الدعاية الإلكترونية:

استراتيجيات الجماعات المتطرفة في العصر الرقمي

03 September 2014


نشر معهد الدارسات الاستراتيجية  Strategic Studies Institute بالتعاون مع كلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي U.S. Army War College  في يوليو 2014 كتاباً تحت عنوان: "الدعاية المرئية والتطرف عبر بيئة الإنترنت"، يتناول التطور الذي طرأ على الجماعات المتطرفة والإرهابية للتكيف مع بيئة الإنترنت، ودراسة قوة فعالية "الصور المرئية" في عالم الإنترنت، خاصةً في ظل إجماع أساتذة الإعلام والاتصال والعلاقات العامة على أن "الصور" تعد أكثر تأثيراً على الجمهور المستهدف من "الكلمات النصية".

ويعد هذا الكتاب توثيقاً للأوراق التي قدمت في مؤتمر حمل العنوان نفسه، واستضافته جامعة ولاية جورجيا بالتعاون مع كلية الحرب الأمريكية في عام 2012، وقامت كل من Carol K. Winkler وCori E. Dauber بتحرير الإسهامات المتعددة لعدد من الباحثين في هذا المؤتمر.

ويقدم هذا الكتاب المناهج النظرية والعملية لدراسة كيفية استخدام الجماعات المتطرفة الحملات الإعلامية في جهود الدعاية على الإنترنت، ويكشف كذلك العديد من الاستراتيجيات التي تستخدمها هذه الجماعات للوصول إلى الجماهير المستهدفة عبر الفضاء الإلكتروني، ويقدم اقتراحات لكيفية التعامل مع هذه التحديات.

لماذا تلجأ الجماعات المتطرفة إلى الإنترنت؟

يشير الكتاب إلى ارتفاع وجود الجماعات المتطرفة والإرهابية وغيرها على الإنترنت بشكل حاد خلال العقود الأخيرة، ففي عام 1998 كان أقل من نصف المنظمات الإرهابية المصنفة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية لديها مواقع على شبكة الإنترنت، وبحلول نهاية عام 1999 قفز عددها ليشمل معظم هذه المنظمات تقريباً. وبين عامي 2003 و2005 زاد عدد المواقع التي تخدم الإرهابيين ومؤيديهم إلى 4.3 ألف موقع إلكتروني. وفي عام 2011 أشارت دراسة لفريق بحثي من جامعة أريزونا إلى أنه تم تحميل محتويات 29 منتدى إلكترونياً ذا توجهات متطرفة، وتضمنت 1.5 مليون محادثة من أكثر من 350 ألف مستخدم.

ووفقاً لما تضمنه الكتاب، ثمة أسباب كثيرة تفسر لماذا لجأت الجماعات الإرهابية إلى العالم الرقمي، ومنها أنها وجدت في بيئة الإنترنت بما تتضمنه من مواقع مختلفة (يوتيوب، فيسبوك، تويتر.. إلخ) وسيلة رخيصة نسبياً وملائمة وآمنة لإيصال رسائلها، فضلاً عما تتيحه من وسائط متعددة مثل الصور والفيديوهات والمقاطع المسجلة.. إلخ، وقدرة مستخدميها على صناعة المحتوى المنشور بها، بل والتفاعل مع باقي المتصفحين، ناهيك عن محدودية السيطرة الحكومية عليها؛ ومن ثم فإن شبكة الإنترنت تعتبر بمنزلة أداة لتعبئة الموارد للجماعات المتطرفة، وكذلك قناة جاهزة لتصوير أعمال العنف التي تقوم بها تلك الجماعات ونقلها إلى الجمهور المستهدف، وتخويف المعارضين.

وهكذا أعطت التطورات الأخيرة في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات خيارات للجماعات الإرهابية والمتطرفة لم تكن متاحة لها من قبل حتى 5 أو 10 سنوات ماضية، حيث أصبح في متناول هذه الجماعات التي لديها خصومة مع بعضها البعض إنتاج وتوزيع تقنيات إعلامية ذات جودة عالية وبتكلفة منخفضة جداً، كان يعصب على أحد منذ بضع سنوات قليلة أن تكون في متناوله سوى معامل وسائل الإعلام المهنية، حيث يتم توظيف هذه المواد الإعلامية لأغراض التطرف.

دور الوسائط المتعددة في الدعاية المتطرفة

يتضمن القسم الأول من الكتاب دراستين تحاولان استكشاف كيف يمكن أن تساعد الصور المتداولة عبر الإنترنت في فهم أنماط الدعاية المتطرفة والخيارات المناسبة للتعامل معها، ويتناول كل مؤلف في هذا القسم مجموعة محددة من الصور التاريخية للمساعدة في تحديد العوامل التي تعطي بعض الصور صدى دائماً لدى الجماهير المستهدفة.

من جانبها تتطرق Anne Stenerson من معهد بحوث الدفاع النرويجي إلى أهمية دراسة وثائق قضا­ئية تاريخية والتغطية الإعلامية ذات الصلة لمن تثبت إدانتهم بارتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب، لفهم الدعاية المرئية للجماعات الجهادية. وتتناول الباحثة الاستراتيجيات المتكررة في أشرطة فيديو الجهاديين التي تم استخلاصها من وثائق 18 قضية في أوروبا وكندا والولايات المتحدة منذ عام 2001. ويهدف هذا الفصل إلى الإجابة عن سؤالين: ما أنواع أشرطة الفيديو التي يفضل الجهاديون مشاهدتها في أعقاب عام 2001؟ وهل من الممكن تحديد التغييرات في تفضيلات مشاهدات الجهاديين خلال فترات زمنية ممتدة؟

ويعطي هذا النهج معلومات ثمينة حول هوية وأعمار مشاهدي مقاطع الفيديو ذات الصلة بالجماعات المتطرفة، والأدوار المنوطة بهم في المؤامرات الإرهابية المقررة، وفي بعض الأحيان توفر وثائق المحكمة معلومات حول كيفية حصول الجماعات الجهادية على مقاطع الفيديو وإعدادها للعرض، وردود فعل الجمهور.

أما Carol K. Winkler من جامعة ولاية جورجيا، فقدمت دراسة حول كيفية الرد على الصور المسيئة المنتشرة عبر الإنترنت، حيث توضح الحاجة إلى إيجاد تحول في الاستراتيجية المطلوبة للرد، مدافعة في هذا الصدد عن نهج المصالحة المرئية visual reconciliation approach بدلاً من الاعتذار.

استراتيجيات الرسائل المرئية

ويركز القسم الثاني من الكتاب على تحليل استراتيجيات الرسائل المرئية التي يوظفها المتطرفون حالياً لإيصال رسائلهم، وتسلط الدراسات الضوء في هذا الصدد على كيفية تعزيز الصور المرئية والروايات ذات الصلة بالجماعات التي تعمل داخل وخارج الولايات المتحدة على حد سواء.

يحلل Michael Waltman من جامعة كارولينا الشمالية، نهج التواصل عبر الإنترنت من جماعات الكراهية ذات التوجهات العنيفة والناشطة في الولايات المتحدة، حيث يبدأ بتقديم لمحة عامة عن المعتقدات الأساسية لهذه المجموعات، ثم يوضح كيف تستخدم هذه الجماعات الصور المرئية لتشويه سمعة خصومها، وتبرير العنف عند الضرورة.

ومن ناحيتهما يتناول Scott Ruston and Jeffry Halverson وكلاهما من مركز جامعة ولاية أريزونا للاتصالات الاستراتيجية، كيف تساهم الصور المرئية في الدعاية للجماعات الجهادية عبر الإنترنت، مركزين على دور نظرية السرد narrative theory في هذا الشأن، وأوصيا وزارة الخارجية الأمريكية بتوظيف استراتيجية بديلة في تطوير حملتها الإعلامية.

وتبحث Cori E. Dauber من جامعة كارولينا الشمالية، استخدام الجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة والتنظيمات التابعة له، الشعارات والرسوم المتحركة في أشرطة الفيديو التي تنتجها مثل هذه الجماعات، حيث تلجأ إلى استخدام علامات تجارية خاصة بها لإعطاء مزيد من المصداقية لمقاطع الفيديو الخاصة بها. وتوصي الباحثة بإجراء الدراسات الإمبريقية حول استراتيجيات العلامات التجارية المرئية لتنظيم القاعدة وفروعه المختلفة.

وفي القسم الأخير من الكتاب، يؤكد كل من Shawn Powers من جامعة ولاية جورجيا وMatt Armstrong المدير التنفيذي السابق للجنة الاستشارية الأمريكية للدبلوماسية العامة، أن الصور ومقاطع الفيديو هي جزء من الخطابات التي تهدف إلى إعلام الجمهور والتأثير فيه. ويشيران إلى أنه مع إمكانية الوصول إلى تكنولوجيا الاتصالات العالمية، فإن ذلك يعني أن الانتماءات التقليدية في خطر وهويات الأفراد في حالة تغير مستمر. ويشدد الباحثان على ضرورة أن نفهم الآن وسائل الإعلام باعتبارها "سوقاً للأفكار" التي يعد فيها "ولاء الأفراد" بمنزلة سلع تُباع وتُشترى.

أبرز التوصيات

ختاماً، يؤكد الكتاب ضرورة عدم اكتفاء القادة العسكريين في القرن الواحد والعشرين بأن يكونوا فقط بارعين فنياً وتكتيكياً في المهام العسكرية، ولكن عليهم أيضاً إجادة التعامل مع الإعلام وتكنولوجيا المعلومات وتوقع أفعال الجماهير في الداخل والخارج، وفهم كيفية استخدام العدو لبيئة الإنترنت لتكريس وتضخيم تهديداته، وتحديد سبل مواجهة ذلك على نحو فعال.

ومن ثم يوصي الكتاب القادة العسكريين الأمريكيين بضرورة التفكير في المنصات الرقمية، والاستثمار فيها، والاستعداد لاستخدامها بالطريقة التي تحقق نتائج مرجوة لصالح قوة الدولة، مع إدراك أهمية "الصور الرقمية" وقدرتها على الوصول إلى جماهير متنوعة ومختلفة بطرق متعددة.

* عرض موجز لكتاب "الدعاية المرئية والتطرف عبر بيئة الإنترنت"، المنشور في يوليو 2014 عن معهد الدراسات الاستراتيجية (SSI).

المصدر:

Carol K. Winkler & Cori E. Dauber (Eds), Visual Propaganda and Extremism in the Online Environment (New York: Strategic Studies Institute, July 2014).