أزمات باكستان:

لماذا وقفت المؤسسة العسكرية على الحياد؟

01 November 2014


تعاني الحكومة الباكستانية الحالية بزعامة رئيس الوزراء، نواز شريف، أزمات سياسية داخلية عاصفة، تتزامن مع تهديدات خارجية تتعرض لها البلاد في ظل التوترات الحدودية الحالية مع دولتي الجوار الهند وإيران

فداخلياً، عادت الأزمة السياسية والاحتجاجات في باكستان للاشتعال مرة أخرى الأيام الماضية بعد مقتل سبعة أشخاص وإصابة 42 آخرين في تظاهرات مناهضة للحكومة في مدينة مولتان الباكستانية، وذلك بعد أن كانت قد وطأت حدة التظاهرات بعد نحو شهرين من اندلاعها في الرابع عشر من أغسطس الماضي، حيث بدأت حينها في العاصمة إسلام آباد والمدن الرئيسية الأخرى، موجة من الاحتجاجات والاعتصامات التي نظمها حزبا حركة "الإنصاف" بزعامة عمران خان، وزعيم "الحركة الشعبية" و"منهاج القرآن" طاهر القادري في المنطقة الحمراء، والتي تهدف إلى الإطاحة بحكومة نواز شريف، وإجراء انتخابات مبكرة بعد إجراء الإصلاحات في قانون الانتخابات.

وفي تحرك جديد للمعارضة، أعلن "طاهر القادري" يوم 22 أكتوبر 2014  عن أنه ستكون تظاهراتهم في كافة المدن الباكستانية وليس العاصمة "إسلام آباد" فقط، مشيراً إلى أنه وصل لأهداف المرحلة الأولى من الاحتجاجات، بتوعية الشعب من خلال اللقاءات الجماهيرية التي كان يعقدها، لافتاً إلى أن المرحلة الثانية من تلك التظاهرات ستشمل المدن كافة.

وفي رد فعل من جانبها إزاء الاحتجاجات ضد سياساتها، أمرت السلطات الباكستانية مساء يوم 20 أكتوبر 2014 بتعليق مدته أسبوعين لرخصة البث الممنوحة لقناة "أري نيوز" المؤيدة لحركات الاحتجاج ضد الحكومة.

وخارجياً، شهدت العلاقات المتوترة بين باكستان والهند تصعيداً جديداً الشهر الحالي عقب تبادل كثيف لإطلاق النار على طول الحدود الدولية التي تفصل بينهما، ما أسفر عن مقتل أكثر من 20 شخصاً، وقد أمر رئيس الوزراء الهندي "نارندرا مودي" قادة جيشه بالرد بجدية على إطلاق النار على طول خط المراقبة لإثبات قوة الهند، كما تم تحذير باكستان يوم 21 أكتوبر من أنها ستتكبد مزيداً من "الألم" إذا واصلت انتهاك وقف إطلاق النار في المنطقة الحدودية المتنازع عليها في كشمير.

من ناحية أخرى، وجهت طهران اتهامات لإسلام آباد بالتستر على منشقين من تنظيم "جند العدل"، عبروا أراضي باكستان مرات خلال الأسابيع الأخيرة لتنفيذ عمليات ضد قوات حرس الحدود الإيراني في محافظة سيستان بلوشستان (شرق) التي تقطنها أقلية سنية كبيرة. في المقابل نددت باكستان بعبور 30 جندياً إيرانياً الحدود إلى بلدة نوكندي في إقليم بلوشستان، ثم إطلاق قذائف "هاون" على بلدة ماند، ما أدى إلى مقتل ضابط وجرح 4 جنود.

وفي ضوء هذه التطورات، ثمة تساؤلات عديدة حول مستقبل الوضع الداخلي في باكستان، وهل سيكون هناك دور للمؤسسة العسكرية في هذه الأزمة الداخلية، وهل ستؤثر التوترات الحدودية مع بعض دول الجوار الباكستاني على هذه الأزمة؟

أسباب الاحتجاجات

كانت شرارة هذه الاحتجاجات قد بدأت بعد كشف معلومات تفيد بتزوير الانتخابات التي أُجريت العام الماضي، ففي خطوة مفاجئة أدلى نائب أمين لجنة الانتخابات الوطنية السابق محمد أفضل، بتصريحات تثبت عملية التزوير في هذه الانتخابات العامة. لكن تصويت البرلمان الفيدرالي في 22 أغسطس الماضي برفض الدعوات إلى استقالة رئيس الوزراء نواز شريف، قوى موقف حكومة شريف أمام المعارضة، إذ عبر البرلمان عن عدم رضاه عن المطالب غير الدستورية للاحتجاجات.

وتلقت حكومة شريف دعماً من أحد عشر حزباً من أصل 12 حزباً في البرلمان الفيدرالي، وفي مقدمتها "الحركة القومية" البشتونية التي يتزعمها محمود خان أشكزاي، وجمعية علماء الإسلام بزعامة المولوي فضل الرحمن، ونظمت حركات دينية كجمعية "علماء الإسلام" وجيش الصحابة، في 22 أغسطس 2014، مسيرات حاشدة في العاصمة إسلام آباد، وفي مدينة كراتشي وبيشاور ولاهور، لتأييد حكومة شريف والتنديد بما سمته محاولة انقلاب على حكومة شرعية. 

وساطة الجيش.. الفرصة والخطر

وسط هذه الأزمة المستفحلة، خرجت الأحزاب السياسية والحركات الدينية بموقف وسطي، بحيث جددت دعوتها الحكومة ومعارضيها إلى استئناف المفاوضات بينهما لحل الأزمة، بغرض تجنيب البلاد من الوقوع في فخ انقلاب عسكري، واعتبرت الأزمة الحالية خطراً على النظام الديمقراطي، بل وعلى البلاد برمتها، إذ سعى الرئيس الباكستاني السابق آصف علي زرداري، وزعيم الجماعة الإسلامية سراج الحق، لإنهاء الأزمة من خلال طرق سلمية. 

وبعد تعثّر المفاوضات بين الحكومة وزعيمي المعارضة خان والقادري بشكل نهائي، ووصول الأطياف السياسية إلى طريق مسدود، بسبب تشبث الأطراف كافة بمواقفها، جاءت المفاجأة في إبداء الجيش الباكستاني استعداده للقيام بدور الوساطة بين الحكومة والمعارضة، لإيجاد حل للمأزق السياسي. وجاء القرار بعد طلب رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، من قائد الجيش الجنرال راحيل شريف، خلال اجتماع بينهما في فجر 29 أغسطس الماضي، التعاون مع الحكومة للخروج من الأزمة السياسية، التي تكاد تعصف بأمن واستقرار البلاد، ولبى قائد الجيش دعوة رئيس الوزراء، الأمر الذي أدهش الأوساط السياسية والشعبية، فهذا يعد سابقة في تاريخ البلاد.

وعلى الرغم من أن الزعيمين المعارضين، خان والقادري، رحبا بوساطة الجيش التي دعت إليها الحكومة، بيد أن معظم الأحزاب السياسية، التي كانت تؤيد موقف شريف، أعربت عن استيائها البالغ حيال تدخل الجيش في سياسة البلاد، أياً كانت صورته. وكان بلاول بوتو، زعيم حزب "الشعب" الباكستاني ونجل رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو، أول من أعرب عن غضبه إزاء دعوة الحكومة الجيش للوساطة، معتبراً إياها فشلاً ذريعاً لكافة القوى السياسية، وفي مقدمتها حكومة شريف، بينما طالبت الحركة القومية المتحدة، رئيس الوزراء بتقديم استقالته حتى ولو نجح دور الجيش في حل المعضلة، وذلك للحفاظ على شعبيته السياسية.

لكن تدخل الجيش كوسيط بين الحكومة والمعارضة تحول من ورقة حاولت الحكومة لعبها، إلى ورقة ضغط لصالح المعتصمين المطالبين بإقالتها، لاسيما بعد تأكيد الجيش أن الحكومة وليس المعارضة هي من طلب وساطته بالأزمة.

غموض موقف الجيش

يعد تاريخ الجيش الباكستاني في حكم البلاد وتعدد انقلاباته على الحكومات المدنية، السبب الرئيس في الاشتباه بدور خفي للجيش كلما شهدت الساحة السياسية توتراً، ولا زالت التسريبات والتحليلات مستمرة حول وجود "دور خفي" للجيش الباكستاني في دعم الاحتجاجات المطالبة بإسقاط الحكومة، ودفع غموض موقف الجيش في الأيام الأولى من الاحتجاجات، وتصريحات خان القادري التي امتدحت الجيش تارة وشككت في علاقته بالحكومة تارة أخرى، كثيرين للاعتقاد بأن الجيش يمهد لانقلاب أو لعب دور رئيسي في الساحة السياسية مجدداً، إذ صرح جاويد الهاشمي، أحد قياديي حزب "الإنصاف" الذي يتزعمه خان، بأن الجيش الباكستاني يقف وراء الاحتجاجات، وأن عمران خان يتلقى أوامر من قبل المخابرات العسكرية، وهو ما أثار حفيظة الجيش الذي أصدر بياناً أكد فيه أن الجيش لن يقف وراء أي جهة سياسية، بل يدعم العملية الديمقراطية في البلاد، ويدعو الطرفين إلى حل النزاع عبر حوار بناء.

سيناريوهات الأزمة في باكستان

في ضوء التطورات الداخلية التي تشهدها الساحة الباكستانية، وما تتعرض له الدولة من مشكلات خارجية مع كل من الهند وإيران في الفترة الأخيرة، فإن ثمة ثلاثة سيناريوهات للأزمة الناشبة بين الحكومة والمعارضة في إسلام آباد:

1- عقد انتخابات مبكرة: يُفترض في هذا السيناريو أن ترضخ الحكومة الحالية لضغوطات الأحزاب المعارضة واحتجاجاتها في الشارع، وأن تقف المؤسسة العسكرية على الحياد بين طرفي الأزمة، ومن ثم تتم الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة، بعد إجراء إصلاحات في قانون الانتخابات، وتشكيل لجنة انتخابات جديدة. ومن أكبر الداعمين لهذه الفكرة، حزب "الشعب" و"الجماعة الإسلامية". ويرى زعيم المعارضة في البرلمان، والقيادي في حزب "الشعب" خورشيد شاه، أن الانتخابات المبكرة قد تكون "الحل الوحيد" للخروج من الأزمة السياسية.

2- استمرار حكومة "نواز شريف": هذا السيناريو بمنزلة "مسكنات مؤقتة" للأزمة، حيث قد تسعى الحكومة الحالية إلى استغلال التوترات الخارجية التي تتعرض لها الدولة الباكستانية، في حشد الرأي العام ودعوة الجبهة الداخلية للتوحد والتماسك في مواجهة التحديات الخارجية على الحدود مع الهند وإيران، وتنحية الأزمات الداخلية جانباً، حرصاً على "المصلحة القومية للبلاد"، ومن ثم قد تسعى الحكومة وفقاً لهذا السيناريو إلى فرض سياسة الأمر الواقع والتهدئة في الداخل، وتمديد تلك الأزمات الخارجية بقدر الإمكان من دون أن يتأثر أمنها القومي أو بالأحرى بأقل خسائر ممكنة.

3- تدخل الجيش في الأزمة: هذا السيناريو وإن كان يبدو محتملاً، بيد أن حدوثه مستبعد بشكل كبير، فثمة محاذير عدة تجعل من تدخل الجيش لإطاحة حكومة نواز شريف أمر صعباً، أولها: لا يستطيع الجيش الرهان على قوة المعارضة لحشد التأييد في الشارع الباكستاني لاستمرار الاحتجاجات، فمن ناحية أولى فإن أداء حكومة عمران خان في إقليم خيبر كان مخيباً للآمال، ومن ناحية ثانية ثمة شكوك بشأن قدرة طاهر القادري على قيادة تحرك لتغيير النظام السياسي في البلاد. ثانياً: تحظى حكومة نواز شريف بدعم الولايات المتحدة، إذ أعلنت الخارجية الأمريكية أكثر من مرة أن نواز شريف رئيس وزراء منتخب، وأن واشنطن لن تقبل أي تغيير غير دستوري في باكستان. ثالثاً: تعلم الجيش الباكستاني الدرس جيداً، ولن يعيد أخطاء الماضي في التدخل بالسياسة بشكل يسيء إلى صورته وصورة استقرار النظام الديمقراطي في البلاد، فالتدخلات السابقة للجيش فرضت على باكستان عقوبات اقتصادية وحرماناً من المعونات الدولية، مما أضر بمصالح ومكتسبات المؤسسة العسكرية نفسها.