رهان الإصلاحات:

هل تتمكن "أوبر" من تصحيح مسارها في الفترة المقبلة؟

06 July 2017


حظيت شركة "أوبر" الأمريكية منذ إنشائها في عام 2009 بثقة السائقين والركاب على حد سواء، في ظل نموذج الأعمال الجديد الذي طرحته الشركة، والذي يدمج بين استخدام التطبيقات التكنولوجية وآليات الاقتصاد التشاركي، وهو ما قدم مزايا عديدة للسائقين، كمرونة جدول العمل، بالإضافة إلى معدلات التعويض المرتفعة. وفي المقابل، تبدو خدمات شركة "أوبر" سهلة وأكثر أمنًا للركاب، علاوةً على قصر أوقات الانتظار. 

لكن نموذج الشركة لم يقوَ على الصمود أمام كثير من المشكلات التي تعرضت لها في السنوات الأخيرة، والتي يتمثل أهمها في حظر أنشطة "أوبر" بعدد من الدول، إلى جانب الانتقادات الواسعة على خلفية اتهامها بالاستغلال، وانتهاك حقوق الملكية الفكرية لشركات أخرى، فضلا عن ضغوط المنافسة من قبل الشركات العاملة في نفس الصناعة، وهو ما وضع الأداء المالي والتشغيلي للشركة على المحك.

وفي ظل المشكلات السابقة، اضطر مؤسس "أوبر" ترافيس كالانيك للاستقالة من منصبه كرئيس تنفيذي للشركة في 21 يونيو الماضي، وذلك في الوقت الذي تبحث فيه الشركة عن مسار جديد لتصحيح أوضاعها المالية والإدارية. ولتحقيق ذلك، قد تكون الشركة أمام عدة تحديات رئيسية تتطلب في الفترة المقبلة إصلاح ثقافتها المؤسسية، وتعديل نموذجها المالي، إلى جانب تطوير وتحسين خدماتها التكنولوجية، وهو ما قد يتيح لها نسبيًّا التفوق على منافسيها من الشركات الأخرى.

طفرة كبيرة:

شهدت سوق خدمات النقل العالمية بظهور شركة "أوبر" تحولاً كبيرًا على المستوى التنظيمي والتشغيلي، إذ طرح وقتها مؤسس الشركة كالانيك نموذجًا للأعمال مغايرًا للأنماط السائدة في تقديم خدمات النقل، حيث يقوم على الدمج بين استخدام التطبيقات التكنولوجية وآليات عمل الاقتصاد التشاركي.

وبفضل المزايا التي تقدمها الشركة، استطاعت أن تحظى بثقة كل من الركاب والسائقين على حد سواء، لتتمكن في غضون سنوات قليلة من التوسع في كثير من مدن العالم. فحاليًّا، تعمل "أوبر" في أكثر من 614 مدينة حول العالم، في حين تخطت عدد رحلاتها 2 مليار رحلة في غضون الأشهر الأولى من العام الحالي. 

وبناء على النمو السريع الذي حققته أوبر، أدرجتها كثير من شركات المخاطر وصناديق الاستثمار العالمية وعلى رأسها جولد مان ساكس وفيديليت للاستثمارات على قائمة أولويات الأجندة الاستثمارية الخاصة بها. وعبر سبع جولات تمويلية معلنة أجريت منذ نشأتها وحتى نهاية عام 2016 تلقت الشركة من شركات عالمية عديدة مبالغ بقيمة 8,5 مليار دولار بحسب موقع Cruncnbbase، وهو ما رفع من تقديرات القيمة السوقية للشركة إلى قرابة 70 مليار دولار بنهاية العام الماضي.  

تراكم المشكلات:

وبالرغم من تقدم مؤشرات أداء أوبر في السنوات الماضية، إلا أنها واجهت في الفترة الأخيرة شكلات مالية وإدارية وتنظيمية معقدة، جعلت أداءها على المحك، وتتمثل أبرز هذه المشكلات في:

1- الإشكالات القانونية: خلال السنوات الماضية، اتُّهمت الشركة بالعمل بشكل غير قانوني في بعض الأسواق التي تعمل بها، بالإضافة إلى قيامها بممارسات تجارية غير عادلة، وهو ما دفع الجهات القضائية في كثير من بلدان العالم إلى حظر أنشطتها. ففي إبريل من العام الجاري، حظرت السلطات القضائية الإيطالية -على سبيل المثال- أنشطة الشركة لعدم التزامها بالقوانين المنظمة لعمل سائقي الأجرة. ولانتهاكها قواعد المنافسة، حظرت بلغاريا أيضًا أنشطتها في سبتمبر 2015.

2- الضغوط الشعبية: أثار نشاط "أوبر" في السنوات الماضية سخطًا متزايدًا لدى قطاعات محلية عديدة. ففي أوروبا، وأمريكا اللاتينية، ومنطقة الشرق الأوسط، نظم سائقو الأجرة المحليون احتجاجات اعتراضًا على أنشطتها بأسواقهم. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تعرضت الشركة لأكبر أزماتها بعدما وُجِّهت إليها انتقادات بالاستغلال وعدم الإنسانية، بعد قيامها في 28 يناير 2017 بإلغاء تسعيرة وقت الذروة في الرحلات التي تتم في مطار جون كينيدي، وبما يتجاوز القواعد المتبعة والمتعارف عليها من قبل خدمات التاكسي في مدينة نييورك.  

وكرد فعل على ذلك، قاد صحفي أمريكي يدعى Dan O'Sullivan حملة على تويتر عبر هاشتاج عالمي بعنوان #deleteUber يدعو فيه المستخدمين في جميع أنحاء العالم إلى إزالة تطبيق أوبر من هواتفهم، وهو ما لاقى مشاركة عالمية واسعة.

3- انتهاك حقوق الملكية الفكرية: إحدى الأزمات الرئيسية التي تعاني منها الشركة حاليًّا هي نزاعها القضائي مع شركة "وايمو waymo" المملوكة لألفابيت (جوجل) الأمريكية، حيث رفعت وايمو ضد أوبر في فبراير 2017 دعوى قضائية لدى محكمة سان فرانسيسكو تتهمها فيه بسرقة الأسرار التجارية المتعلقة بتكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة الخاصة بها.

وقد قدمت وايمو دعواها ضد الشركة بناء على اتهامات وُجِّهت لمهندس يدعى أنتوني ليفاندوفسكي الذي انتقل إليها في عام 2017 من وايمو. ويُتهم ليفاندوفسكي بأنه أثناء عمله بالأخيرة قام بتحميل 14 ألف ملف سري خاص بتكنولوجيا القيادة الذاتية قبل مغادرتها في عام 2016. وفي حال ثبوت صحة هذه الاتهامات، فإنها من دون شك ستتسبب في أضرار مالية ومعنوية كبيرة لشركة أوبر، ناهيك عن التأثير السلبي لهذه الدعوى على سمعتها. 

4-  منافسة شرسة: لم يكن بمقدور نموذج الأعمال الذي طرحته أوبر أن يداوم الحفاظ على وضع شبه مسيطر على صناعة خدمات النقل التشاركية في كثير من أسواق العالم، بل على العكس برزت العديد من الشركات العالمية التي تقدم خدمات مشابهة وأكثر جودة منها كشركتي كريم وليفت الأمريكية على سبيل المثال، وهو الأمر الذي قلص من حصتها السوقية. 

ووفقًا لموقع Second Measure (يساعد المستثمرين على قياس أداء الشركة الحقيقي) تقلصت حصة أوبر لصالح شركة ليفت بالسوق الأمريكية من 84% في بداية العام الجاري إلى 77% في نهاية مايو الماضي. وفي ظل المنافسة المحتدمة، خسرت الشركة أيضًا إحدى كبريات الأسواق العالمية في مجال النقل وهي السوق الصينية، وذلك بعدما استحوذت شركة ديدي تشو شينج الصينية لخدمات تأجير السيارات في أغسطس 2016 على أنشطتها في الصين في إطار صفقة بقيمة 35 مليار دولار، فيما تحصل أوبر بموجبها على حصة بنسبة 5,8% في الشركة الصينية.

5- مشكلات تنظيمية: الثقافة التنظيمية السيئة هي أحد مجالات الانتقادات الواسعة التي تعرضت لها أوبر في الأشهر الماضية من قبل المراقبين والمتابعين لأداء الشركة. وبناء على تحقيقات داخلية أجرتها في الأشهر الأولى من العام الجاري، تم الكشف عن أن مناخ العمل بالشركة يعاني من سلوكيات عدوانية عديدة، كالتحرش الجنسي، والتمييز، والسلوك غير المهني، والبلطجة، والانتقام، والاعتداء الجسدي.

وفي الواقع، فإن المشكلات السابقة أثارتها مهندسة سابقة بالشركة تدعى سوزان فلاور، حيث نشرت في فبراير من العام الجاري تقريرًا تشير فيه إلى أن إدارة الموارد البشرية بأوبر لم تبذل أي محاولة لاتخاذ الإجراء المناسب بالرغم من تعرضها للتحرش الجنسي من طرف مديرها. وفوق ذلك، فقد علمت لاحقًا أن العديد من النساء الأخريات لديهن تجارب مماثلة.

6- خسائر مالية: التحول للربحية هو أحد الهواجس الرئيسية لصناع القرار داخل أوبر في الفترة المقبلة من أجل إقناع المستثمرين بمزيد من تمويل الشركة (التي يقيّمها البعض بنحو 70 مليار دولار) أو من أجل ضمان نجاح خططها في طرح الشركة للاكتتاب العام. ولكن على ما يبدو فإن استمرار الإنفاق الرأسمالي الكبير للشركة من أجل السيطرة على حصة أكبر في الأسواق العالمية، لن يسمح لها بتجنب الخسارة في المستقبل القريب.

وعلى ضوء سياسة الإنفاق التوسعية لأوبر، حققت الأخيرة بالفعل نموًّا ملحوظاً بإيراداتها لتصل إلى 9,1 مليارات دولار في عام 2016، إلا أن صافي خسائرها بلغ في نفس العام حوالي 2,8 مليار دولار. وبالمثل أيضًا، فقد بلغت الإيرادات خلال الربع الأول من عام 2017 3,4 مليارات دولار أي بزيادة نسبتها 18% عما كانت عليه خلال الربع الرابع من العام الماضي، ولكنها سجلت خسائر قيمتها 708 ملايين دولار انخفاضًا من 991 مليون دولار خلال الربع الأخير من 2016.

رسم توضيحي للأداء المالي لشركة أوبر (بالمليار دولار)



Source: Can Uber ever make money?, Financial Time

تحولات ملحة: 

مع تعدد المشكلات التي واجهتها أوبر في السنوات القليلة الماضية، لم يكن هناك مفر من أن يخضع مؤسسها ورئيسها التنفيذي ترافيس كالانيك لضغوط المستثمرين الرئيسيين بالشركة والاستقالة منها في يونيو الماضي، وذلك في وقت تسعى فيه الشركة لترتيب تحولات كبيرة على كافة المستويات التشغيلية والمالية والتنظيمية لتحظى بثقة المستثمرين في الأسواق المالية. 

وكبادرة أولية بعد استقالة كالانيك نحو الخروج من أزماتها، بدأت شركة أوبر حملة جديدة بعنوان 180 يومًا، وهي حملة لتحسين خدمات الشركة، وتضمنت إجراءات، مثل: السماح للركاب بترك الإكراميات للسائقين في بعض المدن، وحصول السائقين على نقاط إضافية في جميع الطلبات التي يقومون بإتمامها، مع توفير خيار جديد للتأمين على السائق.

ولكن على ما يبدو فإن تحسين أحوال الشركة يتطلب تبني الكثير من الحلول على مستويات متعددة في الفترة المقبلة، وأولها قد ينصرف إلى إصلاح الثقافة التنظيمية للشركة، بحيث تضمن زيادة التنوع والرقابة والتعامل مع شكاوى الموظفين، بالإضافة إلى تحسين أحوال السائقين.

 يما يتعلق ثانيها بالنموذج المالي للشركة، إذ سيكون التحدي الرئيسي أمامها في المستقبل تحقيق الاستدامة المالية والتحول نحو الربحية، وهو ما قد يجبر الشركة على التخلي عن الإنفاق السخي على التوسعات، وتخفيض الحوافز سواء للركاب أو السائقين.

ويتصل ثالثها باستمرار أوبر في تحسين جودة خدماتها بجانب دعم تكنولوجيا تطوير خدمات النقل، وهو ما قد يعطيها التفوق على منافسيها، ويضمن -في الوقت نفسه- القدرة على توليد أرباح ضخمة. ومن المحتمل أن تكون الشركة واحدة من العديد من اللاعبين في صناعة السيارات ذاتية القيادة، وهو ما قد يتيح لها الفرصة لتوليد أرباح كبيرة في هذا المجال.

وبالرغم من أهمية الخيارات السابقة في تحسين أوضاع الشركة على مختلف المستويات، إلا أنه بشكل عام يمكن القول إن تعدد المنافسين في سوق خدمات النقل التشاركية وفي ظل غياب القيادة التكنولوجية لأي منها، قد يجعل منها في المستقبل أقل ربحية، ومن ثم أقل جاذبية استثمارية، وهو ما قد يضغط أعمال أوبر مستقبلاً، وذلك في الوقت الذي لا يزال فيه الرهان على تفوق الشركة في صناعة السيارات ذاتية القيادة غير محسوم.