تقارب محدود:

فرص تلاقي المصالح التركية – الإسرائيلية بعد اتصالات أردوغان الأخيرة

01 August 2021


تسعى تركيا إلى تحسين علاقاتها بإسرائيل، وهو ما وضح في الاتصالات التركية – الإسرائيلية الرسمية، والتي بدأت باتصالات بين الرئيس الإسرائيلي اسحق هيرتزوج، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 12 يوليو 2021، إضافة للتواصل الرسمي بين عدد من الوزراء والمسؤولين الأتراك، ونظرائهم على الجانب الإسرائيلي، وهو ما فسر على أنه محاولة تركية لتجاوز التوتر الحاكم للعلاقات منذ سنوات.

تعاون اقتصادي مستمر:

تسعى أنقرة للبناء على العلاقات الاقتصادية والعسكرية القوية بين الجانبين، والتي لم تتأثر بالأزمة القائمة بينهما، وهو ما يتضح في التالي:

1- التعاون العسكري الوثيق: تعد تركيا ثاني دولة بعد الولايات المتحدة تحتضن أكبر مصانع أسلحة للجيش الإسرائيلي تاريخياً. وقد بدأت الاتفاقيات بينهما منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي بتحديث طائرتي "إف – 4" و"إف – 5" بتكلفة 900 مليون دولار، مروراً بترقية إسرائيل 170 من دبابات (M60A1) لتركيا، مقابل 500 مليون دولار، وصولاً للاتفاق الذي يقضي بتبادل الطيارين العسكريين بين البلدين 8 مرات في السنة.

2- علاقات اقتصادية متنامية: تؤكد البيانات الرسمية الصادرة عن معهد الإحصاء التركي وجمعية المصدرين الأتراك والبنك المركزي أن العلاقات الاقتصادية وحجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل تزداد قوة، ويدعمه تصاعد حجم الاستثمارات المباشرة المتبادلة بين البلدين. 

ففي عام 2020 صدّرت تركيا 4.7 مليار دولار إلى إسرائيل. وبهذا الرقم احتلت الأخيرة المرتبة التاسعة بين الدول التي تصدر لها تركيا أكثر من غيرها. وفي الأشهر الأربعة الأولى من عام 2021 ارتفعت صادرات تركيا إلى إسرائيل إلى مليار و851 مليون دولار، بزيادة قدرها 35٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وأصبحت إسرائيل الدولة الثامنة لصادرات تركيا في هذه الفترة.

دوافع التقارب التركي: 

يمكن الإشارة إلى أهداف أنقرة من التقارب من تل أبيب في هذا التوقيت وهي:   

1- التأثير على الموقف الإسرائيلي من شرق المتوسط: يدرك أردوغان أن هناك حاجة لفك عزلة تركيا في شرق المتوسط، خاصة في ظل تعثر أي تفاهمات بين تركيا من جانب، وكل من قبرص واليونان من جانب آخر، كما أن الدول الأخرى المعنية بما في ذلك مصر والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يبديان تعاطفاً تجاه المطالب التركية في شرق المتوسط. 

وعلى الرغم من إدراك أنقرة صعوبة القبول بمطالبها في شرق المتوسط، فإنها على الأقل تسعى للدخول طرفاً في مشاريع الغاز في شرق المتوسط، ولاتزال تراهن على إمكانية أن تتعاون إسرائيل معها في هذا الإطار. وكان هناك مشروع تركي في عام 2016 يهدف إلى مد أنبوب غاز بين البلدين تحت البحر لمد تركيا ومن بعدها أوروبا بالغاز الإسرائيلي. 

وقد تخلت إسرائيل عن هذه الفكرة مع تبنيها لمشروع "أيست ميد"، والذي يهدف إلى مد أوروبا بالغاز الطبيعي عبر قبرص واليونان، وهو ما أغضب أنقرة، إذ ترى أن مشروعها أفضل وأرخص مقارنة بمشروع إيست ميد. ونظراً لأن المشروع الأخير لم يتم الشروع فيه بعد، فإن تركيا تسعى للتأثير على الموقف الإسرائيلي للنكوص عن أيست ميد، والعودة للمشروع التركي. 

2- محاولة الوقيعة بين أعضاء منتدى غاز شرق المتوسط: أسست مصر هذه المنظمة مع الأردن واليونان وقبرص وإسرائيل وإيطاليا، والتي تؤسس لإقامة سوق إقليمية للغاز بمنطقة شرق المتوسط، لتحقيق هدفين أساسيين، وهما قطع الطريق أمام أي محاولات تركية للتنقيب غير الشرعي عن موارد الطاقة في المياه الاقتصادية في شرق المتوسط، فضلاً عن استبعاد تركيا من هذه المشاريع.

وتسعى تركيا عبر تعزيز العلاقات مع إسرائيل سياسياً إلى محاولة تشكيك الدول الأخرى في المنتدى من التزام إسرائيل بهذا التحالف، وذلك بما يخدم المصالح التركية في النهاية. 

3- السعي لتخفيف التوترات الإقليمية: يسعى الرئيس التركي لإعادة النظر في علاقاته بالأطراف الإقليمية الرئيسية، وتهدئة الخلافات معها، وذلك حتى ولو لم يترتب على ذلك حدوث أي اختراق في الملفات الخلافية، كما يجري في الوقت الراهن مع مصر كذلك.

وأكد المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، عمر جيليك، في 15 يوليو على ضرورة تبلور إطار عمل بعد هذا الاتصال الرئيسين التركي والإسرائيلي ينبغي بموجبه إحراز تقدم بشأن العديد من الأمور التي يمكن تحسينها، واتخاذ خطوات نحو حل مجالات الخلاف. وزعم جيليك أن القضايا التي سوف تتم مناقشتها هي القضية الفلسطينية ومجالات أخرى مثل السياحة والتجارة، والتي ستكون ذات فائدة للطرفين.

4- رحيل حكومة نتانياهو: تريد تركيا التأكيد على أنها لا تعادي الجانب الإسرائيلي، وأن توتر علاقاتها مع إسرائيل كانت بسبب سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو، والذي تبنى سياسات متطرفة حتى تجاه الأردن. كما كان هناك عداء شخصي بين أردوغان ونتانياهو. ويرى الأول أن قدوم حكومة إسرائيلية جديدة برئاسة نفتالي بينيت سوف تسهم في إمكانية تعزيز العلاقات الثنائية. 

حسابات إسرائيل: 

تدرك إسرائيل أن أنقرة تسعى لتحقيق مكاسب من تقاربها معها، ولذلك سعت إسرائيل لتقديم مطالب واضحة لأنقرة لتنفيذها لتجاوز الخلافات السياسية السابقة، والتي يمكن توضيحها في التالي: 

1- استكشاف حدود الانفتاح التركي: تسعى الحكومة الإسرائيلية الراهنة إلى محاولة استكشاف النوايا التركية، ومدى جديتها في استعادة العلاقات معها، كما أن سعي أردوغان إلى تحسين العلاقات مع إسرائيل، سوف يصب في صالح إسرائيل، حتى ولو لم يترتب عليه أي تقارب فعلي، إذ دأب أردوغان على مهاجمة الدول التي وقعت اتفاقات سلام مع إسرائيل، كما قدم نفسه باعتباره مدافعاً عن القضية الفلسطينية، ولا شك أن اتجاهه لتحسين علاقاته بإسرائيل الآن سوف يكشف أبعاد سياساته الدعائية واختلافها عن سياساته الفعلية. 

2- مطالبة إسرائيل تركيا بإغلاق مقرات حماس: تطلب تل أبيب من أنقرة إغلاق مكاتب ومقرات لحركة حماس، وكذلك مواقع التدريب للحركة، وكذلك وقف الحملات الإعلامية الرسمية، والتحريض على السياسات الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية.

ويلاحظ أن الحكومة التركية بدأت تضييق الخناق على عمليات الحركة الفلسطينية، حيث لم يعد أعضاؤها يُمنحون الجنسية أو التأشيرات طويلة الأمد، كما اعتقلت تركيا أحد أعضاء حماس في مطار اسطنبول، قبل فترة، وقامت بترحيله. 

3- الاستفادة من علاقة تركيا بالسلطة الفلسطينية: زار الرئيس محمود عباس تركيا مؤخراً، وتفكر تل أبيب في الاستفادة من انفتاح السلطة على تركيا، ومحاولة استقطاب السلطة الفلسطينية من المدخل التركي في إطار الحرص على استئناف العلاقات مع السلطة الفلسطينية مكايدة لحركة حماس التي ما تزال متعنتة في عدم تنفيذ صفقة تبادل الأسري، ولا تزال تتشدد في عدم إبرام هدنة طويلة الأجل وهو ما سيدفع الحكومة الإسرائيلية لمحاولة تطويق حركة حماس عبر دول مثل تركيا ومصر والأردن.

صعوبات التقارب بين الجانبين:

تواجه محاولات تركيا بتحسين علاقاتها بإسرائيل عدة معوقات يمكن تفصيلها على النحو التالي:

1- عدم الثقة في أردوغان وعلاقاته بالإخوان: ترى قيادات نافذة في اليمين الإسرائيلي بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شخص لا يوثق فيه، وأنه سيستمر في مواجهة إسرائيل، وسيحرض على سياستها. كما يسود اعتقاد إسرائيلي بأن أردوغان يرتبط أيديولوجياً بجماعة الإخوان المسلمين ولن يحيد عن تحالفه معها.

2- استمرار التحالف الإسرائيلي – القبرصي: عبّر وزير الخارجية الاسرائيلي يائير لابيد ونظيره القبرصي نيكوس كريستودوليدس خلال اجتماعهما في 26 يوليو عن مخاوفهما العميقة من الخطوات التي تقودها تركيا في قبرص. ونص البيان الصادر عن مكتب لابيد بعد الاجتماع بين الجانبين: "نحن نتقاسم المخاوف العميقة من التحركات الاستفزازية التي تقودها تركيا في قبرص". 

كما ذكر البيان انهما ناقشا "الخطوات الضرورية التي يجب اتخاذها بالموضوع"، وذلك في إشارة إلى إعلان تركيا فتح قسم من منطقة فاروشا المغلقة في قبرص وتسليم إدارته لجمهورية شمال قبرص التركية غير المعترف بها دولياً.

3- نظر إسرائيل لتركيا كمهدد: أدرجت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، تركيا لأول مرة في تاريخ علاقات البلدين، في قائمة الأخطار المهددة للدولة العبرية في عام 2020. وعلى الرغم من أن التقرير استبعد حدوث مواجهة مباشرة مع تركيا، لكنه قال إن "الأعمال العدائية المتزايدة التي تقوم بها تركيا في المنطقة جعلتها واحدة من أكبر المخاطر التي يجب مراقبتها في العام المقبل".

وفي الختام، فإن إسرائيل لن تنفتح على تركيا، وتستعيد العلاقات السياسية معها، ما لم يرتبط ذلك بوجود تحولات حقيقية في الموقف التركي من حركة حماس، كما أن استمرار العلاقات بين إسرائيل وقبرص يمثل قيداً إضافياً على تحسن العلاقات بين الجانبين. 

                                             لتحميل الموضوع بصيغة PDF يمكن الضغط على هذا الرابط