حياد معلن:

قراءة في الموقف الجزائري من الصراع الروسي – الأوكراني

11 March 2022


دخلت الجزائر على خط الأزمة الأوكرانية التي اندلعت عقب إعلان روسيا تدخلها عسكرياً في أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، حيث وضعت هذه الأزمة الجزائر في موضع حرج ما بين روسيا التي قامت بعملية عسكرية ضد أوكرانيا، والدول الغربية التي ترفض النهج الروسي وتدعم أوكرانيا في المقابل.

علاقات تعاون مع موسكو:

تتمتع الجزائر بعلاقات قوية مع روسيا والدول الأوروبية، غير أن علاقاتها بالأولى تعد أوثق، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- شراكة روسية – جزائرية استراتيجية: تدرك موسكو أهمية الجزائر في ظل ما تتمع به من ثقل سياسي في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا، وهو ما دفع موسكو خلال السنوات الأخيرة لتطوير علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الجانب الجزائري، وهو ما ساهم في إيجاد مصالح مشتركة بين الدولتين.

ومن جانب ثانٍ، تعد روسيا مصدراً رئيسياً لتسلح القوات المسلحة الجزائرية لتطوير قدراتها العسكرية، إذ تعد الجزائر، أكبر مستورد للأسلحة الروسية في القارة الأفريقية، ففي عام 2006، وقعت الأخيرة صفقة لشراء أسلحة روسية مقابل 7.5 مليار دولار.

واشترت الجزائر وحدها حوالي 200 قطعة طائرات من روسيا منذ 2000 إلى 2019، وتتراوح ما بين طائرات هليكوبتر للنقل إلى طائرات هليكوبتر مقاتلة ومقاتلات برية مقاتلة. فيما تم طلب نماذج مختلفة من نظم الدفاع الجوي أرض – جو، بالإضافة إلى صواريخ من أنواع أخرى، كما طلبت أكثر من 500 دبابة في المجموع خلال الفترة نفسها. وتشير تقديرات إلى أن السلاح الروسي يمثل نحو 69% من جملة السلاح الجزائري.

2- استثمارات روسية – جزائرية: قامت الجزائر بتعزيز قدراتها على تصدير الغاز الطبيعي عبر التعاون مع روسيا. فقد وقعت شركة "سوناطراك" الجزائرية عقداً للبحث عن الغاز واستغلاله في منطقة "حقل العسل" بالصحراء الجزائرية. ومن المترقب دخول هذا المشروع حيز الإنتاج خلال سنة 2025. وتمتلك سوناطراك 51% من الحصص في حين تمتلك شركة غازبروم الروسية نسبة 49%". ومن غير المرجح أن تتخلى الجزائر عن علاقاتها بموسكو من أجل ضمان أمن الطاقة الأوروبي بعيداً عن النفوذ الروسي. 

3- علاقات اقتصادية مع الدول الأوروبية: توجد علاقات قوية بين الجزائر والدول الأوروبية، خاصة على المستويين الاقتصادي والتجاري في ظل اتفاقات الشراكة الاستراتيجية الموقعة بين الدول الأوروبية والجزائر جنوب المتوسط. 

وتعد الشركة الجزائرية العمومية للنفط والغاز "سوناطراك" ثاني مورد للغاز إلى إيطاليا بعد "غازبروم" الروسية، كما ارتفعت صادرات الغاز الجزائري نحو إيطاليا في سنة 2021 بـ 9.2 بالمئة عن مستوى 2020. 

وعلى الرغم من أن الجزائر تعتبر رابع أكبر بلد في العالم من حيث إنتاج الغاز، وهو ما يعادل 3.37% من الإنتاج العالمي، فإن روسيا تنتج أكثر من 16% من الإنتاج العالمي. وبالتالي يدرك الأوروبيون أنه لا توجد أية دولة قادرة على تعويض الإمدادات الروسية من الغاز حال انقطاعها، كما لا يوجد فائض في إنتاج الغاز يمكن ضخّه في الحين، سواء من الجزائر أو قطر التي تضخ حالياً بأقصى طاقتها.

اصطفاف مع روسيا:

حاولت الجزائر اتخاذ موقف يتسم بالحذر تجاه تطورات الأزمة الأوكرانية، إذ إنها لم تبد صراحة دعمها لموسكو، غير أن سياستها العملية انصرفت في الوقت ذاته إلى تبني مواقف داعمة للأخيرة، وهو ما يتمثل في التالي: 

1- الحفاظ على علاقاتها بروسيا: لم تبد الجزائر موقفاً سياسياً رسمياً من الصراع الروسي – الأوكراني، سواء بالتأييد أو الإدانة، وركزت البيانات الصادرة عن وزارة الخارجية الجزائرية كافة على أوضاع الجالية الجزائرية في أوكرانيا وكيفية مساعدتهم على مواجهة الأوضاع العسكرية المضطربة هناك، ومدى إمكانية مساعدتهم على العودة إلى البلاد. 

وعلى جانب آخر، امتنعت الجزائر عن التصويت إلى جانب 34 دولة أخرى خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2 مارس الجاري على مشروع القرار الأمريكي والأوروبي الخاص بإدانة الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، وهو ما قد يُفهم على أن الجزائر ترغب في الحفاظ على علاقاتها الدبلوماسية والعسكرية القوية مع الجانب الروسي.

2- نفي تعويض الغاز الروسي: نفت الجزائر استعدادها لزيادة إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا إذا ما أعلنت روسيا وقف صادراتها من الغاز الطبيعي للدول الأوروبية، فبعد أن نشرت صحيفة "ليبرتي" الفرنسية مقابلة مع الرئيس المدير العام لشركة سوناطراك الجزائرية عنونتها: بـ "الجزائر مستعدة لتزويد أوروبا بكميات إضافية من الغاز". سارعت سوناطراك إلى تكذيب الخبر إذ أكدت أن العنوان من وحي الجريدة، ولا يتناسب مع محتوى الحوار، وأودعت ضدها شكوى بتهمة التلاعب والتحريف.

كما أكد مسؤولون جزائريون أن مجموع ما تصدره الجزائر إلى أوروبا يقدر بنحو 42 مليار متر مكعب، بينما بإمكان أنبوب غاز واحد روسي أن يصدر الكمية نفسها لأوروبا، وهو ما يعني أنه لا قبل للجزائر بتعويض السوق الأوروبي عن واردات الغاز الطبيعي. ويبدو أن تصريحات الجريدة الفرنسية كانت موجهة لتهدئة الجمهور الأوروبي، خاصة بعد ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي إلى مستويات قياسية، وهو ما تسبب في ارتفاع التضخم في منطقة اليورو إلى مستويات تقارب الـ 5.8% في فبراير ارتفاعاً من 5.1% في يناير 2022. 

3- رفض تجنيد أوكرانيا مرتزقة: احتجت الجزائر بشدة على منشور السفارة الأوكرانية لدى الجزائر، الذي نشرته يوم 3 مارس، والذي تعلن فيه أن أوكرانيا ترغب في استقبال "مواطنين أجانب للانضمام إلى المقاومة ضد المحتلين الروس وحماية الأمن العالمي". 

وطالبت وزارة الخارجية الجزائرية السفارة الأوكرانية بحذف المنشور من على صفحتها على فيس بوك، في 5 مارس 2022، وهو أمر مفهوم تماماً، ليس فقط بالنظر إلى العلاقات الوثيقة التي تجمع الجزائر بروسيا، ولكن نظراً لأن تجنيد المرتزقة يخالف القوانين الدولية، كما أنه من شأنه أن يستقطب أفراداً جزائريين، ويمدهم بخبرة عسكرية قتالية بصورة تخرج عن سيطرة الدولة الجزائرية، وهو أمر يهدد أمن أي دولة. 

انعكاسات على الاقتصاد الجزائري:

يترتب على الصراع الروسي – الأوكراني عدداً من التداعيات، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:

1- تعزيز المكاسب الاقتصادية: يلاحظ أن الجزائر قد استفادت من الصراع الروسي – الأوكراني، والذي تسبب في ارتفاع أسعار النفط والغاز إلى مستويات قياسية، وهو ما يضمن حصول الجزائر على المزيد من المكاسب المالية التي يحتاج إليها اقتصادها الوطني الذي يعاني مشكلات اقتصادية داخلية تفاقمت خلال الفترة الأخيرة بسبب جائحة كورونا.

ونظراً لاعتماد الجزائر على صادراتها من الطاقة والغاز الطبيعي باعتبارها من مصادر الدخل القومي للبلاد، فإن ارتفاع أسعار النفط العالمية إلى 130 دولاراً للبرميل بسبب تداعيات الأزمة الأوكرانية سيوفر، بطبيعة الحال، إيرادات إضافية للجزائر يمكن استغلالها لسد احتياجاتها من القمح الذي كانت تستورده من روسيا التي صدرت للجزائر حوالي 363.5 ألف طن من القمح في يناير الماضي، وفقاً لما تم الاتفاق عليه بين الدولتين.

كما أعلنت الجزائر تنويعها مصادر الحصول على القمح تجنباً لتداعيات هذه الأزمة على احتياجاتها من القمح، ومن ثم فإن ما ستحققه الجزائر من مكاسب مالية بسبب زيادة إمداداتها من الغاز لأوروبا سيمكنها من تجنب تداعياتها على احتياجاتها الغذائية.

2- صعوبة استيراد القمح الروسي: تواجه الجزائر صعوبة في استيراد القمح الروسي، إذ إن المعاملات الجزائرية لشراء القمح الروسي كان يتم عبر نظام "سويفت" الدولي للتحويلات المالية، غير أن عزل الدول الغربية لموسكو من النظام بسبب أزمة أوكرانيا، سيجعل الجزائر تبحث عن شراكات دولية أخرى مثل الأرجنتين والمكسيك وكندا. 

ونظراً لأن روسيا وأوكرانيا كانتا مسؤولتين معاً عن حوالي ربع الإنتاج العالمي من القمح، فإن توقف هذا الإنتاج سوف يؤدي إلى ارتفاع كبير في الأسعار، خاصة إذا ما امتدت الحرب لشهور. 

3- تقارب جزائري – إيطالي: تسعى إيطاليا إلى الحفاظ على علاقات قوية مع الجزائر في هذا التوقيت، لاسيما فيما يتعلق بالحصول على الغاز الطبيعي الجزائري، حيث تحصل إيطاليا على 40% تقريباً من احتياجاته من الغاز الطبيعي الجزائري، فيما تمثل وارداتها من الغاز الروسي حوالي 30%.

وفي ظل التأييد الإيطالي لأوكرانيا وتأييدها لمسألة فرض العقوبات الدولية على روسيا، فإن روما تخشى أن تفرض عليها موسكو عقوبات تقلص بموجبها إمداداتها من الغاز الطبيعي، ولذلك تسعى لتحجيم تداعيات هذا السيناريو عبر ضمان استمرار تدفق الغاز الجزائري، والذي لن يكون بديلاً بأي حال من الأحوال لنظيره الروسي.

وفي الختام، فإن الموقف الجزائري كان أقرب إلى الحياد، غير أنه في الواقع العملي، كان أقرب إلى الموقف الروسي، وهو ما يتضح من سلوكه التصويتي في الأمم المتحدة، فضلاً عن نفيه تعويض الغاز الروسي، وأخيراً، رفضه إرسال المرتزقة إلى أوكرانيا، وفي حين أن الجزائر استفادت من ارتفاع أسعار الطاقة، فإنها في المقابل، ستواجه بارتفاع أسعار المواد الغذائية، خاصة القمح.