من كورونا إلى أوكرانيا:

لماذا تتفاقم أزمة التمويل الإنساني في الشرق الأوسط؟

21 March 2022


تزداد الحاجة للمساعدات الإنسانية في العالم بسبب تكاثر الأزمات وامتدادها وتفاقم حدتها، حيث تتسم الصراعات في الوقت الراهن بمزيج من التوترات العرقية والدينية والطائفية والأمنية والسياسية، وعلى نحو قد يتجاوز حدود الدولة الواحدة منشأ النزاع، وبالتالي يمتد إلى دول الجوار، وبما يخلق تربة خصبة للعنف تسفر عن حدوث خسائر شديدة وعشوائية في صفوف المدنيين وتلحق دماراً وأضراراً بالبنى التحتية المدنية وتولد تهديدات أمنية ينتج عنها الطلب المتزايد على عمليات الإغاثة الإنسانية داخل مناطق الصراعات. 

ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة الصادر في ديسمبر 2021 والمعنون بـ "اللمحة العامة عن العمل الإنساني العالمي 2022"، فإنه في العام الحالي سيحتاج 274 مليون شخص في 63 دولة إلى الحماية والمساعدة الإنسانية. وحسب التقرير، يمثل هذا الرقم زيادة كبيرة عن 235 مليون شخص محتاج قبل عام مضى، والذي كان بالفعل أعلى رقم منذ عقود. وتهدف الأمم المتحدة والمنظمات الشريكة في عام 2022 إلى مساعدة 183 مليون شخص في أمس الحاجة إليها، وهو ما سيتطلب 41 مليار دولار.

وجدير بالذكر أن هذا التقرير صدر قبل اندلاع الحرب الأوكرانية الحالية في 24 فبراير 2022، وما نتج عنها من أزمة لاجئين سيكونون بحاجة إلى مساعدات. وبالتالي يُتوقع أن تتفاقم أزمة التمويل الإنساني في مناطق الصراعات بالشرق الأوسط خلال العام الحالي، بعد نشوب الحرب الروسية في أوكرانيا؛ والتي جذبت أنظار العالم والقوى الدولية، ومنها الجهات المانحة، وعلى نحو سيجعلها تعطي الأولوية لمساعدة ضحايا هذه الحرب، وهو ما قد يأتي على حساب نظرائهم في الشرق الأوسط.

وفي هذا الإطار، يتناول هذا التحليل أزمة التمويل الإنساني بالتركيز على مناطق الصراعات في الشرق الأوسط، وذلك من خلال محورين رئيسيين؛ أولهما يتضمن نظرة عامة على الأوضاع الإنسانية المتدهورة في عدد من دول الصراعات والأزمات بالمنطقة، بينما يحلل الآخر أبعاد نظرة الدول والجهات المانحة للمساعدات الإنسانية.

أوضاع متأزمة:

من المعلوم أن مسارات الصراعات في الشرق الأوسط بالغة التعقيد والتشبيك، حيث تتسع دوائرها التي تضم العديد من الأطراف الإقليمية والدولية التي قد تتناقض مصالحها، وتتبدل أولوياتها ومن ثم سياساتها من وقت لآخر. كما تشهد هذه الصراعات بروز لفاعلين من غير الدول تلعب دور "الوكالة" لأطراف خارجية، وهو ما يُعقد من تلك الصراعات، ومن ثم يفاقم من أوضاع سكانها. وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى الأوضاع الإنسانية المتدهورة التي يشهدها عدد من دول الشرق الأوسط، كالتالي:

1- سوريا: وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فإن عدد النازحين داخل سوريا منذ عام 2013 يُقدر بنحو 6 ملايين شخص، ويماثلهم تقريباً العدد نفسه ممن فروا إلى خارجها، بينما بقي حوالي 11 مليون سوري في بلدهم يفتقرون إلى احتياجات إنسانية، ومن بين هؤلاء وصل إلى 6.7 مليون شخص مساعدات في عام 2021. وامتدت أزمة اللاجئين السوريين إلى دول عربية مجاورة مثل لبنان والأردن اللذين يقع عليهما عبء تقديم الدعم لمئات الآلاف من اللاجئين الذين هم بحاجة إلى الإعاشة والغذاء والعلاج والتعليم والخدمات المختلفة. وهذه الدول هي الأخرى تعاني تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية، تُصعب من تقديم المساعدات لهؤلاء اللاجئين، وعلى نحو يجعلها في حاجة أيضاً إلى المساعدات الإنسانية من جهات خارجية. 

2- العراق: على الرغم من الإعلان في ديسمبر 2021 عن إنهاء "المهام القتالية" لقوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش في العراق، لا يزال ملايين العراقيين يعانون بسبب تعاقب التوترات الاجتماعية والسياسية، وعدم شمولية ترتيبات الأمن التي تحمي العراقيين كافة، والعجز عن التعامل مع التحديات الاقتصادية القائمة. واستهدفت خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة في العراق لعام 2021 نحو 1.5 مليون شخص، وتلقى منهم 1.2 مليون عائد ونازح داخلياً المساعدة، بما في ذلك أكثر من نصف مليون شخص حصلوا على الرعاية الصحية الأساسية وخدمات الصرف الصحي والنظافة وخدمات الحماية الخاصة.

3- اليمن: يشهد هذا البلد اضطرابات عنيفة منذ عام 2011، وتصاعدت مع الانقلاب الحوثي على الحكومة الشرعية منذ أكثر من 7 سنوات. وتحتاج الأمم المتحدة في عام 2022 إلى نحو 3.9 مليار دولار لمساعدة حوالي 16 مليون شخص في اليمن، وفق ما أعلنه مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ونائب منسق الإغاثة في حالات الطوارئ، راميش راجا سينغهام، في يناير الماضي. وحسب هذا المسؤول الأممي، فإن خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2021 لم تُمول إلا بنسبة 58%، ناهيك عن إعلان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في ديسمبر الماضي خفض موازنته المرصودة لمساعدة 8 ملايين شخص في اليمن. وركزت خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن العام الماضي، على منع تفشي الأمراض، والحد من الوفيات، ومنع المجاعة وسوء التغذية، واستعادة سُبل كسب العيش، وحماية ومساعدة المدنيين.

4- ليبيا: نتيجة الصراع المسلح في هذا البلد، نزح الليبيون من مناطق القتال بحثاً عن السلامة والأمن. وطبقاً لفريق الاستجابة الإنسانية التابع للأمم المتحدة في ديسمبر 2021، فإن أكثر من 1.3 مليون شخص في ليبيا بحاجة للمساعدة، وتم تحديد 451 ألف شخص منهم للمساعدة الإنسانية المُستهدفة من خلال خطة الاستجابة الإنسانية في ليبيا. ويعد نصف المحتاجين لمساعدات إنسانية في ليبيا من النازحين داخلياً (هناك أكثر من 200 ألف شخص ما زالوا نازحين في البلاد) أو من المهاجرين غير الشرعيين الذين يقيمون في ليبيا أو يمرون عبرها (يُقدر عددهم بحوالي 610 آلاف مهاجر غير شرعي). وبلغ التمويل المطلوب لتقديم هذه المساعدات الإنسانية في ليبيا 189.1 مليون دولار، تم توفير 138 مليوناً منها.

5- الأراضي الفلسطينية المُحتلة: هناك صراع ممتد ومتعدد الأزمات الإنسانية في فلسطين، ويعزز وجوده عاملان رئيسيان؛ أولهما الانقسامات الداخلية الفلسطينية، وثانيهما تكرار تصاعد أعمال العنف بين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية، كما حدث في قطاع غزة في مايو 2021. وتُقدر الأمم المتحدة أن نحو 2.1 مليون فلسطيني سيكونون في حاجة لمساعدات إنسانية في عام 2022، وأن 64% من بين هؤلاء يعيشون في غزة. وفي هذا الإطار، أطلقت الأمم المتحدة خطة استجابة إنسانية بقيمة 510 ملايين دولار، لمساعدة 1.6 مليون فلسطيني من الفئات الأكثر ضعفاً في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، خلال العام الجاري.

عوامل الفجوة:

يكشف الواقع عن أن توفير تمويل مستقر أضحى مسألة مُلحة لمعالجة الاحتياجات الإنسانية الحرجة في مناطق الصراعات والأزمات بالإقليم، لاسيما في ظل جائحة كورونا؛ التي تطرح العديد من التساؤلات بخصوص مدى قدرة الدول والجهات المانحة على توفير التمويل اللازم لتلك الاحتياجات المتزايدة. وفي هذا الإطار، يمكن توضيح أبعاد رؤية المانحين للمساعدات في النقاط التالية:

1- أهداف سياسية: تعتمد بعض الدول والجهات المانحة في وضع استراتيجيتها الخاصة بالمساعدات الإنسانية على أولويتها الجيوسياسية من أجل كسب النفوذ في دول الصراعات. فمعظم الصراعات التي ولدت هذه الأزمات الإنسانية نتجت عن حروب سياسية حول مناطق نفوذ بين قوى دولية وأطراف إقليمية، عرقلت في أوقات كثيرة الوصول إلى تسوية مقبولة لهذه الصراعات، مما يجعل باب الأزمات مفتوحاً لكي تستمر دواعي تقديم الإغاثة، ومن ثم مبررات التدخل الإنساني. 

فعلى سبيل المثال، تهتم دول الاتحاد الأوروبي بتوفير المساعدات للدول المُطلة على البحر المتوسط والتي تستقبل عن طريقها عدداً كبيراً من المهاجرين؛ وذلك تحسباً من ردود فعل شعوبها الرافضة لتدفق هؤلاء المهاجرين والمطالبة بتقييد وصولهم إلى أراضيها. وفي هذا الصدد، ستخصص المعونة الإنسانية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي في عام 2022، مبلغ 351 مليون يورو لتلبية الاحتياجات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمعالجة الأزمة في سوريا وكذلك احتياجات اللاجئين في البلدان المجاورة في الشرق الأوسط، فضلاً عن الوضع المتدهور بسبب الحوثيين في اليمن. بينما يُتوقع أن تخصص دول أوروبا جزءاً كبيراً من مساعداتها الإنسانية لصالح اللاجئين الذين فروا من أوكرانيا بسبب الحرب الروسية الحالية، حيث تخطى عددهم 2,8 مليون شخص ثُلثهم من الأطفال، وهي أكبر عملية نزوح داخل أوروبا منذ عقود، وفق ما أعلنته الأمم المتحدة يوم 14 مارس 2022.

2- أبعاد أمنية: هي تتعلق بالأساس بأن استمرار عدم استقرار الدول محل هذه الصراعات يؤدي إلى عواقب وخيمة تؤثر على السلام والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وبالتالي تولد ظاهرة التطرف والإرهاب العالمي وعلى نحو قد يصعب السيطرة عليها. من جهة أخرى، يعيق العنف المُسلح إيصال المساعدات الإنسانية المُنقذة للحياة. ومع زيادة طول فترة النزاعات المسلحة وتعقيدها، تتزايد الاحتياجات الإنسانية، ويؤدي التقاعس إلى زيادة تكلفة الضرر الناتج عن تأخر الاستجابات الإنسانية. أيضاً، يعاني العاملون في المجال الإنساني من العنف إبان توصيل خدمات الإغاثة الإنسانية. فعلى سبيل المثال في عام 2020، قُتل 117 من العاملين في المجال الإنساني، كما تزايد الهجوم على العاملين في مجال الرعاية الصحية، حيث سجلت منظمة الصحة العالمية حالات قتل 182 من العاملين في مجال الرعاية الصحية في 22 بلداً متأثراً بالصراعات المسلحة. 

3- قيود اقتصادية: تواجه الدول والجهات المانحة قيوداً على ميزانيتها، لأن اقتصاداتها عانت تحت وطأة جائحة كورونا بسبب الإغلاق، وانخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي لدى بعض الدول المانحة إلى حد كبير، كما أن دولاً أخرى أعادت توجيه بعض أموالها من مساعدات خارجية إلى إعانات داخلية.

وفي الأخير؛ يمكن القول إن الأزمات الإنسانية في أنحاء العالم، ولاسيما الشرق الأوسط، لا تزال تتصاعد وتتفاقم، وخاصة بعد اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا. وفي حين أن الصراعات والعنف هما سبب الاحتياجات الإنسانية، فإن الحالة تزداد أيضاً سوءاً بسبب الكوارث الطبيعية مثل الجفاف أو الفيضانات والتي تعود إلى تغير المناخ وتدهور البيئة، ناهيك عن استمرار جائحة كورونا. وفي ضوء هذه الظروف الصعبة، تتزايد الحاجة إلى تمويل المساعدات الإغاثية لقاطني الدول والمناطق التي تعاني صراعات وأزمات داخلية، وهو ما يُلقي بمزيد من الأعباء على العديد من الدول والجهات الدولية المانحة.