مخاوف "الأفغنة":

مواقف التيارات "الإسلامية" من أزمة الحوثيين

20 September 2014


يتجه الوضع في اليمن مع تفاقم الأزمة، سياسياً وأمنياً إلى الأسوأ، بعد أن بدأت جماعة الحوثيين في الأسابيع الأخيرة مرحلة جديدة تهدف إلى تعزيز نفوذ تنظيمهم، عبر محاولة إفشال متدرج لعملية التسوية السياسية التي شاركوا فيها بعد تخلي الرئيس علي عبد الله صالح عن السلطة في عام 2012؛ حيث وصل الحوثيون إلى قلب العاصمة صنعاء، مستغلين قضية اجتماعية ذات طابع شعبي، هي رفع أسعار الوقود، ليواصلوا زحفهم نحو العاصمة وتطويقها وحصار العديد من الوزارات والمؤسسات السيادية ووقوفهم على بعد كيلومترات قليلة من مقر رئاسة الدولة اليمنية.

وواضح أن الحوثيين (جماعة أنصار الله)، وبتأييد من إيران التي رفضت الدول الغربية والدول العربية دخولها في التحالف الدولي لمحاربة داعش، ينفذون أوامر إيران التي أرادت أن تلهب الجبهة اليمينة رداً على تجاهلها إقليمياً، وأنهم ينقلون الصراع السياسي إلى الصراع الطائفي لاسيما بعد دخول التيارات الإسلامية (السنية) على خط الصراع في اليمن، بما يهدد بتفجير حرب أهلية ذات أبعاد طائفية لم تغب أبداً عن تحركات الحوثيين منذ تسعينيات القرن الماضي.

ويبدو أن التيارات الإسلامية في اليمن لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تصعيد الحوثيين، سواء من حيث اعتصامهم في قلب العاصمة، أو من حيث تصعيدهم العسكري في بعض المناطق مثل "عمران" و"دماج" وغيرهما. لذلك أعلنت التيارات الإسلامية الرئيسية في اليمن عن مواقفها بوضوح من أزمة الحوثيين، والتي تنصب مجملها في إعلان العداء والرفض لما يقومون به؛ الأمر الذي يجعل الأزمة الحالية في اليمن تأخذ بعداً طائفياً أكثر منه بعداً سياسياً.

التيارات الإسلامية وتصعيد الحوثيين

جعلت أزمة الحوثيين الأخيرة التيارات الإسلامية في اليمن، على الرغم مما بينها من خلافات، تتوافق حول ضرورة الوقوف في وجه الحوثيين، كل على حسب طريقته وأسلوبه في التعامل، خاصة أن الحوثيين يبدون اليوم أكثر من أي وقت أداة من أدوات إيران الإقليمية مع دخول إيران على خط الأزمة ودفاعها عن الحوثيين بشكل علني.

ويمكن تحديد موقف التيار الإسلامي في اليمن من الأزمة الراهنة من خلال استعراض مواقف التيارات الرئيسية "الإسلامية" في، اليمن وهى كالآتي: ـ

1 ـ التيار الجهادي وخيار العنف المسلح ضد الحوثيين:

يتجه الوضع في اليمن إلى محاكاة ما يجري في العراق وسوريا، بعد أن أعلن تنظيم "القاعدة" في اليمن، والذي يعد جزءاً من تنظيم أكبر هو تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، نقل المعركة إلى صنعاء لمواجهة ما يسمونهم "الخوارج"، حيث صرح القيادي في التنظيم "جلال بلعيدي"، أن كثيراً من المقاتلين التابعين للتنظيم وصلوا إلى صنعاء من أجل قتال الحوثيين، وأن "قتالنا سيكون ضد الحوثيين والحكومة معاً". كما تم تشكيل "وحدات خاصة" للدفاع عن "أهل السنة" في المناطق التي يعتدي فيها الحوثيين على أهل السنة.

وقد جاء حديث بلعيدي بعد أيام من اتهام تنظيم "القاعدة" على لسان القيادي "مأمون عبدالحميد"، الحكومة اليمنية بأنها الراعية لجماعة الحوثي، وأنها هي التي سلمت محافظتي صعدة وعمران للحوثيين، وأن هناك تمثيلية دنيئة تجري لتسليم العاصمة صنعاء للحوثيين وفرضهم كواقع لا يمكن دفعه. لذلك دعا التنظيم من وصفهم بـ"أبناء أهل السنة" إلى الالتحاق بالتنظيم للدفاع عن الإسلام، لأن الخطر الشيعي قادم، وإذا لم يتداركوا أمرهم، فسيفعل بهم الشيعة الروافض، كما فعلوا بأهل السنة في العراق وأفغانستان".

وانطلقت هذه التصريحات في ظل المواجهات الدائرة بين تنظيم القاعدة والحوثيين في محافظة "الجرف" من ناحية، والمواجهات بين التنظيم والجيش اليمني من ناحية أخرى، والتي كان أهمها في الفترة الأخيرة، عمليتين إرهابيتين أسفرت عن استشهاد 14 جندياً، وإصابة 30 جندياً آخرين في محافظة "شبوة".

ويشير موقف التيار الجهادي في اليمن من جماعة الحوثي والحكومة، إلى أن تنظيم القاعدة باليمن وجزيرة العرب سيخوض الحرب ضد كل من جماعة الحوثيين والحكومة اليمنية على حد سواء. أي أن التنظيم قد وجد في هذه الأحداث الجارية فرصة مناسبة للعودة مرة أخرى الى صدارة الأحداث والظهور بمظهر المدافع عن أهل السنة في اليمن بقتاله للحوثيين، والمدافع عن حقوق الفقراء والبسطاء من أبناء اليمن بإعلانه قتال الحكومة اليمنية؛ وهذا ما سيجعل السلطات اليمنية تجد نفسها أيضاً تصارع على جبهتين مختلفتين تتواجد فيها أكبر جماعات العنف في البلاد، تنظيم القاعدة في الجنوب، والحوثيون في الشمال.

2 ـ التيار السلفي والتصعيد ضد الحوثيين:

دخل السلفيون على خط المواجهة ضد جماعة الحوثيين، خاصة بعد الاعتداءات التي تعرض لها معقل السلفيين في منطقة "دماج"، حيث حاصر أنصار الحوثي منطقة دماج من جميع الجهات ومنعوا الدخول إليها والخروج منها، وقصفوها بالأسلحة الثقيلة والرشاشات ومدافع الهاون، مما تسبب في هدم عدد كبير من منازل المواطنين، كما قام المسلحون بقنص المواطنين والطلاب الذين يدرسون في "مركز دار الحديث للعلوم الشرعية" بدماج.

ولهذا فقد أعلن التيار السلفي في اليمن أن الحوثيين يهدفون من الاعتداء ضد السلفيين إلى "السيطرة الكاملة على منطقة دماج التي يسكنها أكثر من 15 ألف مواطن، واستئصال أهل السنة والسلفيين منها، وتحويل محافظة صعدة إلى منطقة شيعية تحت سيطرة الحوثيين التامة كما هو حاصل في جنوب لبنان". في حين يقول الحوثيون إن مركز "دماج" يعج بالمقاتلين الأجانب من أكثر من مائة دولة، ويخالف وجودهم القوانين اليمنية، لعدم وجود إقامات لديهم ودخولهم اليمن بطريقة غير شرعية، وأيضاً لحملهم السلاح والمشاركة في حروب داخل اليمن".

وقد رد التيار السلفي في اليمن على تصعيد الحوثيين ضده وضد الدولة اليمينة من خلال محورين، الأول، هو تأيد التظاهرات المناهضة للحوثيين في العاصمة صنعاء والمشاركة فيها بقوة. والمحور الثاني، هو الخيار العسكري، حيث تشير بعض الأنباء إلى أن هناك نحو 4 آلاف مقاتل سلفي توافدوا إلى منطقتي "كتاف" و"حاشد" في الأسابيع الأخيرة، من أجل مواجهة الحوثيين الذين يحاصرون منطقة "دماج".

3 ـ الإخوان المسلمون والمواجهة مع الحوثيين:

جاءت دعوة جماعة الإخوان المسلمين إلى التظاهر ضد جماعة الحوثي، لتكشف عن توجه جماعة الإخوان العدائي تجاه جماعة الحوثي، برغم ما كان بين الطرفين من توافق عند اندلاع التظاهرات والاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس اليمني السابق على عبدالله صالح، ويتهم الإخوان المسلمين في اليمن جماعة الحوثي بالسعي للإطاحة بالنظام الجمهوري وأنهم "ثورة مضادة"، حيث وصف زعيم جماعة الإخوان المسلمين في اليمن الشيخ حميد الأحمر, جماعة الحوثي بـ "الغوغائيين", وأنهم ثورة مضادة لحركة الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في فبراير 2011 ضد نظام الرئيس عبدالله صالح، معلناً رفضه لمطالب إشراك الحوثيين في حكومة يعتزم تشكيلها قريباً.

وقد جاء التصعيد الأخير من قبل الحوثيين ضد الدولة اليمنية، ليمنح جماعة الإخوان فرصة لرد الصفعة للحوثيين، الذين حققوا انتصارات عسكرية عدة ضد معاقل الإخوان، لعل أبرزها كان تمكن الحوثيين من دحر الإخوان في محافظة "عمران" معقل جماعة أولاد الأحمر وزعماء الإخوان في اليمن، وذلك من خلال التكاتف مع القوى الوطنية والإسلامية صفاً واحداً من أجل الوقوف في وجه الحوثيين؛ وهو ما قد يعني عودة الإخوان للحمة الوطنية من جديد بعد خلافات كبيرة شهدتها الفترة الماضية، وإن كان ذلك لظروف المرحلة وتوغل الحوثيين بالعاصمة بأكثر من المتخيل.

مخاطر اشتعال الأزمة في اليمن

إن أخطر ما في الأزمة اليمنية الحالية التي يلعب فيها الحوثيين الدور الرئيسي، هو دخول التيارات الإسلامية السنية بمختلف أطيافهاعلى خط الأزمة، وإعلانها الواضح الدخول في حالة عداء مع الحوثيين، فهذا ما سيحول الصراع السياسي في اليمن إلى صراع طائفي من الدرجة الأولى، تتداخل فيه العوامل المذهبية مع المصالح السياسية والتدخلات الإقليمية. لذلك إذا انفجر الصراع المسلح في اليمن في ظل هذه التعقيدات، فلن يستطيع أحد السيطرة عليه، وستكون الخسائر فادحة، خاصة أن الشعب اليمني يكاد يكون كل أبنائه مسلحون.

وإذا ما بدأ الصراع المسلح في اليمن وفق هذا الاتجاه الطائفي، فإنه سيجعل من اليمن بؤرة جاذبة للمقاتلين الجهاديين بصفة خاصة بأكثر مما هو عليه اليوم، والذين سيتدفقون على اليمن من أجل نصرة الإسلام والدفاع عن أهل السنة ضد الشيعة الروافض –حسب اعتقادهم- وهذا ما يعني التوجه نحو "أفغنة" اليمن بشكل واضح وصريح.

ومن ناحية أخرى، فإن كل من التيارات الإسلامية والحوثيين، ينطلقون في توجهاتهم السياسية والتنظيمية من منطلق طائفي واضح، لذلك فان اندلاع صراع في اليمن بين الطرفين سيكون بمثابة نواة لموجة صراعات طائفية ستطال المنطقة بأكملها، حيث إن كلاً من الطرفين سوف يستنجد بأشياعه وأتباعه في المنطقة للدفاع عن المذهب والعقيدة؛ وهو ما سيساهم في خلق حالة من العنف الطائفي في المنطقة سيكون من الصعب السيطرة عليها.