توسيع الخيارات:

دلالات اهتمام إيران بدعم علاقاتها مع الصين

27 November 2016


يُشير توقيع إيران والصين على اتفاقية تعاون أمني وعسكري خلال زيارة وزير الدفاع الصيني تشانغ وانكون إلى إيران في 14 نوفمبر 2016، إلى أن الأولى تسعى إلى توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها على الساحة الدولية، لا سيما أن العلاقات القوية التي تؤسسها مع روسيا لا تخفي أن ثمة خلافات عالقة بين الطرفين لا تبدو هينة، وتحظى باهتمام خاص من جانب طهران التي تبدي اتجاهاتٌ عديدة داخلية شكوكًا عميقة إزاء موسكو، وتحذر باستمرار من خطورة الاعتماد عليها كحليف دولي رئيسي لإيران.

ومن دون شك، فإن هذا الاتجاه ربما لا ينفصل عن تصاعد حدة التهديدات الإقليمية التي تحظى باهتمام مشترك من جانب بكين وطهران، على غرار استمرار حالة عدم الاستقرار في أفغانستان، ونجاح تنظيم "داعش" في السيطرة على مناطق عديدة داخلها، إلى جانب ازدياد عدد المتطرفين الصينيين الذين انضموا إلى التنظيمات الإرهابية في سوريا.

أهداف عديدة:

رغم أن رفع مستوى التعاون الاقتصادي بين الطرفين يكتسب اهتمامًا خاصًّا من جانبهما، وهو ما يبدو جليًّا في توقيع طهران وبكين، اللتين بلغ حجم التبادل التجاري بينهما نحو 52 مليار دولار خلال عام 2015، على اتفاقات ومذكرات تعاون تصل قيمتها إلى نحو 600 مليار دولار على مدى عشرة أعوام، خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى إيران في 23 يناير 2016، وهي أول زيارة لرئيس صيني منذ 14 عامًا، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة أهدافًا أخرى تسعى إيران إلى تحقيقها من خلال تأسيس علاقات قوية مع الصين.

أول هذه الأهداف يتمثل في تقليص حدة الضغوط التي يفرضها الاعتماد على حليف دولي واحد، وهو روسيا. فرغم وجود ملفات تحظى باهتمام مشترك وتشهد تنسيقًا عالي المستوى بين الطرفين على غرار الملف السوري، وهو ما يبدو جليًا في موافقة إيران على استخدام المقاتلات والقاذفات الروسية قاعدة "نوجه" الجوية بمدينة همدان، للمشاركة في العمليات العسكرية في سوريا؛ إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة مخاوف عديدة تنتاب طهران إزاء إمكانية الاستمرار في الاعتماد على روسيا كقوة دولية رئيسية على الساحة الدولية.

 وقد استندت الاتجاهات التي تُبدي شكوكًا عميقة في النوايا الروسية تجاه إيران إلى مؤشرات عديدة، مثل تعمد روسيا الكشف عن استخدام قاعدة "نوجه" الجوية الإيرانية في عملياتها العسكرية في سوريا بشكل أثار استياءً واضحًا من جانب إيران التي أشارت على لسان وزير الدفاع الجنرال حسيق دهقان إلى أن ذلك يدخل في إطار "استعراض قوة" من جانب موسكو، وقبلها تراجع روسيا عن تنفيذ صفقة صواريخ "إس 300" منذ عام 2010 تجنبًا للتعرض لضغوط دولية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن تقوم بتنفيذها بعد ذلك، بعد تغير الظروف الدولية نتيجة الوصول إلى الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015.

ضغوط إقليمية:

 أما ثانيها، فينصرف إلى التهديدات التي تفرضها الأزمات الإقليمية التي تحظى باهتمام مشترك من جانب الطرفين، لا سيما الأزمة الأفغانية. إذ يبدو جليًّا أن تنظيم "داعش" تمكن من دعم نفوذه داخل أفغانستان من خلال استغلال حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي، وتصاعد حدة الصراع بين الحكومة وحركة "طالبان"، وربما يتصاعد هذا النفوذ خلال المرحلة القادمة بسبب الضغوط التي يتعرض لها التنظيم في العراق وسوريا، في ظل العمليات العسكرية التي يشنها التحالف الدولي وبعض الأطراف الإقليمية والمحلية الأخرى ضده، وكان آخرها عملية تحرير الموصل التي ما زالت مستمرة حتى الآن.

 ومن هنا، فإن ثمة تقارير عديدة باتت تشير إلى ظهور اتجاه داخل طهران وبكين يدعو إلى ضرورة فتح قنوات تواصل مع الأطراف الرئيسية داخل أفغانستان، وفي مقدمتها حركة "طالبان"، على أساس أن التنسيق مع الأخيرة ربما يمثل متغيرًا مهمًّا في إطار مواجهة تهديدات تنظيم "داعش"، في ظل الصراع القائم بين التنظيم والحركة منذ ظهور الأول في أفغانستان.

 وقد كان لإيران السبق في تبني هذه السياسة مع "طالبان"، رغم الصراع التاريخي بين الطرفين، والذي كاد يصل إلى حرب شاملة في عام 1998 بعد قيام الحركة بقتل 11 دبلوماسيًّا إيرانيًّا في مدينة مزار شريف، حيث اعتبرت طهران أن الانفتاح على الحركة يمكن أن يساعدها في دعم نفوذها داخل أفغانستان، وتوفير أوراق ضغط يمكن استخدامها في مواجهة الحكومة الأفغانية.

ومن هنا استقبلت إيران أكثر من مرة وفودًا من الحركة، وأشارت تقارير عديدة إلى أن الأخيرة قامت، خلال زيارة وفد برئاسة مسئول المكتب السياسي طيب أغا، بإجراء مباحثات مع مسئولين إيرانيين لفتح مكتب تمثيل لها في إيران، كما كشفت تقارير أخرى أن زعيم الحركة السابق الملا أختر منصور كان موجودًا في إيران قبل أن يُقتل على الحدود مع باكستان خلال عودته بواسطة طائرة أمريكية من دون طيار في 21 مايو 2016.

أما الصين فيبدو أنها بدأت في تبني السياسة نفسها ولكن بقدر أكبر من الحذر، وهو ما يعكسه حرصها، حسب بعض التقارير، على توجيه دعوة لوفد من حركة "طالبان" لزيارتها، في يوليو 2016، حيث ترأس الوفد عباس ستانكزاي رئيس المكتب السياسي للحركة في قطر، وجرى التباحث حول التطورات الأخيرة في أفغانستان، لا سيما بعد مقتل أختر منصور الذي وضع عقبات جديدة أمام مواصلة محادثات السلام بين "طالبان" والحكومة الأفغانية برعاية كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية وباكستان. 

"دواعش" الصين:

 وبالطبع، فإن مخاوف الصين من إمكانية تعرضها لهجمات إرهابية بشكل دفعها إلى فتح قنوات تواصل مع "طالبان"، تكتسب وجاهة خاصة، في ضوء إشارة تقارير عديدة إلى أن "داعش" بدأ في استقطاب عدد من التنظيمات الإرهابية المتطرفة الموجودة في مناطق قريبة من الحدود الصينية، على غرار "الحركة الإسلامية في أوزبكستان" التي أعلنت انشقاقها عن تنظيم "القاعدة"، ومبايعة تنظيم "داعش" في ديسمبر 2014، بالتوازي مع انضمام عدد من الصينيين للتنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، وخاصة "جبهة فتح الشام" التي كانت تسمى سابقًا "جبهة النصرة"، وتنظيم "داعش"، وربما يسعى بعضهم إلى العودة من جديد إلى الصين، لا سيما بعد تصاعد حدة الضغوط التي تتعرض لها.

وهنا، فإن اتجاهات عديدة باتت ترى أن رفع مستوى التنسيق الأمني والسياسي مع إيران، إلى جانب العلاقات الاقتصادية، ربما يكون مدخلا للتعامل مع تلك التهديدات الإرهابية المحتملة، وهو ما لا يتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض التي تُشير إلى أن السياسة التي تتبناها إيران على الساحة الإقليمية تمثل أحد أهم أسباب انتشار التنظيمات الإرهابية، في سوريا والعراق، وأن إيران ربما تمنح الأولوية للتفاهمات مع أطراف أخرى، غير الصين، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، بما يعني أن هذا الانخراط الصيني مع إيران على المستويين السياسي والأمني لن يحقق، على الأرجح، نتائج بارزة، في ظل إصرار إيران على الاستمرار في اتباع تلك السياسة، التي ربما تفرض على المدى الطويل تداعيات سلبية على مصالح الصين في المنطقة.

تحييد الخلافات:

فيما يتعلق ثالثها، بسعي إيران إلى توجيه رسائل طمأنة إلى الصين إزاء ارتفاع مستوى علاقاتها مع الهند تحديدًا، خاصةً بعد توقيع الاتفاق الثلاثي بين الهند وإيران وأفغانستان، في مايو 2016، على تطوير ميناء "تشابهار" الإيراني على بحر العرب، والذي سوف يمكّن الهند من الوصول إلى أسواق آسيا الوسطى عبر أفغانستان دون المرور بباكستان، حليفة الصين، نظرًا للخلافات القائمة، وهو ما يصعد، وفقًا لاتجاهات عديدة، من حدة المنافسة مع الصين التي تسعى بدورها إلى تحقيق الهدف ذاته عبر ميناء "جوادار" الباكستاني.

 ومن هنا، ربما يمكن تفسير أسباب حرص إيران على التلميح إلى إمكانية ضم الصين للمشروع، حيث ترى أن ذلك يمكن أن يقلص من حدة أى استياء صيني محتمل إزاء توجه إيران نحو تطوير علاقاتها مع الهند.

متغيرات أخرى:

لكن ذلك في مجمله لا ينفي أن ثمة متغيرات أخرى ربما تضبط حدود التعاون العسكري والأمني بين إيران والصين، على غرار العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أن طهران ربما تفضل منح الأولوية للتنسيق الأمني مع واشنطن في الملف الأفغاني، على غرار ما يحدث في الملف العراقي، وهو ما يبدو أنه كان سببًا في ظهور تقارير عديدة تشير إلى دور إيراني في مقتل زعيم حركة "طالبان" الملا أختر منصور من خلال طائرة أمريكية من دون طيار خلال عودته من إيران. 

 كما أن الصين لا تبدي اهتمامًا خاصًا بعلاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، بل أيضًا تضع في اعتبارها مدى إمكانية تأثير تقاربها مع طهران على علاقاتها مع واشنطن، وقد انعكس ذلك بشكل واضح في الموقف الصيني من انضمام إيران لمنظمة شنغهاي للتعاون، حيث أبدت بكين تحفظها على تلك الخطوة، رغم الدعم الذي قدمته روسيا في هذا السياق، في ظل مخاوفها من اختلال توازنات القوى داخل المنظمة لصالح التوجهات المناهضة للولايات المتحدة الأمريكية، وهو هدف يبدو أن روسيا كانت تسعى إليه من خلال تأييدها طلب انضمام إيران.

 ومن دون شك، فإن اختلاف الأولويات بين طهران وبكين يوحي في النهاية بأن التعاون الأمني والسياسي بين الطرفين ربما تكون له حدود، في ظل وجود متغيرات عديدة قد تعرقل تطويره خلال المرحلة القادمة، خاصة في حالة ما إذا حدثت تطورات مفاجئة في الاتفاق النووي الذي يمثل المتغير الرئيسي الذي دفع القوى الدولية إلى إعادة الانخراط مع إيران على المستويات المختلفة.