رائد إماراتي في مهمة بالفضاء.. كيف تتغير صورة العرب؟

10 March 2023


برعت دولة الإمارات في مسألة قيادة تغيير الصورة النمطية لمنطقة الشرق الأوسط عموماً والعرب تحديداً، كما أنها نجحت في اختراق العديد من المجالات العلمية والتكنولوجية التي كان يُعتقد أنها حصرية على دول معينة حتى بين تلك الدول المصنفة بالمتقدمة في العالم. وكان يتم كل ذلك في الإمارات بهدوء ودون ضجيج إعلامي يرافق العمل إلا بإعلان النية في المشروع للرأي العام العالمي، ثم يتفاجأ هذا الرأي العام نفسه بعد فترة بظهور العمل إلى العلن.

والسمة الأخرى المميزة للمشروعات الحضارية الإماراتية أن العمل عندما يخرج إلى مرحلة التطبيق يكون متقناً بدرجة تصل إلى الحرفية، حتى وصلنا إلى قناعة أنه لم يعد هناك مجال ليس ممكناً أن تخوضه دولة الإمارات. وقد صنعت الإمارات لنفسها صورة لدى المجتمع الدولي، تنطق بأنها وبالرغم من كونها دولة خرجت من جغرافية الشرق الأوسط، فإنها نجحت بامتياز منذ تأسيسها في السبعينيات في صناعة تاريخ جديد للمنطقة، وقيادة عملية التغيير فيها بطريقة تضعها بين الأمم المتحضرة.

وبعد أن اخترقت الإمارات مجال الفضاء منذ عدة سنوات، وحققت فيه إنجازات غير مسبوقة لأي دولة في الشرق الأوسط، ها هي تضيف إنجازاً جديداً بمشاركتها في الرحلة الفضائية (Crew 6) التي تضم بين فريقها رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي، الذي يقوم بأطول مهمة عربية إلى الفضاء مدتها 6 أشهر، وسيجري مع الفريق العلمي 200 تجربة علمية وتكنولوجية تشمل تجارب على نمو الخلايا البشرية في الفضاء. وهذا الإنجاز الجديد له دلالات كثيرة مهمة جديرة بالرصد والتحليل، ويمكن توضيحها كالتالي: 

1- بُعد النظر للمستقبل: يقف الإماراتيون أحياناً أمام صورة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيّب الله ثراه،"، مع الفريق الخاص برحلة أبولو التابعة لوكالة ناسا الأمريكية، في عام 1974؛ أي بعد تأسيس دولة الإمارات بثلاثة أعوام فقط، وأثبتت تلك الصورة مبكراً المقولة التاريخية بأن الشيخ زايد كان يملك رؤية مستقبلية ثاقبة وبعيدة المدى. ففي عام 2018 تم إطلاق أول قمر اصطناعي إماراتي "خليفة سات"، ثم في عام 2019 أصبح هزاع المنصوري أول رائد فضاء إماراتي، ليتأكد للعاملين في مجال التخطيط الاستراتيجي أن لدى القيادة السياسية الإماراتية عقلية استراتيجية وتنظيمية رفيعة المستوى، تنظر وتخطط للمستقبل على مدى عقود وربما قرون.

كما أن الإمارات بذلك تكون قد أرست في المنطقة تقليداً جديداً، حيث قدمت نموذجاً عملياً للتخطيط الاستراتيجي على مستوى الدولة، وبات من المتفق عليه في المنطقة أن الإمارات حين تنحاز إلى موقف أو تتبنى توجهاً سواء كان وطنياً أو له علاقة بالمنطقة والعالم، فهي تخطط له وتحيط بجوانبه ليس على المدى القصير وإنما في المستقبل البعيد ومن مختلف زواياه، ومن ثم فبنسبة كبيرة يتحقق وبنجاح. 

2- قيادة التغيير في المنطقة: بالنظر إلى ما تم في المنطقة من تحولات في البرامج التنموية، وكذلك تغيير طريقة التفكير في الموضوعات والقضايا الإنسانية في المنطقة مقارنة بالحضارات الإنسانية المتقدمة، فإن دولة الإمارات برعت في استقطاب العقول العالمية ومنها العربية التي أسهمت في التغيير عالمياً. ومن أمثلة هذه العقول، عالم الفضاء المصري فاروق الباز، عضو اللجنة الاستشارية لوكالة الإمارات للفضاء، وغيره من العقول، وفي مجالات مختلفة، منها التسامح والحوار مع الآخر والتعايش بين الأديان وغيرها من القضايا التي كانت المعتقدات القديمة بخصوصها في منطقتنا جامدة وأشبه بالمسلمات، وكانت تشكل صورة نمطية تقليدية ورجعية للمنطقة.

ومعنى ذلك أن دولة الإمارات هي "المهندس الأول" لتغيير صورة بعض دول المنطقة لتصبح كما يراها العالم اليوم، وبالتالي فإن الصورة الحضارية الجديدة في العالم عن بعض هذه الدول، فكراً ومواقف تجاه الإنسانية والتنمية الاقتصادية والسياسات المؤثرة في القرارات الدولية، هي صناعة إماراتية خالصة. 

3- تحفيز مستمر وتعزيز للمكانة: بلا شك، ستكون لمهمة رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي انعكاسات تحفيزية في المحيط الجغرافي العربي، حيث ستزيد الرغبة نحو اكتشاف الفضاء، بما يكفي لمحو فكرة أن الدول العربية ما زالت متأخرة عن ركب الحضارة الإنسانية. أما دولة الإمارات فستجني ثمار جهدها المبذول في كسر الحاجز العلمي والمعرفي الذي كان مقتصراً على دول معينة في العالم. 

وستكون هذه المهمات العلمية التاريخية بمثابة دعوة إماراتية لباقي دول الإقليم إلى الانتقال من مرحلة تاريخية كاملة إلى مرحلة جديدة من حيث التفكير في البرامج التنموية والخطط المستقبلية، وحتى في نوعية قضايا التنافس البينية، بما في ذلك ترسيخ ثقافة الدولة الوطنية بين أفراد المجتمع الواحد، وبالتالي طريقة عمل الحكومات والدول، لأن طبيعة تلك المهمات وتكرارها يضع الدول الأخرى في المنطقة أمام واقع جديد ضاغط باتجاه تطوير وتحديث طرق العمل ومناهج الفكر وأساليب التخطيط.

كما ستؤدي مهمة النيادي إلى تعزيز المكانة الدولية للإمارات التي وضعت نفسها ضمن الدول الإحدى عشرة في العالم التي استطاعت أن تحقق هذا الإنجاز الفضائي، حيث أصبحت الإمارات في صدارة العالم العربي في قصص النجاح التنموي، والمتوقع أن تستمر في الاحتفاظ بهذه المكانة الرائدة. فحالة التسابق الإقليمي الجاري في المنطقة نحو التقدم والتنمية، ترتكز على اتباع تجربة الإمارات ونموذجها التنموي والمعرفي والتقني، في ظل تمتع الإمارات بالسبق والريادة في المبادرات الابتكارية.

4- الاندماج والخصوصية: يتجه مستقبل المنطقة إلى التشابك والارتباط مع باقي دول العالم، مقابل زحف معطيات وقيم "العولمة" التي تفقد الدول خصوصياتها الثقافية، فتتناغم مع باقي العالم. وما يُحسب لدولة الإمارات في هذا الشأن، أنها تدخل ضمن القيم العالمية الجديدة وفق سياسة "التغيير التدريجي" نحو المستقبل والتفاعل مع الآخر، ولكن وفق خصوصيتها وبصمتها، كي لا يواجه الفرد الإماراتي التغيير الجذري كلياً وبشكل فجائي صادم، وبالتالي يكون هذا التغيير مقبولاً وهادئاً وقابلاً للاستمرار وواقعياً أيضاً. 

وبالإضافة إلى أن الإمارات هي التي دشنت موجة التغيير في المنطقة، سواء حضارياً أو تنموياً أو سياسياً، فهي أيضاً ستعمل خلال المرحلة المقبلة على إعادة التوازن في مراحل التغيير بين القيم الوطنية لدول المنطقة، والقيم العالمية، وبذلك تكون هي الدولة التي تجاوزت حدود المنطقة فكرياً وتخطيطياً وقد شهد لها العالم. وهي أيضاً الدولة التي تحرص على الاحتفاظ بالقيم الأصيلة الخاصة بحضارة المنطقة، والتي قادت العالم في مرحلة ما من التاريخ الإنساني.

خلاصة القول، إنه كما صنعت المشروعات الإماراتية تاريخاً جديداً للمنطقة بدءاً من قصة إعلان الاتحاد، ثم المواجهة الفعلية مع المتطرفين والإرهابيين الذين تسببوا في تشويه صورة المنطقة، إلى توقيع معاهدة الأخوة الإنسانية بين الأديان، وتدشين مفاعلات الطاقة النووية السلمية في المنطقة، وصولاً إلى غزو الفضاء والتشارك مع الحضارات الإنسانية المتقدمة؛ فإن نتائج الأبحاث العلمية التي سيجريها رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي في محطة الفضاء الدولية هي الأخرى إضافة تاريخية للمنطقة ككل وفعل حضاري جديد ستسجل حروفه الأولى باسم دولة الإمارات أيضاً.