تداعيات خطرة:

خيارات اللحظة الأخيرة أمام استفتاء كردستان

24 September 2017


كشف الاستفتاء حول انفصال إقليم كردستان حالة الاحتقان المتصاعدة في الداخل العراقي، والاضطراب المتزايد في التفاعلات الإقليمية؛ إذ لم يحظَ الاستفتاء الذي سيجري في 25 سبتمبر الجاري بأي تأييد، سواء من الحكومة والقوى السياسية العراقية، أو من المحيط العربي والإقليمي، أو من القوى الدولية التي كان يُعوِّلُ القادة الأكراد على موافقتها بشأن حق تقرير المصير. وعلى النقيض واجه الاستفتاء معارضة قوية من داخل إقليم كردستان ذاته، ومن مختلف الفصائل العراقية، فضلًا عن توافق القوى الإقليمية على رفض إجراء الاستفتاء رغم التباين الحاد في مصالحها.

المعارضة العراقية:

لم تقتصر المعارضة للاستفتاء على الأطراف الخارجية؛ بل امتدت إلى الداخل العراقي، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:

1- الحكومة العراقية: حيث رفضت الاستفتاء على استقلال الإقليم، وطلب رئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي -رسميًّا- تعليق خطط إجرائه، ووافقت المحكمة الاتحادية العليا على طلب العبادي بشأن "عدم دستورية انفصال أي إقليم أو محافظة عن العراق"، ووصف العبادي قرار الاستفتاء بأنه "خطير ولعب بالنار"، وأنه غير دستوري، وإجراؤه يُعرِّض أمن العراق والمنطقة للخطر، وأن فرض سياسة الأمر الواقع بالقوة من قبل سلطات إقليم كردستان بتنفيذ الاستفتاء لن تَرضى بها الحكومة الاتحادية، وهدد بإمكانية التدخل العسكري إذا ما أدى الاستفتاء إلى حدوث عنف أو استخدام للقوة.

2- الرفض البرلماني: عقد البرلمان جلسة خاصة لمناقشة موضوع الاستفتاء، وجاء رفضه بأغلبية أعضائه، وذلك في 12 سبتمبر، كما صوّت البرلمان على إقالة محافظ كركوك المتنازع عليها بعد تأييده الاستفتاء، وسعيه لضم كركوك إلى هذا الاستفتاء. ودعا رئيس مجلس النواب سليم الجبوري إلى "ضرورة أن يكون الاستفتاء ضمن الأطر الدستورية، بما يكفل مصلحة العراق، مع الأخذ في الاعتبار الظروف التي يمر بها البلد".

3- القوى السياسية: رفضت غالبية القوى السياسية إجراء الاستفتاء عبر بيانات وتصريحات عدة صدرت عن رؤساء أعضاء القوى السياسية الأساسية بمختلف توجهاتها وانتماءاتها الدينية والقومية، وأهمها: التحالف الوطني، واتحاد القوى الوطنية، والجبهة التركمانية.

4- الموقف الكردي: كما عارض بعض الأكراد الاستفتاء؛ حيث لم تؤيِّد حركة التغيير وعدد من أحزاب المعارضة الكردية إجراء الاستفتاء في هذا التوقيت، كما ظهرت حركات وحملات مدنية كردية معارضة لإجراء الاستفتاء، لا سيما في محافظة السليمانية.

وقد حملت هذه الحملات شعارات رافضة للاستفتاء، ورأت أن إجراءه في ظل الأوضاع الراهنة لا يخدم المصلحة الكردية، وسيؤدي إلى خسارة أصدقاء كردستان الإقليميين والدوليين، وسيتسبب في مشاكل عديدة للأكراد من جيرانهم في المستقبل، مما يُشكل عامل ضغط على القائمين على خطة الاستفتاء، ويزيد من الهوّة الداخلية بينهم، ويُظهر الأكراد بأنهم ليسوا على رأي واحد إزاء قضية استقلالهم عن العراق.

العزلة الإقليمية:

يُعد العامل الإقليمي أكثر العوامل تأثيرًا على موقف ووضع إقليم كردستان، لما تمتلكه الدول الإقليمية المعنية بالأمر -لا سيما تركيا وإيران- من وسائل ضغط وتأثير على إقليم كردستان، وقد رفضت كلا الدولتين أي خطوات من شأنها أن تمنح الأكراد مزيدًا من مظاهر الاستقلال، مما ينعكس بشكل مباشر على أوضاع الأكراد في هاتين الدولتين، ويمكن توضيح موقفهما فيما يلي:

1- التهديدات التركية: رفضت تركيا خطوة إجراء الاستفتاء في ظل خوضها حربًا طويلة مع عناصر حزب العمال الكردستاني، وهو ما أكده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 سبتمبر 2017؛ حيث حث سلطات إقليم كردستان على إلغائه لما يمكن أن تؤديه هذه الخطوة من ظهور صراعات جديدة في المنطقة تُضاف إلى أزماتها المستمرة. 

فيما أعلن رئيس الوزراء التركي "بنعلي يلدريم"، في 15 سبتمبر 2017، أن تركيا لديها خطة واضحة ودقيقة في حالة ما إذا أُجري استفتاء كردستان، واختار الأكراد الاستقلال، معتبرًا أن قرار الأكراد "غير صائب"، وأن تركيا "لا تقبل بهذه الخطوة التي ستخرب البنية الفيدرالية للعراق".

وتوالت التصريحات وتشددت المواقف التركية تزامنًا مع اقتراب موعد الاستفتاء، وبدأت الحكومة التركية بتقديم عدة تحذيرات لرئاسة الإقليم، وقدمت موعد عقد اجتماع مجلس الأمن القومي إلى 22 سبتمبر، وبدأت القوات التركية بإجراء تدريبات ومناورات عسكرية على الحدود مع العراق، خاصة وأن تركيا تدرك أهمية ما تملكه من وسائل ضغط مختلفة على إقليم كردستان، خاصة وسائل الضغط الاقتصادية، حيث إنها المصدر والطريق الرئيسي لتجارة كردستان، ومنفذها لتصدير النفط إلى الخارج. بالإضافة إلى وجود احتمال بتدخل تركيا عسكريًّا في شمال العراق، ولها تجربة سابقة في ذلك ووجود عسكري في "بعشيقة"، ويقوم سلاحها الجوي بعمليات متكررة ضد معاقل حزب العمال في العراق.

2- الحصار الإيراني: رفضت إيران إجراء الاستفتاء، وحذر الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة من انفصال الإقليم الكردي عن العراق، لأنه سيؤدي إلى إشعال نزاعات طويلة الأمد في المنطقة، على حد وصفه. وهددت إيران بإغلاق حدودها مع الإقليم، ووضع حدٍّ لكل الاتفاقيات الأمنية معه بمجرد إجراء الاستفتاء.

وسيؤدي إغلاق المعابر الحدودية، وإيقاف مرور السلع والبضائع بين الإقليم وإيران؛ إلى فرض عزلة اقتصادية على الإقليم، يضاف إلى ذلك أن لإيران وسائل ضغط مختلفة يمكن أن تمارسها للضغط على الإقليم، مثل: علاقاتها بالأحزاب السياسية الكردية ومنها الاتحاد الوطني الكردستاني من جهة، والتأثير الإيراني السياسي في العراق من جهة أخرى. بالإضافة إلى امتلاكها وسائل اقتصادية وعسكرية مختلفة، على غرار تهديدها باستخدام القوة العسكرية المتكرر تجاه الجماعات الكردية الإيرانية التي تعبر الحدود إلى إقليم كردستان، كما شهدت المرحلة الراهنة عمليات قصف إيراني لأهداف داخل الإقليم تحت زعم تواجد مقاتلي البيشمركة في كردستان، وقطعت مياه نهر "الزاب الصغير" الذي ينبع من شمال غرب إيران ويدخل الأراضي العراقية من محافظة السليمانية، مما أدى إلى انقطاع المياه عن ما يزيد عن 80 ألف شخص يقيمون في قضاء قلعة دزة التابع للسليمانية وذلك في يوليو 2017.

التحفظات الدولية:

تصاعدت المواقف الدولية المعارضة لإجراء استفتاء على انفصال إقليم كردستان، ويمكن إيضاح ذلك فيما يلي:

1- وساطة الأمم المتحدة: أعلنت الأمم المتحدة في يونيو 2017 رفضها إجراء الاستفتاء، وأكدت ضرورة الالتزام بالدستور العراقي، ولكن بعد إصرار الإقليم على المضي قدمًا وعقد الاستفتاء اقترحت الأمم المتحدة على رئيس إقليم كردستان العدول عن الاستفتاء، مقابل إبداء المساعدة في التوصل إلى اتفاق شامل حول مستقبل العلاقات بين بغداد وأربيل في مدة أقصاها ثلاث سنوات.

2- معارضة الاتحاد الأوروبي: أعلن الاتحاد الأوروبي في 20 سبتمبر 2017 معارضته إجراء الاستفتاء، ودعا إقليم كردستان إلى عدم إجرائه، خاصة وأن الاتحاد يدعم وحدة وسيادة العراق، وأن إجراء الاستفتاء من طرف واحد غير مثمر ويجب تجنبه، يُضاف إلى هذا وجود قضايا خلافية بين بغداد وأربيل يجب حلها عن طريق الحوار السلمي بالاستناد إلى بنود الدستور العراقي.

3- الرفض الأمريكي: لخّص بيانٌ صادر عن مكتب السكرتير الإعلامي في البيت الأبيض في 15 سبتمبر الجاري الموقف الأمريكي من الاستفتاء؛ حيث أكد فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تؤيد نية حكومة الإقليم في إجراء الاستفتاء، كونه يشتت الجهود الرامية إلى إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش، وتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة.

 كما أن الاستفتاء في المناطق المتنازع عليها يُشكل استفزازًا وزعزعة للاستقرار، وهدد عدد من المسئولين في وزارة الدفاع الأمريكية بقطع المساعدات العسكرية والمالية التي تقدمها واشنطن لقوات البشمركة. ولا يمكن إنكار أهمية وتأثير الولايات المتحدة على تطورات الأحداث في العراق، والعلاقة مع القوى السياسية والكردية بشكل خاص، ومن شبه المستحيل استغناء الأكراد عن الدعم الأمريكي.

4- الغموض الروسي: أعلن المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية "دميتري بيسكوف" في 20 سبتمبر 2017، دعم روسيا لوحدة أراضي العراق، ورفض التعليق على اعتراف روسيا من عدمه بنتائج الاستفتاء. 

وقد سبق وصرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في يوليو 2017: "نأمل أن يؤخذ في الحساب عند اتخاذ القرارات النهائية ما يترتب على هذه الخطوة من نتائج سياسية، وجيوسياسية، وديموغرافية، واقتصادية، من مبدأ أن المسألة الكردية تتجاوز حدود العراق الحالية، وتؤثر في أوضاع عدد من الدول الجوار. كما ذكر أن "التطلعات الشرعية للشعب الكردي أسوة بالشعوب الأخرى، يجب أن تتحقق وفق القوانين الدولية"، وهو موقف ملتبس ويأخذ أكثر من معنى.

اليوم التالي:

يواجه الاستفتاء الكردستاني معارضة إقليمية ودولية، كما أنه يجري في سياق عراقي معقد من ناحية الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية، ناهيك عن الأوضاع العربية المضطربة بالمنطقة، وستؤثر هذه الخطوة على الحرب ضد تنظيم داعش التي تخوضها القوات العراقية وتوشك أن تنتهي بتحرير الأراضي التي كان قد استولى عليها بعد يونيو 2014، وستبرز أزمة المناطق المتنازع عليها ذات السكان المختلطين، ولن يسمح سكانها أو الحكومة الاتحادية بضمها قسرًا أو بسياسة الأمر الواقع إلى كردستان، ولن يكون لدى العرب الموجودين في هذه المنطقة الاستعداد لضمهم إلى الإقليم أو ترحليهم، وكذلك الحال بالنسبة للتركمان.

وقد أعاد الاستفتاء شبح الطائفية، واحتمالية تجدد الصراعات بين المكونات المجتمعية العراقية، وما لذلك من تأثيرات سلبية على الوضع العراقي، كما أن هناك خلافات بينية في إقليم كردستان بسبب تعطيل عمل البرلمان، وتجميد الحياة الديمقراطية منذ عام 2015، وتصاعد التنافس على السلطة والموارد، وقد هدأت هذه الخلافات خلال هذه الفترة، إلا أن من المتوقع أن تعود بشكل أكثر حدة في مرحلة ما بعد الاستفتاء.

ومن المتوقع كذلك أن يكون لإجراء الاستفتاء تداعيات اقتصادية، سواء على الإقليم أو الوضع العراقي، عندما تنفذ كل تركيا وإيران تهديداتهما بإغلاق المعابر الحدودية، وإيقاف تصدير النفط من خلال المنافذ التركية، فضلًا عن إمكانية قيامهما بأعمال عسكرية لمنع أي تطورات في كردستان، لا سيما بعد الاتفاق العراقي الإيراني التركي على اتخاد إجراءات موحدة إزاء الأمر.

خيارات محدودة:

تتقلص الخيارات بعد اقتراب موعد الاستفتاء، وتسارع الأحداث، وإجماع المواقف الداخلية والخارجية على ضرورة عدول الأكراد عن إجراء الاستفتاء، حتى أصبح أمامهم خياران لا ثالث لهما: إما المضيّ قدمًا في إجراء الاستفتاء وتحمل ما يمكن أن ينتج من تداعيات خطرة متوقعة لا تنحصر تأثيراتها على كردستان فحسب وإنما على العراق ودول الجوار أيضًا، أما الخيار الثاني فالتراجع عن الاستفتاء والموافقة على العودة إلى الحوار بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، وقد أصبح مستبعدًا، على الرغم من أنه الأمر الأنسب الذي يحفظ وحدة العراق ويجنب الشعب العراقي بمختلف مكوناته حربًا دامية وسلسلة جديدة من النزوح والتهجير.