"بايدن" أم "ترامب"؟:

من سيصبح الرئيس الأمريكي رقم (46)؟

02 November 2020


تدخل انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2020 محطتها قبل النهائية، بتوجه الناخبين الأمريكيين لصناديق الاقتراع، يوم الثلاثاء 3 نوفمبر، للاختيار بين الرئيس "ترامب" الرئيس رقم 45 الجالس في السلطة، وبين منافسه المرشح الديمقراطي "جو بايدن"، وفي ظل حالة الترقب لنتائج هذه الانتخابات، فإن السؤال المطروح في الداخل الأمريكي وعواصم العالم: من سيكون الرئيس الأمريكي رقم (46)؟ وهل سيحصل "ترامب" على فترة رئاسية ثانية؟ أم سيخسر السباق ويسيطر "بايدن" على البيت الأبيض في السنوات الأربع المقبلة؟.

وبشكل عام فإن سيناريوهات نتائج الانتخابات ستدور حول أربعة احتمالات: فوز "بايدن" بالمجمع الانتخابي والأصوات العامة، أو خسارته لأي منهما، أو فوز "ترامب" بالمجمع الانتخابي، أو خسارته لأي منهما. والسيناريو الأكثر ترجيحًا -وفقًا لاستطلاعات الرأي- هو فوز "بايدن" بالأصوات العامة والمجمع الانتخابي ليصبح الرئيس القادم، وبدرجة أقل سيناريو فوز "ترامب" بالمجمع الانتخابي، لكن الأمر يتوقف أولًا وأخيرًا على مدى دقة استطلاعات الرأي.

محدِّدات رئيسية:

جرت انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020 في ظل أربعة محددات رئيسية، ألقت بظلالها على مسار العملية الانتخابية، وسيكون لبعضها دور حاسم في التأثير على نتائج تلك الانتخابات، وتشمل هذه المحددات ما يلي:

1- أزمة كورونا: تعتبر أزمة (كوفيد-19) المحدد الرئيسي المؤثر على انتخابات الرئاسة الأمريكية، فالأزمة التي بدأت في مطلع عام 2020، وزادت حدّتها بداية من شهر مارس، غيرت مسار السباق الرئاسي، وكافة الجوانب المرتبطة به، فالأزمة كانت العامل الرئيسي في حسم اختيار الحزب الديمقراطي لـ"جو بايدن" كمرشح للحزب في الانتخابات، وحدوث حالة من التوافق داخل الحزب على ضرورة انسحاب منافسه اليساري "بيرني ساندرز" في أبريل، وذلك بعد تقييم استراتيجي داخلي في الحزب بأن استمرار "ساندرز" يعني احتمال خسارة الديمقراطيين للانتخابات في مواجهة "ترامب". من جانب آخر، لعبت الأزمة دورًا رئيسيًّا في تحديد كيفية انعقاد مؤتمري الحزب الديمقراطي والجمهوري في أغسطس، يُضاف إلى ذلك أن الأزمة دفعت الولايات الأمريكية إلى تغيير قوانينها الانتخابية للسماح بالتصويت عبر البريد والتصويت المبكر في لجان الاقتراع. والجانب الرئيسي المرتبط بتداعيات الأزمة على المشهد الانتخابي إن إدارة "ترامب" لها، والتي يعتبرها الكثيرون داخل الأوساط الأمريكية أخفقت، قد تكلفه المقعد الرئاسي. 

وقبل يوم واحد من التصويت في الانتخابات، الاثنين 2 نوفمبر، فإن الأرقام والإحصائيات الخاصة بعدد الإصابات والوفيات داخل الولايات المتحدة الأمريكية تعكس وضعًا غير مسبوق في التراجع الأمريكي، فوفقًا لتقديرات جامعة جون هوبكنز وصل عدد الإصابات إلى 9,208,956 إصابة (أي نحو أكثر من 9 ملايين ومائتي ألف إصابة)، كما وصل عدد الوفيات إلى 231.003 حالة وفاة (أي أكثر من مائتين وثلاثين ألف حالة)، وهذه الأرقام أعلى من معدلاتها في الدول الأوروبية وفي كندا، الأمر الذي يوضح -وفقًا لتقديرات البعض- حجم إخفاق إدارة "ترامب".

2- الوضع الاقتصادي: قبل تصاعد حدة أزمة (كوفيد-19) في شهر مارس 2020، كان موقف الرئيس "ترامب" في أفضل حالاته، فقد نجحت إدارته في تحقيق أعلى معدلات خفض البطالة منذ سنوات، وكانت استطلاعات الرأي العام تشير إلى أن نسبة تقييم أداء الرئيس عالية جدًّا، لكنّ الأوضاع انقلبت رأسًا على عقب بعد شهر مارس، ففي ظل إغلاق الولايات في إطار التدابير الاحترازية، ومع توقف العديد من الأنشطة الاقتصادية، زادت معدلات البطالة مرة أخرى في أوساط الأمريكيين، ورغم نجاح الإدارة في تحقيق تحسن نسبي في شهري سبتمبر وأكتوبر، وانخفاض معدلات البطالة مرة أخرى، إلا أن عدد الوظائف التي فقدت ظل أكبر من تلك التي تم استعادتها، ونظرًا لأن الاقتصاد والوظائف يمثلان عاملًا رئيسيًّا في تحديد خيارات الناخب الأمريكي، فقد أثّر التراجع الاقتصادي على فرص "ترامب". 

3- أزمة التمييز العنصري: ساعد الخطاب السياسي الذي يتبناه الرئيس "ترامب" وإدارته خلال السنوات الأربع الماضية، في زيادة حدة الاستقطاب داخل المجتمع الأمريكي، خاصة على صعيد التمييز العرقي بين مكونات المجتمع، وزيادة حدة هذا الاستقطاب مع صعود اليمين الأمريكي، والعنصريين البيض داخل المجتمع. وتزامنًا مع ذلك، نما شعور بالغبن داخل المجموعات العرقية الأخرى خاصة السود، وأدت حوادث مقتل مواطنين سود على يد بعض عناصر الشرطة في حوادث متفرقة إلى حالة من الغليان داخل المجتمع، ومظاهرات تطالب بالمساواة، ووقف الرئيس "ترامب" وإدارته في موقف مناهض لتلك المظاهرات، وفكرة وجود تمييز عنصري في المجتمع بشكل عام، مما أدى إلى تراجع شعبيته في بعض أوساط الناخبين السود.

4- التدخل الخارجي في الانتخابات: جانب من المحددات التي ألقت بظلالها على الانتخابات، ما يتعلق بتقديرات أجهزة الاستخبارات والأمن الأمريكية بوجود محاولات لتدخل دول خارجية في الانتخابات، وتحديدًا الصين وروسيا وإيران، وذلك عن طريق قيامهم بحملات مكثفة من المعلومات المضللة، لدفع الناخبين الأمريكيين لتفضيل مرشح على آخر. ووفقًا لهذه التقديرات تحاول الصين وإيران دعم "بايدن" في مواجهة "ترامب"، في حين تعمل روسيا على دعم الأخير. ورغم أن محاولات التدخل الخارجية تلك تمت مواجهتها وتحجيمها من قبل الأجهزة الأمنية، لكن لا يوجد مؤشر أو آلية يمكن من خلالها قياس تأثيرها الفعلي على الانتخابات.

متغيرات انتخابية:

بالتوازي مع المحدِّدات الرئيسية التي أثرت على انتخابات الرئاسة الأمريكية، كان هناك بعض المتغيرات التي سيساهم بعضها أو كلها في التأثير على نتائج العملية الانتخابية. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى الجوانب التالية: 

1- حالة الاستقطاب الإعلامي: انقسم الاعلام الأمريكي، خاصة القنوات والصحف الرئيسية، في تغطيتها للانتخابات إلى تيارين: تيار وسائل الإعلام الليبرالية التي أيدت "بايدن" وانحازت بشكل رئيسي له، خاصة شبكة "سي إن إن" وصحيفة "نيويورك تايمز" على سبيل المثال، وتيار وسائل الإعلام المحافظة مثل شبكة "فوكس نيوز" التي دعمت "ترامب". وبغض النظر عن التباينات بين التيارين في تغطية الانتخابات، إلا أن التحقيق الاستقصائي الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" حول السجل الضريبي للرئيس "ترامب"، والذي أظهر أن "ترامب" لم يدفع في العام الأول من وجوده في السلطة أكثر من 750 دولارًا أمريكيًّا، ساهم في تقويض صورة الرئيس "ترامب" لدى الكثير من قطاعات الرأي العام الأمريكي. 

2- المناظرات الرئاسية: شهدت انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020، إجراء مناظرتين رئاسيتين من أصل ثلاث مناظرات؛ الأولى يوم 29 سبتمبر، والثانية يوم 15 أكتوبر، وتشير التقديرات إلى أن الرئيس "ترامب" كان أداؤه أفضل في المناظرة الثانية مقارنة بأداء "بايدن"، وأُجريت أيضًا مناظرة بين نائبي الرئيس "مايك بنس" و"كامالا هاريس" لم يكن أداء "هاريس" نائبة "بايدن" فيها جيدًا. ورغم أن المناظرات الثلاث لم تغير كثيرًا من المشهد الانتخابي، إلا أنها ساهمت في إبراز مواقف كل من المرشحين، وترسيخ وضعهما لدى قاعدتيهما الانتخابيتين، لكنها لم تؤثر كثيرًا في تغيير توجهات كتلة كبيرة من الناخبين المترددين وغير الحاسمين.

3- استطلاعات الرأي: تتعدد استطلاعات الرأي التي أُجريت خلال الأسابيع الأخيرة في الانتخابات، فبعضها يركز على الاختيار بين المرشحين "ترامب" أو "بايدن"، وبعضها يركز على قياس مستوى تفضيل أداء الرئيس "ترامب" في إدارة ملفات الحكم، وقد أظهرت استطلاعات المجموعة الأولى تقدم "بايدن" على "ترامب"، سواء على المستوى الوطني أو على مستوى الولايات، وأظهرت استطلاعات المجموعة الثانية تراجع مستوى تفضيل الرئيس وتقييم أدائه بشكل سلبي، ومع مرور الأيام ساعدت تلك الاستطلاعات ذاتها في زيادة الفجوة بين "ترامب" و"بايدن"، فتقدم "بايدن" في الاستطلاعات على المستوى الوطني كان له تأثير على الاستطلاعات في الولايات، وتراجع مستوى تفضيل "ترامب" كرئيس، صب في مصلحة "بايدن".

4- التصويت المبكر: عدلت أكثر من 43 ولاية أمريكية قوانينها الانتخابية لتسمح بالتصويت المبكر، سواء عبر خطابات البريد، أو الحضور إلى لجان الاقتراع، وحتى مساء يوم الأحد 1 نوفمبر، صوت أكثر من 90 مليون ناخب، بينهم نحو 60 مليونًا صوتوا بخطابات البريد، ونحو 30 بالحضور شخصيًّا إلى مراكز الاقتراع، ووفقًا للتقديرات فإن التصويت المبكر بالبريد قد يساعد الديمقراطيين على حشد قواهم التصويتية، خاصة وأن الجمهوريين سيعتمدون أكثر على التصويت في لجان الاقتراع يوم الانتخابات، والمشاركة الكثيفة من الناخبين الديمقراطيين أو الذين سيصوتون لـ"بايدن"، سيكون لها تأثير في حسم النتائج.

سيناريوهات نهاية السباق:

المحدِّدات والمتغيرات التي أثّرت على انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020، ستحدد بشكل كبير نتائج هذه الانتخابات، والتي تدور حول أربعة سيناريوهات رئيسية. وبغض النظر عن تداعيات ما بعد نتائج الانتخابات، في ظل ما يثار عن احتمالات رفض "ترامب" القبول بنتائج الانتخابات والخروج من البيت الأبيض، وحدوث عنف داخل الولايات الأمريكية، يمكن الإشارة إلى ما يلي: 

السيناريو الأول- فوز "بايدن" بالأصوات العامة والمجمع الانتخابي: يفترض هذا السيناريو نجاح المرشح الديمقراطي "جو بايدن" في الفوز بالأصوات العامة على مستوى الولايات، وتحقيق أصوات أعلى من "ترامب". فلو افترضنا أن عدد الناخبين الذين سيدلون بأصواتهم في الانتخابات سيصل إلى 150 مليون صوت وفقًا للتوقعات، فمن المحتمل أن يصوت لصالح "بايدن" في إطار هذا السيناريو ما بين 65 إلى 75 مليون صوت انتخابي، أو عدد أعلى أو أقل من هذا الرقم بنسبة بسيطة، وسيصوت للرئيس "ترامب" ما بين 60 إلى 65 مليون صوت، هذا مع الوضع في الاعتبار أن نتيجة انتخابات الرئاسة 2016 بين "هيلاري كلينتون" و"ترامب"، كانت تحقيق "هيلاري" أكثر من 65 مليون صوت و"ترامب" أكثر من 62 مليون صوت.

الجزء الأهم في هذا السيناريو، هو ضرورة ترجمة "بايدن" لأرقام الأصوات العامة إلى وزن حقيقي في المجمع الانتخابي، فالأصوات العامة -في حد ذاتها- ليست مهمة، ولكن ترجمة هذه الأصوات في المجمع الانتخابي، ويعتمد هذا السيناريو بشكل رئيسي على افتراض صدق تقديرات استطلاعات الرأي التي ترجح تقدم "بايدن" على "ترامب" في الولايات الحاسمة والرئيسية، وأن "بايدن" ضمن على الأقل 290 صوتًا في المجمع الانتخابي، وفي هذه الحالة سيصح "بايدن" الرئيس الأمريكي القادم. 

السيناريو الثاني- فوز "بايدن" بالأصوات العامة وخسارة المجمع الانتخابي: يفترض هذا السيناريو تكرار تجربة انتخابات 2016، حين فازت المرشحة الديمقراطية "هيلاري كلينتون" بالأصوات العامة وخسرت المجمع الانتخابي. وفي هذا السيناريو من المحتمل أن يحصد "بايدن" أكبر عدد من الأصوات العامة، لكن ترجمة هذه الأصوات في المجمع الانتخابي سيكون أقل من 270 صوتًا اللازمة للفوز في المجمع الانتخابي. وفي حال تحقق هذا السيناريو، سيكون الرئيس "ترامب" هو الرئيس القادم، وسيفوز بولاية رئاسية ثانية. وبشكل عام فإن هذا السيناريو وارد إذا نجح "ترامب" في حصد عدد أصوات يبلغ 270 صوتًا في المجمع الانتخابي، واستطلاعات الرأي تدعم الافتراض بأن هذا السيناريو وراد ولكنه غير مؤكد بشكل كبير، وذلك لأن الفارق في استطلاعات الرأي بين "بايدن" و"ترامب" في بعض الولايات محدود، في حدود 3.5%، وإذا نجح "ترامب" في تخطي هذا الفارق الذي يقترب من هامش الخطأ، فمن الممكن أن تحدث مفاجأة انتخابية. 

السيناريو الثالث- فوز "ترامب" بالأصوات العامة والمجمع الانتخابي: يفترض هذا السيناريو نجاح "ترامب" في حصد أعلى أصوات في الأصوات العامة، وتحقيق 270 صوتًا في المجمع الانتخابي. ووفقًا لاستطلاعات الرأي العام من الصعب نجاح "ترامب" في الفوز بالأصوات العامة، لأن الفارق بينه وبين "بايدن" في استطلاعات الرأي على المستوى الوطني كبير، فمتوسط استطلاعات الرأي يشير إلى أن هذا الفارق في حدود 8.5 %، لكن من المحتمل نظريًا أن يُحدث "ترامب" اختراقات في بعض الولايات الرئيسية أو الحاسمة تمكنه من الفوز بالمجمع الانتخابي، وفي هذه الحالة سيضمن الاستمرار في البيت الأبيض لمدة أربع سنوات أخرى.

السيناريو الرابع- خسارة "ترامب" الأصوات العامة والمجمع الانتخابي: يفترض هذا السيناريو فشل الرئيس "ترامب" في تحقيق أي تقدم على منافسه "بايدن"، سواء في الأصوات العامة أو المجمع الانتخابي.

بشكل عام ووفقًا للتقديرات الأولية القائمة على استطلاعات الرأي، وفي حال كانت تلك الاستطلاعات دقيقة، وليس بها تحيز منهجي؛ فإن سيناريو فوز "بايدن" بالأصوات العامة والمجمع الانتخابي قد يكون السيناريو الأكثر ترجيحًا في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020، يليه بدرجة احتمالية أقل السيناريو الثاني وهو فوز "بايدن" بالأصوات العامة وخسارة المجمع الانتخابي بما يعني فوز "ترامب" بالرئاسة، ويظل السيناريو الثالث مستبعدًا، والسيناريو الرابع هو السيناريو المعاكس للسيناريو الأول. 

ختامًا، مع بدء التصويت النهائي في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020، يوم الثلاثاء 3 نوفمبر، تقترب هذه الانتخابات من نهايتها، وفي ظل افتراض نظري بدقة استطلاعات الرأي، وعدم وجود تحيزات منهاجية بها، بات المرشح الديمقراطي "بايدن" على اعتاب البيت الأبيض، بالأصوات العامة والمجمع الانتخابي، ولكن في ظل افتراض وجود أخطاء منهاجية في استطلاعات الرأي، واحتمال تحقيق "ترامب" اختراقًا في أصوات المجمع الانتخابي، فالمحتمل أن يستمر رئيسًا لمدة أربع سنوات أخرى، وهذا الأمر صعب لكنه وارد ومحتمل.