صراع الهيمنة:

أبعاد المواجهة الغربية الروسية حول القوة الجوية والدفاع الجوي

26 April 2022


عرض: دينا محمود

يواجه تفوق القوات الجوية الهجومية للدول الغربية، سواء أوروبا أو الولايات المتحدة مخاطر كبيرة، لاسيما في ظل التقدم المتزايد والمضطرد لأنظمة الدفاع الجوي من قبل خصومهم، مثل روسيا والصين، وذلك لأخذ ‏زمام المبادرة وإقامة تفوق جوي في أي صراع مستقبلي. ويتم تطوير هذه القدرات الدفاعية، مثل ‏الرادارات ‏وأنظمة الاتصالات وصواريخ سام في إطار "نظام الدفاع الجوي المتكامل" ‏‏SDAI‏.‏ 

ومن أكثر الأنظمة تهديداً لهذا التفوق الغربي منظومة S-400 الروسية الشهيرة، بالإضافة إلى الرادارات ذات التردد المنخفض القادرة على إحباط التخفي، ورؤوس الحربة للدفاع متعدد الطبقات القادر على تحييد القوة الجوية، مع قدرات تكتيكية خاصة. 

في هذا الإطار، نشرت مؤسسة البحوث الاستراتيجية تقريراً فنياً عسكرياً في مارس 2022، للباحث، فيليب بيج يناقش تحليل أبعاد المواجهة بين القوى الجوية الهجومية وأنظمة الدفاع الجوي من خلال تقييم الوضع الحالي والتطورات المحتملة على المديين المتوسط والطويل".

تهديدات الدفاع الجوي:

ثمة ثلاث وظائف رئيسية تستهدف أنظمة الدفاع الجوي (DA) تحقيقها، أولها المراقبة أو الإنذار المبكر، والتي تبدأ بالكشف عن أي جسم بواسطة جهاز استشعار، ومن ثم دمج المعلومات عن طريق إنشاء وصيانة موقف جوي مرجعي Recognized Air Picture، مما يؤدي إلى "التنبيه" حال لزم الأمر، ويتم ضمان ذلك من خلال شبكة من رادارات المراقبة، وسلسلة من مراكز التحكم البرية أو البحرية، وربما تكملها أجهزة الإنذار المبكر المحمولة جواً (AEW). 

أما الوظيفة الثانية، فتتمثل في القيادة والتحكم في عملية الدفاع الجوي و"إدارة المعركة" الخاصة بها على المستوى التكتيكي، والتي تشمل تقييم التهديد واتخاذ القرارات من قبل أجهزة الاستشعار واختيار المستجيب والسيطرة على هذا الاشتباك من قبل سلسلة من مراكز التحكم والسلطات العليا‏. فيما تتمثل الوظيفة الثالثة في الاشتباك الفعلي من قبل المستجيبين.

يشير مصطلح نظام الدفاع الجوي المتكامل (SDAI) إلى أن هذه العناصر تعمل كنظام قادر على تنفيذ الوظائف المختلفة في تسلسل متماسك، في هذا السياق، يمكن الحديث عن فلسفتين متباينتين لأنظمة الدفاع الجوي DA، تتمثل فيما يلي: 

1. أنظمة SIDAAM الغربية (أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ)، والتي تعتمد إلى حدٍ كبيرٍ على المقاتلات ووضع رادارات متطورة ومتعددة الاستخدامات وأنظمة SAM، وتركز على الدفاع المضاد للطائرات ضد التهديدات. ومع ذلك، فإن هذه الأنظمة قليلة العدد، كما أنها ليست متحركة بشكلٍ جيد، وتعد أنظمة SIDAAM مصممة للعمل في بيئة تفوق جوية ودية.

2. أنظمة  SDAIالسوفييتية/ الروسية، والتي حصلت عليها الصين أيضاً، وهي عبارة عن جهاز مراقبة يجمع بين عدة أنواع من الرادارات عالية ومنخفضة التردد (مثل الأجسام القريبة من الأرض) للكشف بشكل أفضل عن أجهزة التخفي، كما أنها تتضمن أنظمة SAM متعددة الطبقات التي تتراوح بين أنظمة بعيدة المدى (أنظمة S-300V) أو (S-300 PMU / S-400 / HQ-9 / HQ-18). وهي تجمع عِدة أنواع من الصواريخ من نطاقات مختلفة، أنظمة متوسطة المدى (S-350، Buk)، وقصيرة المدى (Pantsir، Tor)، يتم دعمهم بشكلٍ كبير من خلال الحرب الإلكترونية التي تجمع بين أجهزة التشويش المضادة للرادار عالية الطاقة وأجهزة التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وبالتالي تعد هذه الأنظمة أداة صُممت لعقود من الزمن لمواجهة القوة الجوية الغربية، حيث استفادت كثيراً من النجاحات الكبيرة للأخيرة، كما حدث أثناء حرب الخليج.

استناداً لذلك الطرح، تتعلق التهديدات التي ربما تقيد التفوق الجوي الغربي بشكلٍ أساسي بهذه الفئة الثانية من أنظمة الدفاع الجوي، وإذا ما ركزنا على الأنظمة التي تندرج تحت "الفلسفة" الثانية، فإن الروس والصينيين فقط هم من يمتلكون كل هذه القدرات. وبالتالي، توجد مجموعة متنوعة من قدرات الدفاع الجوي تتراوح من الدفاع البسيط عن الموقع إلى الدفاع عن المنطقة بالكامل.

تدرج القوة الجوية الهجومية:

من ناحية أخرى، يمكن تقسيم القوة الجوية الهجومية إلى عِدة فئات اعتماداً على طبيعة وحجم القدرات، تتمثل فيما يلي:

1- القوات الجوية الأمريكية (USAF، USN): والتي لا تزال تمثل النموذج المرجعي الرئيسي للقوة الجوية، على الرغم من تقلص حجمها، خاصة في التسعينيات، فضلاً عن عمليات التحديث البطيء خلال السنوات الـ 15 الأخيرة، بيد أن هذا التحديث لم يتوقف أبداً، مما أدى إلى تعزيز القدرات بشكلٍ مستمر، وفي الواقع تعد الصين فقط هي القادرة على محاكاة هذا النموذج على المدى الطويل.

2- القوات الجوية للقوى الأوروبية: لديهم قدرات قتالية من نوعية مماثلة لتلك الخاصة بالقوات التكتيكية الأمريكية في العديد من النقاط، لكنها تفتقر للعديد من القدرات التي تتملكها القوات الأمريكية.

3- القوات الجوية للقوى الإقليمية الناشئة: والتي تحاكي النموذج الغربي، ولكن باستخدام طائرات من دون طيار مكثفة بتكلفة منخفضة نسبياً للحرب غير النظامية (الدول العربية مجهزة بشكل كبير بطائرات من دون طيار التكتيكية).

4- القوات الجوية الهجينة: يتم خلالها التركيز بشكلٍ خاص على الطائرات من دون طيار القتالية (طائرات من دون طيار، ذخائر تكتيكية من دون طيار)، يمثل هذا الاستخدام المكثف للطائرات من دون طيار بديلاً جزئياً للطيران المأهول، على الأقل للعمل جو- أرض، حتى في النزاعات التقليدية (النماذج الإسرائيلية والتركية، التي نسختها أذربيجان، على سبيل المثال).

5- بدائل القوة الجوية: والتي تتطور أيضاً بشكلٍ واضح، إنهم يعتمدون بشكلٍ خاص على الصواريخ (شبه الباليستية أو الانسيابية)، وعلى ذخائر الطائرات من دون طيار، أكثر مما تعتمد على المنصات، (وهو ما تعتمد عليه إيران ووكلاؤها، كحزب الله والحوثيين).

تفوق تقليدي للقوة الجوية:

تعكس الخبرات السابقة لتاريخ المواجهات بين القوات الجوية الهجومية ونظم الدفاع الجوي أن الميزة النسبية تصب في مصلحة الأولى، فمنذ وجود أنظمة الدفاع الجوي SDAI، أي منذ حرب فيتنام، كان الصراع الوحيد الذي نجحت فيه هذه الأنظمة في إعاقة عمل القوة الجوية بشكلٍ كبير هو حرب أكتوبر 1973، حيث حافظت الأنظمة المصرية على التكافؤ الجوي مع القوات الجوية الإسرائيلية طوال الصراع. وفي جميع النزاعات التي تلت ذلك، شكَّلت هذه الدفاعات بالتأكيد تحدياً من خلال الحد جزئياً من حرية عمل القوة الجوية، لكنها لم تكن قادرة على حظر آثارها على المستوى الاستراتيجي، بل على العكس من ذلك، فإن عمليات قمع دفاعات العدو الجوية(SEAD) ‏ قد أثمرت، مما أجبر أنظمة الدفاع الجوي DA على الحد من دورها أو حتى إيقافها.

بناء عليه، تشير خريطة المواجهات الأخيرة بين الدفاع الجوي (DA) وأنظمة قمع دفاعات العدو الجوية (SEAD)، والتي عكستها العديد من الأزمات المعاصرة (سوريا، وليبيا، وناغورنو كاراباخ، واليمن)، إلى حقيقة مهمة، تتمثل في التأكيد على أنه على الرغم من تحديث أنظمة الدفاع الجوي DA، بيد أن الأخيرة فشلت بشكل عام في إعاقة عمل القوة الجوية بشكل كبير. 

ففي الواقع، تعاني أنظمة الدفاع الجوي DA، بما في ذلك الأنظمة المتكاملة (SDAI) من نقطتي ضعف أساسيتين، هما ضعف مكونات الإنذار المبكر المحمولة جواً (AEW)، فضلاً عن افتقار أجهزة المراقبة الأرضية وأنظمة اتصالات وتبادل المعلومات (C2) إلى الكثافة والتوزيع الكافي، وبالتالي فهي عرضة للهجوم الحركي والحرب الإلكترونية، فبمجرد تحييد الرادارات الرئيسية، لم يعد بإمكان نظام الدفاع الجوي العمل بطريقة متكاملة، إذ إن أنظمة صواريخ أرض - جو (SAM)، حتى الأكثر قدرة، ستقاتل في عزلة، ويمكن تحييدها عن طريق هجوم التشبع.

تطورات متناقضة:

وعلى المدى المتوسط إلى الطويل، تظهر تطورات تقنية وتشغيلية متناقضة، وبالتالي ليس من السهل تحديد المسار الذي ستتجه إليه المواجهة في المجال الكهرومغناطيسي (تتراجع في مجالات مثل التخفي، والتدابير المضادة الإلكترونية / الإجراءات المضادة و"حرب الملاحة"). 

فمن المعروف أن تقنيات التخفي قد تم تصميمها لإحباط رادارات النطاق X أو C أو S بشكل أساسي. مع ذلك، حتى لو تم تخفيضه مقارنةً برادارات المراقبة، فإنه يطرح مشاكل في الحصول على الأهداف وتتبعها. إلا أن هذه التقنيات قد تطورت كثيراً، على سبيل المثال، بين قاذفة الصواريخ B-2 والمقاتلة الشبحية F-35‎، حيث تستخدم الأخيرة تقنية جديدة وأنظمة راديوية معرّفة برمجيّاً، التي تكون فعالة في نطاقات الترددات شديدة الارتفاع (VHF) في جميع الاتجاهات، مما يجعلها ربما الجهاز الأكثر قدرة على التخفي في ترسانة الولايات المتحدة.

على العكس من ذلك، فإن العديد من التطورات الأخرى تبدو أكثر وضوحاً، فالبعض، مدفوعاً بالرغبة الأمريكية في وقف تآكل تفوقها على الصين، من المحتمل أن يمنح أنظمة قمع دفاعات العدو الجوية ‏SEAD السبق على المدى القصير إلى المدى المتوسط، وذلك من خلال السرعة الفائقة، والطائرات من دون طيار منخفضة التكلفة والذخيرة الغارقة.

على المدى المتوسط، ستؤدي جهود التحديث، خاصة الأمريكية والصينية، إلى العديد من التطورات الأخرى في القدرات، والتي من المحتمل أن تكون أكثر إرباكاً، وبالتالي فإن إدخال أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت سيشكل قطيعة لصالح أنظمة قمع دفاعات العدو الجوية‏ SEAD. سيقطع مثل هذا الصاروخ مسافة بضع مئات من الكيلومترات تقابل نطاق الكشف لرادار مراقبة سطح الأرض بعيد المدى في دقائق، بسرعة كافية لضربه قبل نقله، ومن ثم تشكل هذه الأسلحة تحديات هائلة أخرى لأنظمة الدفاع الجوي، فسرعتها لا تسهل التتبع الدقيق.

مع ذلك، فإن هناك تطورات مهمة ومستمرة لأنظمة الدفاع الجوي DA، مما يجعل من الممكن استعادة التوازن على المدى المتوسط إلى المدى الطويل، من الآن وصاعداً، ذلك أن  التحديث المستمر للرادارات والاضطلاع واسع النطاق للتكيف مع النظام الجوي المضاد للطائرات من دون طيار (C -UAS) والمدفعية المضادة للصواريخ وقذائف الهاون (بما في ذلك انتشار أسلحة الطاقة الموجهة) سيعقد ميكانيكياً تحقيق تأثيرات التشبع بواسطة الطائرات من دون طيار والذخائر الموجهة بدقة والذخائر الغارقة، كما سيكون للتقدم المطرد في مجال الصواريخ، لاسيما استخدام الدفع النفاث، نتيجة لتوسيع نطاقها، العديد من التأثيرات المفيدة.

وتجدر الإشارة، إلى أن الانتشار المستمر للطائرات المقاتلة الأكثر قدرة على التخفي غير مؤكد فعلياً، حيث تنتشر المقاتلة الشبحية F-35 ولكن بتكلفة باهظة، كما ينوي الصينيون فقط اتباع الأمريكيين جزئياً على الأقل من خلال تنفيذ مقاتلة شبحية J-20 على نطاق واسع نسبياً والمقاتلةJ-31. بينما لن يكون لدى الروس سوى بضع عشرات من مقاتلات Su-57 Felons الروسية ثنائية المحرك، ولايزال أداء المقاتلة أحادية المحرك Su-75 Checkmate المخصص للتصدير غير مؤكد، فيما تكافح المشاريع المماثلة الأخرى من أجل الظهور.

في الختام، لابد من الإشارة إلى أن هذه التطورات التكنولوجية الجيدة والسريعة تتطلب نهجاً وحلولاً جديدين للتعامل مع البيئة المتغيرة في ظل وجود احتياجات متناقضة بين الجودة، والكمية، والمرونة، وضرورة التوازن بين المتطلبات والقيود على المدى الطويل في ظل منظومة القتال الجوي المستقبلي المعروفة اختصاراً بـ SCAFالتي ستكون بمنزلة العمود الفقري لكل دول القارة بعد عام 2040.

أخيراً، يجب بالضرورة دمج هذه العناصر في "سحابة" cloud، تسمح بتنفيذ عدة مستويات من الشبكات (المنصات، ذخائر المستجيبات)، والإدارة الديناميكية للامركزية السلطات، من طائرات ذات مركزية في التحكم إلى مقاتلات الجيل التالي بشكل أفقي التحكم NGF، حيث سيتعين على هذه السحابة أيضاً السماح بقتال تعاوني متعدد الوسائط والمجالات (M2MC).

المصدر:

Philippe Gros, La confrontation entre puissances aériennes offensives et systèmes de défense aérienne: situation présente et évolutions envisageables à moyen-long terme, Fondation pour la Recherche Stratégique (FRS), Mars 2022.