نقاط التلاقي الأمريكية- الصينية تجاه مصر

على الرغم من أن قضيتي الصراع مع تنظيم "داعش"، والمفاوضات النووية مع إيران، استحوذتا في عامي 2014 و2015 على الاهتمام الأمريكي تجاه منطقة الشرق الأوسط، فإن مصر - أكبر بلد عربي من حيث السكان - كانت في دائرة الاهتمام الأمريكية بشكل كبير في ظل معركة الدولة المصرية نحو تحقيق الاستقرار والتقدم في المنطقة؛ لأن القاهرة لاتزال - بعد أربع سنوات من بداية الانتفاضات العربية - تواجه العديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية. ولذا، فإن الولايات المتحدة تعمل جنباً إلى جنب مع مصر من أجل الخروج من الوضع المضطرب في الإقليم.

وفي هذا الصدد، فإنه يتعين على واشنطن إعادة صياغة علاقاتها التقليدية مع القاهرة، كي تتجاوز التعاون الاقتصادي والعسكري إلى تعاون اقتصادي موسَّع، وحوار دبلوماسي وسياسي جديد أكثر فاعلية.

وتؤكد الدراسة أن الولايات المتحدة والصين لديهما كثير من المصالح المشتركة في مصر، وهذه المصالح يمكن أن تصبح أساساً للتعاون بينهما، وذلك باعتبار القاهرة شريكاً استراتيجياً للبلدين من جانب، ونظراً لدورها المهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي.

وتشير الدراسة إلى تلاقي المصالح الأمريكية - الصينية في مصر في عدد من النقاط، وهي:ـ

1 ـ النمو والتكامل الاقتصادي المصري: فالولايات المتحدة والصين تعدان من أكبر الشركاء التجاريين مع مصر، وتسهم استثماراتهما بمصر في تحقيق نسبة من النمو الاقتصادي المصري. وتعتبر مصر شريك بالغ الأهمية للصين، وذلك في ظل حجم تجارة سنوية تبلغ 10 مليارات دولار، وبالمقابل تعد مصر ذات أهمية حيوية بالنسبة للصين بسبب قناة السويس وإمكانية زيادة الاستثمارات المشتركة في هذه المنطقة؛ بينما تحاول واشنطن تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر من أجل تشجيع روح المبادرة وتقليل نسبة البطالة.

2- تشجيع الحكم الرشيد: في ظل المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر، تحاول الولايات المتحدة والصين نقل الخبرات والمهارات من أجل المساعدة في تحسين الجانب الإداري بشكل يسهم في تحقيق الاستقرار الداخلي، ومكافحة الفساد، وإرساء القانون والنظام في مصر.

3- تنسيق المساعدات الأمنية: فلدى كل من الولايات المتحدة والصين نفس الاهتمامات المشتركة فيما يتعلق بتطوير القدرات الأمنية المصرية من أجل مواجهة التحديَّات المختلفة بشكل يحقق الاستقرار على المدى الطويل ليس في مصر وحدها، ولكن في المنطقة ككل.

4- تعزيز مكانة مصر الإقليمية: تعتبر مصر دولة رائدة في منطقة الشرق الأوسط، ولذا فإن الولايات المتحدة والصين تدعمان التحركات المصرية التي تعزز من مصالح القوتين في منطقة الشرق الأوسط.

5- التعاون لمواجهة مخاطر التطرف والإرهاب: تعد مصر شريكاً هاماً للولايات المتحدة والصين في مجال مكافحة الإرهاب؛ لذا تساعد الدولتان القاهرة في مواجهة الجماعات المتطرفة، وذلك من خلال الاستثمار في التعليم والارتقاء به، وكذلك دعم مؤسسة الأزهر من أجل نشر الفكر الوسطي والتصدي للأفكار المتطرفة.

الموقفان الأمريكي والصيني من الإرهاب

يمثل التطرف والإرهاب خطراً ليس على الشرق الأسط وحده، ولكن على العالم بأسره. وفي ظل تنامي ظاهرة التطرف، فإن مواجهته تتطلب حلولاً شاملة؛ منها تبادل المعلومات الاستخباراتية، واستخدام القوة العسكرية، والحلول السياسية، والمصالحة الوطنية، وكذلك التنمية الاقتصادية.

وفي هذا الإطار، تثير الدراسة عدة نقاط تتلاقى من خلالها الأهداف الأمريكية والصينية من أجل مواجهة التطرُّف والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، وذلك على النحو التالي:ـ

1- توحيد سُبل المواجهة: لدى الولايات المتحدة والصين وجهات نظر مختلفة إزاء طبيعة ظاهرة التطرف وسُبل مواجهتها. ومع تفاقم هذه الظاهرة مؤخراً، تحاول الدولتان توحيد سُبل مواجهتها في الشرق الأوسط من خلال استخدام آليات رفيعة المستوى مثل الحوار الاستراتيجي بينهما. ولهذا يتعين عليهما مناقشة سُبل زيادة تبادل المعلومات وآليات تحقيق الأمن في مواجهة الجماعات الإرهابية العابرة للحدود.

2- النهوض بخطاب مشترك: تمتلك واشنطن وبكين عدداً كبيراً من الأدوات التي يمكن من خلالها مواجهة مخاطر التطرف، ولكن عليهما استكشاف سُبل النهوض بخطاب مشترك مناهض للعنف، وتبادل الدروس والخبرات، ودعم المبادرات المشتركة التي تساعد على فهم أكبر للأيديولوجية المتطرفة بشكل يجعلها تنحسر وتتلاشى.

3- منع التدفقات المالية للمتطرفين: تبذل الدولتان جهداً كبيراً من أجل منع التدفقات غير المشروعة للجماعات المتطرفة، ولكن في ضوء صعود تنظيم "داعش" وزيادة مصادر تمويله، لابد من مضاعفة الجهود الأمريكية - الصينية  من أجل تحديد مصادر هذه التدفقات وإيقافها.

4- المساعدات الإنمائية: يمكن للدولتين تعزيز التعاون في المشروعات المشتركة بينهما من أجل تحقيق المساعدة الإنمائية في الشرق الأوسط كأحد الأبعاد الهامة في مواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب، ومن أجل إنشاء المدارس وتوفير فرص العمل في المنطقة.

5- التنسيق في مواجهة "داعش" ودعم العراق: تشترك واشنطن وبكين في نفس الأهداف والتكتيكات في دعم الحكومة العراقية من أجل تحقيق القانون والنظام، والحفاظ على صناعة النفط الوطنية، بالإضافة إلى تنسيق الجهود بينهما من أجل دعم التماسك الوطني، والحفاظ على الهُوية الوطنية كوسيلة فعَّالة من أجل التصدي لخطر تنظيم "داعش".

الموقفان الأمريكي والصيني من أمن الطاقة

تشير الدراسة إلى أن واشنطن وبكين لديهما مصالح مشتركة من أجل تأمين إمدادات الطاقة في الشرق الأوسط؛ فالدولتين قادرتان من خلال تعاونهما مع دول المنطقة - وبالتحديد مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة– على تمويل وتطوير مشروعات جديدة تعزز أمن الطاقة.

وتتلاقى المصالح الأمريكية - الصينية في هذا المجال من خلال النقاط التالية:

1- ضمان المرور البحري الآمن: تُشكِّل إمدادات النفط والغاز الطبيعي من منطقة الشرق الأوسط أهمية حيوية للاقتصاد العالمي، وتعتبر الولايات المتحدة والصين من أكبر المستوردين للنفط من هذه المنطقة. ولذا يحاول الطرفان ضمان التدفق الآمن للطاقة بدون عوائق، خاصةً ما يتعلق بالحدّ من القرصنة في خليج عدن.

2- تعزيز المرونة في سوق الطاقة: يتوجَّب على واشنطن وبكين تعزيز أمن الطاقة من خلال تحسين مرونة السوق. ويمكن أن تشتمل التدابير على تنسيق تمويل البنية التحتية للطاقة في المنطقة أو توسيع خطوط الأنابيب الإقليمية.

3- الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة: لن يتحقق أمن الطاقة إلا من خلال تعزيز التحول في الاستهلاك العالمي للطاقة نحو مصادر أكثر استدامة. وتعتبر الطاقة الشمسية واحدة من هذه المصادر التي يمكن أن تتعاون فيها الولايات المتحدة والصين؛ حيث قامت الدولتان بالفعل، إلى جانب دول أخرى من أبرزها الإمارات العربية المتحدة، بتمويل مشروعات جديدة للطاقة الشمسية.

الأُطر العالمية والإقليمية للتعاون في الشرق الأوسط

تشير الدراسة إلى أن هناك أُطراً عالمية وإقليمية تدفع نحو ضرورة التعاون بين كل من الولايات المتحدة والصين في قضايا الشرق الأوسط.

وتتمثل هذه الأُطر في العولمة وثورة المعلومات؛ حيث بات العالم أكثر ترابطاً ككيان واحد، وهو ما يتطلب المزيد من توحيد الجهود الأمريكية والصينية لمواجهة التحديات المختلفة، سواء كانت عالمية مثل قضايا تغير المناخ والإرهاب الدولي، أو تلك المتعلقة بإقليم الشرق الأوسط الذي يُعد ركيزة أساسية لتحقيق السلام العالمي والحفاظ على مصالح الدولتين فيه.

من جانب آخر، فإن هناك شبكة مصالح ضخمة تربط واشنطن وبكين بشكل يحتم ­ضرورة زيادة التعاون بينهما في المجالات الاقتصادية وغيرها. ويظل الشرق الأوسط أحد القضايا المشتركة التي تعزز فكرة التعاون بين الدولتين، وذلك في ظل التحديات التي تواجه المنطقة من مكافحة الإرهاب وزيادة حدَّة التطرف الديني، وأمن الطاقة، والتعاون الأمني. ويجب أن تعمل الدولتان معاً من أجل تعزيز القدرة على التنبؤ بمستقبل الاستقرار في الشرق الأوسط بشكل يخدم مصالحهما، ويحقق الاستجابة الفعَّالة لقضايا المنطقة، سواء كانت تداعيات الثورات العربية أو الصراع العربي- الإسرائيلي أو صعود تنظيم "داعش".

ختاماً، تشير الدراسة إلى أن الولايات المتحدة تدخلت بشكل مباشر في قضايا الشرق الأوسط بما في ذلك التدخل العسكري المباشر، وهو ما لم يكن له تأثير جيد على الأوضاع في المنطقة. وبالنسبة للصين، فإنها مازالت متمسكة بمبدأ عدم التدخُّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وسوف يحاول الطرفان بذل مزيد من الجهد نحو التعاون في قضايا إقليم الشرق الأوسط من أجل الوصول إلى أساس توافقي يُتيح حلولاً مقبولة من الطرفين إزاء هذه القضايا.


* عرض مُوجَز لدراسة بعنوان: "استكشاف سُبل التعاون بين الولايات المتحدة والصين في الشرق الأوسط"، والصادرة في يوليو 2015 عن كل من "مركز التقدُّم الأمريكي" و"المؤسسة الصينية الأمريكية للتبادل" و"معهد شنغهاي للدراسات الدولية".

المصدر:

Rudy Deleon and Yang jiemian (editors), Exploring Avenues for China-U.S. Cooperation on the Middle East (Washington, Hong kong and Shanghai: center for American progress, China-United states Exchange Foundation and Shanghai Institutes for international studies, July 2015).