مأسسة الطائفية:

تداعيات إدماج "الحشد الشعبي" في الجيش العراقي

29 November 2016


أقر مجلس النواب العراقي، يوم الأحد (26 نوفمبر 2016) "قانون هيئة الحشد الشعبي" بأغلبية 170 نائبًا من أصل 208 حضروا الجلسة لتنظيم أوضاع ميليشيات الحشد التي تم تشكيلها أواخر يونيو 2014 بفتوى من المرجع الشيعي الأعلى في العراق "علي السيستاني" ردًّا على بروز تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وقد تم التصويت على القانون وسط مقاطعة نواب تحالف القوى العراقية السنية التي اعتبرت إقرار البرلمان لهذا القانون تهديدًا للشراكة الوطنية. 

مضمون القانون: 

يحمل قانون "هيئة الحشد الشعبي" نفس مضمون القرار الذي سبق وأصدره رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" في 26 يوليو الماضي، ويشمل ذلك ما يلي: 

1- أن يكون الحشد الشعبي تشكيلا عسكريًّا مستقلا يتمتع بالشخصية المعنوية، وجزءًا من القوات المسلحة العراقية، ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، وأن يتألف التشكيل من قيادة وهيئة أركان وألوية مقاتلة، فضلا عن خضوعه ومنتسبيه للقوانين العسكرية النافذة.

2- يتم تكييف أعضائه ومسئوليه وفقًا للسياقات العسكرية، من ترقية ورواتب ومخصصات وكافة الحقوق والواجبات. كما يتم فك ارتباط أعضائه بجميع الأطر السياسية والحزبية والاجتماعية، وألا يُسمح بالعمل السياسي في صفوفه.

3- تتألف قوة الحشد الشعبي من مكونات الشعب العراقي، وبما يضمن تطبيق المادة (9) من الدستور. وأن يكون إعادة انتشار وتوزيع قوات الحشد في المحافظات من صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة حصرًا.

4- يتم تنظيم التشكيل العسكري من هيئة الحشد الشعبي بأركانه وألويته وأعضائه خلال ثلاثة أشهر من إقرار القانون.

الدوافع والأسباب: 

يمكن تفسير سعي التحالف الوطني الشيعي ومن خلفه الحكومة العراقية لاستصدار قانون هيئة الحشد الشعبي في هذا التوقيت، للأسباب التالية: 

1- إدراك قادة الكتلة الشيعية أن معركة الموصل هي بمثابة المعركة الكبرى الأخيرة ضد تنظيم داعش في العراق، وأن ظهور الحشد اقترن بصعود التنظيم في العراق، وبالتالي فإن القضاء على التنظيم في الموصل قبل تقنين أوضاع ميليشيات الحشد، سيُنهي من مبررات وجودها مستقبلا، وسيؤدي إلى انتفاء مبررات استمرار الإنفاق الحكومي عليها.

2- أن تقنين أوضاع قوات الحشد الشعبي يأتي كخطوة أولى في إطار مساعي الكتلة الشيعية في العراق لتسويقها على المستوى الدولي كقوة رئيسية محارِبة للإرهاب في المنطقة، وهو ما سيعطيها مشروعية للانتقال إلى الساحة السورية لاستكمال قتال تنظيم داعش كما أعلن قادة الحشد عن ذلك مؤخرًا. 

3- استنفار القوى السياسية الشيعية التي هي بمثابة مرجعيات لقوات الحشد مساعيها لاتخاذ خطوات استباقية لترتيب مستقبل الحشد، ومنحه حصانةً تكفل له عدم المساءلة عن جرائمه السابقة، وذلك في ضوء إدراكها أن طرد تنظيم داعش من العراق بات قريبًا جدًّا، وقلقها من مرحلة ما بعد معركة تحرير الموصل، خاصة وأن دول التحالف الدولي ضد التنظيم لديها أدوات ضغط لا يُمكن الاستهانة بها، وقد تتمكن من خلالها على إجبار رئيس الوزراء العراقي على حل الحشد الشعبي بعد القضاء على التنظيم في العراق.

4- تكثيف إيران من ضغوطها على الحكومة العراقية للمضي قدمًا نحو إدماج ميليشيات الحشد في الجيش العراقي، ويرتبط بذلك رسائل طهران المتكررة لبغداد في هذا الصدد خلال الفترة الماضية، حيث حذرت إيران حكومة العبادي من مغبة انتهاء معركة الموصل دون تسوية أوضاع الحشد، على اعتبار أن ذلك سيشجع أطرافًا عراقية وجهات دولية للمطالبة بحل الحشد.

تداعيات مرتقبة: 

ينضوي إقرار قانون هيئة الحشد الشعبي على تداعيات سلبية، ليس على الداخل العراقي فقط، ولكن على المستوى الإقليمي كذلك، ويتضح ذلك من خلال ما يلي: 

أولا- على الداخل العراقي: 

1- إصباغ الطابع القانوني على تحركات الحشد الشعبي: يضفي قانون هيئة الحشد الشعبي مظلة قانونية وغطاءً رسميًّا على عمل الحشد الشعبي، على اعتبار أن الحشد أصبح جزءًا من القوات المسلحة الرسمية، وبات عمله يجري وفق سند قانوني. وسيسمح القانون لأعضاء الحشد بالتدرج في الحصول على الرتب العسكرية بالجيش العراقي. كما سيزيد إقرار هذا القانون من فوضى انتشار السلاح في العراق، على اعتبار أن وزارة الدفاع العراقية ستزود قطاعات كبيرة بالأسلحة.

2- طائفية وضعف الجيش العراقي: سيُساهم القانون في زيادة إضعاف الجيش العراقي، وإضفاء الصيغة الطائفية عليه. ويُشار في هذا الإطار إلى تصريح القيادي في الحشد وزعيم ميليشيات بدر "هادي العامري" في أغسطس الماضي، والذي أكد خلاله أن قوات الحشد أصبحت أقوى من الجيش العراقي. كما أن الطبيعة الخاصة لتنظيم الحشد الشعبي ستؤدي إلى تغيير عقيدة الجيش العراقي وإخلال التوازن بداخله، خاصة وأن الحشد يضم فصائل عقائدية جهادية لها سياقات إدارية وتنظيمية تختلف عن السياقات الكلاسيكية المتبعة في المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى أن طبيعة العلاقة بين فصائل الحشد وتراتبيتها وتعدد ولاءاتها لا يمكن أن تستوعبها المؤسسة العسكرية، فمنها ما شُكل على أساس التبعية للمرشد الإيراني "علي خامنئي"، فيما تتبع أخرى مرجعية النجف ممثلة في "آية الله علي السيستاني"، ومنها ما له ولاءات فرعية مرتبطة بمراجع شيعية أخرى.

3- عدم الالتزام بالامتناع عن المشاركة في العمل السياسي: من غير الوارد التزام أعضائه بالامتناع عن الانخراط في أطر سياسية وحزبية كما ورد بالقانون، حيث من المتوقع أن يساهم إقرار هذا القانون في بناء طبقة سياسية شيعية جديدة في العراق تحظى بحصانة قانونية، ولها شبكات مصالح اقتصادية واسعة، نظرًا لنفوذها الأمني والعسكري. ويعزز من ذلك أيضًا صعوبة فصل المشاركين في الحشد في صورته الجديدة التي يروج لها القانون عن الحياة السياسية في البلاد، وذلك في ضوء ارتباط عناصر الحشد في الأساس بكتل شيعية تعد مرجعيات دينية لها.

4- تهميش القوى السنية: سيعمق إقرار القانون بدون مشاركة تحالف القوى السني من الشعور المتواجد لدى سنة العراق بالتهميش والظلم، وهو ما سيوفر حاضنةً سنيةً مستقبليةً لأية تنظيمات إرهابية قد تظهر بمسميات جديدة بعد القضاء على تنظيم داعش في العراق، وسيساهم في ذلك العزوف المتوقع من جانب القوى السنية عن المشاركة في هذا التشكيل الجديد، على الرغم من وجود نص بالقانون يؤكد أن قوة الحشد الشعبي تتألف من مختلف مكونات الشعب العراقي، وذلك في ضوء السمعة السيئة للحشد في ضوء الجرائم ذات الصبغة الطائفية التي قامت بها ميليشياته ضد السنة في المناطق التي دخلتها من قبل، مثلما حدث في تكريت والفلوجة. بالإضافة إلى مخاوف القوى السنية من أن يكون دمج الحشد ضمن الجيش العراقي مقدمةً لتحويله إلى حرس ثوري عراقي على غرار الحرس الثوري الإيراني.

5- تنامي العنف والاحتقان الطائفي: سيؤدي إقرار القانون إلى زيادة الاحتقان والعنف الطائفي، وتغذية ثقافة الثأر بين المكونين السني والشيعي، خاصة أن القانون يسمح بإعادة الانتشار والتوزيع في المحافظات العراقية المختلفة بما فيها المحافظات السنية، وهو ما سيقوِّض فرص تحقيق مصالحة حقيقية مع المكون السني، كما سيعيق جهود إصلاح العملية السياسية في البلاد والمبادرات المرتبطة بذلك، وفي مقدمتها وثيقة التسوية الوطنية التي يروج لها حاليًّا زعيم التحالف الوطني الشيعي السيد "عمار الحكيم"، وكذلك الجهود التي تقوم بها الأمم المتحدة.

6- تزايد الأعباء المالية: سيزيد إقرار القانون من أعباء العراق المالية، لا سيما أن الدولة العراقية منذ فترة طويلة وهي تعاني من أزمة مالية خانقة جراء تراجع أسعار النفط عالميًّا، وهو الأمر الذي أدى إلى عجزها عن الوفاء بالتزاماتها المالية، ومما لا شك فيه فإن العجز سيتفاقم مع تنفيذ قانون هيئة الحشد الشعبي، وما يرتبط بذلك من رواتب ومخصصات مالية لأعضائه ومسئوليه والمستلزمات العسكرية لهم. ويُشار في هذا الإطار إلى أن المبالغ التي تم تخصيصها خلال عام 2016 لعناصر الحشد شكلت 3.6% من إجمالي النفقات الحكومية. 

7- الخلافات بين البشمركة والحشد الشعبي: قد يؤدي إقراره كذلك إلى مزيدٍ من الخلافات بين بغداد وأربيل، على اعتبار أن أربيل سترفض اقتطاع جزء من الموازنة العامة لعام 2017 وضمها إلى الجيش العراقي لتغطية نفقات الحشد الشعبي، كما يُتوقع زيادة الخلاف حول المناطق المتنازع عليها، خاصةً في ضوء المعارك السابقة بين البشمركة وميليشيات الحشد في مناطق متفرقة، لا سيما في طوزخورماتو بمحافظة صلاح الدين، واعتبار الأكراد أن مسألة المناطق المتنازع عليها، قد تم حلها بالدم وسلطة الأمر الواقع. 

ثانيًا- على المستوى الإقليمي: 

سيكون إقرار قانون هيئة الحشد الشعبي عاملا رئيسيًّا في تأجيج الصراعات الإقليمية في المنطقة، وذلك على النحو التالي: 

1- تقنين النفوذ الإيراني بالعراق: يعد القانون بمثابة تقنين غير مباشر للنفوذ الإيراني في العراق، والشاهد على ذلك الضغوط الإيرانية من أجل إقراره، بالإضافة إلى الدعم الإيراني المكثف لتلك الميلشيا، سواء ماليًّا أو عسكريًّا، وإشراف قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني "قاسمي سليماني" شخصيًّا على عملها، فضلا عن ولاء معظم ميليشيات وفصائل الحشد لمبدأ ولاية الفقيه.

2- تنامي نفوذ الحشد الشعبي في سوريا. إقرار القانون وتقنين أوضاع الحشد الشعبي في العراق وإدماجها رسميًّا في الجيش العراقي قد يمكنه من الانتقال إلى الأراضي السورية بحجة ملاحقة عناصر داعش، وهو الأمر الذي سيدفع أطرافًا إقليمية عدة إلى اعتبارها ميليشيا عابرة للحدود تخوض حروبًا بالوكالة لصالح طهران، وهو ما سيساهم في تصاعد الطائفية في المنطقة، كما سيعقد من جهود حل الأزمة السورية، حيث ستراهن الأطراف المختلفة حينذاك على الحل العسكري.

3- تزايد التنافس الإيراني-التركي في العراق، حيث سيدفع إقرار القانون أنقرة إلى البحث عن خيارات جديدة لمحاولة موازنة النفوذ الإيراني المتصاعد، ومن ذلك تعزيز الحضور التركي في شمال العراق، وتكثيف دعمها لقوات الحشد الوطني المتواجدة في معسكر بعشيقة. 

مأسسة النفوذ الإيراني بالعراق: 

يدلل إقرار قانون هيئة الحشد الشعبي على أن الموقف الشيعي في العراق يُعتبر الأكثر تماسكًا مقارنةً بباقي الكتل السنية والكردية، إذ إنه وفي مقابل التآلف الشيعي الحالي، أظهرت الفترة الأخيرة تفكك العلاقات السنية الداخلية والكردية الداخلية.

كما يكشف هذا الأمر عن نجاح الجهود الإيرانية في مأسسة أوضاع حلفائها وأدوات نفوذها الاستراتيجي في العراق، خاصة الأداتين السياسية والعسكرية، فسياسيًّا نجحت مؤخرًا في حسم الخلاف داخل التحالف الوطني الشيعي بعد تولي "عمار الحكيم" رئاسته، وضبط التوازنات داخل الكتلة الشيعية، وعسكريًّا استطاعت شرعنة أوضاع ميليشيات الحشد الموالية لها. 

ومن الواضح أن تقنين أوضاع الحشد الشعبي جاء في ضوء تزايد المخاوف الشيعية والإيرانية من إمكانية تنفيذ المطالبات بحله، على اعتبار أنه سيكون غير ذي جدوى بعد معركة الموصل. 

واستمرار الحشد الشعبي في عراق ما بعد داعش سيزيد من أزمات العراق الداخلية، وسيمثل خطرًا وجوديًّا يهدد كيان الدولة العراقية، كما سيحمل تداعيات سلبية على المنطقة بأكملها، إذ سيزيد من حدة التجاذبات الإقليمية. 

ختامًا، يمكن القول إن الخطورة الرئيسية من إقرار قانون هيئة الحشد الشعبي على مستقبل العراق تتمثل في أن المؤسسة العسكرية العراقية أصبحت طرفًا رئيسيًّا في الخلاف الشيعي-السني، وباتت تحكمها الاعتبارات الطائفية، وهو ما يقضي على أية مساعٍ قد تهدف إلى تحويلها إلى مؤسسة وطنية جامعة لكل العراقيين، وبالتبعية إجهاض مساعي الوصول إلى دولة مواطنة حقيقية.