صراع النفوذ:

لماذا تجددت المواجهات بين "القاعدة" و"داعش" في الساحل والصحراء؟

07 October 2020


اتسع نطاق المواجهات مؤخراً بين كل من تنظيم "القاعدة"، صاحب النفوذ الأبرز من بين التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، وتنظيم "داعش"، الذي يحاول تعزيز نشاطه فيها، من أجل تعويض الهزائم والخسائر التي تعرض لها خلال السنوات الماضية، وهو ما أدى إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى من الطرفين في تلك المواجهات، التي غالباً ما يبادر بها عناصر "داعش"، على غرار ما جاء في العدد 252 من مجلته الأسبوعية "النبأ" الصادر في 17 سبتمبر الفائت، والذي كشف فيه عن قيام عناصره بشن مجموعة من الهجمات ضد مواقع "القاعدة" أسفرت، وفقاً له، عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، على نحو يوحي بأن التصعيد سوف يكون عنواناً رئيسياً للعلاقة بين الطرفين خلال المرحلة القادمة.

ضربات متبادلة:

بدأ التنافس يتزايد بين التنظيمات الإرهابية على تعزيز نفوذها في منطقة الساحل والصحراء، لاسيما أنها تتسم بمجموعة من العوامل الجغرافية والسياسية والأمنية، ترى تلك التنظيمات أنها يمكن أن تساعدها على تحقيق ذلك. ويبدو أن تلك المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة سوف تشهد صراعاً مفتوحاً بين كل من تنظيم "القاعدة" ومنافسه التقليدي تنظيم "داعش"، الذي يحاول تثبيث أركانه فيها، وقام من أجل ذلك بشن مجموعة من الهجمات غير التقليدية استهدفت، في كثير من الأحيان، قادة تنظيم "القاعدة"، على غرار ما أعلنه في مطلع مايو الماضي، من أن مجموعة من عناصره تمكنوا من قتل أبو يحيى أمير منطقة الصحراء التابعة لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، من خلال كمين تم نصبه له مع مجموعة من عناصر التنظيم.

واللافت في هذا السياق، أن تنظيم "القاعدة" عمل بدوره خلال السنوات الماضية على تحجيم نشاط "داعش"، من خلال توجيه مجموعة من الضربات إليه، بشكل أدى، ضمن عوامل أخرى، إلى تراجع دوره وانحسار المساحة التي كان يسيطر عليها، قبل أن يعود ليعزز نشاطه من جديد في مطلع عام 2018، من خلال بيان أصدره أبو الوليد الصحراوي، يعلن فيه رغبته في التعاون مع "القاعدة"، وذلك 

"من أجل مواجهة القوى المناوئة للتنظيمات الإرهابية"، وعلى رأسها القوات الفرنسية والأممية الموجودة في المنطقة. إلا أن مقتل زعيم "داعش" أبوبكر البغدادي وتأخر الصحراوي في إعلان البيعة للقائد الجديد دفع قادة تنظيم "القاعدة" إلى رفع مستوى ضغوطهم على تنظيم "داعش"، من أجل القضاء عليه أو إضعاف نفوذه من جديد على أقل تقدير.

ومن هنا، عاد الصراع مجدداً سمة رئيسية للعلاقات بين التنظيمين، لاسيما بعد أن أعلن "داعش" عن ولاية جديدة له في تلك المنطقة أطلق عليها "ولاية الصحراء الكبرى"، تنشط في مناطق نفوذ "القاعدة"، وهو ما يمثل "خطاً أحمر" لن يسمح به الأخير.

أسباب متعددة:

يمكن القول إن ثمة اعتبارات عديدة تساهم في تصعيد حدة الصراع بين التنظيمين، يتمثل أبرزها في:

1- الاختلافات الفكرية: تمثل الاختلافات الفكرية عائقاً كبيراً أمام الجهود التي بذلتها بعض قيادات التنظيمين من أجل تحقيق تقارب بينهما، لاسيما بعد أن وجه "داعش" اتهامات إلى "القاعدة" في العدد 233 من مجلته الأسبوعية "النبأ" الصادر في 3 مايو الماضي، بمساعدة القوات الفرنسية والأجنبية في الهجمات التي شنتها ضده، بما يوحي بأن الموقف من تلك الأطراف سوف يمثل محدداً رئيسياً سيكون له دور في تحديد مسارات العلاقة بين التنظيمين خلال المرحلة القادمة.

2- التنافس "الجهادي": بدأ نشاط تنظيم "داعش" يظهر للمرة الأولى في منطقة الساحل في عام 2015، وذلك بعد أن قامت إحدى المجموعات الموالية لـ"القاعدة" بمبايعة زعيم "داعش" السابق أبوبكر البغدادي، وهى جماعة "المرابطون"، التي اختار الأخير أميراً جديداً لها هو أبو الوليد الصحراوي، إلا أن بعض كوادر الجماعة بقيادة مختار بلمختار لم توافق على ذلك، حيث اتجهت إلى إعلان بيعتها لـ"القاعدة" مجدداً وإلغاء البيعة لـ"داعش"، وهو ما كان له أثر مباشر في توسيع نطاق التنافس بين الطرفين، لاسيما بعد أن اعتبر "القاعدة" أن تصاعد دور ونشاط "داعش" سوف يخصم من نفوذه مباشرة.

3- مناطق النفوذ: تسعى التنظيمات الإرهابية إلى تكريس سيطرتها على المناطق التي تتواجد بها وعدم السماح لتنظيمات أخرى بدعم نفوذه فيها، وهو النهج الذي اتبعه تنظيم "القاعدة" في منطقة الساحل، التي اعتبر أنها تمثل منطقة نفوذ خاصة به. ومن هنا، تبنى التنظيم آليتين: الأولى، محاولة احتواء بعض المجموعات الإرهابية الفرعية، التي تتسم بطابع عرقي تحديداً، من خلال التعاون أو الانخراط في تحالف معها، على غرار تأسيس جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التي أعلن عنها في مارس 2017، وتعد أكبر تحالف "قاعدي" في العالم، حيث ضمت كلاً من جماعة "أنصار الدين" في مالي وحركة "تحرير ماسينا" وجماعة "المرابطون" إضافة إلى "القاعدة". والثانية، توجيه ضربات قوية ضد التنظيمات المنافسة لمنعها من تثبيت نفوذها على المدى الطويل. وبما أن تنظيم "داعش"، بطبيعته الفكرية والتنظيمية، لا يدخل في تحالفات، كما لا يمكن احتواءه عبر الآلية الأولى، فإن شن عمليات نوعية ضده كان الخيار الأساسي الذي اتجه إليه "القاعدة" لمنعه من التواجد في تلك المنطقة. 

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن منطقة الساحل الإفريقي تبدو مقبلة على مرحلة سوف تتصاعد فيها حدة المواجهات بين تنظيمى "القاعدة" و"داعش"، ورغم أن ذلك سوف يفاقم من حالة عدم الاستقرار التي تشهدها تلك المنطقة، فإنه ربما يساهم في إضعاف نفوذ الطرفين، لاسيما أن ذلك سيتوازى مع تصاعد حدة العمليات العسكرية التي تقوم بها القوى المعنية بالحرب على الإرهاب ضدهما.