إدارة التصعيد:

مغزى تعيين "أبو فدك" رئيساً لأركان "الحشد الشعبي"

26 February 2020


لم يكن قرار تعيين عبد العزيز المحمداوي المعروف بـ"أبو فدك"، في 21 فبراير الجاري، رئيساً لهيئة أركان "الحشد الشعبي" خلفاً لأبو مهدي المهندس، الذي قتل برفقة قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني في هجوم أمريكي استهدف موكبهما، في 3 يناير الفائت، متوقعاً. فـ"أبو فدك" هو أحد الشخصيات غير المعروفة على نطاق واسع خارج أوساط "الحشد"، نظراً لكونه من القيادات الاستخباراتية والعملياتية البارزة في طليعة الكتائب العراقية التي تأسست برعاية إيرانية في مرحلة ما قبل سقوط النظام العراقي عام 2003، وصعد لاحقاً في قيادة ميليشيا "حزب الله العراق" التي مارست أدواراً متعددة في المشهد الأمني العراقي خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.  

دلالات عديدة:

حسب السيرة الذاتية لـ"أبو فدك"، المعروف أيضاً بـ"الخال"، فقد كان مقرباً من سليماني، حيث ظهر الأخير في إحدى الصور وهو يقبل رأسه في لقطة دالة على الدور والمكانة التي كان يحظى بها بالنسبة لإيران بشكل عام والحرس الثوري و"فيلق القدس" على وجه الخصوص، وهو ما يطرح العديد من الدلالات حول تعيينه خلفاً للمهندس، تتمثل في: 

1-رسائل داخلية: كانت كافة الاتجاهات ترجح تولي هادى العامري رئيس تحالف "الفتح" وقائد "فيلق بدر"، المقرب من المنهدس، منصبه، وتعزز ذلك لدى إعلان الناطق العسكري باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية اللواء عبد الكريم خلف بأن "العامري هو المرشح لخلافة المهندس"، الأمر الذي يكشف عن أن إيران هى من يملك هذا القرار بالدرجة الأولى، وليس "الحشد" أو المؤسسة العسكرية. واللافت في هذا السياق، هو ما كشفت عنه أربع فصائل منضوية تحت مظلة "الحشد" (فرقة العباس القتالية - لواء علي الأكبر - فرقة الإمام علي- لواء أنصار المرجعية)، مطلع الأسبوع الجاري، من أنها لم تعلم بقرار التعيين الذي اعتبرته "تجاوزاً"، على نحو يشير بدوره إلى عدة نقاط في هذا الصدد منها، المخالفة القانونية في طريقة التعيين، واستبعادها من دائرة اتخاذ القرار داخل "الحشد"، وولاءها للمرجعية العراقية (ممثلة في السيستاني)، في مقابل ولاء "حزب الله العراق" لمرجعية قم.

2- حسابات طهران: لا يوجد شرط إجرائي أو تقليد يوضح أن هناك توارثاً أو محاصصة في المواقع، أو يفرض تعيين خليفة المهندس من الدائرة نفسها. ومع ذلك، كان هناك حرص على تصعيد "أبو فدك"، القيادي في كتائب "حزب الله العراق" التي أسسها المهندس قبل تكوين "الحشد" بـ7 سنوات، بعد الانفصال عن ميليشيا "بدر" التي يقودها العامري المقرب من إيران أيضاً، بما يلقي الضوء على حسابات إيران، التي يتصدرها الولاء للمرجعية في قم، ودرجة القرب من خط أو مسار سليماني في العراق وسوريا.

3- مواصلة المواجهات: يعتبر "أبو فدك"، وفقاً لتقارير مختلفة، من أكثر الشخصيات الأمنية والاستخباراتية التي قادت المواجهات ضد الوجود الأمريكي في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين، بالنظر إلى العداء المتصاعد بين كتائب "حزب الله العراق" والولايات المتحدة، حيث أُدرِجت الأولى على قائمة العقوبات الأمريكية منذ عام 2009، كما قصفت القوات الأمريكية معسكراتها في العراق وسوريا في نهاية ديسمبر الماضي رداً على قيامها بمهاجمة قاعدة "K1" الأمريكية قرب كركوك، وبالتالي فتعيينه يأتي في إطار استمرار المواجهة مع الولايات المتحدة ومحاولة رفع كلفة مقتل سليماني. 

متغير رئيسي: 

تتوقع اتجاهات عديدة أن تنعكس طريقة اختيار "أبو فدك" على البنية التنظيمية لـ"الحشد الشعبي"، لاسيما أن تعزيز نفوذ "حزب الله العراق" قد يؤدي إلى إضعاف مستوى التنسيق داخل "الحشد"، وربما تصدعه. ومع ذلك، فإن النفوذ الإيراني سوف يفرض تأثيره بما يساهم في ضبط حدود الترتيبات التنظيمية داخل "الحشد"، وبما قد يخالف التوقعات السابقة.

فرغم أن إيران لا تبدو معنية، بشكل كبير، بالعملية التنظيمية والهيكلية التي تجري على المستوى الحكومي، على غرار مشروع إعادة هيكلة "الحشد" الذي تم إقراره، بل إنها ربما تدعمها، باعتبار أنها يمكن أن ترفع عنها عبء تمويل كافة التنظيمات التابعة لـ"الحشد"، إلا أن ذلك لا ينفي أنها ستسارع إلى احتواء التصدعات المؤثرة التي يمكن أن تؤدي إلى حدوث انشقاقات في كيان "الحشد". وحتى في حالة انسحاب بعض الكيانات، فمن المتصور أن ذلك لن يفرض ضغوطاً قوية على إيران، بل على العكس قد يحقق لها أهدافاً تكتيكية خلال المرحلة المقبلة، مع تعدد الأدوار والمهام التي تسعى إليها من خلال الوكلاء، بما لا يشترط الوحدة الهيكلية التي تعني الحكومة العراقية في المقام الأول.   

فضلاً عن ذلك، لا يوجد خلاف على تعيين "أبو فدك" لدى الفصائل الرئيسية التي تمارس دوراً بارزاً في المشهد العراقي، ولا تتوقع اتجاهات مختلفة أن يعلن العامري عدم التزامه بالقرار، وهو الموقف نفسه بالنسبة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، رغم أن تقديرات عديدة اعتبرت أن هذا القرار يمثل استفزازاً له، حيث أنه كان حريصاً من البداية على الاحتفاظ بمسافة عن "الحشد" بما يقلص من تأثير هذه الخطوة على العلاقة بين الطرفين. 

لكن في المقابل، ثمة تداعيات قد يكون من الصعب احتوائها، منها، على سبيل المثال، موقف قوى الحراك السياسي في العراق والتي تبدي تحفظات على العلاقة القوية بين "أبو فدك" وإيران، فضلاً عن أن بعضها يتهمه بأنه مسئول عن المواجهات العنيفة التي وقعت في عدد من الساحات خلال الفترة الماضية.

وفي النهاية، يمكن القول إن تعيين "أبو فدك" يوحي بأن إيران ما زالت حريصة على تعزيز نفوذها في العراق وإدارة العلاقات بين القوى والتنظيمات المسلحة المختلفة، على نحو يدعم من احتمالات مواصة التصعيد مع الولايات المتحدة خلال المرحلة القادمة.