اضطرابات غير ضرورية:

إيران ودول الخليج.. رؤية بريطانية لتقارب ممكن

19 June 2015


إعداد: باسم راشد


تمر العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفي مقدمتها المملكة السعودية، في الوقت الحالي، ببعض التوترات الخطيرة، والتي لم تشهدها المنطقة من قبل، في ظل تعقُّد الملفات الإقليمية المختلفة، سواء في العراق أو سوريا أو اليمن، وطبيعة المنافسة الإقليمية الحادة بين الجانبين في هذا الإطار.

ورغم أن الصفقة العالمية المُتفاوَض بشأنها حالياً بين إيران ومجموعة (5+1) حول طبيعة البرنامج النووي الإيراني، قد زادت وكثَّفت من حدة تلك التوترات؛ فإنها ستؤثر في الوقت ذاته على حسابات الطرفين بشكل كبير، وقد تمثل فرصة قيِّمة لتقليل حدة التوتر الأمني داخل إقليم الشرق الأوسط.

في هذا الصدد، نشر المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس" دراسة أعدتها "جين كينينمونت" Jane Kinninmont - الباحثة في برنامج دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمعهد، وذلك تحت عنوان: "إيران ودول الخليج.. الاضطراب غير الضروري"، تتناول فيها الباحثة مصادر التوترات في العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، وذلك في سياق اعتماد أمن دول الخليج على الولايات المتحدة وتخوفاتها من تراجع هذا الدور، بالإضافة إلى التعرف على وضع كل طرف منهما إقليمياً في ظل الملفات المطروحة، ومدى إمكانية حدوث تقارب بين إيران ودول الخليج في المرحلة المقبلة بما يتجاوز المعادلة الصفرية بينهما، ويساهم في حل المشكلات الإقليمية العالقة.

لا تراجع أمريكي كبير في المنطقة

تشير الكاتبة إلى أنه على الرغم من أهمية الصفقة النووية مع إيران في تحقيق الأمن الإقليمي في الخليج، وتبديد المخاوف الخاصة بإمكانية قيام طهران بشن حرب على دول الجوار، أو على الأقل استهداف المنشآت والقواعد العسكرية الأمريكية داخل دول الخليج، فإن ثمة أصواتاً داخل دول الخليج الأخيرة أبدت قلقها العميق بشأن التقارب بين إيران والولايات المتحدة، وبشأن النتيجة التي ستقود إليها أي صفقة بين الطرفين، والتي قد "تكون على حساب أمن ومصالح دول مجلس التعاون الخليجي عن طريق إعطاء إيران قوة أكبر في أمن وسياسة الخليج وإقليم الشرق الأوسط كبداية لانسحاب الولايات المتحدة من المنطقة".

ويتزامن ذلك الرأي مع توجه الإدارة الأمريكية المُعلن نحو إقليم آسيا والمحيط الهادي باعتباره ذات أهمية استراتيجية أعلى للولايات المتحدة في الوقت الحالي، وهو ما يعني بداية فك ارتباطها بإقليم الشرق الأوسط والصراعات التي لا تنتهي بداخله، وهو ما يطرح خطورة على دول الخليج في مواجهة إيران في حالة تراجع دور واشنطن في تعزيز الأمن داخل الإقليم.

ويعضد من تلك التخوفات سلوك الولايات المتحدة في الأزمة اليمنية من ناحية، وفي الأزمة السورية من ناحية أخرى؛ حيث اعتبرت تلك الأصوات في دول الخليج أن واشنطن لم تتدخل بشكل مباشر كما حدث مع العراق عام 2003، وأن تلك الأزمات ليست سوى مؤشرات على تراجع هذا الدور.

وترى "كينينمونت" في هذا الإطار أن تخوفات دول مجلس التعاون الخليجي من تراجع الدور الأمريكي في الإقليم مُبالغ فيها؛ خاصةً أن مصالح الولايات المتحدة في هذه المنطقة تتجاوز فكرة الحاجة إلى نفط الخليج، حيث تنظر واشنطن إلى دول الخليج بصفتها حلفاء مهمين فيما يتعلق بموضوعات أمن الطاقة العالمي، والتعاون في محاربة الإرهاب، ودعم حل الدولتين في الصراع العربي الإسرائيلي.

ومن ناحية أخرى، مازال أمن الخليج يشكل أولوية أولى للولايات المتحدة، ولازال إقليم الشرق الأوسط أيضاً أحد المناطق الحيوية التي لا يمكن التخلي عنها، لما قد تؤدي الصراعات بداخله إلى تهديدات عابرة للحدود لمصالح الولايات المتحدة. ومن ثم، مازالت الملفات الشائكة في الإقليم محل اهتمام صانع القرار الأمريكي. وحتى إن أصبح الصعود الصيني أولوية للسياسة الخارجية الأمريكية، فإن هذا من شأنه أن يجعل دول الخليج أكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة، خاصةً وأن تأمين إمدادات النفط الخليجي سيكون عاملاً هاماً في استقرار الاقتصاد الصيني.

من ناحية ثالثة، فقد طمأنت الولايات المتحدة حلفائها بأكثر من طريقة؛ فجددت اتفاقية الدفاع مع قطر لمدة 10 سنوات، ووسعت من قاعدتها العسكرية في البحرين، وتعهدت ببيع أسلحة جديدة لمجلس التعاون الخليجي للقيام بأنشطة وتدريبات جماعية، وتعهدت كذلك بزيادة التعاون الأمني على الحدود في مواجهة التمويل الإرهابي، بما يؤكد نواياها في استمرار التعاون الأمني مع دول الخليج.

غير أن الكاتبة تؤكد على نقطة محورية ومهمة جداً، وهي أن دول الخليج تسعى إلى تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة من الناحية الأمنية، في مقابل تنويع حلفائها الذين يوفرون لها الحماية، سواء من آسيا وبالتحديد الصين والهند، أو من أوروبا خاصةً فرنسا وبريطانيا، ولكنها ترى أن هذه الدول لن يمكنها توفير الحماية التي وفرتها الولايات المتحدة لدول الخليج على مدار العقود الثلاثة ونصف الماضية، فضلاً عن أن الصين تريد أن تلعب دوراً حيادياً أكثر بما يحقق مصالحها في استيراد البترول من كل من إيران ودول الخليج بدلاً من أن تُضطر أن تدخل في مواجهة مباشرة مع طهران في حالة توفيرها الحماية الأمنية للخليج.

التفكير فيما وراء "التحليل الصفري"

تشير "كينينمونت" إلى أن الوضع السياسي للمجتمعات الشيعية داخل دول الخليج يعد أحد مصادر التوتر مع إيران، وكذلك وضع المسلمين السُنة المتواجدين في إيران؛ حيث توجه بعض دول الخليج - خصوصاً السعودية والبحرين - تهماً إلى طهران بتأجيج الاضطرابات بين التجمعات الشيعية، في حين تتهم إيران دول مجلس التعاون الخليجي بقمع الحقوق الدينية والسياسية للشيعة المتواجدين داخل أراضيها.

بيد أن حدود تأثير إيران على الشيعة في دول الخليج مُبالغ فيه - طبقاً للكاتبة - سواء من جانب دول مجلس التعاون الخليجي نفسها أو حتى من جانب طهران، وفكرة استغلالهم لإثارة القلاقل داخل مجتمعات الخليج تعد غير صحيحة بشكل كامل.

وفي هذا الصدد أكدت الدراسة أن دعم الأقلية الشيعية لحكومات الخليج التي تعيش فيها يرتبط أكثر بعوامل محلية واقتصادية بالأساس لا بعوامل دينية، ومثال على ذلك الأقلية الشيعية في الكويت، والتي تعتبرها الكاتبة مندمجة بشكل جيد في المجتمع السُني الكويتي وفي الأنشطة الاقتصادية المختلفة، وكذلك في سلطنة عُمَان، غير أن الأمر يختلف قليلاً في كل من السعودية والبحرين، حيث تشير الكاتبة إلى أن الشيعة في هذه الدول قد يمثلون تهديداً، لأنه يتم إقصائهم من الوظائف الأمنية مثلاً، ومن ثم يصبح ولائهم للدولة دائماً محل شك.

على الجانب الآخر، يمكن القول إن الأقلية السنية في إيران تعاني من بعض مظاهر التحيز ضدها؛ فلا يوجد مسجد دائم للسنة في إيران، كما يتم تعيين القيادات السنية من جانب المسؤولين الشيعة الرسميين على سبيل المثال.

ورغم ذلك تؤكد "كينينمونت" أن الطبيعة الصراعية للعلاقات بين إيران ودول الخليج لا تعد الشكل الدائم للعلاقات؛ حيث كانت، ومازالت، هناك العديد من محطات التعاون بين بعض دول الخليج وبين إيران؛ فمثلاً عمان وقطر يحظيان بعلاقات تعاون شبه دائمة مع طهران، كما ازداد حجم التبادل التجاري مع إيران في عهد محمد خاتمي في العقد الأخير كوسيلة للتقارب مع دول الخليج.

ومن ثم، يمكن القول إنه في حين تظهر النزاعات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي في التحليل الإقليمي والعالمي بأنها مدفوعة بالاختلافات الإثنية أو الطائفية، إلا أن الواقع يؤكد أن الجانبين لديهما هُوية مشتركة يمكن البناء عليها إذا أرادا ذلك؛ فمثلاً يتشاركون في الهُوية الإسلامية برغم اختلاف تفسيراتهم لها، كما يشتركون في كونهم دول شرق أوسطية كبرى ذات تاريخ طويل وكبير في التجارة والهجرة حول الممر المائي في الخليج... وكل ذلك يعني أن التخلي عن "التحليل الصفري" الذي يحقق مكاسب طرف على حساب خسارة الآخر بالضرورة، سيؤدي إلى إمكانية فتح الباب للتقارب بين الطرفين بما يحقق أمن واستقرار الإقليم.

خطوات التقارب بين إيران ودول الخليج

رغم تأزم العلاقات الإيرانية - الخليجية في الوقت الحالي، نظراً لتطور الملفات المطروحة على ساحة الإقليم؛ فإن أصواتاً عديدة من الجانبين تطالب كل من المملكة السعودية وإيران، باعتبارهما أكبر دولتين في الخليج، بضرورة حل الخلافات فيما بينهما، لما قد تنتجه من صراعات طائفية قد تستمر لعقود قادمة.

وما يثير التفاؤل في هذا الصدد هو ما اقترحته تلك الأصوات من ضرورة تضمين الموضوعات الإقليمية في النقاشات الدائرة حول البرنامج النووي الإيراني مع مجموعة (5+1)، وهو ما يعني وجود بوادر للحاجة لحل النزاعات بالطرق السياسية، وتجنب الحلول التي تهدد الإقليم بالكامل.

وفي هذا الإطار، تشير الكاتبة إلى أن التقارب - الذي حدث سابقاً عام 1997 - يهدف إلى معالجة المخاوف المتبادلة بين إيران ودول الخليج؛ والتي تتمثل أغلبها في احتمالية تزايد حدة النزاعات الطائفية بين السنة والشيعة على طول الإقليم، وتحوُل سوريا والعراق إلى حاضنات للجماعات المسلحة، وحماية الدول الحالية من أي مخاطر تهددها.

من ناحية أخرى، فإن من متطلبات إحداث هذا التقارب أن يتم التعامل مع المشكلات التي يواجهها الإقليم ليس من منطلق أنه ساحة للتنافس بين القوى الإقليمية الكبرى، بل كمساحة للتعاون المشترك فيما بينها، وبما يخدم أهداف استقرار الإقليم.

كما يمكن أن يتحقق التقارب الخليجي - الإيراني من خلال عدد من الخطوات، تُوجزها الدراسة فيما يلي:

1- العمل على إشراك الصين كقوة عظمى في حماية التدفق الحر للوقود في دول الخليج، وهو ما قد يساهم في إعادة تعريف أمن الخليج من كونه عبئاً على دولة عظمى إلى "صالح عام عالمي" تتم إدارته بشكل تعددي، بحيث لا يمكن لإيران فيما بعد أن تقوم بغلق مضيق هرمز لما قد يكون له من تأثير على الصين حليفتها. ومن ثم، يمكن التفاوض بين السعودية وإيران لتحقيق التقارب فيما يتعلق بجذب شركاء جدد للإقليم في إطار صيغة تعددية تضم جميع دول الخليج لرؤية كيف يمكن تحقيق التعاون المشترك بين دول الإقليم.

2- ضرورة تعميق المصالح الأمنية المتبادلة عن طريق تنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب فتح مزيد من الفرص للسياحة العامة والسياحة الدينية وأداء فروض العمرة والحج في السعودية؛ إذ يزور السعودية كل عام ما يقرب من 500 ألف إيراني لأداء العمرة.

3- فيما يتعلق بممر الخليج المائي، فمن الممكن أن تسعى إيران ودول مجلس التعاون الخليجي إلى تنمية المصالح المتبادلة والتعاون التقني في مجالات مثل الأمان النووي، ومكافحة الاتجار بالمخدرات، وحماية مياه الخليج والحياة البحرية من التلوث والأضرار البيئية المدمرة، ومن ثم يمكن تنسيق أنشطة مشتركة فيما بين هذه الدول لتحقيق ذلك الأمر.

4- ضرورة أن تعمل كل من السعودية وإيران على الأقل على عدم تصعيد النزاعات في الملفات الإقليمية التي يختلفان في وجهة نظرهما ناحيتها، كالأزمة السورية والعراقية والفلسطينية واليمنية واللبنانية، وأن يسعيا في مرحلة لاحقة - بالتعاون مع القوى الإقليمية والدولية – إلى حل تلك المشكلات من خلال الأطراف المحلية الأساسية الفاعلة فيها دون إملاءات.

وفي هذا الصدد، تعتبر الكاتبة أن الحالة العراقية هي أفضل الحالات التي يمكن البدء بالتعاون بشأنها بين الجانبين الخليجي والإيراني، خاصةً في ظل وجود حكومة عراقية تحظى بتأييد ودعم الطرفين ولها علاقات متبادلة معهما.

5- أهمية وجود مسار مواز للمفاوضات الجارية حول البرنامج النووي الإيراني، والتي استبعدت المشكلات الإقليمية لصعوبة الوصول إلى اتفاق بشأنها؛ فمن شأن هذا المسار أن يفتح المجال للحلول السياسية التفاوضية حول الأزمات الإقليمية التي تختلف رؤية كل من السعودية وإيران بشأنها.

 

* عرض مُوجز لدراسة تحت عنوان: "إيران ودول الخليج: الاضطراب غير الضروري"، والصادرة عن المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس"، يوليو 2015.

المصدر:

Jane Kinninmont, Iran and the GCC-   Unnecessary Insecurity (London, the Royal Institute of International Affairs “Chatham House”, July 2015).