تكاليف مرتفعة:

هل تنجح الأردن في تطوير مواردها من الصخر الزيتي؟

21 July 2020


تسعى الأردن إلى تنمية مواردها المحلية من الطاقة وتقليل الاعتماد على الخارج في استيراد النفط والغاز الطبيعي والمشتقات النفطية. وبموجب استراتيجية الطاقة (2020-2030)، تستهدف الأردن توليد أكثر من 45% من الكهرباء من الطاقة المتجددة والصخر الزيتي المنتج محلياً. وكانت الحكومة الأردنية قد تعاقدت مع عدد من الشركات العالمية في السنوات الماضية من أجل استكشاف والتنقيب عن الصخر الزيتي، غير أنها لم تبدأ الإنتاج بعد، وتواجه مشاريع استخراج الخام عدداً من التحديات يتمثل أبرزها في ارتفاع التكلفة الاستثمارية للاستخراج وسط بيئة عالمية ضاغطة بسبب جائحة "كورونا"، فضلاً عن الأضرار البيئية المحتملة الناتجة عن عمليات التنقيب والإنتاج. 

استراتيجية جديدة:

أطلقت وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية، في شهر يوليو الجاري، استراتيجية عشرية جديدة للطاقة ممتدة من (2020-2030) تهدف إلى تطوير الموارد المحلية من الطاقة، وتقليل الاعتماد على استيراد الغاز الطبيعي والمشتقات النفطية المختلفة. وتطمح الأردن في إنتاج أكثر من 45% من احتياجاتها من الطاقة بحلول عام 2030 مقابل 15% حالياً.  

وطبقاً للاستراتيجية الجديدة، ستعمل الحكومة الأردنية على توليد نحو 53% من الغاز الطبيعي، الذي تستورد معظمه، بحلول عام 2030، وانخفاضاً من 61% بنهاية عام 2020، كما من المتوقع أن تزيد مساهمة الطاقة المتجددة من 21% في عام 2020 إلى 31% في عام 2030، كما ستولد الأردن نحو 15% من الكهرباء بالاعتماد على الصخر الزيتي في نهاية العقد المقبل.


وإذا ما نجحت الأردن في بلوغ أهداف استراتيجيتها بحلول العقد المقبل، فإنها ستحقق وفورات اقتصادية بمليارات الدولارات سنوياً. وتستورد الأردن حالياً أكثر من 95% من موارد الطاقة سنوياً، مما يكلف الميزانية نحو 3.5 إلى 4 مليار دولار أي ما يمثل قرابة 10% من الناتج المحلي سنوياً. وبجانب التكاليف الاقتصادية، تعتمد الأردن على توريد احتياجاتها من مصادر تنقطع بين الحين والآخر، وهى تستورد نحو 10 آلاف برميل يومياً من العراق يتم نقله عبر الصهاريج إلى الأراضي الأردنية، غير أن عمليات الاستيراد تعرضت لاضطرابات مستمرة في الفترة الماضية. 

مساعي التطوير:

تعد الأردن منتجاً صغيراً جداً للنفط والغاز، ولديها حقل غاز وحيد فقط يقع في شمال شرق البلاد بالقرب من الحدود العراقية، وهو حقل الريشة، وبإنتاج يصل إلى حوالي 16 مليون قدم مكعب يومياً،  بالإضافة إلى حقل نفط حمزة، ولا يغطي الحقلان أكثر من 5% من احتياجات البلاد من الطاقة، وباستثناء ذلك، لا توجد أى آبار إنتاجية عاملة أخرى في الأردن.

غير أن الحكومة الأردنية سعت في السنوات الأخيرة إلى تطوير مواردها من الصخر الزيتي المعروف بــ"الصخر النفطي" (Oil Shale)، كأحد الحلول لتعزيز مواردها من الطاقة، وهو نوع من الصخور الرسوبية التي تحتوي على الكيروجين، وهو مادة صلبة يمكن تحويلها إلى زيت سائل عند إجراء عمليات كيميائية عليها مثل التسخين. 

ووفقاً لتقديرات مختلفة، فلدى الأردن ما يتراوح بين 40 إلى 70 مليار طن من الصخر الزيتي، مما يجعلها من بين أكبر 10 دول في العالم من حيث الاحتياطيات للخام، وتتوزع الموارد في 26 موقعاً مختلفاً في جميع أنحاء البلاد ويقع أكبرها في المنطقة الغربية الوسطى من الأردن، وغالبية الرواسب ضحلة، مما يجعلها أكثر سهولة في الاستخراج.

ولاستغلال هذه الموارد، وقّعت الحكومة الأردنية على مدار السنوات الأخيرة العديد من اتفاقيات تطوير الصخر الزيتي مع شركات عالمية مثل شل وإنيفيت وغيرها. وتعمل الشركة الأخيرة على تطوير مشروع لإنتاج 40 ألف برميل يومياً من النفط من خلال استغلال احتياطات تصل إلى ما يزيد على 3.5 مليار طن من الصخر الزيتي في مواقع مختلفة بالبلاد. 

كما أبرمت السلطات الأردنية في السنوات الأخيرة اتفاقات لتوليد الكهرباء عن طريق الصخر الزيتي مع شركات أجنبية، وتقوم شركة العطارات، الممولكة لمجموعة من الشركاء المحليين والأجانب، ببناء محطة كهربائية بالأردن بقدرة 554 ميجاوات، وسوف تعتمد على وقود الصخر الزيتي، وبتكلفة استثمارية قدرها 2.1 مليار دولار، وقد حصلت على تمويل للمشروع عبر كونسورتيوم بنوك صينية.

تحديات قائمة:

تنظر الحكومة الأردنية بجدية إلى تطوير الصخر الزيتي من أجل تعزيز موارد الطاقة، غير أنها قد تواجه تحديات جمة في هذ الصدد: يتمثل أولها، في ارتفاع تكلفة إنتاج برميل النفط مقارنة بمشاريع النفط التقليدية، حيث أن عمليات التنقيب والإنتاج مكلفة للغاية وتحتاج إلى منشآت كيميائية معقدة لاستخلاص الزيت أو النفط الخام. 

وفي هذا الصدد، قدّرت الدراسات الفنية التي أجرتها شركة كويستر إنيرجي (Questerre Energy) الكندية، التي كانت وزارة الطاقة الأردنية وقعت معها مذكرة تفاهم في عام 2015 لاستكشاف موارد الصخر الزيتي في منطقة ماعن، أن التكاليف الرأسمالية والتشغيلية لاستخراج برميل النفط بالأردن قد تصل إلى نحو 38 دولار، أى 10 أضعاف تكلفة استخراج النفط بمنطقة الشرق الأوسط. 

فضلاً عن ذلك، يبدو من المستبعد أن تجازف الشركات المحلية أو الأجنبية بالاستثمار في هذه المشاريع المكلفة إذا ما تواصل انخفاض أسعار الطاقة على المدى الطويل. وكانت أسعار النفط بدأت موجة من الانخفاض وسط انخفاض الطلب العالمي على الخام بسبب جائحة "كورونا". 

وينصرف ثانيها، إلى الآثار البيئية السلبية لمشاريع استخراج الصخر الزيتي، حيث تترك أضراراً على الأراضي والمناطق المحيطة، بالإضافة إلى الانبعاثات الضارة ومخاطر نفايات عمليات الاستخراج. وتشير تجارب الدول الأخرى التي بدأت في عمليات استخراج الصخر الزيتي إلى ارتفاع غازات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن المشروع بالإضافة إلى تلوث الهواء والتربة. 

ويتعلق ثالثها، باحتواء الصخر الزيتي في الأردن، كما تشير بعض الدراسات، على نسبة عالية من الكبريت، مما يجعل عمليات معالجته أكثر تكلفة، وتصل في بعض المناطق إلى ما بين 8 إلى 10% وفقاً للمسح الجيولوجي الأمريكي، ومثل هذه المستويات العالية من الكبريت تحتاج إلى تجهيزات رأسمالية في تنفيذ المصافي النفطية. 

وتحتاج الأردن إلى ما بين 10 إلى 12 دولار أخرى لمعالجة وتكرير النفط المنتج من الصخر الزيتي للبرميل الواحد وتحويله إلى وقود ديزل وبنزين منخفض الكبريت، وهو خيار غير جذاب مقارنة بتكلفة الاستيراد التي تبدو منخفضة.

وختاماً، يمكن القول إن تلك التحديات ربما تجعل خيارات استيراد مشتقات الوقود أو اللجوء لإنتاج الكهرباء عن طريق الطاقة المتجددة أكثر جدوى اقتصادية وتجارية في المستقبل.