أزمة التيجراي:

استمرار محاولات الحكومة الإثيوبية لحسم الصراع الداخلي عسكرياً

08 September 2021


يستمر الصراع الدائر في إثيوبيا على الرغم من المناشدات الدولية لوقف الصراع. وتمكنت القوات الحكومية من إبطاء تقدم قوات جبهة تحرير تيجراي خلال الأسبوعين الأخيرين، كما تمكنت القوات الحكومية من السيطرة على بعض المناطق، غير أن المناطق الرئيسية في عفار وأمهرة ظلت تحت سيطرة متمردي التيجراي، والذين تمكنوا من تكوين تحالف أوسع مع جماعات متمردة أخرى.

ومازالت الدولة الإثيوبية تشهد مواجهات عسكرية محتدمة، وأزمات إنسانية حادة، حيث أصبح هناك أكثر من 5.2 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات غذائية ماسة في تيجراي، بالإضافة إلى نزوح العديد من العرقيات، وآخرهم نزوح حوالي 3 آلاف فرد من قبيلة "كمانت" الإثيوبية إلى السودان بعد رفضهم محاربة جبهة "تيجراي"؛ هرباً من استهداف جنود الجيش الإثيوبي. وعلى الرغم من التطورات العسكرية والإنسانية التي يشهدها الإقليم، فإن بوادر انفراج الأزمة لا تلوح في الأفق، خاصة في المدى القريب.

مؤشرات تصاعد الصراع:

تتواصل العمليات القتالية في إثيوبيا من دون توقف على الرغم من التكلفة الإنسانية المرتفعة، وهو ما وضح في التالي:

1- إعلان آبي أحمد حشد المواطنين للقتال: كثفت الحكومة الفيدرالية والقادة الإقليميون المتحالفون معها محاولاتهم لحشد المواطنين من جميع أنحاء البلاد للانضمام إلى الحرب ضد القوات من منطقة تيجراي الواقعة في أقصى شمال البلاد منذ أواخر شهر يوليو. 

وأصدر مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي في 10 أغسطس بياناً طالب فيه جميع "الإثيوبيين القادرين" على الانضمام إلى الجيش والقوات الخاصة والميليشيات. ويأتي البيان بعد أن حذرت وزارة الخارجية الإثيوبية في 6 أغسطس من أنها قد تنشر "قدراتها الدفاعية الكاملة" ضد جبهة تحرير شعب تيجراي.

2- تعبئة أديس أبابا الموارد المالية: تلعب البنوك الإثيوبية دوراً في تمويل الحرب ضد متمردي التيجراي. ويقدر حجم التمويل الذي تم جمعه خلال أغسطس بأكثر من 8.8 مليون دولار. وأشارت "جمعية المصرفيين الإثيوبيين" إلى مشاركة 18 مصرفاً في دعم الجيش الإثيوبي. 

ويلاحظ أن الأوضاع الاقتصادية قد تدهورت إلى درجة أن الحكومة الإثيوبية طلبت من موظفي الخدمة المدنية المساهمة براتب شهر واحد لصالح القوات الفيدرالية الإثيوبية، وذلك من خلال الخصم التدريجي للأموال على مدى 12 شهراً. 

كما أغلقت إثيوبيا في الآونة الأخيرة حوالي 30 سفارة لها في الخارج، من إجمالي 60 سفارة، فيما سيتم تقليص الدبلوماسيين وطاقم سفارات إثيوبيا بعدد من الدول أبرزها مصر وغانا ورواندا والكونغو وكوريا الجنوبية وقطر، وذلك لتوفير النفقات.


3- شراء إثيوبيا طائرات مسيرة من إيران: نشرت مواقع التواصل الاجتماعي الإثيوبية القريبة من الحكومة في 3 أغسطس، صوراً لرئيس الوزراء آبي أحمد، وهو في مطار مدينة سيمارا، عاصمة إقليم عفار، والتي أظهرت صوراً لطائرتين مسيرتين، ومحطة أرضية للتحكم بهما. 

ورجحت التحليلات العسكرية المتخصصة أن تكون هاتان الطائرتان من طراز "المهاجر 6" إيرانية الصنع، والقادرة على حمل صواريخ موجهة صغيرة الحجم. ويكشف هذا الأمر عن اتجاه الحكومة الإثيوبية لتوظيف هذا السلاح الجديد لوقف تقدم جبهة تحرير تيجراي، وقد يكون أحد الأسباب التي ساهمت في توقف تقدم قوات جبهة التيجراي وحلفائها في الآونة الأخيرة.

4- عودة القوات الإريترية للمشاركة في الصراع: أشارت مذكرة للاتحاد الأوروبي إلى أن إريتريا أرسلت مرة أخرى تعزيزات في منطقة الجزء الغربي المتنازع عليه من تيجراي، وجاءت هذه التعزيزات عقب زيارة لرئيس الوزراء الإثيوبي للعاصمة الإريترية أسمرة يوم 17 أغسطس، والتي لم يتم الإعلان عنها رسمياً. 

وتعد هذه الخطوة تصعيداً للصراع. فقد انسحبت القوات الإريترية في يونيو الماضي نتيجة ضغوط أمريكية، وبعدما وُجهت انتقادات حادة للجيش الإريتري لضلوعه في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان من خلال ارتكاب أعمال نهب، مجازر واعتداءات جنسية. 

5- انضمام جبهات أخرى للقتال ضد الحكومة: أعلن كومسا ديريبا، زعيم جماعة، جيش تحرير أورومو، في مطلع أغسطس عن تحالفه مع التيجراي، كما أكد أن "الحل الوحيد الآن هو الإطاحة بهذه الحكومة عسكرياً". وأشار كذلك إلى تعاونه مع التيجراي عسكرياً وسياسياً، إذ أكد وجود تبادل للمعلومات المتعلقة بساحة المعركة، وفي تنسيق العمليات العسكرية، بالإضافة إلى وجود محادثات لإنشاء تحالف سياسي. 

كما أشار ديريبا إلى أن هناك مناقشات مع جماعات أخرى داخل إثيوبيا لتشكيل تحالف كبير ضد نظام رئيس الوزراء أبي أحمد، بحسب ديريبا، وهو ما تأكد مع إعلان جبهة سيداما الجنوبية، في 25 أغسطس، عن انضمامها لتحالف قوات تيجراي وأورومو، وذلك لقتال الحكومة الإثيوبية.

وفي المقابل، ردت الحكومة الإثيوبية على هذه التحركات من خلال إعلان كل من الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، وجيش تحرير أورومو منظمتين إرهابيتين. ويكشف انضمام تلك الجبهات للقتال أن جبهة تحرير التيجراي قد تمكنت من إقامة تحالف واسع يمكن أن يفرض تهديداً على حكومة آبي أحمد، أو ينذر بانهيار البلاد في حالة حرب أهلية.

6- استمرار تقدم المعارضة المسلحة: سيطرت القوات التابعة لتحرير تيجراي على مدينة قاشينا في 25 أغسطس، والتي تبعد 800 كيلومتر عن العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بينما استطاعت جبهة تحرير أورومو السيطرة على مدينة نغيلي في 24 أغسطس، والذي ترتب عليه هروب عدد من المسؤولين التابعين للحكومة الإثيوبية مع سيطرة الجبهة على المدينة.

7- اتهام السودان بالتورط في دعم التيجراي: أعلن العقيد سيف إنجي، المسؤول العسكري الإثيوبي في منطقة متكل في إقليم بني شنقول أن القوات الإثيوبية أحبطت محاولة جماعة مسلحة تتبع جبهة التيجراي تعطيل السد، كما أشار إلى دعم القوات المسلحة السودانية لهذه الجماعة المسلحة، وهو الأمر الذي نفته الخرطوم. وقد تكون هذه التصريحات محاولة من جانب أديس أبابا لتعبئة الإثيوبيين للقتال ضد متمردي التيجراي، والإساءة لصورتها أمام الشعب الإثيوبي. 

مواقف دولية متباينة

تباينت مواقف الدول الكبرى والإقليمية المعنية بتطورات الأزمة الإثيوبية، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- ضغط أمريكي لوقف القتال: هددت الولايات المتحدة بوقف استيراد البضائع الإثيوبية في ضوء استمرار أزمة تيجراي، فقد أوضحت الممثلة التجارية الأمريكية، كاثرين تاي، خلال اجتماع افتراضي مع كبير المفاوضين التجاريين الإثيوبيين، مامو ميهريتو، إنه بموجب قانون "النمو والفرص" الإفريقي، والمعروف باسم قانون "أجوا"، فإن انتهاكات حقوق الإنسان في إقليم تيجراي قد تؤثر سلباً على أهلية إثيوبيا المستقبلية للاستفادة من هذا القانون، في حال استمرار هذا الوضع.

والجدير بالذكر أن هناك 38 دولة إفريقية مؤهلة للوصول إلى السوق الأمريكي من دون رسوم جمركية في عام 2020. وقامت إثيوبيا بتصدير سلع بقيمة 239 مليون دولار إلى الولايات المتحدة في عام 2019. وبنهاية شهر يونيو عام 2021، صدرت إثيوبيا سلعاً بقيمة 128.7 مليون دولار، والتي تتضمن منتجات جلدية وملابس.

ومن جهة أخرى، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية يوم 23 أغسطس عقوبات على رئيس أركان الجيش الإريتري الجنرال فيليبوس فولديوهانيس لضلوع القوات التابعة له في "انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان"، في النزاع الذي تشهده منطقة تيجراي الإثيوبية، وذلك في إطار سعي الإدارة الأمريكية للضغط على إريتريا لوقف تدخلها في الصراع الإثيوبي.


2- تعليق فرنسا التعاون العسكري: قررت الحكومة الفرنسية تقليص تعاونها العسكري مع الحكومة الإثيوبية، بسبب الصراع الدائر في إقليم تيجراي. والجدير بالذكر أن هذا الأمر لن يؤثر كثيراً على إثيوبيا، إذ إن الاتفاق الدفاعي المبرم بين الدولتين في عام 2019 كان اتفاقاً إطارياً يهدف إلى أن تقوم باريس بدعم إثيوبيا لإنشاء بحرية إثيوبية، وذلك على الرغم من عدم امتلاك إثيوبيا منفذ بحري.

3- الكتلة الأفريقية في مجلس الأمن: أصدرت مجموعة الدول الأفريقية الممثلة في مجلس الأمن، وهي تونس وكينيا والنيجر، بالإضافة إلى سانت فنسنت وجزر جرينادين، بياناً دعت فيه الحكومة الإثيوبية إلى إعلان استعدادها لوقف الأعمال العدائية ووقف إطلاق النار في تيجراي.

ودعت المجموعة في بيان مشترك الحكومة الإثيوبية إلى التفاوض مع المعارضة المسلحة، وإلغاء تصنيفهم باعتبارهم تنظيم إرهابي، وكذا وقف جهود الحكومة لحث جميع المواطنين على حمل السلاح والمشاركة في الحرب ضد تيجراي. 

4- دعم صيني – روسي لأديس أبابا: عارضت الصين التدخل الخارجي في شؤون إثيوبيا، في إشارة إلى الضغوط الأمريكية على أديس أبابا لوقف القتال، بل وحذرت الصين وروسيا من أن فرض العقوبات الأمريكية ستفاقم الصراع.  

وسبق أن عارضت الدولتان إصدار بيان في مارس الماضي يدعو إلى إنهاء العنف في منطقة تيجراي الإثيوبية، وكذلك إحباط مشروع قرار من المجلس يدين إثيوبيا، إذ اعتبرت الدولتان أن القضية مسألة داخلية بالنسبة إلى إثيوبيا.

5- مساندة تركية غير واضحة: قام رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بزيارة رسمية إلى تركيا يوم 18 أغسطس، لمقابلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي تم خلالها التوقيع على عدد من الاتفاقيات في مجالي الدفاع والتنمية المائية. كما أوضح آبي أحمد بعد عودته أن الدولة الإثيوبية لن تنسى أبداً التعاون في الفترة الحرجة الذي قدمته الحكومة والشعب التركي لإثيوبيا، من دون أن يكشف ما نوع وحجم هذا الدعم، وعما إذا كان هذا الدعم قد ارتبط بالصراع الدائر في إثيوبيا حالياً.

وفي الختام، يلاحظ أن سياسات الحكومة الإثيوبية وعسكرتها للصراع قد أدى إلى توسع المعارضة المسلحة ضدها، وهو ما يتضح في انضمام متمردين من أمهرة وعفار إلى متمردي التيجراي، ويبدو أن أديس أبابا لاتزال تعول على الحسم العسكري، وعلى توظيف الطائرات المسيرة الإيرانية، والدعم العسكري الإريتري، لحسم الصراع دون تقديم تنازلات، غير أن فشلها في ذلك، واستمرار الصراع سوف ينذر باستنزاف الحكومة الإثيوبية اقتصادياً، وإمكانية بانهيار البلاد في حالة حرب أهلية واسعة.