شبكات الوكلاء:

هل تفلح عقوبات واشنطن في منع تمدد حزب الله في العراق؟

27 November 2018


تَصَاعَدَ استخدام الولايات المتحدة للعقوبات في سياستها الخارجية تجاه الشرق الأوسط، وفي هذا الإطار قامت واشنطن بفرض مجموعة من العقوبات على بعض الشخصيات العراقية المرتبطة بحزب الله في نوفمبر 2018، وقد كشفت هذه العقوبات عن تصاعد تأثير نفوذ "حزب الله" في العراق، وتزايد استثماراته المالية هناك، وتمكّنه من تكوين شبكة من المنتفعين.

تمدد "حزب الله":

فرضت الولايات المتحدة في نوفمبر 2018 عقوبات ثانوية على أربعة أشخاص في العراق على صلة بجماعة "حزب الله" اللبنانية، وهم: شبل محسن عبيد الزيدي، ويوسف هاشم، وعدنان حسين كوثراني، ومحمد عبدالهادي فرحات، حيث يقومون بتنسيق أنشطة الجماعة المدعومة من إيران في العراق، وقد ذكر بيان وزارة الخزانة الأمريكية أن الأربعة "يقودون وينسقون أنشطة (حزب الله) على مستوى العمليات والمعلومات والتمويل في العراق"، فعلى سبيل يقوم أحدهم بتهريب النفط من إيران، ومن إيران إلى سوريا، وبجمع تبرعات لحزب الله، وإرسال مقاتلين إلى سوريا لصالح الحرس الثوري الإيراني.

وتأتي هذه العقوبات بعدما قامت الولايات المتحدة بإقرار تعديلات على قانون منع التمويل الدولي لحزب الله الصادر في عام 2015، وعلى الرغم من ارتباط بعض الأحزاب في المنطقة بعلاقات سياسية مع أحزاب أخرى، لا سيما تلك التي تتبنى اتجاهًا قوميًّا، إلا أن هذه الارتباطات ظلت رمزية ولم يجرؤ أحد من هذه الأحزاب على العمل خارج إطاره الوطني مثلما يفعل "حزب الله"، وفي هذا الإطار يمكن القول إن التمدد الإقليمي لحزب الله مر بعدة مراحل، ويبدو أن هذا الدور الإقليمي للحزب تم التخطيط له من بداية إنشائه في الثمانينيات.

فعلى النقيض من الأحزاب المحلية التقليدية، لم يتأسس "حزب الله" استجابة لتحول محلي أو إقليمي أو دولي، حيث تؤكد العديد من التقارير الصحفية أن "حزب الله" تأسس بدعم كامل من إيران، وهو ما يؤكده السفير الإيراني الأسبق في سوريا "علي أكبر مُحتشمي" في العديد من المقابلات الصحفية، حيث أكد أنه كان مكلفًا من قِبل رأس الحُكم في بِلاده بتشكيل هذا الحزب في لبنان، وهو ما أكدته أيضًا بعض الوثائق التي قام الباحث اللبناني "وضاح شرارة" بجمعها ووضعها في كتابه "دولة حزب الله"، وقد خاضت إيران العديد من المفاوضات مع حليفتها الاستراتيجية سوريا من أجل هذا الحزب، حيث كانت دمشق ترى أن هذا الحزب سينافس حركة أمل التي كانت تعتمد عليها سوريا كأداة لتثبيت نفوذها في لبنان. ومن ثم يمكن القول إن تأسيس الحزب جاء ليحقق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية لإيران في المنطقة.

وبعد تحرر جنوب لبنان، بدأ "حزب الله" يسعى لتوسيع نطاق تحركاته بشكل واضح، وزاد هذا التمدد بعد موجة الاحتجاجات العربية التي شهدتها المنطقة عام 2011، وقد ساعده في هذا تراجع الأوضاع الأمنية في بعض دول المنطقة، وهو الأمر الذي سمح لحزب الله بأن يستغل ذلك ويُنشئ شبكات تابعة له في تلك المناطق الهشة، لا سيما في سوريا التي انعكست الأوضاع فيها بالسلب على العراق، وهو ما سمح للحزب بأن يقوم بتوسيع نفوذه في هذه الدول ويصعّد من نشاطه العسكري تحت دعوى محاربة التنظيمات المتشددة، وساعده في ذلك التنسيق بين روسيا وإيران (الحليف التقليدي للحزب)، في مقابل تراجع الاستراتيجية الأمريكية الانخراطية في المنطقة.

مؤشرات الانتشار:

يتمتع "حزب الله" بوضع استثنائي في الداخل العراقي بداية من عام 2003، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى أبرز مؤشرات الانتشار في الداخل العراقي وذلك فيما يلي: 

1- الاستثمارات المالية: يقوم "حزب الله" بالتعاون مع بعض رجال الأعمال الذين لا يحمل ضدهم أي شكوك، ويقوم بإسناد بعض المشاريع الاقتصادية لهم، ويلاحظ أن أغلب هذه المشاريع يتم نقل ملكيتها من شخص إلى آخر، وقد أشارت بعض التقارير الصحفية إلى أن "حزب الله" قد تمكن بمعاونة بعض رجال الأعمال من السيطرة على عقود استثمار وتنمية ضخمة ضمن خطة بغداد 2016، شملت مشاريع إعمار وعقود تجهيز دوائر ومؤسسات وتراخيص في القطاع السياحي، وعقود تجهيز مواد غذائية، ولا توجد أرقام محددة لحجم هذه الاستثمارات. كما ترتبط بعض الفنادق الكبرى في العراق بالحزب، وعادة ما تعقد في هذه الفنادق اجتماعات دورية لبعض الشخصيات السورية المرتبطة بنظام الأسد، كما استثنيت هذه الفنادق من عدة قرارات مثل تقديم قاعدة بيانات النزلاء بشكل دوري إلى قيادات عمليات بغداد، بالإضافة إلى وجود تقارير تفيد بوجود علاقة بين "حزب الله" وبعض شركات السياحة التي تجري رحلات بين بغداد ودمشق وبيروت وطهران، وبعض شركات التحويل المالية التي باتت الشركات الكبرى الموثوق بها.

وفي هذا الإطار، قامت الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات في فبراير 2018 على رجل الأعمال اللبناني "أدهم طباجة" بصفته عضوًا وممولًا لحزب الله، حيث يمتلك معظم أسهم شركة مجموعة الإنماء التي تعمل في مجالات العقارات والمقاولات، ولها عدة فروع في لبنان والعراق، كما أنه يعمل في مجال النفط بالعراق، وقد سبق له بالدخول في عدد من المناقصات الضخمة في هذا المجال.

2- اختراق مؤسسات الدولة: تمكن "حزب الله" عبر الاستثمار في العراق من تأسيس شبكات من المستفيدين منه يعملون على تحقيق مصالحه، حيث يقومون في بعض الأحيان بتعيين مسئولين وإداريين في بعض مؤسسات الدولة بهدف الحصول على أوضاع استثنائية في تعاملهم مع هذه المؤسسات العامة التي ساهموا في تعيين بعض موظفيها.

3- الوساطة بين الفرقاء: تزايد تدخل "حزب الله" في العملية السياسية في بغداد، وتشير الصحف العراقية إلى "محمد كوثراني" (القيادي في حزب الله) باعتباره مسئول الملف العراقي في الحزب، حيث أصبح الحزب طرفًا رئيسيًّا في كثير من عمليات المفاوضات بين الأحزاب والميليشيات المتواجدة في العراق. فعلى سبيل المثال، أشارت بعض التسريبات الصحفية إلى أن زيارة "محمد كوثراني" إلى بغداد في مايو 2018 جاءت بهدف رأب الصدع في "الحشد الشعبي" بعد انقسام الحزب لمعسكرين، أحدهما موالٍ لمكتب المرشد الإيراني علي خامنئي، في مقابل فريق يتبع مدرسة المرجع "علي السيستاني" والتيار الصدري، وقد عارض هذا الفريق المشاركة في الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في مايو 2018، حيث تم التدخل للضغط على التيار الصدري، ويمكن القول إن "حزب الله" صار يشغل المساحة التي لا يستطيع مسئول فيلق القدس "قاسم سُليماني" القيام بها، بسبب علاقته المتوترة مع زعيم التيار الصدري "مُقتدى الصدر"، في مقابل تمتع "محمد كوثراني" بعلاقات جيدة مع "مقتدى الصدر".

4- التأثير في الإعلام: يحاول "حزب الله" التأثير في الإعلام العراقي وتوجيه الرأي العام من خلال امتلاكه قناة فضائية كبرى في العراق، ووجود علاقات بينه وبين وكالتين إخباريتين بارزتين هناك، بالإضافة إلى علاقاته مع بعض مراكز البحوث والتدريب الإعلامي.

5- ميليشيا الحشد الشعبي: يرتبط "حزب الله" بعلاقات مع ميليشيا الحشد الشعبي، وهو ما يتضح من تدخله للوساطة بين المتنازعين من الحشد الشعبي، فحزب الله يبدو وكأنه يعمل أيديولوجيًّا وأمنيًّا وسياسيًّا على تحويل هذه التنظيمات لتكون شبيهة بدوره الذي صار يشغله في لبنان.

ختامًا، يمكن القول إن العقوبات الأمريكية التقليدية لم تستطع أن تُحقق أثرًا ملموسًا على نشاط وأفعال "حزب الله" في الماضي، وهو ما ينطبق على العقوبات الجديدة التي يبدو أنها لن تكون مؤثرة على سلوكيات وتوجهات "حزب الله" وذلك لمجموعة من الأسباب يتمثل أهمها في: أن العقوبات المالية تركز على الأذرع المالية للحزب وفي الغالب سيتجه للحزب لتأسيس شبكات ومؤسسات بديلة بالاعتماد على أسماء وشخصيات مختلفة، كما أن هذه العقوبات لم تقع على الشبكات السياسية المتعاونة مع الحزب في الداخل العراقي، وهو ما يعني أن هذه العقوبات توجه لأطراف ثانوية يمكن لحزب الله إكمال نشاطه بدونها. من جانب آخر، ليست هناك متابعة دائمة وحيوية لهذه العقوبات، بالإضافة إلى عدم وجود جهات فاعلة داخل العراق قادرة على ملاحقة قدرات الحزب في الالتفاف على هذه العقوبات.