شراكة هشة:

المكاسب الإيرانية من تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الهند

22 February 2018


أبرمت إيران والهند، في 17 فبراير 2018، اتفاقًا لتأجير جزأ من ميناء تشابهار الإيراني لنيودلهي، في خطوة تعكس تطور مستوى العلاقات الاقتصادية بين الدولتين بعد رفع العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على الأولى عقب الوصول للاتفاق النووي مع مجموعة "5+1". وفي الأشهر الماضية، استعادت إيران موقعها كثالث مُصدِّر للنفط الخام للسوق الهندية، كما حاولت الدولتان تعزيز علاقتهما لتمتد إلى مجالات استثمار مختلفة تشمل الطرق واستكشاف النفط. 

وفي الواقع، فإن مؤشرات التطور السابقة تأتي في وقت تبدو فيه إيران بحاجة ماسة لشريك استثماري وتجاري موثوق فيه، وذلك في ظل تعثر شراكاتها مع الدول الأوروبية على خلفية رفع مستوى العقوبات الأمريكية غير المرتبطة بالبرنامج النووي عليها بالآونة الأخيرة. وفي المقابل يمكن للهند تحقيق مكاسب عديدة من دعم علاقتها مع إيران تتمثل في تأمين مصادر الطاقة، فضلاً عن دخول سوق تجارية كبيرة مثل إيران. ورغم ذلك، لا زال رفع مستوى العقوبات الدولية على إيران يمثل أحد المخاوف الرئيسية التي قد تعرقل تقدم الشراكة الاقتصادية بينهما مستقبلاً.  

تقدم ملحوظ 

يمثل توقيع الهند وإيران مؤخرًا على اتفاق لتأجير جزء من ميناء تشابهار، لمدة عام ونصف، امتدادًا لجهود الدولتين، في العامين الماضيين، لرفع مستوى الشراكة بينهما، وهو ما انعكس في تبادل الزيارات من قبل الوفود الاقتصادية وقطاع الأعمال بهدف دعم التبادل التجاري ومستوى الاستثمارات.

فعلى هامش زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لطهران في مايو 2017، تم توقيع 8 مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي، وبالتوازي مع ذلك، أبرمت طهران ونيودلهي وكابول، خلال الزيارة، اتفاقًا ثلاثيًا في مجال الشحن وتطوير الطرق لتوفير ممر آمن للوصول إلى الأسواق الأفغانية وتصدير البضائع والمواد المعدنية من أفغانستان إلى أسواق المنطقة. 

ومن اللافت أن الهند أصرت على تطوير ميناء تشابهار بقيمة 85 مليون دولار بالرغم من أن المشروع جرى التحضير لتنفيذه منذ سنوات عديدة، إذ أنه يعد أحد أهم مشروعات التعاون الاستراتيجية بين الدولتين، ومن شأنه أن يعزز من حركة التجارة بينهما، كما قد يوفر للهند منفذًا للوصول إلى آسيا الوسطى وأفغانستان. وقد بدأت الهند بالفعل في استخدامه لتصدير شحنات من القمح إلى أفغانستان في الفترة الماضية.

ولم يقتصر التعاون بين الهند وإيران على مجال الموانئ، إذ أبدت الأولى استعدادها أيضًا لضخ استثمارات بقيمة 20 مليار دولار في قطاع الطاقة وبقية القطاعات الصناعية الأخرى خاصة قطاع البتروكيماويات، وذلك وفق تصريحات وزير النفط الهندي دارمندرا برادهان، في إبريل 2016، لكن من الملاحظ أن أيًا من المشاريع السابقة لم تحقق تقدمًا ملموسًا باستثناء اتفاق ميناء تشابهار الموقع مؤخرًا.

ويعد مجال الطاقة أحد المحاور الرئيسية للتعاون بين الهند وإيران، ويعكس ذلك النتائج التي أسفرت عنها زيارة الرئيس حسن روحاني لنيودلهي في فبراير الحالي، حيث أشارت وزارة النفط الهندية إلى اتجاه الشركات الهندية نحو زيادة مشترياتها النفطية من إيران في الأشهر المقبلة، وذلك بعد تراجعها إلى نحو 266 ألف برميل يوميًا، في نوفمبر الماضي، أى بانخفاض 55% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.

ومن دون شك، فإن اتجاه الهند نحو زيادة وارداتها من إيران سيدعم من موقع الأخيرة باعتبارها ثالث مُورِّد للنفط الخام  للسوق الهندية، فضلاً عن أن الهند لا زال لديها طموحات أيضًا في التوصل لاتفاق مع إيران، بهدف إنشاء خط أنابيب غاز تحت البحر ينقل الغاز الإيراني من تشابهار إلى ميناء بوربندر الهندي. 

وبجانب ذلك، أبدت الهند استعدادها لتوسيع شراكتها الاستثمارية مع إيران في مجال إنتاج النفط الخام، حيث أن لدى الشركات الهندية رغبة في الحصول على حصة في حقل أزاديجان الجنوبي في إيران بحسب وزارة النفط الإيرانية. ومن شأن التطورات السابقة، أن تضاعف قيمة التبادل التجاري بين الدولتين ثلاث مرات مستقبلاً، لتصل إلى 30 مليار دولار مقارنة بنحو 10.2 مليار دولار في عام 2016 وذلك بحسب غرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة الإيرانية.

دوافع مختلفة

تتجه إيران، على ما يبدو، إلى تعزيز شراكتها الاقتصادية مؤخرًا مع الهند على غرار قوى أخرى مثل روسيا والصين، في وقت تواجه فيه ضغوطًا داخلية وخارجية متفاوتة. فعلى المستوى الداخلي، تبدو إيران بحاجة لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية لتوفير فرص العمل وتحسين المستوى المعيشي بعد موجة احتجاجات شهدتها في نهاية ديسمبر الماضي نتيجة تصاعد حدة الاستياء تجاه الأداء الاقتصادي للحكومة الحالية. 

وعلى الصعيد الخارجي، لا زالت إيران تواجه مصاعب عديدة في جذب الاستثمارات الأجنبية، لا سيما من قبل الدول الأوروبية، خاصة مع رفع مستوى العقوبات الأمريكية غير المرتبطة بالبرنامج النووي على شركات الحرس الثوري بداية من عام 2017، وهو ما أدى إلى تباطؤ تنفيذ العديد من الصفقات الاستثمارية بين إيران والشركات الأوروبية، وأبرزها الصفقة الموقعة مع شركة "توتال" الفرنسية لتطوير المرحلة الحادية عشر من حقل بارس الجنوبي.

ومن هنا، يمكن القول إن إيران تحاول من خلال تعزيز العلاقات مع الهند البحث عن بديل جديد لتفادي العزلة الدولية مجددًا. وفي مقابل ذلك، يبدو أن الهند لديها رغبة في دعم استثماراتها في القطاعات الحيوية الإيرانية، مثل النفط والغاز الطبيعي، فضلاً عن قطاعات أخرى على غرار الطرق. 

فضلاً عن ذلك، فإن الهند باتت قوة اقتصادية صاعدة يمكن الاعتماد عليها في جذب الاستثمارات، كما قد تتيح الهند لإيران إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا والتسهيلات الائتمانية والخبرة الفنية، ويمكن أيضًا تأسيس شراكة تجارية موثوقة معها بما قد يساهم في توفير عدد من السلع والخدمات لإيران التي قد تجد صعوبة في الحصول عليها من الأسواق الأوروبية. 

فيما قد ترى القيادة الهندية أن تعزيز الشراكة مع إيران- رغم أنها محفوفة بالمخاطر الجيوسياسية- ضرورية لمواجهة المنافسة الإقليمية في مجال دعم التجارة في آسيا الوسطى خاصة مع اتجاه باكستان لتطوير ميناء جوادار بالتعاون مع الصين، إذ أن الدولتين تسعيان لتطوير علاقاتهما مع دول مثل طاجيكستان وتركمانستان وغيرها، والتي تمثل أسواقًا واسعة للسلع الهندية أو الباكستانية. 

وتبدي الهند أيضًا اهتمامًا خاصًا بتعزيز شراكتها النفطية مع إيران، إذ أن الأخيرة تمثل لها مصدرًا حيويًا للحصول على الإمدادات من النفط الخام أو الغاز الطبيعي، وهو ما يشير إليه إصرار الهند عل تنفيذ مقترحها السابق ببناء خط أنابيب غاز تحت البحر ينقل الغاز الإيراني من تشابهار إلى ميناء بوربندر الهندي، والذي سيساهم، في حالة تنفيذه، في تعزيز وتنويع مصادر احتياجاتها من الغاز، بينما ستمارس استثمارات الشركات الهندية في سوق النفط الإيرانية دورًا هامًا في تأمين احتياجات مصافي النفط الهندية. 

تشابكات معقدة

يبدو من الوهلة الأولى أن اتجاه الهند نحو دعم علاقتها الاقتصادية مع إيران مؤخرًا ينطوي على كثير من المصالح المتعارضة مع أطراف ثالثة ترتبط بعلاقات قوية مع الهند. فمن ناحية، تؤسس الأخيرة شراكات اقتصادية قوية مع معظم دول المنطقة العربية، وهى في الوقت نفسه تتبنى مواقف معارضة للسياسة الإيرانية في المنطقة، فضلاً عن أنها وسعت من نطاق تعاونها الاقتصادي والعسكري مع إسرائيل، التي تصاعدت حدة التوتر بينها وبين إيران في الفترة الأخيرة. 

ومن ناحية أخرى، تتطلع باكستان لتوسيع نطاق تعاونها مع إيران خاصة في مجال الطاقة. وفيما يبدو، فإن إيران لن تستطيع تجاهل مطالب باكستان سواء بتزويدها بالنفط الخام أو الغاز الطبيعي مستقبلاً. ومن دون شك، فإنه لا يمكن إغفال التوتر المستمر بين الهند وباكستان في هذا السياق، وهى كلها متغيرات تكشف أن تعزيز العلاقات بين الهند وإيران يواجه عقبات عديدة في المرحلة الحالية.  

ويبدو أيضًا أن مسار تقدم العلاقات الهندية- الإيرانية سيكون، في مرحلة ما، محط متابعة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، التي تحاول فرض عقوبات أكثر قوة على إيران، وذلك لدفع القوى العالمية نحو وضع حدود لعلاقاتها التجارية والاستثمارية مع الأخيرة، وهو ما قد يدفع الهند إلى تأجيل تنفيذ العديد من الصفقات الاستثمارية معها، على نحو بدا جليًا في تأجيل تطوير ميناء تشابهار أكثر من مرة، تحسبًا لفرض عقوبات جديدة على طهران بسبب برنامجها النووي ودعمها للإرهاب.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إنه رغم التطورات المتلاحقة التي تشهدها العلاقات الاقتصادية بين إيران والهند، إلا أن المخاطر الجيوسياسية قد تعرقل تقدم الشراكة الاقتصادية بينهما مستقبلاً.