خيارات أربعة:

سيناريوهات الحكومة الأفغانية الجديدة في ظل حكم طالبان

26 August 2021


مع سيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية، كابول، في 15 أغسطس 2021، وهروب رئيس الدولة أشرف غني إلى خارج البلاد، أعلن حامد كرزاي، الذي قاد أول حكومة أفغانية بعد الإطاحة بطالبان عام 2001 وشغل منصب الرئيس حتى عام 2014، تشكيل "مجلس تنسيق" مكون من ثلاثة أشخاص لتأمين انتقال سلمي للسلطة مع عبدالله عبدالله، نائب الرئيس السابق أشرف غني، ومبعوث السلام في الحكومة السابقة، وقلب الدين حكمتيار الذي يُعتبر بأنه أحد أشرس أمراء الحرب في البلاد لقصفه كابول خلال الحرب الأهلية (1992 – 1996).

ملامح حكم طالبان الأولية:

يتم تداول معلومات، بناء على تصريحات من مسؤولين مرتبطين بطالبان، حول شكل حكومة طالبان الجديدة، والتي يمكن توضيح أبرز ملامحها في التالي: 

1- تأسيس إمارة إسلامية: أكدت طالبان أنها سوف تتجه إلى تأسيس إمارة إسلامية، وهو أمر بدهي، في ظل إصرار الحركة على هذا المطلب أثناء مفاوضاتها في قطر، مع الحكومة الأفغانية السابقة. ومع ذلك، تسعى طالبان للتأكيد على أنها تختلف عن طالبان التي تأسست قبل عقدين من الزمان، إذ إنها أكثر انفتاحاً وسعياً للحصول على الاعتراف الدولي، ولذلك يتوقع أن تقدم نموذجاً لإمارة إسلامية معتدلة.

2- مجلس وليس رئيس: تتجه طالبان لتأسيس مجلس مكون من 12 شخصاً لإدارة أمور أفغانستان، بعد انهيار الحكومة السابقة، وسوف يضم هذا المجلس بعض قيادات طالبان إلى جانب المسؤولين السابقين في الحكومة الأفغانية، الأكثر انفتاحاً على التعاون مع طالبان. 

3- مشاركة ثلاث قيادات من طالبان: تتمثل أبرز القيادات من طالبان، التي سوف تنضم إلى هذا المجلس في عبدالغني برادر، القائد العسكري في حركة طالبان، والرجل الثاني في الحركة بعد صهره الملا محمد عمر، والملا محمد يعقوب، ابن الملا محمد عمر، مؤسس الحركة، وخليل حقاني، القيادي في شبكة حقاني المتحالفة مع طالبان، والمصنفة على قوائم الإرهاب التابعة للولايات المتحدة والأمم المتحدة.

4- تعيين محافظ البنك المركزي: عينّت طالبان حجي محمد إدريس، القيادي بطالبان، كمحافظ للبنك المركزي الأفغاني خلفاً لأجمل أحمدي، والذي كان من ضمن المسؤولين الأفغان الذين فروا إلى خارج البلاد في 15 أغسطس، وهو ما يعكس رغبة طالبان في السيطرة على إدارة الملف الاقتصادي. 

5- الانفتاح على المجتمع الدولي: تبدي طالبان رغبة في نيل الاعتراف الدولي، وهو ما وضح في إعلان الحركة التأمين الكامل للسفارات والبعثات الدبلوماسية، مع عدم تعرض ممثليهم لأي أذى من قبل أعضاء الحركة، بالإضافة إلى تأكيد الحركة أن الأراضي الأفغانية لن تستخدم من أجل إلحاق الضرر بالآخرين، في إشارة إلى عدم تحويل أفغانستان لملاذ آمن للتنظيمات الإرهابية، والتي يتم فيها التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية ضد الدول الأخرى، وذلك على الرغم من تأكيد الأمم المتحدة، استقبال أفغانستان في الأشهر الأخيرة حوالي عشرة آلاف إرهابي منتمين لداعش والقاعدة.

كما دعت الحركة المجتمع الدولي للمساعدة في النهوض بالاقتصاد الأفغاني عبر توجيه الاستثمارات الأجنبية لها، وتقديم المنح والمساعدات، حتى تتمكن البلاد من الحصول على إيرادات إضافية لإنهاء تجارة وزراعة المخدرات.

ويلاحظ أن المجتمع الدولي سوف ينتظر ثلاثة أشهر قبل منح طالبان الاعتراف الدولي، وذلك للنظر في مدى التزام الحركة بالجمهورية وإجراء الانتخابات، وكذلك احترام حقوق الإنسان والمرأة والحق في التعبير، ولذلك، فإن طالبان تبدي تجاوباً كبيراً مع هذه الضغوط لنيل الاعتراف الدولي. 

6- العفو عن الجميع: أعلنت طالبان إصدار عفو شامل لا يتضمن فقط المواطنين الأفغان الذين تعاملوا مع الحكومة الأمريكية، مثل المترجمين وغيرهم، أو الجنود الذين حاربوا الحركة، ولكن كذلك جميع مسؤولي الحكومة الأفغانية السابقة، بمن فيهم الرئيس أشرف غني، وأكدت طالبان أنه يمكنهم العودة والعيش في أفغانستان.

وعلى الرغم من هذا الإجراء الذي يكشف عن وجود تسامح من جانب الحركة، فإن هناك معلومات تتواتر من داخل أفغانستان، تكشف عكس ذلك، إذ إن هناك حديثاً عن بحث طالبان عن أشخاص بعينهم وتصفيتهم، وتداول معلومات في ولايات هيرات وغزني وفرياب وبلخ تتحدث عن تصفية المدنيين الذين انضموا لميليشيات مناوئة لطالبان، كما أن اتجاه وسائل الإعلام الأجنبية لمغادرة أفغانستان يجعل من الصعب التأكد مما إذا كانت الحوادث سابقة الذكر مجرد حوادث منفصلة، أم أنها سياسة متعمدة من جانب طالبان.

7- التأكيد على احترام حقوق المرأة: أكدت طالبان في مؤتمر صحفي أنه سيسمح للنساء بالعمل والتعلم في إطار الشريعة الإسلامية. وكانت طالبان متهمة بارتكاب تجاوزات واسعة ضد النساء خلال فترة حكمها الأولى (1996 – 2001)، غير أن بعض السيدات كشفت في حديث لقنوات التلفزيون الأجنبية أنه في العديد من الأماكن، منع مسلحوها النساء من الذهاب إلى العمل، بينما فضلت نساء آخريات البقاء في المنزل خوفاً على حياتهن.


سيناريوهات الحكومة الإسلامية:

يلاحظ أن ممارسات طالبان، حتى الآن، في بعض جوانبها، تعاني تضارباً بين الأقوال والأفعال، على نحو ما سلف توضيحه، وليس من الواضح ما إذا كان ذلك نابعاً من ممارسات فردية لأشخاص داخل الجماعة تناقض توجهاتها العامة، أم أن خطاب الجماعة يهدف فقط إلى طمأنة الخارج، في الوقت الذي تنصرف فيه ممارستها إلى تكريس سيطرتها على كامل الدولة الأفغانية. ومع الأخذ في الاعتبار هذا العامل، يمكن القول إن سيناريوهات حكومة طالبان المستقبلية تتمثل في التالي: 

1- السيناريو الأول: حكومة ذات تمثيل واسع: يتوقع أن تقدم حركة طالبان على تبني هذا الخيار في المدى القصير، أي أن تتجه إلى التفاوض مع مجلس التنسيق، والاستجابة لبعض طلباته، ومحاولة تأسيس مجلس لإدارة أفغانستان يضم مكونات مختلفة، بما في ذلك أعضاء من الحكومة السابقة. 

وتسعى طالبان من خلال ذلك إلى نيل الاعتراف الدولي، وهو ما يتضح في تطمينها هواجس القوى الكبرى، مثل تأكيدها للصين وروسيا، عدم تحويل أفغانستان إلى بؤرة للجماعات الإرهابية، وتعهدها للدول الغربية بالحفاظ على حقوق المرأة، والإعلان عن العفو الشامل عن موظفي الحكومة السابقة والمتعاونين مع القوات الأمريكية، وإعلانها عن تشكيل لجنة جديدة معنية بـ"طمأنة وسائل الإعلام وحل مشاكلها"، وهي كلها مؤشرات تكشف عن رغبة الجماعة في نيل الاعتراف من المجتمع الدولي.

ويحقق هذا السيناريو عدداً من الفوائد لحركة طالبان، منها الحصول على التمويل الدولي، إذ إن ثلثي إيرادات الحكومة الأفغانية تعتمد على المنح والمساعدات الدولية. وكان من المقرر أن تتسلم أفغانستان حوالي 440 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي في 23 أغسطس الماضي، وهو ما لم تحصل عليه طالبان، بسبب عدم حصولها على اعتراف دولي بعد، كما أن الاحتياطي النقدي لأفغانستان، والبالغ حوالي 9 مليارات دولار، موجود خارج البلاد في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، وتم تجميده من قبل الولايات المتحدة. وبالتالي، فإن التوصل لتسوية سياسية، وتشكيل حكومة ذات تمثيل واسع سوف يكون ضرورياً لإنقاذ الاقتصاد الأفغاني المنهار، وتأمين الحصول على الموارد المالية سابقة الذكر.

ومن المتوقع أن تستوعب هذه الحكومة شخصيات، مثل قلب الدين حكمتيار، زعيم الحزب الإسلامي، الذراع السياسية للإخوان المسلمين في أفغانستان، والمقرب من باكستان، غير أنه من المستبعد أن تضم قائد الأوزبك، عبد الرشيد دوستم، أو عطا محمد نور، نظراً لأنهما خاضا حروباً مستعرة ضد طالبان بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان.

ومن جهة أخرى، فإنه يتوقع أن تسعى طالبان لاستقطاب أحمد مسعود، ابن الزعيم الأفغاني أحمد شاه مسعود، قائد المقاومة ضد طالبان والسوفييت، وأمر الله صالح، نائب الرئيس الأفغاني السابق، واللذين تحصنا في إقليم بنجشير، ويقودان مقاومة مسلحة ضد طالبان هناك. وقد اعترف مسعود بأن هناك مفاوضات مع طالبان لخلق نظام عادل. 

2- السيناريو الثاني: إمارة إسلامية متطرفة: يُعد هذا السيناريو الأقل احتمالاً، على المدى القصير، والذي من خلاله تتبنى حركة طالبان مرة أخرى نهجها المتشدد، كما كانت في عام 1996، وتقصي الأطراف الأخرى كافة، وتتفرد بحكم أفغانستان، بالإضافة إلى تحول الدولة لتكون ملاذاً آمناً للجماعات الإرهابية، مثل القاعدة وداعش، وهو ما سيفرض العزلة الدولية على الدولة الأفغانية. 

ويبرز هذا السيناريو في ظل ورود مزاعم بشأن اتباع حركة طالبان نهجها المتشدد مع المرأة في بعض المناطق التي تسيطر عليها بالفعل على الرغم من تصريحاتها المؤيدة لحقوق المرأة، علاوة على تصفيتها بعض العناصر المناوئة لها، على الرغم من إعلانها العفو العام.

وعلى الرغم من أن هذا السيناريو، سيحرم طالبان الاعتراف الدولي والحصول على التمويل، فإنها، في النهاية، لديها مصادر التمويل الخاصة بها، إذ حققت الحركة إيرادات تقدر بحوالي 464 مليون دولار عن طريق التعدين المباشر، أو فرض ضرائب على عمال مناجم النحاس والكوبالت والذهب والحديد والليثيوم واللازورد في المناطق التي تسيطر عليها، بالإضافة إلى حوالي مليار ونصف المليار من تجارة الأفيون والميثامفيتامين، و160 مليون دولار جراء الإتاوات التي تفرضها طالبان على المتاجر، وأخيراً، عائدات الضرائب التي تفرضها من سيطرتها على حدود أفغانستان مع دول الجوار.   

ومن جهة أخرى، فإنه إذا أقدمت الولايات المتحدة والدول الغربية على قطع المساعدات المالية عن أفغانستان، فإن طالبان سوف تكون أمامها خيارات أخرى، أبرزها الحصول على دعم مادي من دول أخرى، على غرار الصين وروسيا، خاصة أن لبكين مصالح اقتصادية واسعة في أفغانستان.  

3- السيناريو الثالث: حدوث حرب أهلية: يقوم هذا السيناريو على افتراض إخفاق طالبان في السيطرة على كامل الأراضي الأفغانية، وبروز حركة تمرد مناوئة لحكمهم، تعجز طالبان عن قمعها، وتتوسع تدريجياً، وتجد دعماً من إحدى الدول الأجنبية. ولعل أحد المؤشرات على إمكانية حدوث مثل هذا السيناريو، تمكن القائد العسكري، أحمد مسعود، ونائب الرئيس الأفغاني السابق، أمر الله صالح، من تعبئة بعض مقاتلي الجيش الأفغاني السابق، وبعض العناصر المناوئة لطالبان في منطقة وادي بنجشير الجبلية، وذلك تمهيداً لإعادة تشكيل التحالف الشمالي ضد طالبان. 

والجدير بالذكر أن القائم بأعمال وزير الدفاع في الحكومة المنهارة، بسم الله محمدي، قد أعلن أن "قوات المقاومة الشعبية" انتزعت السيطرة على ثلاث مناطق في ولاية بغلان شمال البلاد من حركة "طالبان. ووفقاً لهذا السيناريو، يتوقع أن تفشل طالبان في التوصل معهم لتسوية مقبولة، أو إخضاعهم عسكرياً، وهو أمر محتمل بالنظر إلى أن الاتحاد السوفييتي، وكذلك طالبان خلال الفترة من 1996، وحتى 2001، عجزا عن السيطرة على وادي بنجشير، الذي يقطنه أثنية الطاجيك، نظراً لوقوعه في سلسلة جبال هندوكوش الوعرة.  

ولكن على الجانب الآخر، يقع وادي بنجشير في وسط أفغانستان، ومن دون تمكن القوات المناوئة لطالبان من توسيع سيطرتها شمالاً باتجاه الحدود الدولية، وحصولها على دعم خارجي، فإن الحركة لن تصمد كثيراً، خاصة أن طالبان قد أرسلت عناصرها لمحاصرة الإقليم.  

4- السيناريو الرابع: انقسام حركة طالبان: تتكون طالبان من جماعات مختلفة، فإلى جانب تحالفها مع شبكة حقاني، والتي تهيمن عسكرياً على العاصمة كابول، فإن الحركة نفسها، قد توسعت في السنوات الأخيرة، لتضم قيادات ممثلة لإثنيات، مثل الطاجيك والأوزبك، وسوف يكون لزاماً على طالبان، إرضاء مختلف الفصائل المنضوية تحتها بالمناصب، وذلك لتجنب حدوث صراع داخلي بين مكوناتها الرئيسية. وفي حالة إخفاقها في القيام بذلك، فإن فرص تحقق هذا السيناريو تزداد. كما يلاحظ أن هناك أجنحة معتدلة وأخرى متطرفة داخل طالبان، وذلك الانقسام قد يكون مصدراً إضافياً للتوتر. وتعتبر فرص حدوث هذا السيناريو بصفة عامة ضعيفة. 

وفي التقدير، فإن المجتمع الدولي يترقب الخطوات المستقبلية لحركة طالبان، وكيفية إدارتها للدولة الأفغانية. وعلى الرغم من أن حركة طالبان تسعى لتقديم وجه معتدل، داخلياً وخارجياً، فإن الممارسة العملية لحركة طالبان هي الفيصل الأساسي في تحديد ما إذا كانت شهدت تغييرات جوهرية في فكرها وأسلوب حركتها، أم أنها مجرد تغييرات شكلية موجهة لنيل اعتراف المجتمع الدولي وتعزيز سيطرتها على أفغانستان، بما يمكنها، في مرحلة تالية، من فرض نمط الحكم الذي تفضله، بغض النظر عن توجهات المجتمع الدولي.