أزمات بلا حلول:

لماذا تراجعت فعالية مجموعة العشرين في النظام العالمي؟

07 July 2019


اكتسبت النسخة الأخيرة من قمة العشرين التي عُقدت بمدينة أوساكا اليابانية، في الفترة من 28 إلى 29 يونيو 2019، أهمية خاصة، بسبب الأجواء المتوترة التي عقدت في سياقها القمة، مع تصاعد حدة التوتر بين واشنطن وطهران، والحرب التجارية بين بكين وواشنطن، والخلافات الأمريكية-التركية بعد عقد أنقرة صفقةً مع روسيا لشراء "إس400-"، فضلًا عن الخلافات المتعلقة بانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق، عقدت الدورة 14 من قمة مجموعة العشرين التي تُعد محفلًا دوليًّا مهمًّا أنشئ في عام 1999 على خلفية الأزمات المالية العالمية لبحث العديد من الملفات للمجتمع الدولي بأسره، وذلك عبر اجتماع قادة القوى الاقتصادية الكبرى في العالم، مع بعض قادة الدول الأخرى الذين تتم دعوتهم لحضور القمة، فضلًا عن ممثلي عددٍ من المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بتلك الملفات (خاصة صندوق النقد والبنك الدوليين). وربما تتبدى أهمية هذه الفعالية بالنظر إلى قائمة الدول المنضمة إليها، حيث تضم 19 دولة، بالإضافة لرئاسة الاتحاد الأوروبي، ليصبح عدد الأعضاء 20.

سياقات متوترة:

انخفض سقف توقعات المراقبين من النتائج التي يمكن أن تتمخض عنها قمة أوساكا بسبب حالة الاحتقان والتوتر التي سادت الأجواء بين الفاعلين الرئيسيين قبيل انعقاد القمة، على نحو قلل من احتمالات التوصل إلى تفاهمات بشأن هذه القضايا الخلافية، التي انعكست في العديد من الملامح.

فعلى الصعيد السياسي مثلًا، تأتي الخلافات المتعلقة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لتضع العديد من علامات الاستفهام حول قدرة الاتحاد على تنسيق تفاعلاته على الساحة العالمية. ومن ناحية أخرى، هناك تنامي حدة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وعدم القدرة على التوصل لاتفاق بين طهران وواشنطن يكون بديلًا للاتفاق النووي الإيراني بعدما اعتبرت إدارة الرئيس الأمريكي ترامب أن الاتفاق مليء بالثغرات، ويسمح لإيران بأن تحصل على أموال وموارد لأنشطتها الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط. ومن ناحية ثالثة، يتأجج التوتر بين واشنطن وتركيا (البلد العضو في حلف الناتو)، بسبب نظام الدفاع الصاروخي الروسي "إس 400" الذي اشترته أنقرة من موسكو، حيث ترى واشنطن أن نظام الدفاع الصاروخي الروسي غير متوافق مع شبكة دفاع حلف شمال الأطلسي، ويشكل تهديدًا لطائرات إف-35 التي تعتزم تركيا شراءها أيضًا، وتتخوف أنقرة من إمكانية أن تفرض واشنطن عليها عقوبات. 

أما على الجانب الاقتصادي، فكانت هناك العديد من الملفات الشائكة التي تخص النمو الاقتصادي العالمي وتخص آلية التجارة العالمية، كان من أهمها الحرب التجارية بين بكين وواشنطن والتي تبلورت مع إخفاق جهود البلدين في التوصل إلى اتفاق تجاري في مايو الماضي، الأمر الذي دفع الخبراء لاستبعاد إمكانية وصول الدولتين لاتفاق خلال قمة العشرين، لا سيما في ظل تصريحات ترامب قبل وصوله إلى اليابان، التي أكد فيها أن اقتصاد الصين ينهار. وقد أثّرت هذه الحرب التجارية على الأسواق العالمية، حيث يرى العديد من المحللين أنها تواجه شبح كساد عالمي جديد، وربما هذا ما دفع "كريستين لاجارد" مدير عام صندوق النقد الدولي للتحذير من أن الاقتصاد العالمي يواجه "موقفًا صعبًا" بسبب النزاعات التجارية، وحثت صناع القرار في مجموعة العشرين على خفض الرسوم الجمركية والعقبات الأخرى أمام التجارة.

قضايا عالقة:

لم تقتصر فعاليات قمة مجموعة العشرين على اللقاءات الجماعية بين الأعضاء والضيوف المدعوين، بل شملت كذلك العديد من اللقاءات الثنائية المهمة التي لعبت دورًا مهمًّا في التمهيد لاتفاقات وتفاهمات لاحقة. ومن الجدير بالذكر أن جدول أعمال القمة شمل عددًا من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كان من بينها الطاقة والبيئة والمناخ والاقتصاد الرقمي والتجارة والزراعة والرعاية الصحية والتعليم والعمل. ويمكن من خلال متابعة مجريات القمة والقضايا التي طرحت على جدول أعمال القمة القول إن هناك مجموعة من القضايا ظلت عالقة وما تزال تبحث عن حل على الرغم من مناقشتها خلال فعاليات قمة أوساكا. 

ومن أهم تلك القضايا، تلك التي تتميز بطابع اقتصادي عالمي، لا سيما التنمية المستدامة للاقتصاد العالمي، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحد من مخاطر التقلبات الاقتصادية، خاصة وأن مجموعة العشرين حددت عددًا من التحديات الرئيسية هي: العولمة، وظاهرة تقدم السكان في السن، والتحولات التكنولوجية السريعة وما يرتبط بها من تغيرات، فضلًا عن الحاجة لتنسيق المواقف بشأن الضرائب التي يتم فرضها على الخدمات والتجارة العالمية، وذلك حسبما تمت الإشارة إليه خلال القمة. 

وعلى الرغم من قيام مجموعة العشرين بالتحذير من تنامي المخاطر التي تحيط بالاقتصاد العالمي والاعتراف بأن النمو الاقتصادي العالمي لا يزال ضعيفًا، وأن الاحتمالات تتجه للأسوأ مع تصاعد التوترات التجارية والجيوسياسية، فإن القمة تجنبت الإشارة لإدانة الحماية التجارية، واكتفت بالدعوة لمناخ تجاري حر ونزيه، وهو ما يعد طبيعيًّا بعد محادثات وصفها عدد من الأعضاء في المجموعة بأنها معقدة وصعبة، وقد حاولت اليابان التي تستضيف الاجتماع إيجاد أرضية مشتركة بين الولايات المتحدة التي تعارض التنديد بالحماية التجارية والدول الأخرى التي تسعى للتحذير من تداعياتها وما تسببه من مخاطر للاقتصاد العالمي. 

كما كان الملف البيئي كذلك من القضايا التي ظلت عالقة بعد قمة أوساكا. فعلى الرغم من أن دول مجموعة العشرين أكدت التزامها بالتطبيق الكامل للاتفاق الموقع عام 2015 في باريس لمكافحة الاحتباس الحراري، إلا أنهم لم يتمكنوا من إيجاد صيغة توافقية مع واشنطن التي انسحبت منه عام 2017، لتظل صيغة 19+1 هي الحاكمة لموقف المجموعة من اتفاق باريس حول المناخ. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاتفاق جاء بعد مفاوضات طويلة وشاقة بسبب محاولة واشنطن عرقلة الإعلان الذي اتخذ شكلًا مماثلًا لإعلاني القمتين السابقتين. 

وفي السياق ذاته، تندرج العلاقات الأمريكية-التركية على قائمة القضايا التي لم تفلح قمة أوساكا في إيجاد حل لها، فرغم اللقاء الذي جمع الرئيسين الأمريكي "ترامب" والتركي "أردوغان"، لم يتم إنهاء الخلاف، إذ أعلن الرئيس التركي "أردوغان" أن بلاده لن تتراجع عن صفقة الأسلحة المثيرة للجدل، وتتوقع التسليم في التوقيت المتفق عليه.

نجاحات محدودة:

من ناحية ثانية، تمخضت قمة أوساكا عن عدد من القضايا التي شهدت انفراجات غير متوقعة، وإن كانت محدودة الطابع، كان من أبرزها الاتفاق الذي توصلت عبره الولايات المتحدة والصين لاستئناف المحادثات التجارية بينهما، وذلك بعد اجتماع ثنائي بين الرئيسين الأمريكي والصيني وصف بأنه جاء كأفضل ما يمكن، حيث اتفق الجانبان الأمريكي والصيني على عدم زيادة التعريفات الجمركية على أي من سلع البلدين في الوقت الحالي. كما أشار "ترامب" إلى أنه سوف يلغي الحظر المفروض على بيع المعدات الأمريكية لشركة "هواوي" الصينية.

ونجحت القمة كذلك في الحفاظ على متوسط سعر للبترول، وهو الطلب الذي نادت به روسيا قبل القمة، فكما توقع "ألكسندر نوفاك" (وزير الطاقة الروسي) ساهمت اجتماعات قمة العشرين في توفير مزيد من الدعم لمنظمة أوبك فيما يتعلق بتمديد اتفاق خفض الإنتاج الذي أعلنته أوبك وحلفاؤها منذ مطلع العام الجاري وحتى نهاية يونيو، وذلك بمقدار 1.2 مليون برميل يوميًّا، وذلك بعد التراجع الحاد في الأسعار في نهاية عام 2018. وقد دعمت قمة أوساكا هذا التوجه انطلاقًا من أن سوق النفط يتسم بقدر كبير من عدم اليقين، وإن كان يبدو متوازنًا من ناحية العرض والطلب. 

وفي الملف السوري، بدا التعاون والتنسيق الأمريكي الروسي أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، وفقًا لما أعلنه الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين". ففي هذا الإطار، أشار "بوتين" إلى أنه تم إبلاغ نظيره الأمريكي بالإجراءات التي اتخذتها بلاده في سوريا، مؤكدًا أن البلدين على اتصال جيد فيما يتعلق بسوريا. 

ختامًا، يمكن القول إن نتائج قمة أوساكا قد أصابت الكثير من المعنيين بالشأن الدولي بالإحباط حول مستقبل مجوعة العشرين كآلية هدفها تقديم حلول للأزمات العالمية، لا سيما مع الإخفاق في التوصل لاتفاق حول قضايا التجارة والمناخ والسياسات الحمائية، على نحو دفع الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" للقول إن مجموعة العشرين باتت اليوم أقرب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تسمح لصانعي القرار بالالتقاء في اجتماعات ثنائية وتبادل وجهات النظر حول الملفات الهامة. 

ومن الجدير بالذكر أنه قد تقرر أن تستضيف المملكة العربية السعودية الدورة الخامسة عشرة لاجتماعات قمة قادة مجموعة العشرين خلال نوفمبر 2020، على أمل أن تصبح الدورات القادمة أكثر فعالية وتأثيرًا.