تحركات متواصلة:

كيف يحاول "داعش" تجنيد الشباب في أفغانستان؟

10 April 2019


يسعى تنظيم "ولاية خراسان"، التابع لتنظيم "داعش" في أفغانستان، إلى توسيع نطاق نفوذه في البلاد، عبر تجنيد عناصر جديدة من الشباب، بعد أن تمكن في الفترة الماضية من استقطاب بعض مقاتلي حركة "طالبان"، التي تعد المنافس الأكبر له في أفغانستان، على نحو فرض ضغوطًا قوية على الحركة، وهو ما انعكس في إعلان السلطات الأفغانية، في 4 إبريل 2019، عن اعتقالها 6 أشخاص ممن يشتبه بأنهم أعضاء في "داعش" استخداموا مئات الحسابات المزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك" و"تويتر" و"انستغرام" و"تليجرام"، من أجل تجنيد مقاتلين جدد لصالح التنظيم، عبر الترويج لأفكاره وأهدافه الإرهابية.

تنظيمات جوَّالة:

يتركز مقاتلوا تنظيم "ولاية خراسان"، بشكل عام، في المنطقة الواقعة بين أفغانستان وباكستان، منذ أن أعلن عن تأسيسه في 26 يناير 2015، وقد تمكن عند تأسيسه من جذب عدة مجموعات مقاتلة منشقة عن حركة "طالبان"، مثلت قوامه الرئيسي، إلى جانب بعض المجموعات الأخرى، على غرار حركة "أوزبكستان الإسلامية"، التي كانت تضم مقاتلين من دول آسيا الوسطى والقوقاز.

ووفقًا لتقديرات عديدة، يتراوح عدد عناصر تنظيم "ولاية خراسان" ما بين  2000 إلى 3000 مقاتل، ورغم أن ذلك العدد ليس كبيرًا، لا سيما عند مقارنته بعدد عناصر حركة "طالبان"، إلا أنهم يمتلكون خبرة قتالية اكتسبوها من داخل الحركة، كما أن التنظيم يضم بين صفوفه مجموعة من المقاتلين الأجانب من منطقة آسيا الوسطى كانت لديها تجارب سابقة في تنفيذ العمليات الإرهابية، على نحو يزيد من قدرة التنظيم على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية، ولا سيما الهجمات الانتحارية، على غرار الهجوم الذي شنه، في 6 مارس 2019، في إقليم ننجارهار، وأسفر عن مقتل 16 شخصًا.  

لكن انخراط التنظيم في عمليات إرهابية متعددة زاد من خسائره البشرية، خاصة في ضوء اتساع نطاق خصومه داخل أفغانستان، على نحو دفعه إلى محاولة استقطاب عناصر جديدة، لا سيما من طلاب المدارس الدينية في المناطق التي يتواجد فيها، وقد حاول استغلال انتشار الأفكار المتطرفة في بعض المناطق، التي تحولت إلى بيئة فكرية حاضنة، وحتى المناطق التى لم يتمكن من تعزيز نشاطه فيها بشكل كبير، مثل ولايات هلمند وفراه، توجد مجموعات تابعه له فيها، وهو ما يمكنه من زيادة أعداد العناصر والكوادر التي تنضم إليه باستمرار.

آليات عديدة:

إلى جانب اعتماد "ولاية خراسان" على مواقع التواصل الاجتماعي لجذب عناصر جديدة من الشباب المتطرف، عبر الترويج لأفكاره وتوجهاته الأيديولوجية، فإن التنظيم يتبنى مجموعة أخرى من الآليات لتحقيق الهدف نفسه، يتمثل أبرزها في:

1- وسائل غير تقليدية: يحاول التنظيم أن يتبع ما كان يقوم به التنظيم الرئيسي في العراق وسوريا، قبل انهياره تنظيميًا بشكل كامل في الفترة الماضية، عبر تبني أساليب دعوية غير تقليدية، مثل  "الإذاعات المحلية"، التي تركز دعايتها على إقامة ما يسمى بـ"الخلافة الإسلامية". وقد تمكن "ولاية خراسان" بالفعل من إنشاء "إذاعة الخلافة"، التي كانت تبث بالأساس بالعربية والبشتونية ثم أضيفت إليها الفارسية والأردية. ورغم أن المقاتلات الأمريكية دمرتها خلال هجمات شنتها في يوليو 2016، إلا أنه تمكن من إنشاء ترددات جديدة في المناطق الشرقية والحدودية مع باكستان، يبث عبرها مواد دعائية، مثل التسجيلات المرئية والخطابات، باللغات المحلية.

2- التحفيز المادي: سعى التنظيم إلى استغلال الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تواجهها البلاد، خاصة بين قطاعات الشباب، الذين يعانون من ارتفاع مستوى البطالة، من أجل دفع عدد منهم للانضمام إليه، وذلك عبر عرض مبالغ مالية عليهم، وهو ما كشفت عنه السلطات الأفغانية، في أكتوبر 2016، بعد اعتقال مسئول تجنيد الشباب في صفوف تنظيم "داعش"، حيث كان يقوم بمحاولة دفعهم للانضمام إلى صفوف التنظيم مقابل دفع مبلغ 478 دولار.

3- استغلال الانقسامات: لم يكن لتنظيم "داعش" أن يتمكن من تجنيد تلك الأعداد من المقاتلين المحترفين من أصحاب الأفكار المتطرفة، خاصة من عناصر حركة "طالبان"، لولا الانقسامات التي نشبت داخل الحركة وأدت إلى خروج أعداد كبيرة من أعضائها انضموا فيما بعد إلى "ولاية خراسان"، نظرًا لأنهم كانوا يبحثون عن البديل الأكثر تشددًا، في رؤيتهم، وهو ما جعل التنظيم يعمل على تعميق هذا الانقسام، حتى يتمكن من جذب مجموعات أخرى من عناصر الحركة، على نحو انعكس في ما جاء  في العدد 137 من مجلة "النبأ" "الداعشية"، في يونيو 2018، والذي هاجم فيه الحركة واتهمها بـ"الضلال والابتعاد عن طريق الشريعة"، لقبولها إجراء مفاوضات والتواصل من القوى الدولية، حيث دعا عناصرها إلى الانضمام لـ"ولاية خراسان".

4- الاستقطاب بالهجرة: حاول تنظيم "داعش"، قبل الهزائم العسكرية التي تعرض لها في كل من العراق وسوريا، جذب عناصر جديدة إلى صفوفه، عبر الدعوة إلى "الهجرة إلى أرض الخلافة"، وهو ما كشف عنه فى إصدار مرئي سابق حمل عنوان  "الحياة في ظل الشريعة"، سعى من خلاله إلى إظهار قوته ونفوذه في المناطق التي يسيطر عليها في الدولتين، وكيفية إدارته لشئون تلك المناطق، والخدمات التي يقدمها للسكان المحليين والأحكام التي يطبقها عليهم، فضلاً عن نظام التعليم الديني الذي يتبعه فيها. ويبدو أن ذلك دفع عناصر أفغانية عديدة إلى الانضمام إليه في كل من سوريا والعراق، وهو ما أشار إليه سفير أفغانستان لدى بريطانيا سعيد جواد بقوله، في 5 أغسطس 2018، أن "أفغانستان صارت قاعدة جديدة لداعش بعد هزيمته في العراق وسوريا". ويبدو أنه سعى إلى استغلال ذلك، من أجل دفع تلك العناصر إلى العودة مجددًا لأفغانستان من أجل تعزيز نشاط تنظيم "ولاية خراسان" فيها.

وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن استمرار محاولات تنظيم "ولاية خراسان" لاستقطاب عناصر جديدة من داخل أفغانستان من أجل الانضمام إليه سوف يفرض تداعيات سلبية عديدة على الأمن والاستقرار داخل أفغانستان، التي تبدو مقبلة على استحقاقات سياسية وأمنية لا تبدو هينة خلال المرحلة القادمة.