تأثير محدود:

هل استطاع "الإعلام المروري" القيام بوظيفته في المنطقة العربية؟

16 March 2017


لم يكن ظهور الإعلام المروري في دول المنطقة من قبيل الصدفة، بل كان ضرورة لتلافي العديد من مشكلات الطرق وسلامة المواطنين عليها، على الرغم من شيوع هذا النمط من الإعلام المتخصص في الغرب منذ عشرات السنوات. وقد شهد الإعلام المروري تطورات عدة منذ اعتماده نمطا من أنماط الإعلام التوعوي المتخصص في دول المنطقة، فيما قدمت عدة دول نموذج جيد وفاعل من الإعلام المروري، الذي لا يعتمد فقط علي بيان الحركة المرورية في أكثر محاور وطرق البلاد حيوية خلال اليوم، وإنما التعريف بقواعد السلامة، والحث على ضرورة إتباعها من خلال برامج متخصصة، أو إفراد مساحات لهذه القضية في البرامج التلفزيونية الأكثر مشاهدة.

وبالرغم من أهمية الدور الذي يضطلع به الإعلام المروري فإن عدد من التحديات التي تواجه انتشاره وتفعيل دوره، لاسيما في تلك الدول التي تعاني كثافة سكانية، وعشوائية في تخطيط الطرق، وغياب تنمية حقيقية لقطاع البني التحتية لقطاع حيوي يمس حياة المواطنين بشكل مباشر وهو قطاع النقل ووسائل المواصلات.

ضرورة حتمية:

يمكن القول، بأن أحد أهم أسباب ظهور الإعلام المروري في دول المنطقة أنه جاء استجابة لضرورة الحد من ظاهرة حوادث الطرق، التي تتفشى بشكل كبير في العديد من دول المنطقة، على اختلاف مسبباتها في كل دولة، باختلاف مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية، ففي الدول الغنية منها تنتشر هذه الظاهرة لأسباب السرعة الجنونية بين الشباب الذي يهتم بشكل كبير بالحصول علي أحدث السيارات وأكثرها سرعة وقدرة على التسابق، فيما تعود أسباب حوادث الطرق في الدول الأقل دخلا إلى تكدس الطرق وغياب التخطيط، وتهالك قطاع النقل والموصلات.

فحسب التقرير السنوي الصادر عن منظمة الصحة العالمية لعام 2015 الصادر في مارس 2016، فإن عدد من الدول العربية تحتل صدارة قائمة معدل الوفيات الناتجة عن الحوادث المرورية، حيث جاءت ليبيا في مقدمة دول العالم لهذا العام التي شهدت معدلات عالية للوفيات بسبب حوادث الطرق، بلغ 73.4 حالة وفاة لكل 100 ألف نسمة، فيما جاءت المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية عربيا، والـ 23 عالميا، بمعدل 27.4، تلتها الأردن بنسبة 26.3، ثم سلطنة عُمان بنسبة 25.4، وتونس بمعدل 24.4، والجزائر بنسبة 23.8، ولبنان بمعدل 22.6، والمغرب بنسبة 20.8 والعراق بنسبة 20.2، والكويت بمعدل 18.7، وقطر بنسبة 15.2، ومصر بنسبة 12.8، في حين بلغ معدل الوفيات بسبب حوادث الطرق لكل 100 ألف نسمة في كل من الإمارات والبحرين، 19.9، و8.0 علي التوالي.

اهتمام متنامي:

أظهرت دول المنطقة اهتماما واضحا بالإعلام المروري خلال السنوات الماضية، حيث عملت على تطوير البرامج والنشرات التي تهتم بهذا النمط من الإعلام، إلى جانب الاستعانة بوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة لنشر العديد من حملات التوعية إلى جانب وسائل الإعلام المرئي.

وقد شهدت بدايات الإعلام المروري في المنطقة تناولا متواضعا للقضايا المرورية، فيما اقتصرت في كثير من الأحيان علي بيان الحركة المرورية في البرامج التلفزيونية الصباحية وفي ساعات الذروة المرورية، بالتعاون مع الأجهزة الرسمية المختصة بتسيير حركة المرور، إلي أن تطور الأمر إلي توسع في تبني حملات التوعية التي تطلقها الدول للحد من انتشار الحوادث المرورية، والناتجة عن القيادة السريعة غير المسئولة، وفي هذا الإطار ظهرت برامج تلفزيونية مستقلة في عدد من دول المنطقة أخذت علي عاتقها توعية المتلقي لمخاطر القيادة دون وعي بقواعد السلامة، وبيان الخسائر البشرية والمادية التي تتكبدها الدول سنويا بسبب حوادث الطرق.

وقد قدمت دول الخليج نموذجا مهما من الإعلام المروري ربما يختلف عن مثيله في باقي الدول نظرا لخصوصية وضع هذه الدول، واختلاف مسببات حوادث الطرق فيها، حيث تنتشر ظاهرة سباق السيارات بشكل يسمح بقيام السيارات بحركات إنزلاقية مع التحكم فيها بين فئات الشباب، وهي ظاهرة تحصد سنويا عددا كبيرا من الأرواح، الأمر الذي استلزم سن تشريعات صارمة في هذا الشأن تجرم "التفحيط" و"التجمهر" في المملكة العربية السعودية علي سبيل المثال، وكذلك إطلاق العديد من مبادرات التوعية، مثل مبادرة "كفي" الرائدة في هذا الإطار والتي أطلقتها سلطنه عُمان عام 2008، وحظيت بدعم وسائل الإعلام المحلية علي اختلافها بشكل كبير، كما أفردت لها الدولة مساحات مهمة في مهرجان صلالة السياحي، وانتشرت فعاليتها وملصقاتها في المراكز التجارية بالبلاد.

كما تبنت وسائل الإعلام السعودية مبادرة "الله يعطيك خيرها"، فيما أطلق برنامج تلفزيوني يحمل ذات الاسم، يعرض أسبوعيا وبالتزامن على أكثر من قناة ومحطة إذاعية، يهتم بمناقشة أهم الظواهر المتسببة في زيادة أعداد ضحايا حوادث الطرق، وعلى رأسها التفحيط، والجمال السائبة، والنوم أثناء القيادة، وغيرها من المسببات. فيما أطلقت مملكة البحرين برنامجا إذاعيا تحت مسمي "الأمن" يعده قطاع الإعلام الأمني التابعة لوزارة الداخلية، ويقدم البرنامج خدمة توعوية عن سبل الحفاظ على الأرواح والممتلكات. وكذلك أطلقت دولة الإمارات مؤخرا حملة "التوعية المرورية الموحدة الأولى لعام 2017"، ضمن مبادرات قطاع المرور، تحت شعار "حياتك أهم من اتصالك‏‏"، والتي تهدف إلى توعية المجتمع بضرورة الالتزام بقوانين المرور، والحفاظ ‏على السلامة العامة.

وتجدر الإشارة إلى أن ثمة جهود تبذل في سبيل وضع إستراتيجية إعلامية موحدة للتوعية المرورية بدول مجلس التعاون الخليجي من خلال مبادرة تبناها الاجتماع التنسيقي الأول لمديري إدارات الإعلام والتوعية المرورية بدول المجلس التي عقدت في الدوحة في 14 نوفمبر الماضي 2016.

وفي المقابل، شهدت التجربة المصرية في الإعلام المروري عدة قفزات خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث شهدت طفرة في استخدام أدوات رصد مشكلات الشارع المصري المرورية تمثلت في استعانة قناة "دي إم سي" حديثة النشأة بطائرة خاصة لتصوير الحالة المروية في البلاد يوميا صباحا من خلال برنامج "8 الصبح"، وذلك بعد أن اعتمدت هذه العملية طيلة السنوات الماضية علي متابعة كاميرات مراقبة الطرق والمحاور من قبل وزارة الداخلية، كما أعلنت الأخيرة خلال شهر يناير 2017، أنها بصدد إطلاق أول إذاعة للطرق في مصر تحت مسمي "مرور إف إم" وذلك لبث نشرات مرورية كل ساعة للمتلقين، إلي جانب برامج أخري، ترفيهية وتوعوية تختص بمجال اختصاص الإذاعة. أما في الأردن فتبرز تجربة برنامج "عيون ساهرة" في توجيه المجتمع لسبل القيادة السليمة لاسيما في ظل الظروف المناخية الصعبة التي تواجه الأردن في أوقات ممتدة من العام في أوقات تساقط الثلوج، والعواصف الترابية.

تحديات عدة:

يواجه الإعلام المروري العديد من التحديات التي تحول دون تحقيق أهدافه في الحد بشكل ملحوظ من حوادث الطرق، والإسهام في سيولة المرور من خلال النشرات المرورية التي تعد أحد أهم أولويات الإعلام المروري في دول المنطقة، ويحرص على بثها طول ساعات النهار وساعات الذروة. تتمثل هذه التحديات في:

1- الحاجة إلى عوامل مساعدة لضمان نجاح رسالة الإعلام المروري، في العديد من دول المنطقة، حيث يتطلب تطبيق قواعد السلامة التي تتبني برامج وحملات الإعلام المروري نشرها في المجتمع وجود سلطة قانونية فاعلة لتطبيقها، ووجود رقابة مستمرة على الطرقات، وعدم الاكتفاء بتوقيع غرامات إلكترونية مؤجلة الدفع، حيث أنها لا تساهم في منع الحوادث الناتجة عن السرعة في وقتها.

وفي هذا السياق أعاد مصرع أشهر "مفحط" سعودي، خلال شهر سبتمبر الماضي 2016، الملقب بـ “كنق النظيم"، في أحد جوالات التفحيط في شوارع الرياض ملف هذه الظاهرة المتفاقمة في المملكة وعدد من دول الخليج، ومدي فاعلية حملات التوعية بهذا الشأن، والقوانين العقابية التي سنتها المملكة لمواجهة الظاهرة، لاسيما وأن المفحط كان قد أعلن توبته عن ممارسة التفحيط بعد الحكم عليه بالسجن لمدة 6 سنوات، والجلد 600 جلدة، نظرا لتسبّبه في وفاة مرافقه في أحدي جولاته قبل سنوات.

2- تدني الخدمات المرورية وتهالك البني التحتية للطرق والمرافق في عدد من دول المنطقة، وهي أحد أهم عوامل تعطيل نجاح الإعلام المروري، وبروز دوره كوسيلة أعلام توعوية، حيث تنعدم فائدة هذا النمط من الإعلام في الدول التي تشهد كثافات مرورية بسبب انعدام خدمات الطرق، ووجود العديد من الطرق الخطرة التي تشتهر بـ "طرق الموت" مثل "جسر البالما" في المدخل الجنوبي لمدينة طرابلس بلبنان، الذي يفتقر إلى أدنى شروط السلامة المرورية. وكذلك أغلب الطرق المؤدية إلى الصعيد في مصر، بسبب تخطي السرعة المسموحة، وانحناءات الطرق، وازدواجها وعدم وجود نقاط مراقبة لضيق الطرق المعبدة بين الجبال. 

3- تواضع إمكانات الإعلام المروري، وعدم قدرته على مواكبة التطور الذي يشهده أنماط أخري من الإعلام المتخصص مثل الإعلام الطبي على سبيل المثال، لاسيما وأن هذا النمط من الإعلام غير جاذب لمصادر التمويل من الشركات الإعلانية والراعية، لاسيما وأن أغلب مواعيد بثها في غير أوقات ذروة المشاهدة، باستثناء المساحات التي تفردها برامج التوك شو الشهيرة لقضايا الإعلام المروري والتي عادة ما تهتم بها حال وجود حملة توعوية جديدة تتبناه دولة ما، أو وقوع حوادث مرورية كبري تستدعي التوقف على مسبباتها.

4- جمود المحتوي المقدم إعلاميا، وذلك نظرا لطبيعة هذا النمط من الإعلام الذي يتسم بالجمود، والجدية، نظرا لاتصاله بتنفيذ القوانين وتوقيع العقوبات، وفي أغلب الأحيان يقدم محتواه بشكل يظهر وكأنه إطلاق للأوامر وليس للنصح، نظرا لكون القائمين عليه في أغلب دول المنطقة غير قادرين على مخاطبة الجمهور بشكل إعلامي كونهم تابعين لوزارات الداخلية وقطاع الأمن العام، مما يخلق فجوة بين المتلقي ومقدم البرنامج.

خلاصة القول إن جهود الإعلام المروري وما يشهده من تطور في عديد من دول المنطقة، يظل مرهونا بجهود أخري تكفل وجود أطر رقابية لتنفيذ القوانين والالتزام بقواعد السلامة، لاسيما في ظل صعوبة التأثير على سلوكيات المواطنين من خلال الإعلام المروري الذي يعاني في أغلبه من فجوة بينه وبين متلقيه.