ماذا تفعل «حماس» في إيران؟

31 October 2017


عندما وُقعت المصالحة الفلسطينية الأخيرة في القاهرة كتبت مُذَكراً بتحدياتها المتمثلة في سلاح «حماس» وموقفها من التسوية، وقلت ما معناه أن الحفاظ على سلاح «حماس» مهم شريطة أن يكون استخدامه بقرار فلسطيني موحد، وجزءاً من رؤية لتسوية بحيث يكون هذا السلاح ورقة بيد الفلسطينيين حتى يتم التوصل إلى تسوية مقبولة، وتحدثت كذلك عن التحدي المتمثل في موقف إسرائيل التي من البديهي أن تعمل على تخريب المصالحة حتى تتفادى ضغوط الدخول في مفاوضات تعلم أن المجتمع الدولي بات يرى ضرورتها ويتفهم دواعي المصالحة.

وبالفعل بدأت إسرائيل تتحدث كالعادة عن شروط تعجيزية ومجحفة كي تقبل الانخراط مجدداً في أي جهود جديدة للتسوية، غير أنني فوجئت كما فوجئ كثيرون غيري بزيارة وفد «حماس» إلى إيران، ومبعث المفاجأة أن منطق الزيارة يتعارض مع جوهر المصالحة، ألم تكن الخطوة الأولى في المصالحة متعلقة بأن تكون هناك حكومة فلسطينية واحدة؟ وأليست السياسة الخارجية نشاطاً أساسياً لأي حكومة؟ فكيف نفسر أن يقوم وفد من «حماس» منفرداً بعمل من أخص أعمال السياسة الخارجية؟

فالأصل في عمل كهذا أن تُقره حكومة الوحدة الوطنية، ثم تُكلف به من تراه جديراً بهذا الدور، أما أن تقرر «حماس» القيام بهذه الزيارة وتنفذها من جانب واحد فهو نذير سوء باحتمال تكرار تجربة «حزب الله» في لبنان! وليست فلسطين كلبنان لأنها خاضعة للاحتلال الإسرائيلي، وثمة اتفاق عربي وفلسطيني عام على اتباع نهج التسوية السياسية الذي يُواجَه أصلاً بالتعنت الإسرائيلي، ولذلك ليس من الحكمة بحال استفزاز إسرائيل في هذه المرحلة الابتدائية للمصالحة ليس لأن لدينا أدنى أمل في أن تُقَدم إسرائيل التنازلات المطلوبة للتوصل إلى تسوية معقولة ولكن لأنه ليس من مصلحتنا أن نتطوع بإهداء إسرائيل المبررات التي تسوغ لها عدم التجاوب مع جهود التسوية، وهل هناك مبررات أقوى من اصطفاف قوى يجمع «حماس» التي يُفترض أنها طرف في مصالحة وطنية مع إيران التي تعتبرها إسرائيل الآن الخطر الأول عليها؟

وتزيد من خطورة الزيارة طبيعة التصريحات التي أدلت بها قيادات «حماس» التي شاركت في الزيارة، فها هو يحيى السنوار يصرح عشية زيارته لإيران بأنها الداعم الأكبر لـ«حماس» بالسلاح والمال والتدريب، ولم يكتفِ بهذا، بل أضاف ما يمكن اعتباره بسهولة ثمرة هذا الدعم الإيراني، وهو أن «حماس» أصبحت قادرة على أن تضرب تل أبيب في خمس دقائق بصواريخ يماثل عددها ما أُطلق في واحد وخمسين يوماً في إشارة للعدوان الإسرائيلي على غزة 2014، وهنا بيت القصيد وهو ضرورة أن تكون هناك رؤية استراتيجية لحركتنا السياسية بمعنى تحديد الهدف من المصالحة، فإذا كان توحيد الصف الفلسطيني هو الهدف المتفق عليه فإن الغايات التي سيتم السعي إليها بعد تحقيق هذا الهدف يجب أن تكون موضع اتفاق، وهي كذلك بمعنى استعادة حقوق الشعب الفلسطيني، ولكن سؤال الوسائل لا يقل أهمية، فهل يتم السعي في هذا الاتجاه بالوسائل السلمية أم بغيرها؟ وأعتقد أن وجود السلطة الفلسطينية التي ارتضت النهج التفاوضي قرابة ربع قرن طرفاً في المصالحة، وقبول «حماس» الأخير إنشاء دولة فلسطينية على الضفة والقطاع، يعنيان أن التسوية السياسية هي الوسيلة، فلماذا نخربها ابتداءً بزيارة كهذه؟ وحتى إذا كان انسداد آفاق التسوية سيجبرنا على اللجوء إلى وسائل أخرى فيجب أن نسعى لجلب المجتمع الدولي إلى صفنا بإظهار الإخلاص التام لنهج التسوية السياسية حتى ونحن نعلم أنه لن يفضي بنا إلى شيء كي تكون حجتنا قوية عندما نلجأ إلى الوسائل الأخرى.

أما إذا كانت «حماس» تتصور أنها يمكن أن تزيح عن كاهلها عبء الإدارة اليومية لقطاع غزة بينما تفعل ما يحلو لها على الأصعدة الأخرى، فإن هذا سلوك لا يمكن قبوله، والواقع أن هناك أسئلة أخرى مقلقة، فهل ثمة انقسام داخلي في «حماس» يجعل حركتها متضاربة على هذا النحو؟ وكذلك هل هناك ضغوط إيرانية لا تستطيع مقاومتها؟ وهو احتمال ليس أقل خطورة، والمهم أن تكون هناك إجابات سريعة حتى لا يكون مصير المصالحة مهدداً خاصة وقد ظهرت بوادر على تعثر تسليم وزارات ومصالح حكومية إلى حكومة الوحدة الوطنية، فما بالنا بهذه القضايا الشائكة؟

*نقلا عن صحيفة الاتحاد