خطوة مؤجلة:

كيف تتعامل إيران مع قرار ترامب مراجعة الاتفاق النووي؟

07 May 2017


رغم التصعيد المستمر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية بعد اتساع نطاق الخلافات بين الطرفين، إلا أن ذلك لم يدفع إيران إلى التسرع في اتخاذ قرارات للرد على التعليمات التي وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للوكالات التابعة لمجلس الأمن القومي الأمريكي، في 19 إبريل 2017، بإجراء مراجعة للاتفاق النووي، وتقييم مدى التزام إيران به ومدى استجابته لمصالح الأمن القومي الأمريكي، وهو ما بدا جليًّا في التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والتي دعا فيها إلى "عدم إبداء اهتمام بتصريحات ترامب"، بشكل يشير إلى أن طهران قد تُفضّل تأجيل اتخاذ أي قرار جديد يمكن أن يؤثر في سير العمل بالاتفاق النووي إلى حين انتهاء فترة التقييم التي حددها ترامب بثلاثة أشهر.

اعتبارات عديدة:

ربما يمكن القول إن ثمة عوامل عديدة دفعت إيران إلى عدم التسرع في الرد على التصعيد الأمريكي الأخير تجاهها، رغم أن المؤشرات تكشف عن أن الرئيس ترامب قد يقدم على خيارات أخرى غير خيار استمرار مشاركة واشنطن في الاتفاق، بدليل تأكيده، في 30 إبريل 2017، أن "الاتفاق النووي مسيء للمصالح الأمريكية لأنه يؤثر سلبًا على الاقتصاد الأمريكي"، بما يعني أنه يستبق التقييم الذي سوف تقدمه الوكالات التابعة لمجلس الأمن القومي في غضون 90 يومًا.

يتمثل العامل الأول في أن دوائر صنع القرار في إيران ترى أن الرئيس الأمريكي ما زال يواجه صعوبات عديدة في تمرير قراراته التنفيذية، على عكس ما كان يُتوقع قبل توليه مهام منصبه، وهو ما يعني أن تهديداته ربما لا تُترجم إلى خطوات إجرائية على الأرض، خاصة في ظل التداعيات السلبية التي يمكن أن تفرضها على المصالح الأمريكية.

إذ إن تهديده، على سبيل المثال، بالانسحاب من الاتفاق لن يكون سهلا، في ظل التأثيرات المحتملة التي قد ينتجها، والتي لن تنحصر فقط في توتر علاقات واشنطن مع القوى الدولية المهتمة بمواصلة العمل بالاتفاق، وإنما سوف تمتد أيضًا إلى تزايد احتمالات اتجاه إيران إلى إعادة تطوير برنامجها النووي من جديد، بشكل قد يفرض أخطارًا لا تبدو هينة، خاصة أن تراجع واشنطن عن الاتفاق معناه عودتها إلى التلويح بالخيار العسكري، وهو ما يمكن أن يدفع إيران من جديد إلى إعادة تفعيل الجانب العسكري من برنامجها النووي.

ويبدو أن تلك الدوائر تستند إلى أن تقييم المائة يوم الأولى من فترة رئاسة ترامب يشير إلى أنه لم يتمكن من تنفيذ إلا القليل من قراراته بسبب الفجوة الواضحة بين طموحاته وبين العقبات الموجودة على الأرض.

صراعات مفتوحة:

وينصرف الثاني إلى أن الإدارة الأمريكية دخلت في خلافات مفتوحة مع كثيرٍ من القوى، على غرار كوريا الشمالية، خاصةً بعد الخطوات التصعيدية والتهديدات القوية التي وجهتها الأخيرة بشكل سوف يدفع واشنطن، وفقًا للرؤية الإيرانية، إلى عدم المجازفة باتخاذ قرار حاسم في بعض الملفات، مثل الاتفاق النووي مع إيران، على الأقل في تلك المرحلة.

وفي ضوء ذلك، فإن الاحتمال الأكثر ترجيحًا هو أن تتجه الإدارة الأمريكية إلى رفع مستوى العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، بحيث تستهدف كيانات اقتصادية أكثر تأثيرًا في الاقتصاد الإيراني، على عكس العقوبات الحالية التي تركز على كيانات دولية وأشخاص متهمين بنقل تكنولوجيا حساسة لإيران.

سياسات غير واضحة:

ويتعلق الثالث، بعدم وضوح السياسة الأمريكية إزاء بعض الملفات الإقليمية، على غرار الأزمة السورية، حيث لم تحدد الإدارة الأمريكية بعدُ موقفها النهائي من مستقبل النظام السوري في الحكم، ومن المفاوضات التي تجري في الفترة الحالية بين النظام والمعارضة، والتي تتواصل مع بداية مايو الحالي، بما يعني أن الرؤية الأمريكية تجاه تسوية الصراع في سوريا ما زالت غير متكاملة، وهو ما يبدو جليًّا، وفقًا لاتجاهات عديدة، في التناقض بين تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون والمندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي.

توقيت حرج:

وبالطبع، فإن ثمة عوامل داخلية أخرى دفعت إيران إلى تبني هذا الموقف تتصل بانشغال طهران في الوقت الحالي بإجراء الانتخابات الرئاسية في 19 مايو 2017، والتي تصاعدت حدة المنافسة فيها مع إجراء المناظرة التليفزيونية الأولى بين المرشحين الستة للانتخابات، والتي شهدت خلافات ونقاشات حادة، لا سيما بين محمد باقر قاليباف رئيس بلدية طهران مرشح "الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية" وكل من الرئيس حسن روحاني ونائبه الأول إسحاق جهانجيري المرشح أيضًا في الانتخابات.

وهنا، فإن اتخاذ قرار واضح إزاء التصعيد الأمريكي سوف ينتظر تحديد هوية رئيس الجمهورية القادم، سواء كان الرئيس الحالي حسن روحاني الذي يسعى إلى الفوز بولاية رئاسية جديدة، أو كان أحد منافسيه، مثل إبراهيم رئيسي المشرف على العتبة الرضوية، والمرشح الآخر لـ"الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية"، أو محمد باقر قاليباف. إذ إن نتيجة الانتخابات سوف تمثل مؤشرًا قويًّا للمسار الذي سوف تتجه إليه إيران في التعامل مع التصعيد الأمريكي الجديد؛ حيث إن فوز روحاني، وهو احتمال مطروح، معناه حرص إيران على استمرار العمل بالاتفاق النووي حتى مع التصعيد الأمريكي الأخير، في حين أن انتخاب رئيس آخر، لا سيما إذا كان ينتمي لتيار المحافظين الأصوليين (الذي تمثله الجبهة)، يؤشر إلى أن إيران ربما تستعد لخيارات أصعب خلال المرحلة المقبلة، وقد تكون مقبلة على اتخاذ قرارات تصعيدية أكثر شدة لمواجهة الضغوط الأمريكية.

انتظار النتائج:

لكن اللافت في هذا السياق، هو أن بعض الاتجاهات الإيرانية باتت ترى أن إقدام الإدارة الأمريكية على مد الفترة الزمنية لمراجعة الاتفاق النووي لتصل إلى 90 يومًا كان الهدف منه تقييم السياسة التي سوف تتبناها إيران في مرحلة ما بعد اختيار رئيس الجمهورية الجديد. وبعبارة أخرى، فإن تلك الاتجاهات ترى أن إدارة ترامب تضع في حساباتها أيضًا هوية الرئيس الإيراني الجديد كمتغير سوف يؤثر في سياستها إزاء الاتفاق النووي والملفات الخلافية الأخرى مع إيران، على غرار دورها في الأزمتين السورية واليمنية.

وهنا، ربما يمكن تفسير حرص بعض وسائل الإعلام الإيرانية على نشر تقارير تكشف عن وجود اتجاهات داخل الولايات المتحدة الأمريكية تدعو إلى عدم منح الفرصة للمحافظين الأصوليين في إيران للفوز بالانتخابات الرئاسية من خلال اتخاذ إجراءات تصعيدية تُساهم في تفاقم الضغوط المفروضة على تيار المعتدلين بقيادة الرئيس روحاني، بشكل قد يعرقل مساعيه للاحتفاظ بمنصبه لولاية رئاسية جديدة.