مكاسب مؤجلة:

دلالات إعادة فتح معبر نصيب - جابر بين سوريا والأردن

13 November 2018


تُعد إعادة فتح معبر نصيب - جابر بين سوريا والأردن تطورًا جوهريًّا في عملية استعادة الاستقرار وإعادة بناء الدولة في سوريا، إذ إن فتح المعبر يتضمن دلالات مهمة حول تمكن النظام السوري، بدعم عسكري من روسيا، من تحقيق الاستقرار والأمن في المناطق الخاضعة لسيطرته، وأن التوازنات السياسية والعسكرية في سوريا باتت تميل لصالحه، بالإضافة إلى تصاعد اتجاهات عودة اللاجئين من الأردن إلى سوريا.

الأهمية الاقتصادية للمعبر:

يُعد معبر نصيب كما يسمى في سوريا، أو معبر جابر في الأردن، المعبر الرئيسي بين 19 معبرًا بريًّا سوريًّا، ويصفه البعض بالمعبر الأهم في الشرق الأوسط، لا سيما وأنه تحاذيه منطقة حرة سورية أردنية مشتركة . أُغلق المعبر عام 2015 بعد أشهر قليلة من إغلاق معبر الجمرك القديم الذي سيطرت عليه المعارضة في 2014. وتمكن الجيش السوري في يوليو الماضي من استعادة السيطرة على معبر نصيب وكامل حدود سوريا مع الأردن .

ويعتبر هذا المعبر شريان التجارة الرئيسي بين الأردن وسوريا ولبنان وتركيا وعدد من الدول الأخرى، ومن ثمّ فقد تضررت خطوط التجارة الإقليمية مع غلقه، وهو ما أسفر عن خسائر فادحة لاقتصادات دول المنطقة. فعلى سبيل المثال، كان المعبر يوفر لخزينة الدولة السورية ملياري دولار سنويًّا من الرسوم الجمركية فقط، كما كانت حركة الصادرات توفر عملة أجنبية للاقتصاد السوري .

كما أن للمعبر أهمية خاصة لدى الأردن، حيث إن إغلاقه أدى إلى إيقاف تجارة الترانزيت التي تمر عبر الأردن. وعليه فإن استئناف الحركة التجارية بين الأردن وسوريا سيحيي العديد من القطاعات الاقتصادية الأردنية، فيما يتوقع أن ترتفع صادرات المنطقة الحرة بالزرقاء بعد فتح المعبر إلى ما يقرب من مليار دينار أردني سنويًّا.

كذلك انعكس إغلاق معبر "نصيب" سلبًا على الاقتصاد اللبناني، وتكبّد المزارع اللبناني خسائر كبيرة، إذ كان يُصدّر أكثر من 70% من منتجاته إلى البلدان العربية عن طريق "نصيب" الذي كان مدخل لبنان الوحيد إلى دول الخليج. كما خسِرت البضائع اللبنانية المصدّرة إلى الخارج جودتها؛ فبعدما كانت تصل إلى دول الاستيراد طازجة في رحلة أقصاها سبعة أيام، صار شحنها عبر البحر يستغرق أحيانًا 20 يومًا .

وإجمالًا، أضعفت الحرب السورية العلاقات التجارية التاريخية في المنطقة، ففقدت تركيا الأسواق الرئيسية التي كانت تخدمها في السابق طرق النقل عبر سوريا، وزاد غياب النقل البري من التكاليف التي جعلت التجارة مع العديد من الأسواق التقليدية غير قادرة على المنافسة، ومن ثمّ يمكن لفتح المعبر أن يقدم للقطاعات الاقتصادية في لبنان وسوريا خطًّا حيويًّا لتصدير المنتجات، كما سيؤمن وسيلة رخيصة للمسافرين برًّا .

تحجيم التهديدات الأمنية: 

بدأت مفاوضات إعادة فتح المعبر خلال العام الماضي 2017، بين النظام السوري والمعارضة والأردن، وقدمت الأطراف المعنية خلالها أطروحات عديدة لفتح المعبر، إلا أنها اصطدمت بالكثير من المعوقات نتيجة تشبث كل طرف بشروطه، بالإضافة إلى عدم وجود نية حقيقية لدى القوى الدولية المعنية بإيجاد حل لهذا الملف بمعزل عن حل ملف الجنوب السوري في إطار تسوية شاملة للأزمة السورية، مما أدى إلى توقف المفاوضات. بيد أن الحديث عن إعادة فتح المعبر الحدودي عاد إلى الواجهة من جديد مع نجاح الجيش السوري في استعادة السيطرة عليه في يوليو الماضي . 

وقد أعلنت وزارة النقل السورية إعادة فتح المعبر، وبدء حركة عبور الشاحنات والترانزيت في 29 سبتمبر 2018 ، إلا أن الأردن نفى ذلك، ومن ثمّ تراجعت سوريا . ويرجع الموقف الأردني إلى تخوفات عمّان الأمنية، ورغبتها في أن تقوم روسيا بتقديم ضمانات تكفل إعادة الاستقرار في منطقة الحدود الجنوبية التي يُخشى انتشار العنف والتطرف منها، ومن ثمّ طلبت عمّان من موسكو ممارسة دور أكبر لحماية اللاجئين الذين يريدون العودة إلى مناطق استعادها النظام السوري، والمساعدة في التصدي لتهديد ميليشيات إيرانية، في حين أشارت مصادر إعلامية إلى انزعاج دمشق من لجوء الأردن إلى التنسيق مع روسيا بدلًا من التنسيق معها في هذا الموضوع .

ومن الثابت أن الأردن قد رحّب ببسط الجيش السوري سلطته على الحدود معه، وهو ما يقلص التهديدات الإرهابية، إلا أنه لا يُنهيها بشكل كامل، لا سيما مع وجود جماعات مثل جيش "خالد بن الوليد" المحسوب على "داعش" بالقرب من حدوده.  ومن ناحية أخرى لا يزال الغموض قائمًا حول الموقف الأمريكي ودرجة تقبل واشنطن للدور الروسي في هذا السياق. 

وقد جاء مضمون الاتفاق ليحقق الحد الأدنى من متطلبات الجانب السوري والأردني، إذ يسمح للمواطن ولحركة الشحن الأردنية بالمغادرة لسوريا، ويُتيح للأردني المقيم في سوريا بالدخول للأردن، ويسمح كذلك للسوري المقيم بالأردن أو دولة ثالثة بالسفر لسوريا، كما يتيح للسوريين القادمين للأردن من سوريا الدخول بعد حصولهم على موافقة أمنية مسبقة، مثلما يسمح للسوري القادم للأردن ترانزيت بالمرور بشرط الحصول على إقامة أو تأشيرة للدولة المسافر إليها أو القادم منها.

ويُجيز الاتفاق للشحن السوري بالدخول للأردن، ويسمح للسوري الحاصل على بطاقة مستثمر بالدخول وبإدخال سيارته الخاصة بدون موافقة مسبقة. ويسمح لسائقي السيارات السورية العمومية بالدخول للأردن لنقل المسافرين دون موافقة مسبقة. 

تداعيات فتح المعبر:

سوف يؤدي إعادة فتح معبر جابر - نصيب إلى مجموعة من التداعيات التي يتمثل أبرزها فيما يلي:

1- دعم عملية إعادة الإعمار: على الصعيد السياسي، يرى البعض أن فتح المعبر يمثل نصرًا سياسيًّا ومعنويًّا كبيرًا لروسيا وسوريا، ودليلًا على أن الحرب توشك على نهايتها. فضلًا عن أن فتح المعبر يدعم موقف موسكو ودمشق بشأن إعادة إعمار سوريا، وتنشيط حركة التبادل مع دول الجوار لإدخال مستلزمات إعادة الإعمار. كما تأمل دمشق في أن يحفز فتح معبر نصيب إعادة فتح معبر البوكمال الحدودي مع العراق . 

وتُشير بعض التحليلات إلى أن التسارع في تسوية القضايا الخلافية المتعلقة بالصراع السوري مقدمة لتسوية كبرى في المنطقة، تبدأ من دمشق وتمتد إلى بغداد ضمن صفقة متفق عليها بين واشنطن وموسكو. بيد أن هذا السيناريو يصطدم بعدم تطابق الموقفين الروسي والأمريكي حيال بعض القضايا الإقليمية كالقضية الفلسطينية وإيران، وبالتالي فإن منطق تبادل النفوذ بين البلدين غير محسوم .

2- العودة الطوعية للاجئين السوريين: من ناحية ثانية، يرى البعض أن فتح المعبر يشكل خطوة على طريق تطبيع العلاقات بين دمشق وعمّان، بيد أن القراءة المتأنية تؤشر إلى أن الأردن لن يقدم على هذه الخطوة الآن، وأن الأمر سيقتصر في الوقت الراهن على التنسيقات الأمنية والاقتصادية الضرورية، ويرتبط التطور الرئيسي في العلاقات بين البلدين بمسألة اللاجئين؛ حيث تقدر عمّان عدد الذين لجئوا إليها منذ اندلاع الأزمة السورية بنحو 1,3 مليون سوري. وكان الأردن يخشى من نزوح سوري إلى الأردن بعد تحرك الجيش السوري للسيطرة على الجنوب السوري المتاخم للأردن، غير أن الوضع تغير وبدأ الحديث عن العودة الطوعية للاجئين السوريين في الأردن، ومع افتتاح المعبر غادر نحو ستة آلاف سوري الأردن إلى بلدهم وذلك من بين نحو 650 ألف لاجئ سوري مسجلين لدى الأمم المتحدة .

3- مكاسب اقتصادية مؤجلة: على الرغم من التفاؤل على الصعيد الاقتصادي من فتح المعبر، إلا أن العديد من المؤشرات تدل على عدم تحقق هذه المكاسب قريبًا، لاسيما وأن دمشق قررت رفع رسوم الترانزيت والشحن لكل الشاحنات التي ستعبر الحدود إلى خمسة أضعاف لتصبح 10% بعد أن كانت 2% فقط ، كما أن الحدود السورية-التركية ستظل مغلقة، أي إن الشاحنات الأردنية لن تبلغ الأسواق الأوروبية عبر الأراضي التركية في وقت قريب، كما أن إعادة إحياء طريق الصادرات تأخر إلى حدٍّ ما مما دفع عددًا من الأسواق لاستبدال بعض السلع الإقليمية -لا سيما اللبنانية- بمنتجات أجنبية .