المبادئ العشرة:

كيف تفكر الإمارات في سياستها الخارجية عام 2022؟

15 December 2021


لا شك في أن الإمارات دولة نشطة في كل المجالات التنموية، ولها مكانتها الإقليمية والدولية التي تتصاعد مع مرور الوقت. وظهر ذلك بوضوح خلال الفترة الأخيرة نتيجة لتراكم تجربة الدولة التنموية التي احتفلت بيوبيلها الذهبي منذ أيام، فهي تبدو للبعض أرضاً لـ "تحقيق الأحلام"، وللبعض الآخر مكاناً لـ "صناعة الأمل"، وتبدو لآخرين بيئة مناسبة للاستثمار وتشغيل رؤوس الأموال. 

وقد دشنت دولة الإمارات استراتيجيتها الجديدة للخمسين عاماً القادمة، وحددتها في المبادئ العشرة التي تستهدف بها المحافظة على مسارها التنموي الذي عرفه المجتمع الدولي عنها، فضلاً عن الاستمرار في منافسة الدول المتقدمة في مساعي تحقيق حياة كريمة للإنسان من خلال التركيز على تجربتها الوحدوية وتعزيز تنميتها الاقتصادية، وبما يساهم في استقرار المنطقة.

وثمة تساؤلات حول ما سيحدث خلال عام 2022 الذي يشهد الانطلاقة الخمسينية الثانية لدولة الإمارات، وكيف ستتصرف الدولة مع إقليم ملتهب في تفكيك الملفات المعقدة وتقريب وجهات نظر المختلفين، مع الحفاظ على مسافة متساوية مع الجميع وهو الأصعب، وهل ستتمكن من تطبيق استراتيجيتها من دون أن تواجه محاولات عرقلة من منافسيها؟

ومن أبرز أدوات استشراف المشروعات الاستراتيجية للدول، دراسة المبادئ السياسية التي وضعتها قيادتها كخريطة طريق وإطار عام لتوجهات سياستها الخارجية، وقياس مدى الانقطاع أو التواصل مع الإرث السياسي للدولة، ورسم صورة تحليلية ومنحنى زمني كامل لدبلوماسيتها الخارجية التي تعبر عن المصالح والأهداف والمحددات والتحديات المختلفة.

تحركات إقليمية:

شرعت الإمارات في تطبيق دبلوماسية "صفر مشاكل" التي تعتمدها إقليمياً، وكعنوان عريض لما حملته المبادئ العشرة من أهداف تتعلق باستقرار منطقة الشرق الأوسط. فبعد المصالحة الخليجية في قمة العُلا بالرياض في يناير 2021، جرى تحرك نحو سوريا من خلال الزيارة التي قام بها سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، إلى دمشق، في 9 نوفمبر الماضي، والتقى خلالها الرئيس السوري بشار الأسد؛ وذلك في خطوة اُعتبرت اختراقاً دبلوماسياً عربياً. ثم جاءت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى تركيا، ولقائه الرئيس رجب طيب أردوغان، في 24 نوفمبر الماضي، والتي تم الإعلان خلالها عن تأسيس الإمارات صندوقاً بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا. وتزامن مع هذه الزيارة في اليوم نفسه، قيام علي باقري كني، نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية وكبير المفاوضين النوويين، بزيارة للإمارات. كما قام سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني، بزيارة إلى طهران، في 6 ديسمبر 2021، حيث بحث مع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، العلاقات الثنائية وسُبل تعزيزها.

وربما تمثل تلك الزيارات الخطوات الأهم للإمارات على المستوى الإقليمي بعد الاتفاق الإبراهيمي مع إسرائيل، حيث فاجأت الإمارات الجميع بقدرة دبلوماسيتها على استيعاب التغيرات الاستراتيجية في المنطقة، والتعاطي معها بمرونة وثبات وفاعلية وجرأة. وتم كل هذا مع الاحتفاظ بنشاط الدولة الدبلوماسي في الملفات العالمية الأخرى، وهو ما يعد نوعاً من الاستعداد للمرحلة المقبلة في عام 2022، عندما تشغل الإمارات مقعداً غير دائم في مجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى طرح مبادرات تنموية عالمية جديدة. ويجسد كل ذلك المبادئ العشرة، من خلال الحفاظ على التنمية الداخلية وتقوية الدور الخارجي. 

صيغ تعاونية:

بقراءة المبادئ العشرة لدولة الإمارات للخمسين عاماً المقبلة، نستطيع القول إنها تستند في جوهرها إلى الإرث السياسي للدولة، وتنطلق من تجربتها التنموية ومن الصورة التي كونتها لدى الرأي العام العالمي. وقد حولت ذلك الانطباع وترجمت تلك الصورة في خطة عمل تسير عليها خلال الـ 50 عاماً المقبلة. 

وقد تم بناء القيم الإماراتية منذ تأسيسها عبر الخمسين سنة الماضية انطلاقاً من الاهتمام بالإنسان؛ كونه الثروة الحقيقية. وقد شكل هذه المنظومة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه"، واستند إليها كل البناء التنموي والعلاقات الخارجية وبالأخص في الجوار الجغرافي ذي التأثير المباشر إيجاباً وسلباً في أمن ومصالح الدولة. وباتت أولوية الإنسان وقضاياه الدافع للإمارات في كل تحركاتها الخارجية، وهو ما تم التأكيد عليه في مبادئ وثيقة الخمسين عاماً المقبلة.

وترسخ هذه المبادئ في مجملها اختيار الإمارات للإنسانية كمدخل وإطار عمل تسعى من خلاله إلى المحافظة على تجربتها التنموية وتحقيق مزيد من النجاحات فيها بالتشارك والتعاون واقتسام المكاسب والإيجابيات مع العالم. وتتمكن من خلاله أيضاً، بالتشارك مع العالم، من مواجهة التحديات ورفع الأعباء وحل المشكلات والنزاعات الإقليمية والعالمية. 

وستعمل الدولة على تجسيد هذا التصور من خلال وجودها المرتقب في منظمات دولية مهمة، بدءاً بالعضوية في مجلس الأمن الدولي؛ المحفل العالمي المعني بالأمن والاستقرار والسلم الدولي، ورئاسة المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) والتي ستسعى الإمارات بقيادتها إلى تفعيل وتطوير مكافحة العالم للجريمة المنظمة، وتحديث وسائل مواجهتها وربطها بأهداف ومقتضيات الاستقرار والتنمية في العالم.

ويُضاف إلى ذلك، وجود الإمارات عضواً في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهي فرصة كبيرة ومهمة إذ تخدم توجهات الدولة نحو التعايش الإنساني والتفاهم العالمي والحرص على تعريف الآخر، خصوصاً المجتمعات الغربية، بالقيم العربية والإسلامية، وتوضيح حدود وملامح الاختلاف في الثقافة السياسية، وضرورة ألا يكون التلاقي والتفاعل بين الأمم والمجتمعات على حساب الاستقرار والخصوصيات والمقدسات. 

وفي مسار موازٍ، تتجه الإمارات لتكون أكثر انخراطاً في مواجهة العالم للتهديدات والتحديات ذات الطابع البيئي – الإنساني، وذلك باستضافة "قمة COP 28" المناخية في عام 2023، بعد حضورها النشط والبارز في قمة غلاسكو للمناخ في نوفمبر الماضي. 

مجمل القول، ستعمل الإمارات خلال عام 2022 على طرح صيغ جديدة في التعامل مع الإقليم والخارج عموماً حول ما يجب أن تكون عليه العلاقات الدولية، والكيفية التي يجب أن تُعالج بها القضايا والأزمات الخلافية. وسيكون هدفاً أساسياً للتحركات الإماراتية، تخفيف حدة الاحتقان والتباين بين الدول، والانتقال إلى صيغ وتسويات تعاونية في نطاق الجوار الجغرافي، وإعمال مبدأ "لنفوز جميعنا".


أولوية الاقتصاد:

في المبادئ الثلاثة الأولى من المبادئ العشرة للإمارات، تسعى الدولة إلى ضمان استمرار تجربتها التنموية بوتيرة أكثر تنوعاً نظراً لتغير طبيعة التحديات، وهو ليس هاجسا إماراتياً فقط، وإنما يؤرق كل دول الإقليم والعالم، لاسيما في ظل تداعيات جائحة كورونا. لذا تحرص الإمارات على زيادة التعاون مع الجميع، من مدخل تجميع المصالح الاقتصادية وتجنب الصدامية في التعامل أو استثارة الآخرين. فيما توجه جهودها نحو التنافس على تحقيق التقدم والتميز، ما سيفضي تلقائياً إلى تثبيت وتأكيد الانطباع بأنها دولة أهل للثقة في المجتمع الدولي.

واليوم تحظى الإمارات بعلاقات مع كل دول العالم، وتستضيف فوق أراضيها جميع الجنسيات أياً كانت معتقداتهم الأيديولوجية، فالجميع عندها أصدقاء. كما أن الدولة على قناعة تامة بأهمية إعادة رسم العلاقات العربية - العربية من مدخل المصالح، باعتباره المدخل الأنسب والأكثر قدرة على تأمين علاقات راسخة ودائمة وناجحة ومتطورة، خاصة بعد تجارب عربية سابقة لم يُكتب لها النجاح؛ لأنها قدمت السياسة على الاقتصاد. وإذ تطرح الإمارات ذلك، فإنها تؤكد أن الاستفادة تبادلية، والمصالح مشتركة وجماعية، وبعيدة عن الاستغلال والانتهازية.

الخلاصة، رؤية الإمارات ومنطلقاتها في تحديد وممارسة دورها الإقليمي والدولي خلال عام 2022، تستند إلى المبادئ العشرة التي أعلنتها الدولة باعتبارها مرجعية أساسية لها، حيث ستكون هذه المبادئ دليلاً ومرشداً للإمارات في تحركاتها الدبلوماسية الخارجية، لتؤكد إيمان القيادة الإماراتية بأن نموها الاقتصادي يعتمد على استقرار المنطقة، والذي سيعزز بدوره مكانة الدولة كحاضنة للاستثمارات الأجنبية، وسيُمكنها من مساعدة الدول الأخرى في الخروج من الأزمات التي تعيشها. 

لذلك تبذل الإمارات مساعي دبلوماسية من أجل تجنيب منطقة الشرق الأوسط أي نوع من الصدامات. أما التركيز على الاقتصاد، فلكونه المحرك الحقيقي للعلاقات الدولية؛ وفي ذلك دليل وتأكيد ضمني على أن الإمارات لا تبحث عن التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة في الإقليم، حيث يتعلق هذا بجوانب وقضايا سياسية. بينما حرصت الإمارات على صياغة مبادئها وتطبيقها بشكل أساسي في سياقات اقتصادية وإنسانية، فهي التي تجمع الشعوب وتقرب بينها.