الشروق:

هل حان وقت نزع عسكرة الإرهاب فى أفريقيا؟

06 April 2021


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب حمدى عبدالرحمن، يشير فيه إلى فشل الجهود العسكرية الأمريكية والفرنسية فى مكافحة الإرهاب فى القارة السمراء؛ حيث ارتفعت الهجمات مؤخرا بنسبة 43%، وبناء عليه زادت الدعوات لتوجيه الأموال المخصصة للقوات العسكرية الأمريكية إلى المساعدات الإنسانية والتنمية الاقتصادية فى البلدان التى تعانى من العنف والتطرف، كما اتبعت فرنسا نهج أفرقة مكافحة الإرهاب بمعنى ضرورة قيام دول الساحل بتعزيز بنيتها الاقتصادية والاجتماعية لمحاربة جذور التطرف.. نعرض منه ما يلى.

يكشف أحدث مؤشر لشدة الإرهاب فى العالم، عن تصاعد العنف فى بؤر الإرهاب الساخنة فى أفريقيا، بالإضافة إلى زيادة خطر وقوع هجمات إرهابية فى العديد من البلدان فى جميع أنحاء المنطقة، بما فى ذلك بعض البلدان التى كانت تُعتبر آمنة نسبيًا فى السابق. لقد أضحت أفريقيا جنوب الصحراء اليوم موطنًا لسبعة من أكثر عشرة مواقع خطرة فى العالم، وذلك استنادًا إلى بيانات تم جمعها عن 198 دولة، مما يجعلها المنطقة الأسوأ أداءً فى محاربة الإرهاب على مستوى العالم.

مطالب نزع العسكرة
طبقًا لتقرير حديث للبنتاغون أعده مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، وهو مؤسسة أبحاث تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية؛ فإن الوضع الأمنى فى القارة يدعو للقلق الشديد، حيث يُظهر ارتفاعًا بنسبة 43% فى عمليات الجماعات الجهادية المتشددة، وزيادة حادة فى أحداث العنف خلال عام 2020، وهو ما يؤكد منحى التصعيد المتواصل خلال العقد الماضى. طيلة نحو عقدين من الزمان كانت قوات العمليات الخاصة الأمريكية تخوض حربًا سرية ــ فى أغلبها ــ عبر مختلف أرجاء القارة الأفريقية، حيث تعاونت مع حلفاء محليين ضد عدد كبير من الجماعات الإرهابية العنيفة.
وعليه، فقد شكك كثير من الخبراء فى الفرضية الأساسية لجهود مكافحة الإرهاب الأمريكية فى القارة الأفريقية، حيث تمت المطالبة بتوجيه الأموال المخصصة للكوماندوز الأمريكيين فى أفريقيا من أجل إنفاقها بشكل أكثر فاعلية فى مجالات المساعدات الإنسانية والتنمية الاقتصادية فى البلدان التى يتزايد فيها خطر العنف المتطرف.
وإن زيادة معدلات التطرف الإرهابى العنيف فى القارة يُشير بما لا يدعو للشك إلى عدم إحراز قيادة العمليات الخاصة الأمريكية فى أفريقيا أى تقدم فى إضعاف بنية الجماعات الإرهابية والحد من أنشطتها العنيفة. إن حقيقة زيادة عنف الجماعات الإسلامية المتشددة خلال ذروة جائحة (كوفيدــ19)، عندما كان من المفترض أن تؤدى المصاعب الاقتصادية وإغلاق الحدود إلى تقييد حركة هذه الجماعات الإرهابية؛ يُظهر أن قيادة العمليات الخاصة الأمريكية لم تقم بتعديل خطة مكافحة الإرهاب الخاصة بها بشكل فعال لتعكس الديناميكيات المتغيرة التى شهدها العالم فى عام 2020.
وتؤكد الوثائق أن هدف قيادة القوات الخاصة فى أفريقيا كان يتمثل فى تعطيل والحد من حركة القاعدة والمنظمات المتطرفة العنيفة المنتسبة إلى داعش فى شرق أفريقيا، وحوض بحيرة تشاد، والساحل، والمغرب العربى، من خلال التعاون مع شركاء أفارقة وغربيين. ومع ذلك وجد التقرير أن الجماعات الإرهابية لم يتم النيل من قدراتها وتعطيلها على مدى العامين الماضيين؛ بل ما حدث هو العكس تمامًا. لقد ازداد عدد ضحايا هذه الجماعات المسلحة بمقدار الثلث مقارنة بالعام السابق، كما شهدت المناطق التى تثير قلقًا رئيسيًا لقوات الكوماندوز الأمريكية مثل الصومال ومنطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد بعضًا من أكثر الزيادات فى معدلات العنف على مستوى القارة.
وعلى الرغم من العمليات البرية من قبل القوات الخاصة الأمريكية والشركاء الصوماليين، بالإضافة إلى أكثر من 200 غارة جوية منذ عام 2017؛ فإن حركة الشباب المجاهدين لا تزال تمثل أكبر شبكة للقاعدة وأكثرها نشاطًا وفعالية فى العالم. اتضح ذلك فى زيادة أنشطة العنف التى تورطت فيها حركة الشباب خلال العام الماضى بنسبة 33%، إضافة إلى زيادة المعارك التى خاضها الشباب وقوات الأمن فى عام 2020 بنسبة 47%.

«أفرقة» محاربة الإرهاب
فى 16 فبراير 2021، عُقدت قمة مجموعة دول الساحل الخمس (التى تضم موريتانيا، ومالى، وبوركينافاسو، والنيجر، وتشاد)، وشارك فيها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بشكل افتراضى. وربما تشكل هذه القمة نقطة تحول كبرى فى استراتيجية فرنسا لمحاربة الإرهاب فى الساحل الإفريقى؛ إذ بعد أكثر من ثمانى سنوات من التدخل العسكرى، تجد فرنسا نفسها فى نفس المأزق الأمريكى فى أفغانستان. ربما يدفعها ذلك إلى تخفيف وجودها العسكرى فى المنطقة، مع التركيز على دور الحلفاء المحليين والدوليين. لم يتدنَّ التأييد الشعبى الفرنسى لعملية برخان من قبل بنفس الدرجة السائدة اليوم.
فقد أظهر استطلاع للرأى أجراه المعهد الفرنسى للرأى العام فى أوائل يناير 2021 أن 51٪ من الفرنسيين فقدوا دعمهم للتدخل العسكرى فى منطقة الساحل. يعنى ذلك أن الحكومة الفرنسية تواجه أدنى مستوى للدعم الشعبى منذ أن بدأت حملتها فى الساحل قبل ثمانى سنوات. وتم التعبير عن هذا القلق العام بشكل واضح عندما دعا المجلس الوطنى ومجلس الشيوخ إلى مزيد من النقاش حول مستقبل الدور الفرنسى فى منطقة الساحل.
ويعكس هذا النهج الفرنسى الجديد تحركًا باتجاه «أفرقة» الصراع وأساليب مواجهته فى الساحل. ترغب فرنسا من دول الساحل تعزيز مناهجها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لمعالجة جذور التطرف العنيف. لتحقيق ذلك، يجب أن تكون دول الساحل قادرة على استعادة السيطرة الكاملة على أراضيها وتحقيق الاستقرار السياسى. ولا شك أن هذا الهدف يمثل جوهر مشكلة التطرف والإرهاب فى المنطقة، حيث تعانى الدولة فى منطقة الساحل من الهشاشة والضعف العام.
كما أنها تفتقر إلى القدرات العسكرية والأمنية بما يجعلها غير قادرة على مواجهة الجماعات المتمردة العنيفة المختلفة بشكل فعال. لم يكن مستغربًا أن يناقش الخبراء الفرنسيون فكرة الحوار المباشر مع الإرهابيين وجماعات العنف المسلح، وهو ما يعكس نفس خبرة الولايات المتحدة مع طالبان.
ولعل ما يزيد الأمور تعقيدًا، أن جزءًا كبيرًا من سكان الساحل الذين يُفترض أنهم مستفيدون من الحملة الدولية لمحاربة الإرهاب بقيادة فرنسا ينظرون إلى الوجود العسكرى الفرنسى على أنه شكل من أشكال الاحتلال الاستعمارى الجديد. قد لا يكون هذا رأى الأغلبية الشعبية، ولكن عادةً ما يتم تضخيمه عبر التغطية الإعلامية الواسعة والاحتجاجات المتكررة، خاصة فى مالى، حيث يكون الوجود الفرنسى أكثر وضوحًا.
تصاعد العنف العرقى
لقد أدت سياسات مكافحة الإرهاب فى مواجهة الجماعات المتطرفة العنيفة إلى ظهور مليشيات عرقية محلية. ونتيجة لذلك، تفاقمت التوترات الطائفية والعرقية، ولا سيما بالقرب من مثلث الحدود بين مالى والنيجر وبوركينافاسو. ومن المعروف أن هذه الدول الثلاث تواجه انتشار أعمال عنف متطرفة مميتة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، والتى أودت بحياة الآلاف وشردت مئات الآلاف على الرغم من وجود القوات الإقليمية والدولية. فى يناير 2021، قُتل ما لا يقل عن 100 شخص فى قريتين فى النيجر، وذلك وسط أجواء الانتخابات الرئاسية فى البلاد.
وقد تكرر الأمر نفسه فى شهر مارس 2021 بعد إعلان فوز «محمد بازوم» بمنصب الرئيس، حيث قام مسلحون على متن دراجات نارية بمهاجمة سلسلة من القرى بالقرب من حدود النيجر المضطربة مع مالى، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 137 شخصًا فى أعنف هجمات تعيها الذاكرة الحديثة. ولا شك أن هذه النتائج الكارثية لمناهج مكافحة الإرهاب فى الواقع الإفريقى جعلت هناك شبه اتفاق عام على أن سياسة مكافحة الإرهاب الغربية فى منطقة الساحل تعتمد على العسكرة المفرطة، وأنها اتسمت بعدم الفعالية. وعليه يقترح الجميع بما فى ذلك الولايات المتحدة وفرنسا، ولو بلغة متفاوتة قليلًا، أن هذه السياسة يجب «إعادة التوازن» إليها، أو «إعادة التفكير فيها»، للتأكيد على قضايا الحوكمة والحلول السياسية، بما فى ذلك «التفاوض مع الإرهابيين». لقد كانت لغة القوة والعمل العسكرى جزءًا من خطاب المجتمع الدولى والقوى الأكثر انخراطًا فى المنطقة فيما يتعلق بمنهج محاربة الإرهاب. بيد أن اللهجة السائدة الآن تختلف بشكل واضح، حيث يتم الاعتراف بالإخفاق على نطاق واسع، كما عبر عن ذلك تقرير البنتاغون آنف الذكر.
وختامًا، يبدو من المرجّح أن الممارسة العملية لا تزال تؤكد منحى الأمننة فى مواجهة الإرهاب، حيث إن المؤسسات المستثمرة فى الحلول العسكرية لها تأثير أكبر بكثير بسبب ثقلها البيروقراطى والافتراضات الرائجة كتلك القائلة بأن النجاح العسكرى وهزيمة الإرهابيين يجب أن يأتى أولًا. بيد أن خبرة السنوات الماضية تشير إلى وجود دوافع قوية لواضعى السياسات للتخلى عن نزعة العسكرة ليس بحسبانها غير فعالة فحسب، ولكن لأنها فى الغالب تُفضى إلى مزيد من أعمال العنف.

المصدر : الشروق