تحدي "المتحورات":

كيف تسهم "الممرات الخضراء" في تعافي الاقتصاد العالمي؟

02 December 2021


اتجهت العديد من الحكومات في العالم، في ظل جائحة كورونا، إلى إبرام اتفاقيات بينية تُعرف بـ "الممرات الخضراء"، والتي تسمح لمن تلقوا اللقاحات المضادة لفيروس كورونا بحرية التنقل بين الدول المُوقعة على هذه الاتفاقيات، فضلاً عن الاعتراف المتبادل بشهادات التطعيم ضد الفيروس. وتُعتبر تلك الاتفاقيات امتداداً لما قامت به بعض الدول من إطلاق تصريحات صحية تُعرف بـــ "التصريح الأخضر" والذي يُسمح فقط من خلاله للأشخاص بدخول الأماكن العامة داخل الدولة. وتمثل تلك الاتفاقيات ركيزة رئيسية لتسهيل انتقال الأفراد بين الدول وبشكل آمن، وسط القيود المرتبطة بالجائحة، وعلى نحو سوف يساهم في سرعة تعافي قطاعي السياحة والسفر في العالم.

ممرات آمنة:

طبقت العديد من دول العالم في الأشهر الأخيرة "ممرات آمنة" سواء داخل الدولة الواحدة أو بين الدول وبعضها البعض، في إطار إجراءاتها للتعافي من التداعيات السلبية لجائحة كورونا، كما يتبين على النحو التالي:

1- "التصريح الأخضر" داخل الدولة: أطلقت الحكومات في الفترة الأخيرة تصريحاً صحياً يُعرف بـ "التصريح أو المرور الأخضر" والذي يُسمح فقط من خلاله للأشخاص بدخول الأماكن العامة المختلفة في هذه الدول. فعلى سبيل المثال، أقرت الحكومة الإيطالية تصريح المرور الصحي واعتبرته شرطاً إلزامياً للدخول إلى بعض الأماكن والمناسبات العامة مثل المطاعم والفعاليات الرياضية والحفلات الموسيقية والمعارض وغيرها، منذ أغسطس الماضي.

ويعتبر هذا التصريح وثيقة تفيد بأن حاملها قد تلقى جرعة واحدة على الأقل من لقاح فيروس كورونا، أو أنه تعافى من الإصابة بالفيروس، أو أنه قد أجرى اختباراً بشأن الإصابة بالفيروس خلال الـ 48 ساعة الأخيرة وكانت نتيجته سلبية.

كما تستخدم بعض الدول الأوروبية نهجاً مشابهاً لـ "التصريح الأخضر" في الداخل، من خلال تطبيقات إلكترونية وأنظمة مختلفة، يُسمح على أساسها للأشخاص بدخول الأماكن العامة، ومن بين تلك الدول النمسا وبلجيكا وقبرص وفرنسا وألمانيا واليونان. والأمر نفسه تطبقه بعض الدول العربية وعلى رأسها دولة الإمارات والعديد من الدول الأخرى في الشرق الأوسط.

2- "الممرات الخضراء" بين الدول: هي اتفاقيات تُبرم بين الدول، حيث تسمح لمن تلقوا اللقاحات المضادة لفيروس كورونا بحرية التنقل بين الدول المُوقعة عليها، فضلاً عن الاعتراف المتبادل بشهادات التطعيم، وذلك من دون إلزام المسافرين بالعزل الصحي أو الخضوع لأي إجراءات خاصة بمكافحة فيروس كورونا، بعد الانتقال لدولة أخرى. ومن ثم، فإن "جواز السفر الأخضر" أو "الممر الأخضر" بمنزلة شهادة صحية تقر بخلو صاحبها من فيروس كورونا، وتلقيه اللقاح المضاد للفيروس، أو تعافيه منه تماماً، وتتيح له حرية التنقل بين بعض الدول. 

وفي هذا السياق، أطلق الاتحاد الأوروبي مؤخراً "جواز السفر الأخضر" الإلكتروني، والذي يهدف إلى تسهيل حركة التنقل بين دول الاتحاد، حيث يتم إعفاء حاملي هذا الجواز من الإجراءات الخاصة بمكافحة فيروس كورونا، مثل الفحوصات الوبائية والحجر الصحي؛ نظراً لأن "الجواز الأخضر" بمنزلة توثيق بشأن تلقي حامله أحد اللقاحات التي وافقت على استخدامها "الوكالة الأوروبية للأدوية".

كما وقّعت دولة الإمارات اتفاقيات للممرات الآمنة مع دول أخرى مثل اليونان وصربيا وإسرائيل، والذي يتضمن الاعتراف المتبادل بشهادات التطعيم الصادرة من الجهات الصحية في الجانبين. كذلك وقّعت البحرين وإسرائيل اتفاق "الممر الأخضر"، ما يسمح لمن تلقوا اللقاحات المضادة لفيروس كورونا بحرية التنقل بين الدولتين.

وتتجه مزيد من دول العالم لتطبيق ممرات آمنة فيما بينها من أجل تسهيل حركة انتقال الأفراد، حيث أعلنت إسبانيا في وقت سابق من العام الجاري أنها تبحث إنشاء "ممر أخضر" مع بريطانيا، ما يُمكن السياح البريطانيين المُطعمين من القدوم إلى إسبانيا.

محددات خاصة:

على الرغم من عدم وجود شروط أو محددات مُعلنة بشأن اتفاقيات "الممرات الخضراء" المُطبقة بين الدول، فإنه يُمكن استقراء بعض المحددات الخاصة بهذه الاتفاقيات، استناداً إلى عدة مؤشرات، ويتمثل أبرزها فيما يلي:

1- ارتفاع معدلات التطعيم: إذ إن أغلب الدول المُوقعة على اتفاقيات "الممرات الخضراء" ترتفع بها معدلات التطعيم ضد كورونا، وتصل لأكثر من 60% من إجمالي السكان. فعلى سبيل المثال، بلغت نسبة الذين تم تطعيمهم بالكامل في دولة الإمارات حوالي 89% من إجمالي السكان، فيما بلغت هذه النسبة حوالي 67% في الاتحاد الأوروبي. 

2- استهداف دفع حركة السياحة: ترتفع مساهمة قطاع السياحة في أغلب اقتصادات الدول المُوقعة على اتفاقيات "الممرات الخضراء"، كما ترتفع نسبة العاملين في هذا القطاع. ومن ثم، فإن الهدف الرئيسي من تسهيل حركة الانتقال بين الدول المُوقعة على هذه الاتفاقيات يتمثل في دفع حركة السياحة التي تضررت من جائحة كورونا. وهنا تبلغ نسبة المساهمة الإجمالية لقطاع السياحة في الإمارات حوالي 12% من الناتج المحلي الإجمالي في الدولة، ويصل متوسطها إلى 10.3% في دول الاتحاد الأوروبي.

3- تعزيز التعاون في المجالات الصحية: تستهدف هذه الاتفاقيات تعزيز التنسيق في المشاريع الصحية وتبادل الخبرات بين الدول المُوقعة عليها في مجال الرعاية الصحية، فضلاً عن توظيف الذكاء الاصطناعي والابتكار من أجل تحسين أداء نظم الرعاية الصحية.


تأثيرات إيجابية:

يمكن أن تؤدي اتفاقيات "الممرات الخضراء" إلى عدد من الآثار الإيجابية على الاقتصاد العالمي، وذلك على النحو التالي:

1- زيادة معدلات التطعيم عالمياً: من المتوقع أن تُسهم هذه الاتفاقيات في دفع مزيد من المواطنين للحصول على اللقاحات المضادة لفيروس كورونا؛ من أجل المرور السهل داخل أو خارج البلاد، مما يُمكن الدول المُوقعة على تلك الاتفاقيات، والتي عادة ما ترتفع لديها معدلات التطعيم، من تحقيق مستهدفاتها بشأن تطعيم سكانها بالكامل ضد الفيروس. ومن ناحية أخرى، قد تُشكل الاتفاقيات دافعاً للدول ذات معدلات التطعيم المنخفضة نحو رفعها، ومن ثم تسهيل حركة السفر والسياحة إليها. 

وبشكل عام، يمكن أن تقود اتفاقيات "الممرات الخضراء" لتعزيز الجهود الدولية لرفع معدلات التطعيم ضد فيروس كورونا عالمياً، والحد من التفاوت في هذه المعدلات بين الدول. إذ تُشير التقديرات إلى تلقي حوالي 66% من السكان في الدول مرتفعة الدخل جرعة واحدة على الأقل من اللقاح، مقابل حوالي 2% من السكان في الدول منخفضة الدخل، وفقاً للبنك الدولي. بينما تأمل "مجموعة العشرين" في تسارع برامج التطعيم الدولية ضد كورونا، وتطعيم 70% من سكان العالم ضد الفيروس بحلول منتصف عام 2022.

2- تنشيط قطاع السياحة العالمي: من المتوقع أن تتسبب جائحة كورونا في خسائر إجمالية لقطاع السياحة الدولية والقطاعات المرتبطة به بنحو 4 تريليونات دولار في عامي 2020 و2021. لكن مع تسارع برامج التطعيم، إلى جانب اتفاقيات "الممرات الخضراء"؛ من المرجح أن تنحسر آثار الجائحة نسبياً على قطاع السياحة، حيث ستنتعش تدريجياً حركة السياحة الدولية في المدى القريب. وفي مؤشر على التحسن في هذا القطاع المهم، فإنه في شهر يوليو الماضي بلغ عدد السياح الدوليين نحو 54 مليون سائح، وبزيادة من 34 مليون سائح مقارنة بشهر يوليو 2020، وذلك على الرغم من أنها أقل من الأعداد البالغة 164 مليوناً في يوليو 2019، وفق منظمة السياحة العالمية. 

وجغرافياً، شهدت مناطق مثل الاتحاد الأوربي انتعاشاً في حركة السياحة الوافدة إليها، وارتفع أعداد الزائرين لها إلى 67.2 مليون سائح في يوليو 2021، وبزيادة نسبتها 765% منذ بداية العام الجاري.

3- تعزيز تعافي سوق العمل: مع التعافي التدريجي لقطاع السياحة في العالم من جائحة كورونا، بفضل برامج التطعيم واتفاقيات "الممرات الخضراء"؛ ستشهد معدلات التوظيف بالقطاع، والتي تضررت نتيجة الجائحة، تحسناً ملموساً، مما سيكون له آثار إيجابية على سوق العمل العالمي. وجدير بالذكر أنه في العام الماضي وحده، فقد قطاعا السفر والسياحة ما يقرب من 62 مليون وظيفة.

4- دعم تعافي الاقتصادات من سلبيات الجائحة: يؤكد صندوق النقد الدولي أن تعافي الاقتصادات العالمية من جائحة كورونا سيرتبط بتسارع برامج التطعيم وحصول السكان على اللقاحات، والتي لها أثر بالغ على قطاعات السياحة وتجارة التجزئة وغيرها، إلى جانب مدى توافر السياسات الاقتصادية الداعمة. وفي هذا الصدد، يرى الصندوق أن معدل نمو الاقتصادات المتقدمة، والتي حصل معظم سكانها على لقاحات كورونا، وصل إلى 5.2% في عام 2021، في حين يبلغ نحو 3% في الاقتصادات منخفضة الدخل.


التعافي الكامل:

بناءً على ما سبق، يمكن القول إن اتفاقيات "الممرات الخضراء"، بفضل تسارع برامج التطعيم ضد كورونا، سوف تلعب دوراً حاسماً في تسهيل حركة الانتقال "الآمن" تدريجياً بين الدول، ومن ثم تنشيط حركة السياحة العالمية. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن التعافي الكامل لقطاع السياحة، وبلوغه مستويات ما قبل الجائحة، غير وارد حدوثه قبل عام 2023 أو 2024، وفق تقديرات منظمة السياحة الدولية التابعة للأمم المتحدة؛ نظراً لاستمرار بعض قيود التنقل في أنحاء أخرى من العالم. كما يمكن اعتبار ظهور سلالات متحورة جديدة من فيروس كورونا عاملاً سلبياً آخر، ربما يضعف الجهود الدولية الرامية لإنعاش قطاع السياحة العالمي، حيث قد تدفع بالدول نحو تطبيق مزيد من القيود على حركة السفر. 

وعلى صعيد آخر، فقد أثارت "التصريحات الصحية" أو "الممرات الخضراء" موجات من الغضب المجتمعي في بعض الدول الغربية، معتبرين إياها انتهاكاً للحريات المدنية، ومؤكدين أنها تحمل تمييزاً ضد أولئك الذين لا يرغبون في تلقي اللقاح ضد كورونا. ولكن من جانبها، دافعت الحكومات عن أن اعتمادها لـ "الممرات الخضراء" ليس أمراً تعسفياً، بل هو شرط جوهري لاستمرار النشاط الاقتصادي وتعزيز تعافيه من الجائحة، وهو ما يبدو افتراضاً صحيحاً من أجل ضمان استقرار الاقتصاد العالمي.