حالة طاجيكستان:

كيف تعوض إيران خسائرها الشرق أوسطية في آسيا الوسطى؟

21 January 2025


أجرى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في 15 يناير 2025، زيارة إلى طاجيكستان، رفقة وفد رفيع المستوى، وذلك بدعوة من نظيره الطاجيكي إمام علي رحمان، والذي كان في استقباله في مطار العاصمة دوشنبه. وقد أجرى بزشكيان، خلال الزيارة، مُباحثات رفيعة المستوى، مع نظيره الطاجيكي، بالإضافة لمباحثات أخرى مع كل من رئيس الوزراء قاهر رسول زاده، ورئيس مجلس النواب حمد طاهر ذاكر زاده. 

ورغم أن طاجيكستان، لا تجاور إيران جغرافياً بشكل مُباشر؛ فإنها واحدة من أقرب الدول لطهران، على المستويات الثقافية والتاريخية والعرقية، كما أنها تشاطرها نفس اللغة وهي الفارسية، رغم الاختلاف المذهبي بين الجانبين، ولم تتخلل العلاقة بين البلدين، إلّا بعض التوترات، والتي ترجع لما تعتبره دوشنبه دعماً من جانب طهران، لفصائل إسلامية مُتشددة، أبرزها حزب النهضة الإسلامي، والذي تعتبره طاجيكستان إرهابياً. وتُعد زيارة بزشكيان إلى دوشنبه الأولى له إلى طاجيكستان، كما تُعد تلك الزيارة الأولى له خارجياً خلال العام 2025.

تعاون ثنائي: 

تسعى طهران دائماً لتأكيد خصوصية العلاقة مع دوشنبه، وربما يفسّر ذلك بتعدد الزيارات المتبادلة بين الجانبين على المستوى الرئاسي والوزاري وعلى مستوى كبار المسؤولين، ويمكن التطرق إلى أبرز الأهداف المرتبطة بزيارة بزشكيان على النحو التالي:

1. التوقيع على 13 مُذكرة للتعاون: سعت إيران من خلال تلك الزيارة إلى توطيد علاقاتها الثنائية مع الجانب الطاجيكي؛ إذ تم التوقيع على 13 مُذكرة تفاهم للتعاون الثنائي، خلال لقاء جمع رجال الأعمال من كلا البلدين، في دوشنبه، شملت عدّة مجالات، منها التجارة والزراعة والمياه والنقل والطاقة والصحة وتصدير الخدمات الفنية والهندسية والقضايا العلمية والأكاديمية وغيرها. 

وقد أكّد الرئيسان الإيراني والطاجيكي، العمل على إزالة أي عوائق من شأنها الحد من تسهيل التجارة والاستثمار بين البلدين، بما فيها إصدار تشريعات جديدة، والإعفاء من تأشيرة الدخول، وفرض تعريفة جمركية تفضيلية في بعض القطاعات الصناعية. 

ورغم أن حجم التبادل التجاري بين إيران وطاجيكستان، ما زال مُتواضعاً، حيث يبلغ نحو 380 مليون دولار؛ فإنه شهد ارتفاعاً خلال العام 2024 إلى نحو 50%، وفق تصريحات أدلى بها وزير الاقتصاد والمالية الإيراني عبد الناصر همتي، قبل زيارة بزشكيان؛ ربما لأسباب تتعلق بعدم الجوار الجغرافي المباشر بين البلدين؛ إذ تفصلهما تركمانستان وأوزبكستان من جهة الشمال، وأفغانستان من جهة الجنوب، يضاف إلى ذلك تراجع قدرات البنية التحتية اللازمة لنقل البضائع والسلع بين البلدين، إلا أن إيران، تطمح في زيادة معدل التجارة مع طاجيكستان، التي تتطلع إلى استخدام ميناء تشابهار الإيراني، للوصول إلى طرق الملاحة العالمية، باعتبارها دولة حبيسة؛ وهو ما قد يُسهم في محاولات إيران كسر الحصار الاقتصادي المفروض عليها بسبب العقوبات الغربية، والذي جعلها في حاجة ماسة لتنمية علاقاتها التجارية والاستثمارية مع أي طرف لا يلتزم بتنفيذ العقوبات الغربية ضدها. 

ورغم عدم إشارة التقارير المنشورة عن الزيارة إلى أي تفاهمات في المجال العسكري بين الجانبين؛ فقد أعلن مسؤولون إيرانيون، في مايو 2022، عن بناء مصنع لإنتاج طائرات مسيرة إيرانية، في طاجيكستان، ليكون الأول من نوعه خارج إيران، وهو ما نفته وزارة الخارجية في طاجيكستان بعد ذلك؛ ولا يمنع ذلك من أن يكون قد تم التباحث في هذا الأمر، خاصة في ضوء ما أحدثته المسيرات الإيرانية من انتشار في بعض الساحات الميدانية، خاصة وأن طاجيكستان، لديها مشكلات حدودية مع عدد من دول الجوار.

2. توطيد العلاقات الثقافية: عكست الزيارة حرص طهران على تمتين العلاقات الثقافية مع دوشنبه، والتي تُعد الشقيقة الفارسية لها؛ إذ تم تدشين معهد لبحوث اللغة والأدب الفارسي، كما أُقيمت ندوة شعرية على هامش الزيارة بحضور شعراء من كلا البلدين. وقد أكّد بزشكيان، خلال الزيارة، عمق التاريخ والثقافة اللذين يجمعان إيران وطاجيكستان، وذكر أنه عندما يسير في شوارع دوشنبه؛ فإنه يشعر أنه يسير في شوارع طهران، حيث نفس أسماء الشوارع، التي تحمل أسماء الشعراء الإيرانيين الكبار من أمثال أبو القاسم الفردوسي (صاحب الشاهنامه)، وحافظ الشيرازي وغيرهما. 

وربما تسعى إيران من وراء ذلك؛ إلى إحياء المشاعر القومية الفارسية في تلك المنطقة، في مقابل القومية التركية، التي ترى طهران، أن أنقرة تعمل على إحيائها في نطاق الحزام المحيط بإيران، ولاسيما من جهة الشمال، في أذربيجان، والتي ما تزال العلاقات غير ودية بينها وبين جارتها الجنوبية، إيران، لأسباب عديدة، يأتي على رأسها محاولة أذربيجان، بدعم تركي، إنشاء ممر زانجيزور، والذي، في حال تم إنشاؤه، سيفصل إيران عن طريق المرور إلى أرمينيا؛ ومن ثم إلى أوروبا، وقد ذكّر الرئيس الأذري إلهام علييف بهذا المشروع، في مقابلة له في 7 يناير 2025، ولا تخفى النزعة القومية الطورانية، التي تدعو إلى توحيد أبناء العرق التركي، الذي يمتد من تركيا حتى وسط آسيا، والتي أدت لبعض المحاولات التركية لإبعاد طاجيكستان عن إيران.

3. التمهيد لاتفاق التعاون مع روسيا: حافظت طاجيكستان، والتي كانت قبل ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي، على قربها، السياسي والعسكري مع روسيا، إذ تُعد دوشنبه من الأعضاء المؤسسين لمنظمة الأمن الجماعي، وهو التحالف العسكري الذي تقوده روسيا، كما أنها تضم قاعدة عسكرية روسية؛ ومن ثمّ فيُنظر إلى زيارة بزشكيان إلى طاجيكستان، على أنها مُحاولة استباقية من جانب إيران، للتمهيد لزيارة الرئيس الإيراني إلى روسيا، والمتوقع أن تشهد التوقيع على اتفاق التعاون الشامل بين الجانبين لمدة 20 عاماً، على غرار الاتفاق الذي وقّعته إيران، مع الصين، في مارس 2021، لمدة 25 عاماً. 

وتكتسب تلك الخطوة أهمية بالنظر إلى إنها جاءت في أعقاب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وتراجع نفوذ روسيا وإيران، سياسياً وعسكرياً، في سوريا، فضلاً عن بوادر الخلاف التي ظهرت في العلاقة بين البلدين بشأن تقييم الأوضاع في سوريا؛ إذ انتقدت بعض الأوساط الإيرانية روسيا متهمة إياها بأنها المتسببة فيما آلت إليه الأوضاع في سوريا؛ ومن ثمّ فإن هذه الزيارة تُمهّد لمزيد من التعاون بين طهران وموسكو، في محاولة لتعويض نفوذهما الذي تراجع في سوريا، لمزيد من النفوذ في منطقة آسيا الوسطى، والتي تشهد مشروعات تعاونية أخرى منها ممر شمال- جنوب، والذي تتشارك فيه كل من روسيا وإيران وتركمانستان، وغيرها من دول تلك المنطقة.

مواجهة الضغوط: 

تشير الزيارة التي أجراها بزشكيان إلى دوشنبه، إلى عدد من الدلالات والرسائل، التي يمكن تسليط الضوء على أبرزها على النحو التالي:

1. الاستعداد للمُفاوضات النووية: تتزامن زيارة بزشكيان إلى طاجيكستان، وما أعقبها من زيارة إلى روسيا، والاتفاقيات التي جرت خلال الزيارتيْن، مع إبداء إيران الاستعداد للعودة لطاولة المفاوضات مع الغرب؛ وهو ما عبّر عنه كبار المسؤولين خلال الأيام القليلة الماضية، ولم يعارضه المرشد الأعلى علي خامنئي. 

وشهدت الأيام الماضية، استئناف جولات مُباحثات استكشافية بين مسؤولين إيرانيين وأوروبيين؛ إذ عقدت الجولة الأحدث من تلك المباحثات في جنيف، منتصف يناير 2025، وقد وصفها نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون الدولية والقانونية، كاظم غريب آبادي، ومنسق الاتحاد الأوروبي للمحادثات النووية مع إيران، إنريكي مورا، بأنها "جيدة وبنّاءة"، وأنها شملت قضايا نووية وإقليمية. 

وتُقرأ تلك الجولات على أنها قد تمثل تمهيداً لاستئناف المفاوضات مع الغرب، ولاسيما عند النظر إلى أن الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، قد أبدت رغبتها أيضاً في التوصل لاتفاق مع إيران، بشروط أمريكية. 

ومن ثمّ فإن زيارة بزشكيان إلى طاجيكستان، وما أعقبها من زيارته لموسكو، تأتي في سياق، محاولة تعزيز الموقف التفاوضي لإيران، في حال عادت إلى طاولة المفاوضات، خاصة بعد تقليم أوراق الضغط لديها؛ سواء الإقليمي بعد الخسائر التي مُنيت بها في أعقاب الحرب الإسرائيلية ضد حركتي حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة الفلسطيني، والحرب الإسرائيلية ضد حزب الله اللبناني، ورحيل نظام الرئيس السوري بشار الأسد، أم الضغوط التي تتعرض لها في ضوء اقتراب موعد انتهاء الاتفاق النووي الموقع عام 2015، رسمياً في 18 أكتوبر 2025؛ وهو ما قد يدفع بالترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، إلى إمكانية اللجوء إلى تفعيل ما يُسمّى بـ"آلية الزناد"؛ أي العودة التلقائية للعقوبات الأممية التي كانت مفروضة على إيران قبل 2015، في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق مع إيران؛ وهو ما هدّد به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشكل صريح، في 6 يناير 2025. 

2. تأكيد نهج "التوجه شرقاً": تعكس زيارة بزشكيان إلى طاجيكستان النهج الذي تبنته إيران في سياستها الخارجية، خلال السنوات القليلة الماضية، والذي يقوم على أساس تعزيز علاقاتها بالأطراف الخارجية - دولياً وإقليمياً- بعيداً عن القوى الغربية، في ضوء تصاعد الخلافات مع الأخيرة، على خلفية البرنامج النووي والصاروخي والإقليمي، وما ترى تلك الأطراف أنه دعم إيراني لروسيا بالأسلحة، والتي تستخدمها الأخيرة في حربها ضد أوكرانيا، خاصة بالنظر إلى أن الزيارة تستبق زيارة بزشكيان إلى روسيا كما سبقت الإشارة. 

كما تُدلل زيارة بزشكيان لطاجيكستان، على رغبة الحكومة الإيرانية الحالية، في إثبات جديتها بشأن السعي نحو توطيد أواصر التعاون مع دول آسيا الوسطى، والتي تجاور إيران من الناحية الشرقية، في محاولة لموازنة علاقات إيران بجوارها الشرقي والغربي على السواء؛ إذ بدأ بزشكيان، أولى زياراته الخارجية عقب توليه المهام الرئاسية في أغسطس 2024، بزيارة إلى العراق، في الشهر اللاحق لهذا التاريخ، على نحو قد يُعتقد أن حكومة بزشكيان مُهتمّة بتنمية علاقاتها بجوارها الغربي (الدول العربية)، على حساب جوارها الشرقي (دول وسط آسيا)، خاصة عند المقارنة بأن أول زيارة للرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي كانت إلى طاجيكستان. 

3. تكثيف الضغوط على طالبان: تأتي الزيارة بالتزامن مع الضغوط التي تسعى حكومة طالبان في أفغانستان لفرضها على طهران، ولاسيما ما يتعلق بقضية الأنهار التي تنبع من أفغانستان إلى إيران، وهي إحدى القضايا الخلافية الرئيسية بين الجانبين الإيراني والأفغاني. وقد نددت طهران، في 3 يناير 2025، ببناء الحكومة الأفغانية لسد جديد يُسمّى "باشدان" على نهر هريرود، بما يحد من تدفق المياه إلى محافظة خراسان رضوى الإيرانية، والتي تمثل مدينة مشهد المقدسة عند الشيعة الاثنا عشرية عاصمة لها، وهي ثاني أكبر مدينة في إيران بعد طهران. 

ومن ثمّ فيمكن اعتبار الزيارة بمثابة محاولة من إيران، والتي تجاور أفغانستان من الجهة الغربية، للتنسيق مع طاجيكستان، والتي تجاور أفغانستان من الجهة الشرقية، لفرض ضغوط على حكومة طالبان، خاصة في ضوء الخلافات بين طالبان وطاجيكستان، فيما يتعلق باتهام دوشنبه لطالبان بانتهاكات حقوق الإنسان تجاه الأقلية الطاجيكية، خاصة في إقليم بنجشير بشمالي أفغانستان، إلى جانب اتهام طالبان لدوشنبه بإيواء مسؤولين حكوميين سابقين ومحاولة زعزعة استقرار أفغانستان، بالإضافة لتوترات حدودية أخرى بين الجارتين؛ وهو ما تسعى طهران لاستثماره لصالحها في خلافها مع طالبان. 

وفي الختام، يمكن القول إن زيارة الرئيس الإيراني إلى طاجيكستان، تأتي ضمن تحركات إيران في المساحات المناوئة للغرب، بغية احتواء الضغوط الغربية، التي تزايدت وتيرتها عقب اندلاع عملية طوفان الأقصى في قطاع غزة الفلسطيني، في 7 أكتوبر 2023، وما أعقب ذلك من تقويض للنفوذ الإقليمي لإيران في الشرق الأوسط؛ ومن ثمّ فإن الزيارة تقرأ في سياق محاولة طهران، تعويض ما مُنيت به من خسائر في المشرق العربي، أو غرب آسيا؛ بما يحلو للمسؤولين الإيرانيين تسميته بـ"إنجازات" في منطقة وسط آسيا؛ تفادياً لأن تتحول الأخيرة إلى "نصل سكين" تتحكم فيه الأطراف المعادية لطهران.