الاقتصاد أولاً:

كيف تتجنب المغرب عودة "عاصفة التغيير"؟

17 April 2015


إعداد: محمد أحمد عبد النبي

أحدثت الثورات العربية تغييرات درامية سلبية في عدد من الدول العربية، لاسيما في النواحي الاقتصادية والأمنية، بينما نجحت بعض الدول العربية الأخرى التي لم تشهد مثل هذه الثورات، ومن بينها المملكة المغربية، في تجاوز هذه العاصفة من خلال إجراء تغييرات سياسية واقتصادية تدريجية تتواكب مع ظروفها من ناحية، ومع مطالب التغيير من ناحية أخرى.

انطلاقاً مما سبق، نشر مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي، دراسة في شهر مارس 2015 تحت عنوان: "التحول السياسي والاقتصادي التدريجي في المغرب"، حاول من خلالها كل من "محسن خان Mohsin Khan" الزميل غير المقيم بمركز رفيق الحريري، و"كريم مزران Karim Mezran" الزميل المقيم بذات المركز، إبراز خصوصية التجربة المغربية إزاء الثورات العربية، وكيفية تعامل النظام الحاكم مع حركات التغيير في المغرب، والخطوات التي اتبعها لإحداث تغييرات سياسية واقتصادية تستجيب للمطالب الشعبية وتحفظ للنظام السياسي سلطاته في نفس الوقت.

أكد الكاتبان في مستهل دراستهما أنه على الرغم من كون المغرب ليست من البلدان المتقدمة ديمقراطياً، وتعاني كذلك من نفس المشاكل الاقتصادية التي واجهت مصر وتونس مثل البطالة وعدم عدالة توزيع الثروات وارتفاع أسعار الوقود والغذاء وانتشار الفقر، فإنها نجحت حتى الآن في تجاوز "عاصفة الانتفاضة الشعبية" دون وجود تغييرات سياسية درامية أو خسائر اقتصادية كبيرة، وهذا مرده شرعية العاهل المغربي محمد السادس والدعم الشعبي له، وتبني العاهل المغربي ومستشاريه عملية تدريجية للإصلاح السياسي لتهدئة المتظاهرين، ورسم خطة اقتصادية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي لتعويض الآثار الاقتصادية السيئة التي واجهتها المغرب من خلال سياسات تحسين المالية العامة وخفض التضخم وعلاج الخلل في الميزان التجاري.

التغيير السياسي في المغرب منذ 2011

ذكر الكاتبان أن النظام المغربي أعطى للمتظاهرين وعوداً، وتعامل معهم بمرونة وحنكة أثناء الحركة الشعبية في فبراير عام 2011، حيث أعلن عن تشكيل لجنة لمراجعة الدستور بهدف منح سلطات أوسع للحكومة المنتخبة ومؤسساتها، إضافة إلى إعلانه تبني سلسلة من الإصلاحات الني تهدف إلى أولاً: وضع حد للعنف المستخدم ضد المعارضة السياسية، وذلك عن طريق تأسيس لجنة العدالة والمصالحة، وثانياً: تحسين وضع المرأة المغربية. ومع ذلك، فإن المسؤولين لم يتطرقوا إلى تعديل السياسات التي تمس جوهر النظام السياسي المغربي نفسه.

وتتصدى التعديلات "المقترحة" للمشكلة المتعلقة بسلطة التشريع في المغرب ونقلها من الملك إلى البرلمان المنتخب، وكذلك إلزام الملك بتعيين رئيس الائتلاف الحزبي الفائز رئيساً للوزراء وعدم خضوعه لاختياره الشخصي، بيد أن هذه المقترحات لن تُحدث أثراً حقيقياً على أرض الواقع حتى يتم تمرير القوانين المتعلقة بتعديل الدستور، وتصبح الأحزاب السياسة متواصلة مع الجماهير والناخبين، وعدم اقتصارها على النخب.

وفي هذا الصدد، اعتبر الكاتبان أن الحالة المغربية بمثابة تجسيد لما أطلق عليه الباحثون "التسلطية التنافسية"، ففي الوقت الذي سُمح فيه للفاعلين السياسيين بمساحة للحركة، ظل الملك مُمسكاً بأغلب السلطات، وهو ما كشفت عنه طريقة تنفيذ تلك المقترحات؛ فبينما طالبت "حركة 20 فبراير" بانتخاب جمعية تأسيسية تتولى مراجعة الدستور، فإن الملك قرر أن تتولى لجنة مختصة هذا الدور، ثم قام بتعديل المقترحات قبل عرضها على الاستفتاء الشعبي، وحصل على موافقة أغلب المغاربة عليها بشكل ساحق.

وأشار الكاتبان إلى أن الملك كان له اليد الطولى خلال هذه العملية بسبب تعيينه للأشخاص المفضلين لديه؛ الأمر الذي منحه إمكانية التأثير في نوعية الإصلاحات، بالإضافة إلى أنه جعل التعديل الدستوري يتم وفقاً للاستفتاء الشعبي، وهو ما يعني إحباط أي محاولات من متظاهري "حركة 20 فبراير" للاعتراض على ما قد يعتبرونه "تسلطية النظام الملكي" أو طلب تعديلات إضافية مستقبلاً.

ورأت الدراسة أن النخبة السياسية قد تسببت أيضاً في هذه الأزمة، عندما قرر "حزب الاستقلال" المحافظ الانسحاب من الائتلاف الحاكم الذي تشكل بعد انتخابات البرلمان في نوفمبر 2011، مما دفع القصر للدفع بالتجمع الوطني للأحرار - الذي يتضمن رجال أعمال ومستشاريين موالين للملك – بدلاً منه، وهو ما ضمن للملك احتفاظه بسلطاته التشريعية.

واعتبرت الدراسة أن التطورات الأخيرة قد كشفت عن كيفية نجاح السلطات المغربية في التعامل بحنكة مع "الانتفاضة الشعبية"، عن طريق دمج الإصلاحات السياسية في إطار أوسع من الإصلاحات الاجتماعية الأقل حساسية، وهو ما يعني نجاح الملك في تهدئة المطالب السياسية لتجنب الأزمة دون أن يفقد أياً من سلطاته.

التطورات الاقتصادية المغربية منذ 2011

تطرقت الدراسة إلى تقييم وضع الاقتصاد المغربي قبل اندلاع الانتفاضات العربية في أوائل 2011، حيث بلغ الناتج القومي الإجمالي في العقد الماضي 4.6%، كما بلغ التضخم نسبة أقل من 2%، ولم تواجه الدولة مشاكل مالية أو خارجية كبرى، وقُدر الاستثمار الأجنبي المباشر للمغرب بنحو 23,6 مليار دولار بحلول نهاية عام 2010.

 ووصل الناتج القومي الإجمالي إلى 5% عام 2011 برغم التوترات السياسية وتأثير الأزمة المالية الأوروبية. غير أن هذا الوضع تغير في عام 2012؛ حيث انخفض هذا الناتج ليبلغ 2,7%، كما استمر التضخم والخلل في الموازين المالية والتجارية، إضافة إلى فقدان المملكة 6 مليار دولار من احتياطاتها المالية الأجنبية.

ومع عام 2013 بدا أن ثمة تحسناً، حيث ارتفعت معدلات النمو مجدداً لتصل إلى 4,4%، ونما القطاع الزراعي بنحو 20%، والقطاعات غير الزراعية بنحو 2% فقط، كما تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر بحوالي 3 مليار دولار.

وبالرغم من الأفضلية النسبية في الأداء الاقتصادي الكلي للمغرب خلال السنوات الثلاث الماضية، إلا أنه عانى من تصدعات كبرى مثل باقي الدول في المراحل الانتقالية (ارتفاع معدلات البطالة، وعدم عدالة توزيع الدخول، ومعدلات فقر مرتفعة في المناطق الريفية، ونمو الاقتصاد غير الرسمي)، وهي العوامل التي كانت وراء خروج المغاربة إلى الشوارع عام 2011.

وحذر الكاتبان من كون البطالة هي المشكلة الأكبر في المغرب؛ فالمعدل الرسمي لها يتخطى 9%، وتبلغ نسبتها بين الشباب نحو 18%، فيما تشير التقديرات غير الرسمية إلى أنها تصل إلى نحو30%، وهو ما يعني وفقاً لصندوق النقد الدولي وجوب نمو الاقتصاد بمعدل 4% من أجل استيعاب الخريجين والراغبين في الانضمام لسوق العمل.

وأوضح الكاتبان أنه من أجل تحقيق نمو اقتصادي مرتفع يوفر وظائف كافية، فقد أدركت المغرب أن عليها القيام بإصلاحات هيكلية ومؤسسية وأن تجذب تمويلا خارجياً. ولكي تبعث برسائل إيجابية للمستثمرين الأجانب والأسواق المالية العالمية، فقد حصلت السلطات المغربية على موافقة صندوق النقد الدولي في أغسطس 2012 لإقراضها 6,21 مليار دولار في غضون عامين، مما أعطى انطباعاً لدى المستثمرين ووكالات التصنيف الدولية أن لدى المغرب خطة تحظى بتأييد من المجتمع الدولي.

وأشارت الدراسة إلى أن السياسات التي تم تبنيها من قِبل الحكومة بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، قد ركزت على الخفض التدريجي للعجز المالي عن طريق إصلاح نظام الدعم، وخفض مستوى التضخم، وتحسين ميزان المدفوعات عن طريق جذب الاستثمار الأجنبي المباشر والاقتراض من الأسواق المالية العالمية. وهدفت هذه السياسات إلى تحقيق الاستقرار على المستوى الكلي للاقتصاد المغربي.

التقدم في طريق الإصلاحات السياسية

أوضح الكاتبان أنه في الوقت الذي هدأت فيه مظاهرات حركة 20 فبراير في المغرب، فقد استمرت عدة تيارات من المجتمع المدني في توجيه النقد للنخبة السياسية حول الإصلاحات الموعودة وتباطؤ تنفيذها. فبينما تم توزيع بعض السلطات على الأحزاب السياسية والبرلمان، فإن التغيير كان محدوداً للغاية نتيجة غياب التعديلات الهيكلية الخاصة بنقل السلطة.

وأكد الكاتبان أنه رغم استفادة النخبة السياسية المغربية من الوضع الحالي وعدم رغبتها في الاصلاح أو التزامها به، فإن ثمة فرصة أمام ممثلي المجتمع المدني وباقي الأطراف السياسية للعمل مع الملك على المزيد من التغيير، ويتوقف ذلك على قدرة النخب على بناء الثقة مع الجماهير، وأن تُسرع للإعلان عن الخطوات التالية:

1- حقوق الانسان: أن تعلن السلطات سريعاً عن تطبيق المجالات الخاصة بحقوق الإنسان المقدمة في دستور 2011.

2- الشرطة والأمن: من خلال تقليص القوة التعسفية لقوات الأمن، ومنح المتهمين في الجرائم المزيد من الحقوق، خاصةً في "الضبط والاحتجاز والتحريات".

3- حرية الصحافة: ضرورة مراجعة الميثاق الصحفي لحماية الصحفيين والمراسلين بطريقة أفضل.

4- مشاركة المواطنين: رفع الاهتمام الجماهيري بالقضايا السياسية عن طريق زيادة السلطات الممنوحة للحكومة وللوزراء.

5- التوجه نحو اللامركزية: فالدستور الجديد يحتوي خطة مبتكرة للامركزية، سواء الادارية أو السياسية، وهو ما لم يتم تنفيذه حتى الآن.

المضي قدماً نحو الإصلاحات الاقتصادية

أوضح الكاتبان أن ثمة رغبة مغربية للوصول إلى مستوى اقتصادات جنوب أوروبا، وهو ما يحتاج إعداد حزمة من الإصلاحات الهيكلية والمؤسسية لتحويل الاقتصاد ليصبح "اقتصاد سوق" يلعب القطاع الخاص الدور الرئيسي فيه، مما يتطلب الآتي:

1- تحسين التمويل العام: يصبح الهدف هو إصلاح نظام الدعم بسبب تكلفته المرتفعة على الميزانية؛ ففي عام 2011 قُدر الدعم بنحو 6,1% من الناتج القومي الإجمالي المغربي. وقد بدأت الحكومة عام 2012 إصلاح نظام الدعم عن طريق رفع أسعار الوقود بنسبة 20% والمشروبات الكحولية بنسبة 43%، وذلك بهدف خفض تكلفة نظام الدعم إلى 3% بحلول عام 2016، إضافة إلى إجراءات متخذة عام 2014 تضمنت إلغاء الدعم على البنزين عالي الجودة والوقود الصناعي.

2- سوق العمل: ثمة ضرورة للقضاء على البطالة، ما يتطلب إصدار قانون عمل جديد يتيح تقنين العمالة، والقضاء على مفهوم الوظيفة الحكومية الدائمة.

3- مناخ الأعمال: أشار الكاتبان إلى دور المغرب في تحسين هذا المناخ من خلال اللجنة القومية التي ترأسها رئيس الوزراء وحققت نتائج إيجابية عالمية؛ حيث انتقل المغرب في مؤشر ريادة الأعمال من التصنيف 114 إلى التصنيف 71 عام 2014، كما تنوي الحكومة تقوية المجلس التنافسي، وتأسيس هيئة وطنية لمكافحة الفساد.

في ختام الدراسة، أكد الكاتبان أنه رغم نجاح المغرب في إحداث توازن بين الاستقرار السياسي والاقتصادي عن طريق التدرج في تطبيق الإصلاحات السياسية التي تتماشى مع رغبات العاهل المغربي مقابل الاهتمام بتحسين الجانب الاقتصادي، فإن ثمة احتمالية لعودة السخط الشعبي، ومن ثم عدم الاستقرار السياسي، إذا لم تنجح المغرب في أن تؤتي الإصلاحات الاقتصادية ثمارها، وتصل معدلات النمو للنسب المرغوبة ما بين 6 إلى 7%، بما يُوفر الوظائف المطلوبة.

* عرض مٌوجز لدراسة بعنوان: "التحول السياسي والاقتصادي التدريجي في المغرب"، والصادرة في مارس 2015 عن مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي،

المصدر:

Mohsin Khan and Karim Mezran, Morocco’s Gradual Political and Economic Transition (Washington: Rafik Hariri Center for the Middle East, Atlantic Council, March 2015).