تحالف الثمانية:

هل تظهر نسخة جديدة من "الحشد الشعبي" في العراق؟

02 October 2019


في أول رد فعل على عملية إعادة هيكلة "الحشد الشعبي" وفقًا للأمر الديواني الصادر في 21 سبتمبر 2019، اتجهت بعض الكتل الأكثر قربًا من إيران إلى تشكيل مجلس تنسيقي منفصل عن هيئة "الحشد" الرسمية، وتكوين ما يمكن تسميته بـ"الحشد الانفصالي" أو "المستقل"، وهو أمر كان متوقعًا في ظل العديد من المؤشرات التي ظهرت في المرحلة السابقة على صدور الأمر، لعل أبرزها رفض قادة تلك الفصائل لفكرة التبعية الحكومية، فضلاً عن خلافاتهم السياسية مع رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي. ومن المتوقع أن يثير هذا التوجه أزمة على الساحة العراقية، وربما يفرض تحديًا أمام مساعي الحكومة للسيطرة على الكيانات شبه العسكرية في المرحلة القادمة. 

تنسيق مستمر:

وفقًا لما أشارت إليه تقارير عديدة، فإن المجلس التنسيقي للكتل الانفصالية عن "الحشد الحكومي"، أو التي تطلق على نفسها كتل "المقاومة الإسلامية"، سيضم ميليشيات "عصائب أهل الحق" و"حركة النجباء" و"كتائب سيد الشهداء" و"ميليشيا حزب الله" و"كتائب الإمام علي" و"سرايا الخراساني" و"حركة الأبدال" و"كتائب جند الإمام". ومن المتوقع، بحسب تسريبات عديدة، أن يكون لأبو مهدي المهندس، الذي كان قد جرى إلغاء منصبه كنائب لرئيس الهيئة دور في التشكيل الجديد، كما سيضم قيس الخزعلي زعيم ميليشيا "العصائب" وأكرم الكعبي المرجع الديني لحركة "النجباء" وأبو آلاء الولائي قائد ميليشيا "سيد الشهداء" وعلى الياسري زعيم "سرايا الخراساني" وأبو أكرم الماجدي قائد ميليشيا "حركة الأبدال". ووفق بعض التقديرات المحلية، فإن إجمالي المنتسبين لهذه الميليشيات يصل إلى نحو 65 ألف عنصر، وهى المجموعة التي لم تسجل بالأساس أوراقها في الديوان الحكومي للانضواء تحت لواء "الحشد"، في مقابل نحو 115 ألف انضموا، وبالتالي فإن قوامها يصل إلى النصف تقريبًا. 

وتشير مواقف هذه الفصائل إلى أنها الأكثر اقترابًا من سياسة إيران، لا سيما أنها كانت في صدارة الأطراف التي أعلنت المواجهة مع الولايات المتحدة منذ بداية العام مع اتجاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى نقل القوات الأمريكية للعراق لمراقبة إيران، كما عملت كتلها السياسية في البرلمان على الدفع باتخاذ قرار لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي، لكنها لم تتمكن في ظل افتقادها للأغلبية البرلمانية. ومع ذلك فإنها جددت موقفها على خلفية التوتر الأخير بين إيران والولايات المتحدة.

ومن اللافت أيضًا أن معظم معسكرات هذه الفصائل تعرضت للاستهداف من الخارج وسط شكوك حول قيام إسرائيل بتوجيه تلك الضربات، لكنها حمّلت المسئولية للولايات المتحدة، وتبنت قرار تأسيس القوة الجوية الذي رفضته الحكومة وقائد "الحشد" فالح الفياض، وأيدت كذلك فتوى المرجع الشيعي كاظم الحائري المقيم في قم بمواجهة القوات الأمريكية في العراق.

ويعكس السياق السابق دلالات عديدة يتمثل أهمها في أن هناك عملية فرز تجري داخل كتل "الحشد"، بحيث يتم انتقاء الكتل الأكثر قربًا من إيران للاستمرار في  ممارسة الأدوار التقليدية في إطار تحتفظ من خلاله بمساحة من حرية الحركة بعيدًا عن الالتزام بالسياسة الرسمية. أما الكتل الأخرى، وأغلبها من التيار الصدري، فهى الكتل التي تريد الانضواء تحت المظلة الحكومية وممارسة دورها الوظيفي في إطار المؤسسة الأمنية، على نحو يعني في الوقت ذاته أن إيران تسعى إلى تعزيز دور حلفائها في العراق.

إشارات متضاربة:

رغم أن الإشارات التي وجهها القرار الحكومي الذي أصدره عادل عبد المهدي بشأن إعادة هيكلة "الحشد" يصب في اتجاه إخضاع الميليشيات للقرار السياسي العراقي ومحاولة إبعادها عن سياق التصعيد بين إيران والولايات المتحدة، وهو ما منح المشروع طابع الجدية على نحو بدا جليًا مع إلغاء منصب أبو مهدى المهندس كنائب لرئيس هيئة "الحشد" في التشكيل الجديد، إلا أن غياب رد فعل الحكومة، على الأقل حتى الآن، إزاء التحركات الجديدة التي قامت بها تلك الميليشيات، رغم وجود مؤشرات سابقة كانت توحي بذلك، يشير إلى أن الجهود التي تبذلها الحكومة لتنفيذ سياستها تواجه تحديات لا تبدو هينة في الوقت الحالي، لا سيما في ظل إصرار بعض تلك الميليشيات على ممارسة أدوار خارج سيطرة الدولة.

فضلاً عن أن صدور قرارات حكومية لاحقة، في اتجاهات أخرى، فرضت تساؤلات عن المسارات التي سوف تتجه إليها السياسة الحكومية فيما يتعلق بهذه القضية تحديدًا، على غرار القرار الذي اتخذ بنقل قائد قوات مكافحة الإرهاب الفريق عبدالوهاب الساعدي إلى دائرة الإمرة بوزارة الدفاع، والذي فسرته اتجاهات مختلفة بأنه خطوة تهدف إلى تعيين شخصية تتبنى توجهات لا تبدو بعيدة عن أهداف تلك الميليشيات، خاصة أن الساعدي سبق أن اتخذ إجراءات مناهضة لأدوار "الحشد" في الداخل والخارج.

إلى جانب ذلك، لم يكن هناك تصور واضح في الأمر الديواني يجيب على العديد من التساؤلات الخاصة بالموقف من سلاح الميليشيات القريبة من إيران، لا سيما مخازن الصواريخ، والسياسة التي ستتبع تجاه الميليشيات التي تمارس مهام في الخارج، خاصة في سوريا، حتى وإن تقلص حجمها، فضلاً عن الخيارات المطروحة في التعامل مع تطورات طارئة مثل نشوب خلافات بين رؤية المرجعية الدينية والقرارات السياسية للحكومة. والأهم من كل ما سبق، حسب اتجاهات عديدة، هو أن الحكومة العراقية ليس لديها قوانين تلغي وجود الميليشيات في العراق، ولا يرجح أن يكون لدى الحكومة الحالية أو الحكومات التالية صلاحيات لتنفيذ ذلك. 

إجمالاً، يبدو أن العراق مقبلة على مرحلة جديدة سوف تسعى فيها الميليشيات المسلحة إلى ممارسة أدوار أكبر وأكثر تأثيرًا من المهام التي تقوم بها في الوقت الحالي، على نحو سوف يفرض تداعيات داخلية وإقليمية لا يمكن تجاهلها، خاصة فيما يتعلق بجهود الحكومة لتكريس سيطرتها على القرارين السياسي والأمني، والموقف من التصعيد الحالي بين إيران والولايات المتحدة، والذي قد تنتقل ارتداداته بشكل أكبر داخل العراق خلال الفترة القادمة.