تحركات محتملة:

كيف يتعامل "داعش" مع تداعيات معركتى الموصل والرقة؟

06 July 2017


 مع انسحاب تنظيم "داعش" من حلب بشكل نهائي، في نهاية يونيو 2017، والذي تزامن مع اقتراب إعلان هزيمته في الموصل، يبدو أن هيكله التنظيمي صار مهددًا بشكل كبير، لا سيما بعد تزايد احتمالات تراجع سيطرته على المناطق الأخرى التي ما زال يتواجد فيها على غرار مدينة الرقة التي تمثل معقله الرئيسي، والتي دخلتها ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية"، التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية من جهة الجنوب، في 3 يوليو الجاري، بعد عبورها نهر الفرات واقتحامها المدينة من الغرب والشرق قبل ذلك، بشكل ساهم، إلى حد كبير، في تضييق الخناق على التنظيم من ثلاث جهات.

ومع ذلك، فإن اتجاهات عديدة ما زالت تحذر من أن ذلك قد لا يعني سقوط التنظيم بشكل كامل، إذ أنه ربما يتجه إلى تبني آليات جديدة يحاول من خلالها الاستمرار رغم الضغوط القوية التي تفرضها العمليات العسكرية المتوالية التي يشنها ضده التحالف الدولي وبعض الأطراف المعنية بالحرب ضد الإرهاب في كل من العراق وسوريا.

متغيران رئيسيان:

 وهنا قد يعول التنظيم على متغيرين يسعى من خلالهما إلى مواجهة الانهيار التنظيمي المتوقع في معقله الرئيسي، والاستمرار في نشاطه، وهما الخريطة "التنظيمية" و"الفكرية".

إذ ربما يمكن القول إن "داعش" يمتلك آليةً تنظيمية متشعبة تواجه جهود محاصرتها بشكل كامل صعوبات عديدة لا يمكن تجاهلها، نظرًا لامتدادها الجغرافي عبر مناطق متعددة من العالم، لا سيما بعد أن تمكن من تأسيس عدد من الفروع خارج العراق وسوريا، أطلق عليها "ولايات خارجية"، وبلغ عددها 17 حسب بعض التقديرات، وقد أعلن عنها عبر ما يسمى بـ"مؤسسة الفرقان"، التي تعتبر أحد أهم الأجهزة الإعلامية للتنظيم.

ورغم أن العديد من هذه الفروع لا تمارس أنشطة مؤثرة من الناحية التنظيمية؛ إلا أن هناك فروعًا أخرى تمكنت من تعزيز نفوذها في بعض المناطق، على غرار نيجيريا وأفغانستان، بشكل ربما يحولها إلى مناطق جاذبة للأعضاء والقيادات الفارين من العراق وسوريا، ويدعم قدرتها على تأسيس هيكل تنظيمي جديد بديل عن الهيكل الذي يتعرض للانهيار حاليًا في كل من سوريا والعراق.

كما أن التنظيم سعى إلى تكريس نفوذه داخل بعض المجموعات الأخرى التابعة له، والتي أصبحت تمثل خطرًا حقيقيًّا في مناطق تواجدها، مثل مجموعة "ماوتي" في الفلبين، والتي تمكنت من السيطرة على مدينة ماراوي الواقعة في جزيرة منداناو جنوب البلاد، في 23 مايو 2017. 

الذئاب المنفردة:

إلى جانب ذلك، فإن التنظيم يمكن أن يعتمد على ما يسمى بـ"الذئاب المنفردة"، في مواصلة العمل على نشر توجهاته وتطبيق أفكاره، وهم المتطرفون الذين يرتبطون بالتنظيم من الناحية الفكرية وليس التنظيمية، ويقتنعون بأفكاره ويقومون بتنفيذ عمليات إرهابية غالبًا دون تعليمات مباشرة من قيادة التنظيم، بدافع المناصرة والتأييد، على غرار بعض العمليات الإرهابية التي شهدتها عدد من العواصم والمدن الأوروبية خلال الفترة الأخيرة، مثل عملية الدهس والطعن التي وقعت في لندن، في مارس 2017، من قبل أحد مناصري التنظيم.

وقد ظهرت تحذيرات عديدة من إمكانية تصاعد موجة جديدة من العمليات الإرهابية خاصة في الدول الأوروبية بعد انتهاء معركة الموصل، حيث قال رئيس لجنة مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة جان بول لابورد، في 18 مايو 2017، أن أوروبا ستواجه هذا العام تدفقًا لمقاتلي التنظيم الذين انهزموا في العراق وسوريا، والذين يعتبرون أكثر خبرة بالمعارك وأكثر خطورة من العائدين السابقين. وأشار إلى أن دولا أوروبية عديدة تقدر أن معدلات تدفق المقاتلين من مناطق الصراع ازدادت بنسبة الثلث في العام الأخير، في إشارة إلى تصاعد حدة العمليات العسكرية التي يشنها التحالف الدولي وبعض القوى الأخرى ضد التنظيم في تلك الفترة، والتي كان انتقال بعض الإرهابيين إلى مناطق أخرى بديلة أحد أهم تداعياتها.

وقد سبق ذلك إطلاق تحذيرات من جانب مكتب الشرطة الأوروبية "يوروبول" في 2 ديسمبر 2016، من أن "داعش" ربما لن يقدم فقط على تصعيد عملياته الإرهابية خلال الفترة القادمة بهدف تعويض الخسائر التي تكبدها في كل من سوريا والعراق، وإنما قد يتعمد تطوير أساليبه في تنفيذ تلك العمليات، حيث قد يلجأ إلى استخدام السيارات المفخخة على غرار ما حدث في بعض دول المنطقة. ويبدو أن هذه التحذيرات تستند في هذا السياق إلى بعض الحوادث التي تزيد من احتمال اتجاه "داعش" إلى تبني هذه الآلية، على غرار اكتشاف سيارة معبأة باسطوانات غاز بالقرب من كاتدرائية نوتردام في باريس 7 سبتمبر 2016.

أفكار جوالة:

 فضلا عن ذلك، سعى "داعش" خلال الفترة الماضية التي أعقبت سيطرته على مناطق واسعة في شمال العراق منذ منتصف عام 2014، إلى تكوين منظومة فكرية مكنته من استقطاب عدد كبير من المتعاطفين معه سواء من منطقة الشرق الأوسط أو ومن دون شك، فإن ذلك يزيد من احتمالات انتقال تلك التوجهات والأفكار مع العناصر التي تسعى في الفترة الحالية إلى الانتشار في مناطق أخرى لا يتعرض فيها التنظيم لضغوط قوية، من أجل مواصلة سعيها إلى نشر أفكاره من جديد. 

وفي رؤية اتجاهات عديدة، فإن هذه المنظومة الفكرية المتشددة التي كونها التنظيم في المرحلة الماضية مكنته من تصدر خريطة التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم وتقليص نفوذ بعض التنظيمات الإرهابية الأخرى، على غرار تنظيم "القاعدة" الذي اتجه بعض كوادره إلى الانشقاق عنه والانضمام لـ"داعش" بسبب تأييدهم لتلك المنظومة الفكرية، التي حاول التنظيم تطبيقها بعد سيطرته على مناطق واسعة في سوريا وشمال العراق.

   ووفقًا لتلك الرؤية، فإن معظم المجموعات الإرهابية التي بايعت "داعش" منشقة في الأساس عن تنظيم "القاعدة"، على غرار ما حدث في بعض دول غرب إفريقيا والصومال والفلبين.

   وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول في النهاية إن سقوط هيكل تنظيم "داعش" في معاقله الرئيسية في كل من العراق وسوريا، ربما يمثل بداية مرحلة جديدة لمواجهة أكثر صعوبة، وهى مواجهة المنظومة الفكرية التي ربما تكون أكثر خطورة من الآلية التنظيمية، بشكل يفرض على القوى المعنية بالحرب ضد الإرهاب رفع مستوى التنسيق فيما بينها لمواجهة تداعيات مع بعد انتهاء معركتى الموصل والرقة.