الإمارات اليوم:

إسرائيل تواجه خيار «الحرب المباشرة» ضد إيران و«حماس» في 2022

26 December 2021


تدخل إسرائيل عام 2022 وهي تواجه تحديات داخلية وأخرى خارجية، يصعب التكهن بتطوراتها، ولعل أبرزها تهديدها باستخدام الخيار العسكري المنفرد لإيقاف مشروع إيران النووي، واحتمال دخول تل أبيب في صدام مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على خلفية الملفين الفلسطيني والإيراني، فضلاً عن الصعوبات التي قد تواجهها في توسيع اتفاقيات السلام والتعاون، لتشمل دولاً عربية أخرى. وترتبط هذه التحديات وغيرها بمشكلات فرعية تتعلق في أحد جوانبها بمدى قدرة الائتلاف الحاكم حالياً، والذي يقوده رئيس الوزراء نفتالي بينيت، على البقاء في السلطة، وفي جانبها الآخر بتصاعد الانقسامات السياسية والاجتماعية في الداخل الإسرائيلي بشكل غير مسبوق.

عقبات أمام ضرب إيران

فشلت إسرائيل في إقناع الولايات المتحدة في ظل إدارة بايدن، بالامتناع عن التفاوض مع إيران للعودة إلى الاتفاق النووي المُوقع في عام 2015 والذي انسحبت منه واشنطن في عهد إدارة دونالد ترامب السابقة في عام 2018. وشددت تل أبيب على أنها لن تقبل بإعادة تفعيل الاتفاق النووي حتى بصيغته الأصلية، مطالبة واشنطن باعتماد الخيار العسكري ضد طهران، وهددت إسرائيل بأنها قد تضطر للعمل بشكل منفرد ضد المشروع النووي الإيراني، حتى لو اعترضت الولايات المتحدة على ذلك.

ولكن هناك شكوكاً في إمكانية قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية منفردة ضد إيران، وذلك لاعتبارات عدة، منها:

1- عدم امتلاك إسرائيل الإمكانات العسكرية التي يمكنها تدمير المنشآت النووية الإيرانية كلها والموزعة في مواقع متباعدة وشديدة الحراسة.

2- إذا كان بإمكان إسرائيل اختيار موقع أو منشأة نووية إيرانية واحدة لتركيز ضرباتها عليها وإخراجها من العمل كلياً، وبالتالي قطع تكامل خطوط المشروع وإبطاء تنفيذه لأعوام عدة مقبلة؛ فإن تعرض إيران لعدوان إسرائيلي مباشر بضربات صاروخية أو غارات جوية، سيحول الضربة الإسرائيلية والضربات الإيرانية المُضادة إلى حرب واسعة النطاق يُتوقع أن تواجه فيها تل أبيب هجمات صاروخية مكثفة موجهه إلى معظم مدنها من جانب أذرع إيران في المنطقة، وتحديداً في لبنان والعراق وسورية واليمن؛ وهو سيناريو لا تستطيع إسرائيل مواجهته منفردة.

3- بالرغم من تهديدات إسرائيل لإيران والتي تزامنت مع إجراء الأولى مناورات بحرية وجوية مع الولايات المتحدة ودول حليفة أخرى، وأيضاً إجراء تدريبات ضخمة على كيفية مواجهة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، لهجمات متعددة من أطراف خارجية عدة، وحتى احتمالات نشوب مواجهات أثناء الحرب الافتراضية مع إيران، بين المواطنين العرب واليهود داخل المدن المختلطة؛ بيد أنه يمكن فهم تلك التهديدات على أنها جزء من «حرب نفسية» تشنها إسرائيل ليس فقط ضد إيران، ولكن أيضاً ضد الولايات المتحدة والدول الخمس الأخرى المُوقعة على اتفاق عام 2015.

استمرار تهميش الملف الفلسطيني

بالرغم من الوعود التي أطلقها الرئيس الأميركي بايدن بأنه سيسعى إلى إعادة إحياء المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية المُعطلة منذ سنوات عدة، وأن الإطار الحاكم لهذه المفاوضات هو حل الدولتين؛ فإن الشكوك تحوم حول مدى قدرة بايدن على الوفاء بوعده، وذلك في ظل رفض، نفتالي بينيت، لهذا الحل بشكل قطعي ومُعلن، حتى من قبل توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية. كما أن إدارة بايدن تريد أن تنتهي من الملف الإيراني أولاً، ولا تريد تشتيت جهودها في هذا الشأن.

وتكمن المشكلة الأكبر هنا في قدرة إسرائيل على استغلال ورقة الأمن لتفكيك الضغوط الأميركية عليها، حيث أصبحت هذه الورقة مرهونة بالعلاقة غير المنظورة بين الملفين الإيراني والفلسطيني، ومحاولات تل أبيب لإقناع واشنطن بأنها لا يمكنها أن تُعرض أمنها لخطر مزدوج؛ يتمثل في سعي إيران لامتلاك السلاح النووي من جانب، وسعي الفلسطينيين من جانب آخر إما لتدميرها (كما تريد حركتا حماس والجهاد)، أو لإضعافها (كما تريد السلطة الفلسطينية في رام الله) بتبني مشروع إعادة إسرائيل إلى حدود الرابع من يونيو 1967، والذي يُجمع الخبراء الأمنيين الإسرائيليين على أنها حدود لا يمكن الدفاع عنها وتُعرض إسرائيل لخطر وجودي حتى على المدى البعيد.

بمعنى أكثر وضوحاً، أنه في حالة فشل مفاوضات فيينا النووية، ستعمل إسرائيل على أن تتذرع بفشل الولايات المتحدة في إجبار إيران على التخلي عن طموحاتها النووية؛ لكي تبرر أنها ليست مستعدة لتعريض نفسها لخطر آخر بتقديم تنازلات للفلسطينيين.

تطوير الاتفاقيات الإبراهيمية

مثّلت اتفاقات السلام التي وقّعتها إسرائيل مع دولة الإمارات ومملكة البحرين والمملكة المغربية والسودان، نجاحاً كبيراً للدبلوماسية الإسرائيلية، وتأمل الأخيرة في الحفاظ على هذه الاتفاقيات وتطويرها، وانضمام المزيد من الدول العربية إليها. ولكن هذه النجاحات تبقى مهددة بسبب الأوضاع غير المستقرة في بعض الدول مثل السودان؛ والذي أعلن عن خيبة أمله لعدم تلقيه المقابل الذي كان يريده من مساعدات اقتصادية، ودعم سياسي.

ومن ثم، فإن توسيع إسرائيل نطاق اتفاقيات السلام الإبراهيمية بضم دول عربية أخرى، ربما يكون غير مرجح حدوثه في عام 2022، وبدلاً من ذلك ستعمل تل أبيب على تطوير أو على الأقل الحفاظ على ما تحقق من اتفاقيات تعاون مع الدول العربية.

أزمات داخلية

تواجه إسرائيل مشكلات داخلية متشابكة، وعلى رأسها وجود ائتلاف حاكم بأغلبية ضيقة، ما يجعله مُعرضاً للتفكك في أي لحظة، ومن ثم عودة البلاد إلى الأزمة الحادة التي تعرضت لها قبل تشكيل حكومة بينيت الأخيرة، حيث ظلت دون حكومة منتخبة لمدة عامين بعد 4 انتخابات عامة متتالية. وتزداد هذه المخاوف في ظل بطء إجراءات محاكمة رئيس الوزراء السابق وزعيم المعارضة الحالي، بنيامين نتنياهو، إذ إن الائتلاف الحاكم الذي يقوده بينيت حالياً، يسعى بكل الطرق لإخراج نتنياهو من الخريطة السياسية سواء بتمرير تشريع يمنع ترشحه لمنصب رئيس الحكومة، طالما بقي تحت المحاكمة، أو بالضغط على المؤسسات القضائية لتسريع وتيرة محاكمته.

على الجانب الآخر، يريد بينيت تجنب أية مواجهة مع حركة «حماس» في قطاع غزة، حيث ستكون هذه المواجهة إذا حدثت اختباراً حقيقياً لما كان بينيت يعلنه بأنه قادر على هزيمة الحركة بعمليات عسكرية أقوى من تلك التي كان سلفه نتنياهو يعتمدها أثناء فترة حكمه. وبالتالي إذا فشل بينيت في ردع «حماس» أو هزيمتها في أي معركة مقبلة، سيكون ذلك بمثابة إنهاء مبكر لطموحاته بحكم إسرائيل لفترة طويلة، إن لم يكن ضربة قوية لمستقبله السياسي بأكمله.

توتر داخلي

تعاني إسرائيل توتراً خطيراً بين مواطنيها اليهود والعرب، وهو وضع يصعب معالجته في وقت قصير؛ ما سيؤثر على قرارات تل أبيب فيما يتعلق بإمكانية دخولها في مواجهة عسكرية مفتوحة مع إيران، أو إمكانية استمرارها في رفض الضغوط الأميركية لفتح مسار السلام مع الفلسطينيين. وينبع مصدر القلق الإسرائيلي هنا من سابقة اندلاع أعمال عنف بين المواطنين الإسرائيليين العرب واليهود أثناء المواجهات العسكرية التي دارت بين إسرائيل وحركة «حماس» في مايو 2021، ما شكّل حينها عبئاً أمنياً كبيراً على الجبهة الداخلية في إسرائيل، وهو ما يمكن أن يتكرر حال نشوب مواجهة واسعة بين تل أبيب وطهران، أو على خلفية ممارسات الأمن الإسرائيلي، خصوصاً في القدس والضفة الغربية.

تواجه إسرائيل مشكلات داخلية متشابكة، وعلى رأسها وجود ائتلاف حاكم بأغلبية ضيقة، ما يجعله مُعرضاً للتفكك في أي لحظة، ومن ثم عودة البلاد إلى الأزمة الحادة التي تعرضت لها قبل تشكيل حكومة بينيت الأخيرة، حيث ظلت دون حكومة منتخبة لمدة عامين بعد 4 انتخابات عامة متتالية.

*لينك المقال في الإمارات اليوم*