أنماط مختلفة:

آليات تولِّي القيادة داخل التنظيمات الإرهابية

16 October 2016


شهدت العديد من التنظيمات الإرهابية خلال الفترة الماضية تغييرات رئيسية على مستوى القيادة التي تحظى بنفوذ خاص داخل تلك التنظيمات، على غرار حركة "طالبان" في أفغانستان، وتنظيم "المرابطون" في منطقة الساحل والصحراء، وحركة "بوكو حرام" في نيجيريا، وهو ما كان له تأثير واضح على نشاط تلك التنظيمات وتعاملها مع الضغوط التي تتعرض لها، سواء من جانب الدول أو من قبل التنظيمات الإرهابية الأخرى، في ظل تباين أنماط العلاقات فيما بين تلك التنظيمات، والتي تتراوح بين التحالف والتنافس والصراع والتوازن.

 لكن اللافت في هذا السياق، هو أنه لا توجد آلية واحدة للتعامل مع قضية تغيير القيادات داخل تلك التنظيمات، وهو ما يعود إلى متغيرات عديدة، على غرار مدى ارتباطها بالتنظيمات الإرهابية الأخرى، ومستوى الضغوط الخارجية التي تتعرض لها، ومدى قدرتها على تكريس تماسكها الداخلي وتحقيق توافق بين أجنحتها المختلفة.

ملامح رئيسية:

أجرت بعض التنظيمات الإرهابية، خلال الأعوام الأخيرة، تغييرات بارزة على المستوى القيادي. فعقب مقتل زعيم حركة "طالبان" الأفغانية، الملا أختر منصور، في مايو 2016، بواسطة طائرة أمريكية من دون طيار استهدفت موكبه، اتخذ مجلس شورى الحركة قرارًا بتولي الملا هيبة الله آخندزاده منصب زعيم الحركة، بعد أن كان يتولي نائب الزعيم السابق، مع تعيين كل من سراج الدين حقاني، زعيم جماعة "حقاني"، والملا يعقوب، ابن قائد الحركة الأسبق الملا محمد عمر، نائبين لآخندزاده.

وعقب مقتل قائد تنظيم "جيش الإسلام" في سوريا زهران علوش، في ديسمبر 2015، جراء غارة روسية، تولى عصام بويضاني الذي يلقب بـ"أبو همام" المنصب خلفًا له. كما تم تعيين قاسم الريمي قائدًا لتنظيم "القاعدة في اليمن" بعد مقتل القائد السابق أبو بصير ناصر الوحيشي في يونيو 2015، بواسطة طائرة أمريكية من دون طيار.

وكان تنظيم "القاعدة" في مقدمة التنظيمات الإرهابية التي تعاملت مع قضية تغيير القيادة، عقب مقتل زعيمه السابق أسامة بن لادن، في عملية نفذتها قوات أمريكية في مايو 2011، حيث تم تعيين أيمن الظواهري خلفًا له، في يونيو من العام نفسه.

وقد أشارت اتجاهات عديدة إلى أن مقتل بن لادن كان بداية لمرحلة جديدة من المواجهة بين التنظيمات الإرهابية وبعض القوى المعنية بالأزمات في المنطقة، والتي تبنت استراتيجية استهداف القيادات الرئيسية في تلك التنظيمات، كإحدى الآليات التي سعت من خلالها إلى تقليص حدة التهديدات التي تفرضها تلك التنظيمات على أمنها ومصالحها.

لكن استهداف تلك القيادات لم يكن السبب الوحيد الذي دفع  بعض التنظيمات الإرهابية إلى إجراء تغييرات على مستوى القيادة، حيث شهدت بعض تلك التنظيمات تغييرات رئيسية في هذا السياق لأسباب أخرى، منها تصاعد حدة الخلافات بين بعض تلك التنظيمات، واتساع نطاق الخلافات الداخلية بين تياراتها المختلفة. 

وقد مثلت حركة "بوكو حرام" النيجيرية مثالا على ذلك، حيث أعلن تنظيم "داعش" الذي بايعته الحركة في مارس 2015، الإطاحة بقائدها أبو بكر شيكاو وتعيين أبو مصعب البرناوي قائدًا جديدًا للحركة في أغسطس 2016، بعد الخلافات التي تصاعدت بين التنظيم والحركة خلال الفترة الأخيرة.

وفي السياق ذاته، قام تنظيم "المرابطون"، في يوليو 2015، بعزل قائده أبو عدنان الوليد الصحراوي وتعيين مختار بلمختار الذي يلقب بـ"خالد أبو العباس" قائدًا جديدًا، بعد أن أعلن الأول مبايعة تنظيم "داعش".

وسائل متعددة:

يمكن القول إن ثمة آليات عديدة تبنتها التنظيمات الإرهابية للتعامل مع قضية تغيير القيادة، التي تحظى بمكانة وأهمية خاصة داخل تلك التنظيمات، بشكل ربما يفسر، إلى حد كبير، ليس فقط أسباب تصاعد حدة التنافس والصراع بين بعض الأجنحة التي تنتمي لتنظيم إرهابي معين للوصول إلى منصب القائد، وإنما أيضًا أسباب تراجع قدرات ونشاط بعض تلك التنظيمات بعد استهداف قياداتها. ويمكن تحديد أهم أنماط تغيير القيادة في هذه التنظيمات على النحو التالي:

1- اختيار مجلس الشورى: وهذا النمط يعد من أكثر الأنماط انتشارًا داخل التنظيمات الإرهابية، ويُستخدم غالبًا إذا ما أصبح المنصب الأول شاغرًا بسبب مقتل قائد التنظيم أو وفاته أو عزله، ففي هذه الحالة يجتمع "مجلس شورى" التنظيم، ويتخذ قرارًا بتعيين قائد جديد له، ويكون الاختيار داخل المجلس بأغلبية الأصوات في حالة وجود أكثر من مرشح للمنصب.

وقد تبنت حركة "طالبان" هذه الآلية في اختيار الملا آخندزاده خلفًا لأختر منصور، كما استند إليها تنظيم "القاعدة في اليمن" عند اختيار قاسم الريمي لقيادة التنظيم خلفًا لناصر الوحيشي.

2- العزل: تشهد بعض التنظيمات الإرهابية، في أحيان متعددة، تصاعدًا في حدة الصراع بين قيادة قائمة وقيادة أخرى منافسة لها على المنصب، وتتحين الفرصة المناسبة لتوليه عبر اتهام القيادة الموجودة بالانحراف عن المسار الفكري والعقائدي الذي يتبناه التنظيم، ومن ثم الدعوة إلى الإطاحة بها من أجل الحفاظ على التنظيم.

واللافت في هذا السياق، هو أن مثل هذا النوع من الصراعات ينتهي، في كثير من الأحيان، بالإطاحة بالقيادة القائمة، وتولي القيادة المنافسة، وهو ما حدث في تنظيم "المرابطون"، عندما أعلن قائده السابق أبو عدنان الوليد الصحراوي مبايعة تنظيم "داعش" في مايو 2015، ونقض مبايعة تنظيم "القاعدة"، وهو ما منح الفرصة لتيار منافس بقيادة مختار بلمختار للإطاحة به وتولى القيادة بديلا عنه.

3- الاستخلاف: غالبًا ما تتبنى التنظيمات الإرهابية التي تخضع لسيطرة عائلة واحدة هذا النمط تحديدًا، حيث يعهد منصب قائد التنظيم إلى أحد أفراد العائلة، بعد الحصول على موافقة مجلس شورى التنظيم أو ما يعرف بـ"أهل الحل والعقد"، وبالتالي يتم تحديد الشخص الذي يتولى القيادة الجديدة دون أن تكون هناك عقبات كثيرة في هذا السياق.

وتبدو جماعة "حقاني" مثالا على ذلك، حيث تحظى فيها عائلة "حقاني" بنفوذ كبير، وهو ما يؤهلها، بصفة مستمرة، لتولي أحد أفرادها منصب القيادة.

4- التغيير بقرارٍ من القيادة الرئيسية: ويحدث هذا النمط غالبًا في التنظيمات الفرعية التي تتبع أحد التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، حيث ترى القيادة الرئيسية أنه يجب تغيير قيادة أحد فروعها بسبب فشلها في تنفيذ استراتيجية التنظيم وتحقيق أهدافه، كما حدث في حالة حركة "بوكو حرام" النيجيرية، المعروفة لدى تنظيم "داعش" الذي بايعته باسم "ولاية غرب إفريقيا"، عندما أصدرت قيادة التنظيم في العراق وسوريا قرارًا بتعيين أبو مصعب البرناوي قائدًا للحركة بديلا لأبو بكر شيكاو.

وفي النهاية، يمكن القول إن استناد التنظيمات الإرهابية لأحد هذه الأنماط المختلفة للتعامل مع قضية تغيير القيادة يتوقف، إلى حد كبير، على طبيعة التنظيم وقوته وانتشاره ومدى تماسكه التنظيمي والفكري، حيث إن التنظيمات الكبيرة -خاصةً العابرة للحدود- غالبًا ما تلجأ إلى قرار الشورى في تولي القيادة الجديدة، في حين أن التنظيمات الصغيرة والفرعية تلجأ، في كثير من الأحيان، إلى نمط الإطاحة أو "الغلبة" في حسم منصب القيادة في التنظيم، خاصة في ضوء تصاعد حدة الصراعات الداخلية بين أجنحتها المختلفة.