رؤية ألمانية:

مقترح "مؤتمر للأمن والتعاون الخليجي" مع إيران

18 September 2015


إعداد: وفاء ريحان


تصاعدت وتيرة الصراعات في الشرق الأوسط بشكل كبير فى السنوات الأخيرة, خصوصاً في سوريا والعراق واليمن، ما يهدد الأمن القومي للدول العربية، ومن بينها دول مجلس التعاون الخليجي. لذا، فإن البحث عن أفضل السُبل المُمكنة لإيجاد مخرج لهذه الصراعات التي تواجه المنطقة يُعد أمراً هاماً خاصةً في ظل التطورات الأخيرة الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني, وإبرام اتفاقية "فيينا" بين طهران والغرب.

وفي هذا الصدد, نشرت "مؤسسة برتلسمان الألمانية" دراسة أعدها الباحثان في هذه المؤسسة Christian  Hanelt و Christian Koch، وذلك تحت عنوان: "مؤتمر الأمن والتعاون الخليجي يمكن أن يجلب السلام والأمن في الشرق الأوسط". وتناول الباحثان فيها تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، خاصةً منطقة الخليج, ودور المملكة العربية السعودية وإيران في هذه المنطقة، وما يصاحب التنافس بينهما من توترات تنعكس على المنطقة ككل. ويقترحان آلية جديدة وهي "مؤتمر للأمن والتعاون الخليجي" في محاولة للتخلص من هذه الأزمات, ويتطرقان إلى دور الوساطة الخارجية في دفع الرياض وطهران للمضي قًدماً في اتجاه هذه المفاوضات.

التنافس السعودي – الإيراني في الشرق الأوسط

يرى الباحثان أن المملكة العربية السعودية وإيران تسعيان إلى تعزيز وتوسيع مناطق نفوذهما في الشرق الأوسط, حيث تعتقد طهران أنها حامية الشيعة، فيما تعتبر السعودية نفسها زعيمة لأهل السنة.

وتشير الدراسة إلى أن ثمة أزمة عميقة لدى السعودية مع إيران, إذ تعتبر الرياض أن طهران هي الفائزة من انهيار الدول العربية, خاصة وأنها تدعم "حزب الله" في لبنان, ونظام "الأسد" في دمشق, والجماعات الشيعية في العراق. وثمة قناعة لدى الرياض بأن الأيدي الخفية الإيرانية ذات علاقة بالصراعات في المنطقة.

وعلاوة على ذلك, يوجد قلق متزايد في الرياض من سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط, حيث تعتمد السعودية على المظلة العسكرية الأمريكية, ولم يعد لديها يقين بأن واشنطن ستوفر الحماية واسعة النطاق لها في حالة حدوث نزاع بالمنطقة, خصوصاً في ضوء التقارب الأمريكي - الإيراني في أعقاب النتائج الإيجابية للمفاوضات النووية الإيرانية مع الغرب.

لذا، تُبدي السعودية استعدادها بشكل متزايد لتولي القيادة الإقليمية في الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي جنباً إلى جنب مع دول الخليج الأخرى, كما أنها اضطرت للتدخل العسكري في اليمن بعد تأسيس تحالف عربي، في مارس 2015 لاستعادة الشرعية في اليمن بعد الانقلاب "الحوثي".

أما بالنسبة لإيران, فتشير الدراسة إلى أن النظام الإيراني يشعر بأنه في موقف دفاعي, لذا اختار تقديم الدعم العسكري والمالي والسياسي للميليشيات الشيعية وغيرها من الجماعات المسلحة في الدول العربية.

وفي هذا السياق، يؤكد الباحثان أنه بدون وجود تقارب بين السعودية وإيران, فإنه سيكون من المستحيل وضع حد للصراعات الداخلية المستمرة حالياً في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

إمكانية تقليل التوترات بين الرياض وطهران

يذكر الباحثان أن ثمة علامات تُنذر ببدء ذوبان الجليد في العلاقات بين السعودية وإيران, منها تعيين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز للأمير محمد بن نايف ولي للعهد, ومن المعروف عن الأمير محمد أنه يتمتع بقدر عال من الواقعية السياسية, بمعنى أنه لن يُخاطر بالدخول في مواجهات غير ضرورية مع طهران.

من ناحية أخرى، فإن الاتفاق النووي الإيراني دعَّم من دور المعتدلين والمؤيدين للرئيس "حسن روحاني" في طهران، والذين يرغبون في التغلب على عزلة إيران الدولية.

وتشير الدراسة إلى أنه سيظل ثمة خطر يتمثل في استمرار الأعمال العدائية وحروب الوكالة في المنطقة، على الرغم من أن سباق التسلح النووي قد يتم تأجيله لبضع سنوات. لذا، فإن تدابير بناء الثقة ونظم الأمن الجماعي هي الخطوات الوحيدة التي يمكن أن توقف هذا الأمر.

ويوضح الباحثان أن كلاً من إيران والسعودية قد خرجا في الماضي بعدد من المقترحات لنظام أمني لمنطقة الخليج. ففي وقت مبكر من عام 2004 اقترح وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير "سعود الفيصل" نظاماً أمنياً يقوم على أربع ركائز، وهي: "مجلس التعاون الخليجي, وعراق مستقر, وإيران صديقة, ويمن مزدهر", مؤكداً أن هذا النظام سوف يتلقى الدعم الدولي من مجلس الأمن. وفي يناير 2007، وخلال المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، قدم "حسن روحاني" خطة من عشر نقاط للأمن والتعاون في منطقة الخليج ومعها إيران.

ضغوطات مستمرة تدفع فى طريق التفاوض

وفقاً للإحصاءات الأخيرة عن الطاقة, من المتوقع أن يستمر الاستهلاك العالمي من النفط والغاز في الانخفاض حتى خلال فترات النمو الاقتصادى. وبالتالي، فإن ميزانيات إيران والسعودية - التي تقوم أساساً على عائدات النفط والغاز - سوف تتقلص.

وبالنظر إلى أن تنظيم "داعش" يبدو أنه سيستمر لفترة من الزمن في سوريا والعراق, حيث يُحقق التنظيم مكاسب على الأرض، ويرتكب مزيداً من الجرائم الإرهابية، ما يثير مزيداً من القلق لكلِ من طهران والرياض؛ ومن ثم، فقد تدفع هذه المخاوف السعودية وإيران إلى التوصل لحل وسط للصراع السوري بما في ذلك الإطاحة بنظام "بشار الأسد"، والاستعاضة عنه بمجلس انتقالي عسكري يضم عدداً كبيراً من العلويين.

مؤتمر للأمن والتعاون لمنطقة الخليج

يقترح الباحثان مبادرة لعملية تفاوضية خليجية مع إيران تُصمم على مسارات متوازية, يكون على رأس الأجندة فيها الموضوعات السياسية الهامة مثل الحرب على الإرهاب, ومستقبل سوريا, والعراق, واليمن, والعلاقات بين إيران من ناحية والسعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي من ناحية أخرى.

كما يجب أن يُستكمل هذا الحوار السياسي الرفيع المستوى بمفاوضات على موضوعات أخرى ذات طابع برجماتي، والتي من شأنها أن تُسهم في عملية بناء الثقة. ومن هذه الموضوعات ما يخص اللاجئين, ومشروعات البنية التحتية, وإجراءات حماية البيئة, والتعاون في مجال الطاقة وغيره. ويوضح الباحثان أن هذا الهيكل للتفاوض في منطقة الخليج، ومعها إيران، يمكن أن يُبنَى بالأساس على نموذج "مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي" الذي عُقد في عام 1970, والذي تحول فى وقت لاحق إلى "منظمة أوروبية للأمن والتعاون".

ومع إقرار الباحِثَين بصعوبة تطبيق نموذج "مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي" بنفس مساراته على منطقة الخليج, إلا أنهما يؤكدان على الحاجة لمبدأ "الأمن الجماعي" الذي يُعزز من تدابير بناء الثقة, وهي التدابير التي تم تحديدها في المؤتمر الأوروبي في ثلاثة محاور تضمن أحدها المسائل السياسية والعسكرية, والثاني الموضوعات الاقتصادية والبيئية, والآخر القضايا الإنسانية وحقوق الإنسان. وتعد هذه المحاور ذات أهمية لتحقيق السلام والأمن والتعاون في دول الخليج بالإضافة إلى إيران.

ويذكر الباحثان أن السعودية ستُصر على أن أي عملية تفاوضية يجب أن تُركز على الوضع الإقليمي عموماً وليس فقط على العلاقة بين الرياض وطهران, فمن ناحية سيُمكن ذلك المملكة من التأكيد على وجود جبهة عربية واسعة, ومن ناحية أخرى سوف يساعد على تهدئة أي مخاوف قد تكون لدى دول مجلس التعاون الخليجي من احتمالات سعي الرياض إلى إبرام اتفاقيات منفصلة.

ويضيف الباحثان أنه من الناحية الجغرافية، ستكون العراق واليمن جزءاً من هذه المنطقة المقترحة, فالعراق أصبح لديه قيادة جديدة برئاسة رئيس الوزراء "حيدر العبادي" وحكومته مُعترف بها من إيران والسعودية, كما ينبغي أيضاً دعوة اليمن إلى عملية التفاوض، وذلك بعد تشكيل حكومة شاملة وفعَّالة بها.

أما تركيا وإسرائيل ومصر، وهم القوى الإقليمية الهامة في منطقة الشرق الأوسط والذين لديهم مصالح ونفوذ في منطقة الخليج, فيتعين على الوسطاء في عملية التفاوض إبقاء العين على هذه الدول الثلاث من أجل دمجها في مرحلة لاحقة إلى المفاوضات بين دول الخليج وإيران.

دور الوساطة الخارجية فى دعم المفاوضات

ترى الدراسة أنه من المهم أن تأتي مبادرة عقد "مؤتمر للأمن والتعاون الخليجي" من خارج المنطقة من قِبل فاعل خارجي قوي ومقبول من جميع الأطراف يكون بمثابة وسيط. ويقترح الباحثان في هذا الصدد عدة مجموعات لوسطاء محتملين، كالتالي:

1- مجموعة تشمل الولايات المتحدة وأوروبا (لاسيما الدول الكبرى مثل المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا) وروسيا والصين والهند واليابان, والتي تمتلك وسائل الضغط على إيران والسعودية.

2- مجموعة أخرى من مُمثلي القوى الخمس العظمى (الولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والصين، وروسيا)، إلى جانب دبلوماسيين من برلين ونيودلهي وطوكيو.

3- توجد هياكل ثنائية لمجموعات الوساطة المقترحة منها الاتحاد الأوروبي والصين, فكل من الطرفين مصالح اقتصادية واسعة النطاق في منطقة الخليج ومعها إيران، على الرغم من كونهما لا يلعبان دوراً علنياً في السياسة الأمنية في المنطقة.

4- يمكن تصور أيضاً ألمانيا واليابان كوسطاء محتلمين, فالدولتان ليس لهما ماضِ استعماري في المنطقة, كما أنهما غير أعضاء فى مجلس الأمن على الرغم من دورهما البارز في الأمم المتحدة, فضلاً عن كونهما على علاقة جيدة بواشنطن التي تحتفظ بوجود عسكري قوي في المنطقة.

5- توجد أطروحات أخرى للوساطة الإقليمية في هذا الصدد, وتتمثل إحداها في منظمة التعاون الإسلامي, والأخرى في سلطنة عُمان باعتبارها عضو في مجلس دول التعاون الخليجي، وفي نفس الوقت لديها علاقات جيدة مع إيران.

إجمالاً, يرى الباحثان أنه من الممكن بعد الانتهاء من صياغة الاتفاقية الحالية بشأن البرنامج النووى الإيراني، قد تتحول المحادثات إلى عملية تفاوض إقليمية.

وعلى الرغم من أن المتشككين يرون أن استمرار الخصومات بين الرياض وطهران يعكس عدم استعداداهما حتى الآن لحل النزاعات بينهما، وبالتالي يصبح دور الوسطاء غير قادر على إحداث التأثير في هذه المنطقة, بيد أنه نظراً للعواقب المأساوية للحروب المنتشرة في الشرق الأوسط، فإن ذلك يدفع الدولتين نحو مزيد من الحديث والتفاوض على مجالات الاتفاق. لذا، تؤكد الدراسة على أن مقترح "مؤتمر للأمن والتعاون الخليجي" سيعالج المشاكل المُلحة في المنطقة بطريقة سلمية في محاولة للسيطرة على دوامة العنف المستمر.


* عرض مُوجز لدراسة: "مؤتمر للأمن والتعاون الخليجي يمكن أن يجلب السلام والأمن إلى الشرق الأوسط", والمنشورة فى يوليو 2015 عن "مؤسسة برتلسمان الألمانية".

المصدر:

Christian-P.Hanelt and Christian Koch, A Gulf CSC Could Bring Peace and Greater Security to the Middle East (Berlin, Bertelsmann Stiftung, July 2015).