صحيفة الشروق:

تأثير الانسحاب الأمريكى من أفغانستان على منافسة الصين

04 July 2021


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة عرضا لمقال نشر على موقع مجلة «ذا أتلانتيك» بعنوان «كيف سيؤثر الانسحاب من أفغانستان على علاقة الولايات المتحدة مع الصين»، يتناول فيه كل من «ريتشارد فونتين» و«فانس سيرشوك» الحجج التى يدافع بها داعمو الانسحاب الأمريكى من أفغانستان باعتبارها ستعمل على تقوية التنافس مع الصين، ثم دحض وتفنيد هذه الحجج باعتبارها ستعمل على إضافة المزيد من الصعوبات على السياسة الأمريكية تجاه أفغانستان، ومن ثم لن تتمكن من تعزيز منافستها مع بكين.. نعرض منه ما يلى.

أعلن «بايدن» عن أن هناك حاجة لإعادة توجيه اهتمام وقدرات الولايات المتحدة إلى أولويات السياسة الخارجية الأمريكية الأكثر إلحاحًا والتى يأتى على رأسها المنافسة «الشديدة» مع الصين. ومن ثم كان من البديهى أن يتخذ «بايدن» قرارًا منذ ما يقرب من شهرين لانسحاب القوات الأمريكية بشكل نهائى من أفغانستان للحد من تقيد الولايات المتحدة فى حرب يبدو أنه لا نهاية لها، لكى يتفرغ لمواجهة التحديات المنبثقة من الصين.

وفقًا للمقال فإن الأسباب التى تروج لها الإدارة الأمريكية حول الانسحاب العسكرى من أفغانستان، والتى تتمثل فى تعزيز القدرة التنافسية مع الصين، ليست مقنعة؛ حيث إن ملامح استراتيجية الولايات المتحدة تجاه أفغانستان لفترة ما بعد الانسحاب تثير الشكوك والغموض بشأن قدرة واشنطن على التنافس الفعال مع بكين، حيث يبدو أنها ستقوض من القدرة الاستراتيجية للولايات المتحدة فى مواجهة الحزب الشيوعى الصينى.

وفى ظل انقسام الآراء بالمجتمع الأمريكى ما بين مؤيد ومعارض لقرار سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، قدم مؤيدو القرار ثلاث حجج ستتمكن بموجبها الإدارة الأمريكية من تعزيز تنافسها مع بكين. إذ سيتيح الانسحاب الفرصة لإعادة نشر المعدات العسكرية الأمريكية الموجودة بأفغانستان فى منطقة المحيط الهندى الهادئ، كما أنه من المتوقع أن يتيح الفرصة للدبلوماسيين/ات والبيروقراطيين/ات الأمريكيين لتكريس المزيد من الاهتمام والجهد لبكين بعيدًا عن «المستنقع الأفغانى»، فضلًا عن أن الانسحاب سيمكن الدولة من تمويل المبادرات التى تُعزز مكانة واشنطن لتمكنها من التنافس مع الصين عبر توفير الأموال التى كانت ستستمر الدولة فى إنفاقها لو لم تنسحب من أفغانستان.

تفنيد الحجج

أورد المقال أن الولايات المتحدة ليست فى حاجة إلى الأصول والمعدات والقوات العسكرية التى تمتلكها فى أفغانستان لكى تلعب من خلالها دورًا فعّالًا ضد الصين. إذ إن الوجود الأمريكى بكابول قد تقلص بالفعل قبل تنصيب «بايدن»، ومن ثمّ فإن ميزان القوى العالمى لن يتغير بمجرد إعادة انتشار آلاف من الجنود الأمريكيين المتمركزين فى الدولة الأفغانية. ومن ثم ينبغى على وزارة الدفاع الأمريكية فى حال رغبت فى «تعزيز التفوق العسكرى الأمريكى المتآكل» فى منطقة المحيط الهندى الهادئ أن يكون هذا الأمر على رأس أولوياتها، وألا تعتمد بشكل رئيسى على المعدات والقوات الأمريكية التى تسحبها من كابول، إذ إنه يمثل جزءًا صغيرًا فى ظل التدابير اللازمة.

هذا وأورد المقال جملة من الأسباب التى تدل على أن الانسحاب من أفغانستان لن يُفسح مجالًا أوسع للدبلوماسيين/ات والبيروقراطيين/ات للتفرغ للصين، حيث تشهد الإدارة الأمريكية حاليًا سلسلة من الأزمات التى تتطلب جهدًا دبلوماسيًا كبيرًا فى محاولة لحلها. ومن بين هذه الأزمات نظر المسئولين الأمريكيين فى تأشيرات الهجرة الخاصة بحلفاء الولايات المتحدة من الأفغان الذين تعاونوا مع القوات الأمريكية ويخشون من التعرض لانتقام حركة طالبان بعد إتمام الانسحاب، فضلًا عن المشاورات الجارية مع الحكومة التركية للقيام بدور فى تأمين مطار كابول الدولى عقب الانسحاب، بالإضافة إلى عدم التمكن من الاتفاق مع دول آسيا الوسطى بإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية لكى تكون على مقربة من أفغانستان، بالتزامن مع المشاورات الجارية حاليًا فى البنتاجون لتحديد أفضل السبل التى يُمكن أن تستمر بموجبها فى تقديم الدعم العسكرى للقوات الأفغانية، ولا سيما للقوات الجوية، مع عدم بقاء أى قوات أمريكية على أراضى الدولة.

ولن تستطيع الولايات المتحدة كذلك تحقيق مدخرات من سحب القوات الأمريكية، حيث يبدو الترويج لهذا الهدف وهميًا للغاية، ولا سيما أن ما يبدو هو أن الإدارة الأمريكية ستستمر فى إنفاق المزيد من الأموال. حيث تعهد الرئيس الأمريكى باستمرار تقديم دعم مالى يُقدر بمليارات من الدولارات للجيش الأفغانى بشكل سنوى، وفى هذا الشأن اقترحت الإدارة زيادة الميزانية المخصصة لدعم الحكومة الأفغانية. كما أن القواعد العسكرية الأمريكية والقوات الأمريكية التى ستتمركز فى أى دولة مجاورة ستطلب إنفاق العديد من الأموال.

اقتراب أمريكى جديد

تعهدت الإدارة الأمريكية لكى تتمكن واشنطن من مواجهة التهديدات الإرهابية فى أفغانستان عقب إتمام الانسحاب بتبنى استراتيجية «ما وراء الأفق» لمواجهة الإرهاب. وترتكز هذه الاستراتيجية بشكل رئيسى على مواجهة التنظيمات الإرهابية داخل الأراضى الأفغانية عبر شن العمليات الجوية من الدول المجاورة لها. ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذه الاستراتيجية ستتطلب من وزارة الدفاع الأمريكية توفير المزيد من الطائرات وتخصيصها لمكافحة الإرهاب فى أفغانستان، حيث إن مكافحة الإرهاب تتطلب تواجدًا مستمرًا للطائرات للكشف عن الأهداف ومراقبتها، وهو ما لن تتمكن الطائرات الأمريكية من القيام به، حيث ستستهلك الطائرات الكثير من الوقود مما يقلل من الفرص المتاحة للتحليق فوق أفغانستان. ومن ثم تحتاج القوات الجوية الأمريكية لمزيد من الدعم، وهو ما يمكن أن يحدث من خلال وضع حاملة للطائرات بشكل دائم فى المياه الباكستانية.

ومن هنا تثار العديد من التكهنات بشأن تواجد حاملة الطائرات الأمريكية رونالد ريجان فى بحر الصين الجنوبى لكى تتولى دعم المهام الجوية الأمريكية فى فترة ما بعد الانسحاب. وبناء على ما سبق، تظهر المشكلة الفعلية والتى تتمثل فى مخاطرة إدارة «بايدن» بإعادة «توزيع عبء مهمة مكافحة الإرهاب» بأفغانستان فى ظل الحاجة للاعتماد على حاملات الطائرات والقوات الجوية. كما أن انسحاب القوات البرية من أفغانستان لن توجهها الولايات المتحدة للتنافس مع الصين لأنها ليست مطلوبة فى حالة المنافسة معها.

وسيُفضى الانسحاب الأمريكى كذلك إلى تحمل واشنطن مسئولية مكافحة الإرهاب فى أفغانستان بشكل غير متناسب، إذ إن حلفاء الولايات المتحدة فى المنطقة غير مؤهلين لتقديم الدعم الذى تحتاجه القوات الأمريكية وفقًا لما تطلبه استراتيجية «ما وراء الأفق». فبالإضافة إلى أن اعتماد واشنطن على مواجهة الإرهاب فى كابول بشكل كبير تَمَثّل فى الوجود الأجنبى الواسع من الدول الأخرى، فإن اتجاه الإدارة للاعتماد على المراقبة الجوية والهجمات المتطورة بالطائرات يتطلب أصولًا لا يمتلكها معظم حلفائها.

أمل نادر

قد لا تُضطر الولايات المتحدة إلى الانغماس فى كل المشاكل السابقة فى فترة ما بعد الانسحاب فى أحسن السيناريوهات، وذلك فى حال تمكنت الحكومة الأفغانية وحركة طالبان من التوصل إلى اتفاق سلام لإنهاء الصراع. وربما لن تصبح الدولة ملاذًا للتنظيمات الإرهابية، حتى فى حال تمكنت طالبان من السيطرة عليها، ومن ثم ستتولى دول أخرى القيام بهذه المهمة، وبالتالى ستتمكن واشنطن فعليًا من تحويل الموارد والطاقات للمنافسة مع بكين.

خلص المقال إلى أنه ينبغى على إدارة «بايدن» أن تنظر فى كيفية تعزيز «قدرة الولايات المتحدة على التماسك الاستراتيجى»، وليس فقط النظر فى كيفية تحقيق المصالح الخاصة بحماية أمن الأمريكيين من الإرهاب وحماية الأفغان المهددين من حركة طالبان. حيث سيكون من الصعب للغاية أن تركز واشنطن على المنافسة مع الحكومة الصينية ومواجهة التهديدات النابعة من مبادرة «الحزام والطريق» والأخرى التى تثيرها شركة هواوى فى ظل السماح للتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود بإعادة إحياء نفسها مرة أخرى، بما يرتبط بذلك من تفاقم أزمة اللاجئين/ات. كما تُظهر استطلاعات الرأى العام أن هناك توافقًا من الحزبين الجمهورى والديمقراطى على أن مكافحة الإرهاب تُعد من أولويات السياسة الخارجية الأمريكية إن لم تكن أهم من التنافس مع الصين.